أول تعليق للمبعوث الأممي على حملة الاعتقالات الحوثية لموظفي المنظمات    كم أسعار الصرف الآن للريال اليمني مقابل السعودي والدولار في عدن بعد المنحة السعودية الجديدة؟    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 37,232 شهيدا و 85,037 مصابا    ب12 ألف حافلة.. البدء في تفويج الحجاج إلى مشعر منى عبر 7 مسارات    أول تعليق رسمي على المشاهد الغريبة التي تفجرت من جبال دوعن بحضرموت "فيديو"    البعداني: نؤمن بحظودنا في التأهل إلى نهائيات آسيا للشباب    لحج ..اختتام مخيم الصيفي لتحفيظ القرآن بمديرية طورالباحة    لإقامة المعسكر الخارجي.. بعثة منتخب الشباب تصل مدينة الطائف السعودية    القبض على رجل وضع "السحر" جانب الحرم المكي! "فيديو"    اختتام دورة تقييم الأداء الوظيفي لمدراء الإدارات ورؤساء الاقسام في «كاك بنك»    ضربات أمريكية جديدة في محافظة الحديدة    أبطال "مصر" جاهزون للتحدي في صالات "الرياض" الخضراء    حميد الأحمر يعلق على ''رفع الحصار عن مدينة تعز'' وفتح طريق الحوبان    أزمة المياه مدينة عتق يتحملها من اوصل مؤسسة المياه إلى الإفلاس وعدم صرف مرتبات الموظفين    التواطؤ الذي تأٓكل    واشنطن:اعتقال المليشيا لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات استخفاف صارخ بكرامة الشعب اليمني    رحلة الحج القلبية    اختطاف إعلامي ومصور صحفي من قبل قوات الانتقالي في عدن بعد ضربه وتكسير كاميرته    اللجنة الحكومية تعلن فتح طريق الكمب- جولة القصر المغلقة من قبل المليشيا منذ 9 سنوات    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    انفجار في جولة القصر خلال فتح الطريق بتعز .. وسيارات الإسعاف تهرع للمكان    انهيار كارثي للريال اليمني .. الدولار يقترب من 2000 وهذا سعر صرف الريال السعودي    رأى الموت بعينيه.. مقتل مغترب يمني في أمريكا بطريقة مروعة .. وكاميرا المراقبة توثق المشهد    ''رماية ليلية'' في اتجاه اليمن    دراسة : تداعيات التصعيد الاقتصادي في اليمن والسيناريوهات المستقبلية    مالذي يريده "ياسين سعيد نعمان" بالضبط    ماذا وراء توجيه الحوثي للمسيرات المفخخة إلى يافع.    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    ميسي يُعلن عن وجهته الأخيرة في مشواره الكروي    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    قاتلوا سوريا والعراق وليبيا... السلفيين يمتنعون عن قتال اسرائيل    هل الغباء قدر الجنوبيين؟    لا ابن الوزير ولا بن عديو أوجد دفاع مدني لمحافظة النفط والغاز شبوة    غضب شعبي في ذمار بعد منع الحوثيين حفلات التخرج!    سانشيز قد يعود لفريقه السابق    ريال مدريد يستعد لتقديم مبابي بحفل كبير    غريفيث: نصف سكان غزة يواجهون المجاعة والموت بحلول منتصف يوليو    وفاة مواطن بصاعقة رعدية بمديرية القبيطة بلحج    أعينوا الهنود الحمر في عتق.. أعينوهم بقوة.. يعينوكم بإخلاص    احتضنها على المسرح وقبّلها.. موقف محرج ل''عمرو دياب'' وفنانة شهيرة.. وليلى علوي تخرج عن صمتها (فيديو)    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    حكم صيام يوم الجمعة أو السبت منفردا إذا وافق يوم عرفة    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    مستشار الرئيس الزُبيدي يكشف عن تحركات لانتشال عدن والجنوب من الأزمات المتراكمة    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    النائب حاشد يغادر مطار صنعاء الدولي    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    عن جيراننا الذين سبقوا كوريا الشمالية!!    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنيد محمد الجنيد شاعر أعراس الجذور يكشف البدايات ويرصد المآلات
نشر في هنا حضرموت يوم 07 - 03 - 2012

للشاعر عالمه الأثير إلى روحه، وفضائه اللغوي القريب إلى مكونات قلبه، يغوص في واقعه ليعيد تشكيله أحلاماً، رؤى، انكسارات، نبوءات، إخفاقات، متاهات، ففي رحلته المحملة بشجن الروح وانين الجسد يبحث عن معراج أبدي يأنس إليه من تعب المسير، بين سحر الكلمة وخلود المعاني يقتات على رحيق حياتنا فيمنحنا زائدا عسلياً أصيلاً، وشاعرنا المبدع جنيد محمد الجنيد لا ينفك يعيد رسم خارطة حياتنا ألقاً شعرياً وفتحاً لغوياً وتشكيلاً فنياً عميقاً، من هنا كان إبحارنا في عوالمه الحياتية والشعرية، فكانت البداية، وكانت الرحلة، وإليكم الحصاد.
البدايات في عوالمك الشعرية، وكيف اكتشفت هذه الموهبة فيك ؟!
البدايات الأولى هي التكوين الذي نشأت فيه بجو تريم الصوفي العابق بالشعر ، والتواشيح الدينية، وبالحياة الخاصة المعتقة الجميلة، المليئة بالنشوة الروحية ظن فقد ولدت في بيت شعري ظ، بيت جدي الشاعر أبى بكر بن شهاب، فهو جدي لامي، رائد النهضة الحديثة، ليس في حضرموت، وانما في الجزيرة العربية كلها، حتى في ديواني (منمنمات حضرموت) اسقطت قصيدة (مهد البهاء) وحاولت إدخال (بشراك هذا) واعمل تكنيك حتى لها باعتبارها من البحر (البسيط) وأنا اكتب من البحر (الكامل) فأخضعتها من البسيط إلي الكامل بتكنيك خاص، وهذه هي المعاملة التي نتعامل نحن بها في الشعر وتكنيكاته الجديدة إلى جانب ذلك أنا جدي لوالدي (زين العابدين الجنيد) وهو أحد المعاصرين للشاعر صالح بن علي الحامد، ومجموعة من الشعراء، له ديوان شعري، وكتبت عنه بعض الدراسات، ففي هذا الجو تشبعت بالمنحى الصوفي.
هذه النفحات الروحية التي اشرت اليها، واختزنتها في داخلك، واصبحت تشكلك هي، وكانت البذرة الأولى، لاشك انها هي البداية الشعرية عند أي موهبة ؟!
هي بذرة التكوين الأولى، فهم تركوا لنا البذرة، ولكن البذرة تحتاج إلى رعاية، فالبذرة موجودة، والتربة موجودة ن فما علينا إلا أن نبعثها من جديد ونسقيها ونرويها، وكيف تتشكل ؟! تتشكل من خلال هذا الموروث الذي تركوه لنا ن ومن خلال أيضا الانفتاح على الآخر، التقوقع داخل الموروث فقط لن يعطيك شيئا، حتى تتواصل مع الآخر لابد من الاطلاع عليه، حتى لا تكون داخل الإطار الداخلي فتتحول إلى تقليدي، مقلدا له وجزءا من التناسخ معه، والتقليد في الشعر مرفوض، فلا يمكن أن يكون الشاعر صورة لما قبله، لابد له أن يضيف شيئا جديدا.
هذه البدايات التي تشبعت فيها بالروح الصوفية في مفهومها الإنساني الكوني الشامل، ما هو النص الأول الذي شعرت فيه أن لديك موهبة شعرية لابد من رعايتها والانفتاح بها على الآخر ؟!
البداية كانت نصوص تقليدية، وكنت مقلدا، وشاعرا مقفى، ليس بالقافية فقط، وانما مقفى أيضا، حتى بالشكل الفهمي للشعر، عندما كنت طالبا في الإعدادية ، فكانت كل الصور تقليدية، وتتبع للآخرين كما يكتبون، وليس فيها شيء من الإبداع، وإذا رجعت إلى كتاباتي الأولى، استغرب انها كتاباتي، ولكنني اقتنع بها باعتبارها في الزمن العمري حينئذ، وأي واحد يكتب في البداية يكون مقلدا، ولابد أن يتدرج على السلم الشعري، ويصعد من البداية ، والبداية هي التقليد وما يصاحبه من عثرات أوهنات ، أو الصور الرديئة ، والتراكيب الفاترة .
* هذه البدايات المبكرة ، والعثرات والهنات ، لاشك انها مع الانفتاح على الآخر والتلاحم مع كثير من التجارب الشعرية ، خاصة للرواد الحداثيين في الشعر العربي ، أثرت التجربة لديك ، ووجدت فيها عوالم جديدة ، وعوالم أخرى ، أثرت هذه النزعة الصوفية لديك وجعلتها تنفتح على هم عام ، رؤية عامة لواقع اكبر ، هذه البدايات ، لا شك ، انها نحت منحى تقليديا ، فمن من الشعراء وجدت فيه ضالتك ، وجدت لديه المسحة الكونية الصوفية ، لكن وجدت فيه أيضا التجربة الفريدة التي من القوالب التقليدية ؟!
هو ليس بشرط أن تكون صوفيا حتى تخرج إلى التجارب العربية ، أولا ، أريد أن أقول حاجة مهمة جدا ، لكي يستفيد منها كل الشعراء في حضرموت ، وأنا واحد منهم بالتأكيد ، كنت في حضرموت ، وذات مرة أشار إليها الدكتور سعيد الجريري ، انه لماذا كل المبدعين بحضرموت لا يكونون مبدعين إلا إذا خرجوا منها ، أو تواصلوا مع الخارج ؟! وأظن أننا في الداخل ، الانغلاق يؤثر علينا ، فحضرموت بطبيعتها دائما تكون مغلقة ، لذلك تجد أن الهجرات إلى الخارج هي التي تعطي شيئا جديدا ، فأنا ، مثلا ، انتقالي إلى عدن أضاف إلي شيئا كبيرا جدا ، فأنا لو بقيت في حضرموت ، لربما ، وأدت تجربتي ، أنا أقول هذه الحقيقة ، فالانفتاح الثقافي الذي عاشته عدن ، وانفتاحها على عوالم كثيرة ، ووجود مؤثرين داخل عدن من الخارج باعتبارهم أصحاب ثقافات كبيرة ، في كلية التربية التي درست فيها (الرياضيات) وتخرجت فيها عام 1981م ، هذا التأثير جاء من خلال الدكتور جيلي عبدالرحمن ، في كلية التربية ، للأمانة، أقول أن مساعدته لي ، بل انبهاره بي في تلك الفترة ، عندما كان لا يعرفني ، وأنا كنت أحاول أن يعرفني ، فصدفة ، عن طريق صباحية شعرية للطلاب ، مباشرة ، بعد أن ألقيت قصيدتي ، احتضنني واخدني معه ، وتعامل معي بشكل آخر ، في تلك اللحظة ، أحسست بشيء آخر فهناك يد كبيرة احتضنتك ، فاحتضان الموهبة ، ومساعدتها كان شيئا كبيرا جدا لي ، وقد كان مثل الأب لي ، مع الزميل المرحوم الشاعر الكثير محمد حسين هيثم ، الذي افتقدناه مؤخرا ، وكان يطلق علينا ( توأميه الشعريين) وكنا معا نلتقي في بيته ، والكلية والمتنزهات معا ، ونلتقي بشكل روح أبوي ، وكان يفيدنا كثيرا ويوجهنا أكثر .
هل تتذكر هذه القصيدة التي احتضنك جيلي بسببها ؟!
احتضنني في (سلام لوردة هذا الصباح) عندما ألقيتها، وكان بحضور الشاعرين الكبيرين العراقي سعدي يوسف، واللبناني احمد دحبور، وكانت الصباحية الشعرية بكلية التربية جامعة عدن في فترة السبعينيات والثمانينيات، زمن خصوبة التجربة الشعرية والثقافية عامة، وانفتاحها المفيد جدا، فعدن كانت شعلة من الثقافة في الفترة التي اكتشفت أنا فيها، فأنا أدين لهذه الفترة و( سلام لوردة هذا الصباح) في ديواني الأول (إكليل امرأة قتبانية) ومطلعها :
يمر الجميل على دارها
يقول : سلاما لوردة هذا الصباح
سلاما لواحدة الحي وهي تفك …….
………………………………….
وهي بداية كانت فيها شيء من الرومانسية، وشيء من الحب، عندما علقنا قلوبنا على أشجار كلية التربية لتلتقط زهرة، فانحدرت على منحنيات القلب، فهذا الشيء من هذه القصائد .
بعد هذه المرحلة العدنية والانفتاح العدني، الذي وجد فيه الفتى الحضرمي تربة خصبة جدا تفتقت عن حديقة عناء بالتجارب الشعرية الكبيرة ؟!
(مقاطعا) أريد أن أقول عبارة كبيرة جدا، أريد أن يستفيد منها الجميع، أريد أن يلتقطها الآخرون ن المواهب الشابة، الآن، هي المبتغى، مثلما حملنا نحن لواء ما قبلنا ، نريدهم يحملوا اللواء بعدنا، أريد أن أقول أن الشاعر الكبير سعدي يوسف، كمان، لعب دورا كبيرا في إثراء التجربة الشعرية من خلال جلساته معنا، حتى في اختيار تسميات الدواوين الشعرية عندما نقدمها للطباعة في دار الهمداني ، فالجلسات كثيرة كانت حوله، يعطي فيها بعض الإشارات، وقد كنا نتحلق حول هؤلاء العمالقة لكي نستفيد منهم ، ونأخذ من أي لحظة معهم فائدة جديدة، فكانت لقاءاتنا مفيدة جدا، وقد كان سعدي يوسف يقول لي نقطة مهمة جدا: (أنت مستمسك بأدواتك الفنية، متمكن من البيان بقوة، المنشأ في حضرموت، عندكم تراث غني جدا، عليك أن تنهل منه كثيرا، وتستفيد من إيقاعات حضرموت) كان يعطيني إشارات كثيرة جدا عن حضرموت وتراثها ومكنوناتها، ويقول:( الذي قد لا تدركه اليوم تستطيع أن تلتقطه الآن، واترك هذا يعلق في ذاكرتك، لتلتقطه مستقبلا) وها أنا التقطه الآن في كتابة ديوان: ( منمنمات حضرموت).
الملاحظات التي أشار بها إليك الشاعر العربي سعدي يوسف ن قضية احتواء التراث، حتى وإن لم تستفد منه الآن، وهذه الحميمية مع التراث، هل كان ذلك ناتجا عن صدى العراق في نفس سعدي، وهل وجد في حضرموت عندك العراق لديه ؟!
(ايوه) هو نفس الحالة، بل هو يجد أيضا هناك توحدا ما بين العراق وحضرموت، خاصة، إذا رجعت إلى ديوانه: ( كيف كتب الأخضر قصيدته الجديدة؟) فقصيدة: (الأحفاد) وقد كتبها قبل أن يزور حضرموت، وكان يأمل أن يزورها، ستجد التواصل ما بين البصرة والمكلا، وكيف النساء مخضبات، وكيف يستقبلن بالحناء السفن عندما تأتي من المهاجر، فأشياء جميلة رسمها قبل أن يصل حضرموت، وعندما وصل إليها أكمل ديوانا كتبت فيه كثيرا عن حضرموت، فتجد هذه الخصوبة الشعرية بين هذه الأشياء والتواصل بين هذه الأماكن، ستجد المنزع موجودا فيه شيء من الشعر.
المرحلة هذه والانفتاح على التجارب الشعرية، وبعمق التجربة، لا شك، أنها انفتحت على تجارب كثيرة، وعلى تجارب، ربما، تكون صادمة للذائقة العامة، أو لذائقة الجمهور، وانتم كجيل انفتح على تجارب (شعر التفعيلة ، قصيدة النثر)؟ !
أريد أن أقول لك، أنا عندما كنت في حضرموت، مثل الذين يصطدمون بهذا الواقع الشعري، حتى عندما جئت إلى عدن، كنت شاعرا عموديا مقفى، مقفى بمعنى المقفى، وليس بمعنى القافية، أي بمعنى الذاهب إلى الوراء، فكنت ارفض حتى النظر إلى شعر التفعيلة ، والقصيدة النثرية، ارفض أشياء كثيرة من هذه، ولكن عندما بدأت اقرأ واطلع، فوجدت أن هناك خصوبة شعرية كبيرة جدا، ولا بد أن نفرق بين هذا الشيء وهذا الشيء، ما هو شعر ن ما هو ليس بشعر، ليست كل قصيدة ذات تفعيلة هي ليست شعرا، وليست كل قصيدة عمودية مقفاه هي شعر ن علي أن أقف، هل هي قصيدة، أو ليست قصيدة، وهل هذا شعر، أو لا ؟! قد تجد هناك نصا نثريا أقرأه أجد فيه شيئا من الشعر، وهذا يحتاج إلى ثقافة واسعة ، واطلاع عميق ، وقد اخذ مني هذا مجهودا كبيرا حتى أصل إلى هذه المرحلة .
يضعنا هذا أمام إشكالية الآن، وهي قضية الغموض التي جاءت بها هذه القصيدة، وهذا الانفتاح على العوالم الشعرية، خاصة العوالم الشعرية المترجمة ؟!.
الغموض ما هو إلا نتيجة الاستسهال في الشعر، وما تجد هذا الكم الهائل مما يطلق عليه شعرا، أو حتى استسهال قصيدة النثر، أو ما يطلق عليها ذلك، أنهم استسهلوا الكتابة، وتجد الكميات الكبيرة من الدواوين والقصائد، وهذا ما هو إلا عبارة عن إساءة للشعر بشكل اعم، لذا ستجد من يكتبون هذا النوع من الشعر قليا جدا جدا وبصعوبة جدا، فالاستسهال هو الذي استرخص القيمة للشعر، وهذه هي المشكلة، ولكنني أقول: القصيدة لا تنزع للغموض، وإنما هي شيء من الشفافية، وليست الشفافية العارية، ولكن الشفافية ذات اللب الذي عليك أن تستبطن ما خلفه وتستدركه، هذه هي الشفافية المرتجاة، وهذا هو الغموض الشفاف، أما الغموض من اجل الغموض، فلا ينتج إلا دهاليز، فمثلا، عندما اقرأ ادونيس من ديوانه:( الكتاب) تجد العمق، ولا تجد فيه الانغلاق الكبير، تجد الإيقاع الشعري عند الماغوط، بل يكتب بشكل مقفى، ولكن بعمق حداثي كبير جدا جدا، أنا أتمنى من الذين يريدون أن يكتبوا القصيدة الحديثة أن يصلوا لهذا المستوى، وليس بالشكل السطحي والاستسهال واسترخاص الورق مع كميات الورق الكبيرة والطباعة السهلة، هذه هي المشكلة، خذ مثلا : ديوان ادونيس (الكتاب):
انظر أيامي واشرب خمرها
………………………..
وللشمس بيت والهجير مظلة
كأني من أقصى جهنم قادم
هذه من بحر الطويل ومقفى، ولكن بشكل حداثي رائع جدا، لا يمكن أن يكتب هذا إلا صاحب موهبة عظيمة.
بالأمس القريب كان الشعر أكثر ثورية وتثويرا للحالة العربية العامة، هل ما زال مطلوبا منه هذا اليوم، أم أن له دورا آخر ؟!
لكل زمن ظروفه، هل نحن في العالم العربي اليوم بحاجة إلى ثورات وإلا مفهومنا للثورة تغير، وكيف تكون الثورة، الثورة الآن قد تأخذ منحى آخر، ولذلك على الشعر أن يأخذ المنحى الذي يأخذه الواقع الآن، والارتقاء بالقيم الإنسانية، وإحداث ثورة غير التي كنا نؤملها، فلكل زمان ثورته الخاصة .
أشرت إلى تجربتك في عدن، وتلازمك مع الراحل الكبير جدا، الكثير جدا الشاعر محمد حسن هيثم، كيف تصفه في الحضور، وفي الغياب ؟!
الآن صعب أن أقول عنه أي شيء لأنه كان صديقا عزيزا، رجعت لا قرأ دواوينه واهداءاته لي ثانية، كان في كل دواوينه يكتب لي: أيها الشاعر الكبير، صديق العمر، للأيام التي وحدتنا، كلمات جميلة جدا، فعدت بذاكرتي إلى زمن كنت وإياه نتحلق في كلية التربية مع بعض كزمالة، أقول: انه لم يترك مائدة مثقلة بالنسيان، كما أشار في أحد دواوينه، وأنا أقول: انه قد ترك لنا مائدة مثقلة بالذكريات، وقد بدأت اخربش، على ورقة وأقول له فيها: ليس بيننا هذا الوداع .
التجارب التي أشرت إليها، خاصة، احتفاءك، بالمكان، خاصة مكان البدايات، موطن الشاعرين الكبيرين جديك (ابن شهاب، والجنيد) هذه الجوانب العشقية للمكان ورائحته وأجوائه ، جعلتك تعمل على ديوان:(منمنمات حضرموت) ماذا تقول عن هذا الديوان بداية؟!
هو لحد الآن يتشكل، عندي مجموعة من القصائد، ويمكن لو طبعته الآن يكفي لديوان، لا بأس به، ولكنني أريده اكبر من ذلك، فحضرموت اكبر مما هي عليه الآن …
(قاطعته) يعني نصيحة سعدي يوسف، أثمرت ثمارا يانعة الآن ؟!
بالتأكيد .. سعدي نجح في غرس هذه البذور.
من قصائد الديوان، لا شك، أن المكلا تحظى بكثير؟!
(مقاطعا) يمكن لأنها أخذت حقها في النشر، ولكن كل القصائد يبدو أنها ستأخذ مكانتها ، فلدي الشحر، تريم، ودوعن، والغويزي .
……………………………………….
……………………………………….
لقد تكشفت لك المدينة الأنثى، واستطعت أن تتغلغل فيها، بلمسات ناعمة؟.
أريد أن انقل المكان، ليس كمكان جغرافي فقط، ولكن أريد أن انقل كل ما يحيط بهذا المكان من عوالم شعرية، وهناك شعراء يرسمون المكان كمكان، فلا فرق أن التقط له صورة فوتوغرافية، وتحل محل القصيدة، ولكن أن تحول هذا المكان إلى شكل شعري آخر ليس عبارة عن صورة فوتوغرافية، وليس هي رسم ملامح لهذا المكان، دائما، هي تصوير لأعماق هذا المكان وما يحتويه من مدلولات عبر التاريخ كله …
- وهذا هو الشعر؟
- هذا هو الشعر.
إذا سألنا عن مجموعاتك المنشورة، والتي هي ما زالت طي الكتمان ؟!
عندي المجموعة الأولى:( إكليل امرأة قتبانية) صدر عام 1984م، عن دار الهمداني، الديوان الثاني ( أعراس الجذور) ، الديوان الثالث ( حوارية طائر الرماد) طبعته الهيئة العامة للكتاب، الديوان الرابع:( تأوهات الأمير السبائي) وهو عبارة عن مرثية في فقيدنا عمر الجاوي، وعندي ديوانان مخطوطان:( مراثي الثمالة) وهو جاهز للطبع، والآخر (منمنمات حضرموت) وعندي ديوان غنائي:(أحلى كلام الحب) أفكر بطباعته، وفيه أغنية ( حبيبي لا تظن إني با تراجع ** عن العهد الذي هو بيننا يجمع)
وهي من الحان الفنان حسن باحشوان وقد كتبتها عندما كنت طالبا في الإعدادية .
إذا أردنا أن نعرف آخر جملة شعرية طلعت من هذا الصدر الشعري ؟!
في كل بحر صورة لسفينتي
إني المهاجر من زمان
خطوتي وقعت على سواحل أرخبيل الهند
والساحل الشرقي من افريقيا
هذه معاناة الجوال السندباد الحضرمي ؟
هذا السندباد الحضرمي، هي ستدخل، هذا مقطع كتبته، وأريد أن ادخله في قصيدة اسمها حضرموت ، وهي جزء من قصيدة تكوينية كبيرة جدا ستضم داخل ديوان ( منمنمات حضرموت) ولكن بعض الأحيان اكتب قصائد أجدها ترتبط بهذه القصيدة فأضيفها .
كيف ترى تفاعل المنتديات الأدبية، والاتحادات الإبداعية، وفروع الأدباء والكتاب بالمحافظات، وتجربة حضرموت المكلا ؟!
أنا اعتبر تجربة حضرموت، تختلف عن التجارب الأخرى فقط في مكان واحد، أما بقية الأماكن الأخرى في حضرموت، فهي أيضا، أشبه بالمنتديات في الأماكن الأخرى في البلد كله، كل المنتديات التي تتعامل مع القات لا تنتج إلا شيئا يشبه القات، ولم تعط إبداعا حقيقيا متكاملا، ولكن تجربة اتحاد أدباء وكتاب فرع حضرموت المكلا، هي تجربة خلاقة وإبداعية ومتفردة، وأتمنى من المنتديات الأخرى إذا أرادت أن تتفاعل أكثر وتكون حية في هذا المجتمع وان تخلق شيئا من الإبداع أن تحذو حذو اتحاد أدباء حضرموت المكلا، ونحن لدينا تجربة، أيضا، في فرع عدن أن الفعاليات الأدبية دون قات .
وفرع حضرموت اعتبره السباق لاكتشاف مواهب جديدة ن وتحريك الواقع الثقافي في حضرموت الذي هو بحاجة ماسة إلى تحريك فاعل وقوي، واعتقد أن الاتحاد، وعلى رأسه الدكتور سعيد الجريري، والدكتور عبدالقادر باعيسى، هما خير من يقدما شيئا لحضرموت، وهما الوجه المستقبلي للثقافة .
كيف ترى خطوات الاتحاد بإصدار( آفاق التراث الشعبي، ومجلة الطفل، وملحق آفاق حضرموت الثقافية) ؟!
خطوات رائعة جدا، واشد على أيديهم، وأقول لهم إلى مزيد من هذا الفعل، وأنا متأكد أنهم بهذه الإصدارات ستدخل حضرموت إلى دائرة أوسع ثقافيا وسننتشل كثيرا من الواقع الثقافي.
كيف ترى الأصوات الشعرية الواعدة في آفاق الأدبية ؟!
أقول انه بعضها بدأت تتلمس طريقها ، وبعضها لا زالت بها بعض العثرات، ولكن هناك لفتني أصوات، أنهم بدءوا كبارا، للأمانة، ولكب ليسوا كبارا من خلال التجربة الكبيرة، لا، ولكن بدءوا كبارا بالعمل الإبداعي الجميل جدا والنصوص الجميلة، وقد أعجبتني قصيدة يبدو إنها لبنت – يقصد (…..بن وبر)- فالنص جميل جدا، ولفت انتباهي، وقد حدثت الدكتور الجريري عنه، وقلت له: هذا النص خاص، ولابد تتعاملوا مع هذا الصوت الواعد بشكل آخر، وتأخذوا بيدها .
* ما رأيك في دور الإعلام وتعميم الثقافة والأدب، وهل يؤدي دوره كما يجب أن يكون ؟!
لازال إعلامنا ضعيف جدا في هذا المجال، فهو ينتقي انتقاء لبعض الأصوات، وقد لا تكون ذات موهبة حقيقية، ويخلقها ويعطيها شيئا من اللمعان لتكون شيئا، وهذا المؤثر، أما للمواهب الفعلية فلازال الإعلام غائبا عنها، والمصالح تحكمه في بعض القضايا ويبدو أن التأطيرات تلعب دورا في ذلك، أنا أتمنى من الإعلام أن يلعب دوره الواعي والمهم في هذا الشيء وممكن من خلاله أن تخلق مواهب كبيرة جدا.
*سألتك عن (الرياضيات) وهل أفادتك في التجربة الشعرية، قلت نعم، أسألك الآن ، هل الشاعر له حضور في حصة الرياضيات أيضا ؟
كلغة حضوره ضروري ومفيد جدا، كأداة توصيل، يمكن أقول لك: انه حول (س) إلى زهرة، و(ص) إلى وردة، والمعادلات إلى أسوار كيف نتجاوزها من الطرف إلى الطرف الآخر، وهكذا، بالتأكيد تلعب دورا في هذا من خلال اللغة والتوصيل للمادة الجامدة، والمفاهيم كيف توصل من خلال أداة اللغة الشعرية ، تلعب دورا داخل المحاضرة، فهناك علاقة كبيرة بين الرياضيات وعملية الشعر، الإيقاع الشعري الآن، الذي يريد أن يتعامل وان يفهم الشعر عليه أن يلعب دورا كبيرا جدا في الرياضيات، التي لها دور في الإيقاع الشعري ن واعتقد انه كان قديما الموسيقى كانت تدرس ضمن مادة الرياضيات في العصر العباسي، وما قبله .
أخيرا ما هو المقطع الشعري للجد أبي بكر بن شهاب الذي علق بذهنك ، ومازال عالقا تكرره بين حين وآخر، أول ما يأتي الجد يتداعى هذه الأبيات ؟
بشراك هذا منار الحي ترمقه ** وهذه دور من تهوى وتعشقه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.