تغير في الموقف الدولي من جماعة الحوثي.. وزير الخارجية يتحدث عن تغيير الموازين على الأرض قريبًا    بدون تقطيع.. بث مباشر مشاهدة مباراة الاتحاد والأهلي اليوم في دوري روشن    المبدأ أولاً ثم النجاح والإنجاز    وزير الإعلام يكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني للعام 1446 فمن هم الفائزون؟    مليشيا الحوثي تقتحم مستشفى الجبلي للعيون في مدينة إب وتنهب محتوياته    قوانين الأرض ومعجزات السماء    الله تعالى لم يبعث رسوله محمد غازياً بل بعثه مبلغاً وشاهداً ومبشراً ونذيرا وسراجاً منيرا    تناوله باستمرار.. نوع من الخضروات يخفض نسبة السكر في الدم إلى النصف    بدون تقطيع.. بث مباشر مباراة السد والريان بجودة عالية اليوم في الدوري القطري    استشهاد 57 فلسطينيًّا في القصف الإسرائيلي اليوم على قطاع غزة    وفاة 11 شخصاً وإصابة آخرين بحادث مروع في المهرة    البكري يتفقد سير العمل في ملاعب "الميناء، والروضة، والجزيرة" بعدن    مبادرة "انسجام عالمي".. السعودية تحتفي بالتراث اليمني لتعزيز التعايش والتفاهم الثقافي المشترك ضمن رؤية 2030    الرئيس العليمي يبحث مع السفير الأمريكي تعزيز التعاون ودعم الاستقرار وسط تداعيات الهجمات الحوثية    بث مباشر تويتر مشاهدة مباراة الشباب والوحدة اليوم بدون تقطيع في دوري روشن    نجاح مبهر لجولة كرة السلة العالمية FIBA 3x3 في أبوظبي    اليمن يطالب بفرض إجراءات رادعة ضد الاحتلال تضمن توفير الحماية للشعب الفلسطيني    5 قتلى في المطلة جراء سقوط صاروخ أطلق من لبنان    نهاية القلق الغامض!    ريال مدريد يضع رودري على طاولة مفاوضاته في الموسم المقبل    العرادة يوجه بتنفيذ وسائل حماية المواقع الأثرية ويدعو لتضافر الجهود للحفاظ على الآثار    لماذا تجري أمريكا انتخاباتها يوم الثلاثاء؟    وفاة عامل في حفرة للصرف الصحي جوار البنك المركزي بعدن    شجاعة السنوار بين فلسفتين    إغلاق ثمان مدارس يمنية في مصر.. ومناشدات بتدخل عاجل    ما لا تعرفه عن الفنان المصري الراحل ''حسن يوسف'' ومشاركته في ''ثورة اليمن''    هجوم حوثي مباغت على مواقع عسكرية جنوب غربي اليمن.. وخسائر بشرية ومادية    ما الحكمة من دعوة النبي للطهارة مرة كل سبعة أيام؟    الدكتور عبدالله العليمي وبن مبارك يقدمان واجب العزاء للاستاذ عبدالحكيم القباطي بوفاة والدته    مضرابة المرق    فساد الشرعية أصبح يمارس بكل وقاحة وقبح أمام الكل    المسلمون الحقيقيون لا يمكن أن يُهزموا أبدا إلا هزيمة عابرة    نصيحة يافعية لأبناء يافع السلفيين    قصف جوي أمريكي بريطاني على محافظة الحديدة    تباين حاد في أسعار المشتقات النفطية بين المحافظات اليمنية.. صنعاء الأعلى، ومأرب الأقل    خطوة نحو تحسين صورة شرطة المرور الحوثي.. قرار بمنع صعود رجالها على السيارات    شرطة عدن تضبط متهمًا برمي قنبلة صوتية في الممدارة    الانتقالي يحذر من كارثة اقتصادية.. اجتماع طارئ لبحث أزمة عدن    أحزاب تعز تطالب الرئاسة والحكومة بتحمل مسؤوليتهما في انقاذ الاقتصاد الوطني    خدعة الكنز تودي بحياة 13 شخصاً.. حوثي يرتكب مجزرة مروعة في بني حشيش(تفاصيل جديدة)    الحوثي يستغل الشعارات الأخلاقية لابتزاز المجتمع.. صحفي يكشف عن علاقة "مصلحية مؤقتة" مع أمريكا    مشروب القرفة المطحونة مع الماء المغلي على الريق.. كنز رباني يجهله الكثيرون    (أميَّة محمد في القرآن)    عبد القادر رئيسا للاتحاد العربي للدارتس ... والمنتصر عضواً في المكتب التنفيذي    هل يرحل كريستيانو رونالدو عن النصر السعودي؟    قضية الشيكات المختفية.. من يضع يده على الحقيقة ومن يهرب بها في سيارة رسمية؟    وفاة 11 شخصًا في حادث مروري مروع بالمهرة    سُنن نبوية قبل النوم: طريقك إلى نوم هانئ وقلب مطمئن    قيادي في الانتقالي يتهم المعبقي ونائبه بانهيار العملة    الهلال الإماراتي يواصل دعم القطاع الصحي بحضرموت    تعز.. 44 جريحاً يتوجهون للعلاج في مصر    -    وفاة فتاة عشرينية عقب حقن جسمها بمادة غريبة في عيادة بصنعاء    عودة تفشي الكوليرا في تعز والسلطة المحلية تشكل فرقا ميدانية لمواجهة الوباء    تنويعات في أساطير الآخرين    البنك المركزي يبيع 18.4 مليون دولار في مزاد علني بسعر 2007 ريالا للدولار    سلفية اليمن يزرعون الفتنة بالجنوب.. إيقاف بناء مركز في يافع (وثيقة)    الأوقاف تعلن فتح باب التسجيل للراغبين في أداء فريضة الحج للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف المسلم في الفتن
نشر في لحج نيوز يوم 20 - 04 - 2011

ذكر البخاري رحمه الله في« صحيحه» كتابَ الفتن ؛ ابتدأه بقوله:« باب : قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ..) , وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذّر من الفتن».
وذلك أن الفتن إذا أتت ؛ فإنها لا تصيب الظالم وحده , وإنما تصيب الجميع, ولا تبقى –إذا أتت –لقائل مقالاً, وإنما يجب علينا أن نحذرها قبل وقوعها,وأن نباعد أنفسنا حقّاً بعداً شديداً عن كل ما يقرب إلى الفتنة أو يدني منها ؛فإنَّ من علامات آخر الزمان كثرة الفتن ؛ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتقارب الزمان ,ويقلُّ العمل ,ويلقى الشح,وتكثر-أو قال : تظهر-الفتن».
وذلك لأن الفتن إذا ظهرت ؛ فإنه سيكون معها من الفساد ما يكون مدنياً لقيام الساعة.
ومن رحمة نبي الله صلى الله عليه وسلم بنا : أن حذَّرنا من الفتن كلها.
الضوابط والقواعد الشرعية الواجب اتباعها في الفتن :
* الأول من تلك الضوابط والقواعد:
أنه إذا ظهرت الفتن , أو تغيرت الأحوال ؛ فعليك بالرفق والتأنِّي والحلم , ولا تعجل.
هذه قاعدة مهمة : عليك بالرفق , وعليك بالتأنِّي , وعليك بالحلم.
ثلاثة أمور:
* أما الأمر الأول – وهو الرفق - ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه في الصحيح : « ما كان الرفق في شئ؛ إلا زانه, ولا نزع من شئ إلا شانه».
قال أهل العلم : قوله : « ما كان في شئ إلا زانه» : هذه الكلمة:« شئ» : نكرة أتت في سياق النفي , والأصول تقضي بأنها تعم جميع الأشياء ؛ يعني : أن الرفق محمود في الأمر كله .
وهذا قد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :« إن الله يحب الرفق في الأمر كله »؛ قاله عليه الصلاة والسلام لعائشة الصديقة بنت الصديق , وبوّب عليه البخاري في الصحيح ؛ قال ؛« باب الرفق في الأمر كله ».
* أما الأمر الثاني ؛ فعليك بالتأني ؛ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ».
والتأنّي خصلة محمودة , ولهذا قال جلّ وعلا : (ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا..) .
قال أهل العلم : هذا فيه ذمُّ للإنسان , حيث كان عجولاً ؛ لأن هذه الخصلة ؛ من كانت فيه ؛ كان مذموماً بها , ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غير متعجل.
* وأما الأمر الثالث ؛ فهو الحلم , والحلم في الفتن وعند تقلب الأحوال محمود أيما حمد , ومثنىً عليه أيما ثناء ؛ لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء على حقيقتها , ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهي عليه .
ثبت في « صحيح مسلم » من حديث الليث بن سعد عن موسى بن عُلًيّ عن أبيه : أن المستورد القرشي – وكان عنده عمرو بن العاص رضي الله عنه - ؛ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « تقوم الساعة والروم أكثر الناس » . قال عمرو بن العاص له – للمستورد القرشي - : أبصر ما تقول ! قال: وما لي أن لا أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إن كان كذلك ؛ فلأن في الروم خصالاً أربعاً: الأولى : أنهم أحلم الناس عند الفتنة . الثانية : أنهم أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة ... وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة .
قال أهل العلم : هذا الكلام من عمرو بن العاص لا يريد به أن يثني به على الروم والنصارى الكفرة ؛ لا ! ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة لأنهم عند حدوث الفتن هم أحلم الناس ؛ ففيهم من الحلم ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها ؛ لأجل أن لا تذهب أنفسهم , ويذهب أصحابهم .
* الثاني من تلك الضوابط والقواعد:
أنه إذا برزت الفتن وتغيرت الأحوال , فلا تحكم على شئ من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوُّره ؛ رعاية للقاعدة: « الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره».
وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعاً قبل الإسلام وبعد الإسلام , ودليلها الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا : قال الله جل وعلا : (ولا تقف ما ليس لك به علم .) ؛ يعني : أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينه منه؛ فإياك أن تتكلم فيه , وأبلغ منه أن تكون فيه قائداً , أو أن تكون فيه متبعاً , أو تكون فيه حكماً .
* الثالث من تلك الضوابط والقواعد :
أن يلزم المسلم الإ نصاف والعدل في أمر كله .
يقول الله جلَّ وعلا : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )(الأنعام: من الآية152) .
ويقول جلَّ وعلا : (ِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8)
* الرابع من تلك الضوابط والقواعد :
ما دلَّ عليه قول الله جلَّ وعلا:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(آل عمران: من الآية103)) .
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية , فقال : « عليكم بالجماعة , وإياكم والفرقة» .
وثبت أيضا في الحديث الذي رواه عبدالله بن أحمد في « زوائد مسند أبيه » : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الجماعة رحمة , والفرقة عذاب » .
الفرقة بجميع أنواعها – في الأفكار , أو في الأقوال , أو في الأعمال – عذاب يعذِّب الله جلَّ وعلا به مَن خالف أمره وذهب إلى غير هداه .
أنظر إلى ما فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ! أتدري ماذا فعل حين كان في الحج مع عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟
كان عثمان يتمًّ الصلاة ؛ يصلي في منىً أربع ركعات , والسنة أن يصلي المصلي في منى ركعتين ؛ قصراً لكل رباعية .
عثمان رأى أن يصلي أربع ركعات لتأويل شرعي تأوَّله , مع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول : سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين لا غير لكل صلاة رباعية . قيل له : يا عبد الله بن مسعود ! تقول هذا وأنت تصلي مع عثمان بن عفان أربع ركعات ! لماذا ؟! قال : يا هذا ! الخلاف شر ! الخلاف شر ! الخلاف شر ......رواه أبو داود بإسناد قوي .
وهذا لأجل فهمهم للقاعدة الصحيحة , للقاعدة التي مَن أخذ بخلافها ؛ فإنه لا يأمن على نفسه الفتنة , ولا على غيره .
قال بن مسعود : « الخلاف شر » .
* الخامس من تلك الضوابط والقواعد :
أن الرايات التي ترفع في الفتنة – سواء رايات الدول أو رايات الدعاة – لا بدَّ للمسلم أن يزنها بالميزان الشرعي الصحيح , ميزان أهل السنة والجماعة , الذي مَن وزن به ؛ فإن وزنه سيكون قسطاً غير مجحف في ميزانه ؛ كما قال جلَّ وعلا في ميزانه : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا)(الأنبياء: من الآية47) .
طالعوا كتب عقائد أهل السنة والجماعة ؛ تروا أن فيها أبواباً مختصَّة بحقوق الإمام على الرعيَّة , وبحق الرعية على الإمام ؛ لأن ذلك به تحصل الجماعة , ويحصل به الالتفاف حول السنة والجماعة.
وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على النصح لأئمة المسلمين ولعاميتهم في حديث : الدين النصيحة , وإذا ثبت أن النصح واجب , وأنه لا بدَّ للمسلم أن ينصح ؛ فكيف تكون تلك النصيحة ؟ وكيف يكون ذلك البيان ؟ على ما جاء في السنة لا من عند أنفسنا .
ثبت في الحديث الصحيح أن عياض بن غنم قال لهشام ابن حكيم رضي الله عنهما وأرضاهما : ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن أراد أن ينصح لذي سلطان ؛ فلا يبده علانية , ولكن ليأخذ بيده , ثم ليخلُ به , فإن قبل منه ؛ فذاك , وإلاَّ ؛ فإنه أدى الذي عليه ), رواه ابن أبي عاصم في السنة وغيره وصححه الألباني .
اسمعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم , وأنتم ولا شكَّ حريصون على السنة ؛ كما أن أهل السنة والجماعة حريصون عليها .
إذا ترتب على الموازين السابقة الراية المسلمة من غيرها ؛ ترتبت الحقوق الشرعية على تلك الراية , وعلى بيان أن تلك الراية مسلمة , وليست براية غير مسلمة .
وتلك الموازين , إذا التبس على المسلم أو على طالب العلم : كيف يزن بها ؟ فالمرجع العلماء ؛ فإنهم هم الذين يزنون بالموازين الصحيحة , وهم الذين يقيِّمون بالتقييم الصحيح , وهم الذين يحكمون بالحكم الشرعي الصحيح .
ولهذا ؛ فإن الحكم بالإسلام من عدمه , الحكم بالإيمان أو الكفر , مرجعه إلى علماء أهل السنة والجماعة , لا إلى غيرهم من المتعلمين الذين ربما علموا بعضاً وجهلوا بعضاً آخر , أو ربما عمَّموا أشياء لا يجوز تعميمها .
فالحَكَم في ذلك لمن لم يستطع أن يزن بالميزان الصحيح من أهل العلم هم العلماء , وبقولهم يجب أن نأخذ , وبما صاروا إليه , والى ما صاروا إليه , يجب أن نأخذ في تقييم الإيمان والكفر , والوزن بتلك الموازين التي ذكرناها لكم .
مما يترتَّب على تلك الموازين كما قرر أهل السنة والجماعة : أن الجهاد ماض مع كل إمام أو سلطان ؛ برَّ أو فاجر , كل إمام أو سلطان , سواء كان برّاً أو كان فاجراً ؛ فإن الجهاد ماض معه , لا يجوز لأحد أن يتخلف عن راية الجهاد لأجل أن السلطان عنده مخالفات شرعية ؛ في أي وقت , وفي أي زمان .
وهذا الضابط لا بدَّ لك منه في كل وقت ؛ فربما يحدث في المستقبل في سنوات تستقبلها من عمرك ما لا نعلمه , فيكون عندك ما تضبط به أمرك , ويكون عندك ما تزن به أحوالك , وما تزن به أفكارك .
ومن ذلك – أي: من تلك الحقوق – الدعاء لمَنْ ولاَّه الله جلَّ وعلا الأمر .
يقول البربهاري رحمه الله ناصر السنة إمام من أئمة السنة والجماعة في كتابه السنة , وهو مطبوع موجود ؛ يقول : إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان ؛ فاعلم أنه صاحب سنة , وإذا رأيته يدعو على السلطان ؛ فاعلم أنه صاحب بدعة .
والفضيل بن عياض كان يدعو كثيراً للسلطان في وقته , ونحن نعلم ما كان من سلاطين بني العباس في وقتهم من أمور , كان يدعو لهم كثيراً ؛ قيل له : تدعو لهم أكثر من دعائهم لنفسك ؟! قال : نعم ؛ لأنني إن صلحت فصلاحي لنفسي ولمَن حولي , وأما صلاح السلطان ؛ فهو لعامة المسلمين .
ولهذا ؛ مَن أراد صلاحاً عاماً في المسلمين ؛ فليعلم الله من قلبه أنه يدعو مخلصاً في أن يصلح الله جلَّ وعلا مَن ولاَّه الله على المسلمين , مَن ولاَّه الله أمر المسلمين , وأن يوفِّقه إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فإننا لا نرجو ولا نطمع في أكثر من أن يكون الهدى والعمل بالكتاب والسنة , والقلوب بيد الله جلَّ وعلا , هو الذي يقلبها.
* السادس من تلك الضوابط والقواعد :
أن للقول والعمل في الفتن ضوابط ؛ فليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره , وليس كل فعل يبدو لك حسناً تفعله ؛ لأن الفتنة قولك فيها يترتَّب عليه أشياء , ولأن الفتنة عملك فيها يترتَّب عليه أشياء .
فلا غرو أن سمعنا أبا هريرة رضي الله عنه يقول : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : أما أحدهما ؛ فبثثته , وأما الآخر ؛ فلو بثثته ؛ لقطع هذا الحلقوم ! رواه البخاري في صحيحه .
قال أهل العلم : قول أبي هريرة : لقطع هذا الحلقوم ؛ يعني : أنه كتم الأحاديث التي في الفتن , والأحاديث التي في بني أمية , ونحو ذلك من الأحاديث وهو قال هذا الكلام في زمن معاوية رضي الله عنه , ومعاوية اجتمع الناس عليه بعد فرقة وقتال , تعلمون ما حصل فيه , وتعلمون تاريخه , فأبو هريرة كتم بعض الأحاديث ؛ لماذا وهي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! ليست في الأحكام الشرعية , وإنما في أمر آخر , لماذا كتمها ؟! لأجل أن لا يكون هناك فتنة في الناس , ولم يقل : إن قول الحديث حقِّ , وأنه لا يجوز أن نكتم العلم ؛ لماذا ؟ لأن كتم العلم في هذا الوقت الذي تكلَّم فيه أبو هريرة لا بدَّ منه ؛ لكي لا يتفرَّق الناس بعد أن يجتمعوا في عام الجماعة على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه .
ويقول ابن مسعود فيما رواه مسلم في صحيحه : ما أنت بمحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلعه عقولهم ؛ إلا كان لبعضهم فتنة .
الناس لا يتصورون كل كلام يقوله القائل فيما يتحدث به في كل أمر في الفتن ؛ فقد يسمعون منه أشياء لا تبلغها عقولهم , فيفهمون أشياء يبنون عليها اعتقادات , أو يبنون عليها تصرفات , أو يبنون عليها أحوالاً وأعمالاً وأقوالاً لا تكون عاقبتها حميدة .
لهذا كان السلف يعملون بذلك كثيراً .
أنظر إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى حيث أنكر على أنس بن مالك رضي الله عنه حين حدث الحجاج بن يوسف بحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم للعًرَنيين ؛ قال لأنس وأنكر عليه : لم تحدث الحجاج بهذا الحديث ؟! قال له لأن الحجاج عاث في الدماء , وسيأخذ هذا الحديث يتأول به صنيعه , فكان واجباً أن يُكتم هذا الحديث وهذا العلم عن الحجاج ؛ لكي لا يكون في فهمه وعقله – الذي ليس على السواء وليس على الصحة – أن هذا الحديث يؤيده , أو أن هذا الحديث دليل معه , فيفهمه على غير فهمه .
فالحسن رحمه الله أنكر على أنس رضي الله عنه –وهو الصحابي – تحديثه , وندم أنس رضي الله عنه بعد ذلك على تحديثه الحجاج بحديث العُرَنيين .
وحذيفة – قبل أبي هريرة – كتم أحاديث من أحاديث الفتن , لأنه رأى أن الناس لا يحتاجونها .
والإمام أحمد كره أيضا التحدث بالأحاديث التي فيها الخروج على السلطان , وأمر أن تشطَب من مسنده ؛ لأنه قال : لا خير في الفتنة , ولا خير في الخروج .
وأبو يوسف كره التحدث بأحاديث الغرائب.
ومالك رحمه الله كره التحديث بأحاديث فيها ذكر لبعض الصفات .
المقصود من هذا : أنه في الفتن ليس كل ما يعلم يُقال , ولا كل ما يُقال يُقال في كل الأحوال.
لا بدَّ من ضبط الأقوال ؛ لأنك لا تدري ما الذي سيحدثه قولك ؟ وما الذي سيحدثه رأيك ؟ وما الذي سيحدثه فهمك؟
والسلف رحمهم الله أحبو السلامة في الفتن , فسكتوا عن أشياء كثيرة ؛ طلباً للسلامة في دينهم , وأن يلقوا الله جلَّ وعلا سالمين .
وقد ثبت أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال لابنه حين حدَّث في القيام ببعض الأمر في الفتنة ؛ قال لابنه : يا هذا ! أتريد أن تكون رأساً في الفتنة ! لا , لا والله .
فنهى سعد بن أبي وقاص ابنه عن أن يكون سعد أو أن يكون أبنه رأساً في الفتنة , ولو بمقال أو بفعال , ولو رآها حسنة صائبة ؛ فإنه لا يأمن أن تكون عاقبتها غير حميدة .
والناس لا بدَّ أن يزنوا الأمور بميزان شرعي صحيح , حتى يَسْلَموا, وحتى لا يقعوا بالخطأ .
ثم إن للأعمال وللأفعال وللتصرفات ضوابط لا بدَّ من رعايتها ؛ فليس كل فعل يُحمد في حال يُحمد في الفتنة إذا كان سيفهم منه غير الفهم الذي يُراد أن يُفهم منه .
فالنبي صلى الله عليه وسلم – كما روى البخاري في الصحيح – قال لعائشة : لولا حدثان قومك بالكفر ؛ لهدمت الكعبة , ولبنيتها على قواعد إبراهيم , ولجعلت لها بابين .
النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم كفار قريش الذين أسلموا حديثاً من نقضه الكعبة , ومن بنائه إياها على بناء إبراهيم , ومن جعله لها بابين : باب يدخل منه الناس , وباب يخرجون منه ؛ خشي أن يفهم منه الناس فهماً غير صائب , وأن يفهموا أنه يريد الفخر , أو أنه يريد تسفيه دينهم – دين إبراهيم - , أو نحو ذلك ؛ فترك هذا الفعل.
ولهذا ؛ بوَّب البخاري – رحمه الله – باباً عظيماً استدلَّ عليه بهذا الحديث ؛ ماذا قال ؟ قال : باب : من ترك الاختيار مخافة أن يقصر الناس عن فهمه فيقعوا في أشد منه .
وذكر البخاري تحت هذا الباب هذا الحديث النبوي .
وعند ذلك نعلم أنه لا بد َّ من الفهم ؛ فالسرعة والتعجُّل أمور غير محمودة , فمَن الذي يلزمك بأن تتكلَّم في كل مجلس أو أن تتكلَّم في كل مجتمع بما تراه حقَّاً في الفتن ؟
فالحق يبيِّنه علماء السنة والجماعة , فإن كان عندك رأي أو فهم ؛ فاعرضه عليهم , فإن قبلوا ؛ فذاك , وإلا ؛ فقد برئت ذمتك من إطلاع عامة المسلمين على رأيك .
* السابع من تلك الضوابط والقواعد :
أن الله أمر بموالاة المؤمنين وخاصة العلماء :
فالمؤمنون والمؤمنات – كما قال جلَّ وعلا - : ( بعضهم أولياء بعض ) ؛ كل مؤمن لا بدَّ له وفرض عليه : أن يحب المؤمنين , وأن ينصرهم وأن يجتنب السخرية منهم ؛ فكيف إذا كان أولئك المؤمنون هم أنصار شرعة الله , وهم الذين يبيَّنون للناس الحلال والحرام , وهم الذين يبيَّنون لناس الباطل ؟!
فيحرم أن يذكر العلماء إلا بخير .
والمجالس التي يذكر فيها العلماء بغير خير مجالس سوء .
لماذا ؟ لأن العلماء ورثة الأنبياء ؛ فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً , وإنما ورَّثوا العلم , فمَن أخذه ؛ أخذ بحظٌّ وافر .
فمن أحترم العلماء , وأجلَّ العلماء , وأخذ بمقال العلماء أهل السنة والجماعة – أهل التوحيد - ؛ فإنه أخذ بميراث النبوة , ولم يدع ميراث النبوة إلى غيره .
والعلماء الذين يرجع إلى قولهم ويوالَوْن ويحبون : صفتهم : أنهم :
أولاً : هم أئمة أهل السنة والجماعة في وقتهم , وأئمة التوحيد , والذين يرجع إلى قولهم في التوحيد في وقتهم .
ثانياً : ثم هم : أهل الشمولية في معرفة الأحكام الشرعية , فيعلمون الفقه بأبوابه كلها , ويعلمون قواعد الشرع , والأصول المرعية , فلا يكون عندهم التباس , ولا خلاف بين المسألة والأخرى , ولا بين القضايا بعضها مع بعض .
وعند ذلك ؛ لا بدَّ وأن نذكر مسألة مهمة , وقع فيها كثيرون , وهي قول القائل :
إن علماءنا في هذا الوقت لا يفهمون الواقع !! حتى بلغ من أحدهم أنه قال في مجتمع صغير له مع بعض إخوانه : إنه استفدنا من هذه الأحوال وهذه الحوادث : تميز العلماء إلى أناس يفهمون الواقع ويبنون عليه الأحكام الشرعية , وأنا من العلماء لا يفهمون الواقع !!!
ووالله إنها لمقالة سوء , تدل على عدم فهم ما تُبنى عليه الأحكام الشرعية , وما يأخذ به العلماء , وما يرعونه من الفهم , ومالا يرعونه .
* الثامن من تلك الضوابط والقواعد :
وهو ضابط مهم , لا بدَّ من أن يكون لك على بال , هو ضابط التولي للكفار :
فهاهنا عندنا في الشرع , وعند أئمة التوحيد , لفظان لهما معنيان , يلتبس أحدهم بالآخر عند كثيرين :
الأول : التولي .
الثاني : الموالاة .
التولي : مكفر .
الموالاة : غير جائزة.
والثالث : الاستعانة بالكافر واستئجاره : جائزة بشروطها .
فهذه ثلاث مسائل .
* أما التولي ؛ فهو الذي نزل فيه قول الله جلَّ وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)
وضابط التولي : هو نصرة الكافر على المسلم وقت الحرب , قاصداً ظهور الكفار على المسلمين .
فأصل التولي : المحبة التامة , أو النصرة للكافر على المسلم , فمَن أحب الكافر لدينه ؛ فهذا قد تولاَّه تولياً , وهذا كفر .
* وأما موالاة الكفار ؛ كمودتهم , ومحبتهم لا لدينهم , فهي فسق وليست كفراً .
وذلك لأنه ألقى المودة, وأسر لهم ؛ لأجل الدنيا , لا شكّاً في الدين .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن صنع ذلك : ما حملك على ما صنعت ؟ . قال : والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله , أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي ... الحديث أخرجاه في الصحيحين .
فمن هذا يتبيَّن أن مودة الكافر والميل له لأجل دنياه ليس كفراً إذا كان أصل الإيمان والاطمئنان به حاصلاً لمن كان منه نوع موالاة .
* وأما الاستعانة بالكافر على المسلم أو استئجاره ؛ فهذا قال أهل العلم بجوازه في أحوال مختلفة ؛ يفتي أهل العلم في كل حال , وفي كل واقعة , بما يرونه يصح أن يُفتى به .
* وآخر تلك الضوابط والقواعد :
وإنما أهل السنة والجماعة يذكرون الفتن وأحاديث الفتن ؛ محذِّرين منها, مباعدين للمسلمين عن غشيانها أو عن القرب منها ؛ لأجل أن لا يحصل بالمسلمين فتنة , ولأجل أن يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .
أن لا تطبق - أيها المسلم – أحاديث الفتن على الواقع الذي تعيش فيه ؛ فإنه يحلو للناس عند ظهور الفتن مراجعة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن , ويكثر في مجالسهم : قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا ؛ هذا وقتها , هذه هي الفتن ! ونحو ذلك .
والسلف علَّمونا أن أحاديث الفتن لا تنزَّل على واقع حاضر , وإنما يظهر صدق النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها , مع الحذر من الفتن جميعاً .
فمثلاً : بعضهم فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الفتنة في آخر الزمان تكون من تحت رجل من أهل بيتي ؛ بأنه فلان ابن فلان , أو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : حتى يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ؛ بأن المقصود به فلان ابن فلان , أو أن قال النبي صلى الله عليه وسلم : يكون بينكم وبين الروم صلح آمن ... إلى آخر الحديث وما يحصل بعد ذلك ؛ أنه في هذا الوقت .
وهذا التطبيق لأحاديث الفتن على الواقع , وبث ذلك في المسلمين , ليس من منهج أهل السنة والجماعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.