مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    الروح الرياضية تهزم الخلافات: الملاكمة المصرية ندى فهيم تعتذر للسعودية هتان السيف    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    اليابان تطالب بتعزيز الآليات القائمة لمنع عمليات النقل غير المشروع للأسلحة للحوثيين مميز    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    الحوثيون يواصلون لعبتهم الخطيرة وامريكا تحذر    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    صحفي "جنوبي" يرد على القيادات الحوثية المتضامنة مع المحتجين في عدن    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    المبادرة المُطَالِبة بالكشف عن قحطان تثمن استجابة الشرعية وتحذر من الانسياق وراء رغبات الحوثي    الحوثيون يواصلون حملة اعتقال الطلاب الفارين من المراكز الصيفية في ذمار    قائد الحراك التهامي السلمي يعقد لقاء مع المعهد الديمقراطي الأمريكي لبحث آفاق السلام    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة لقائيّة مع المفكّر السّيد د.علاء الجوادي.."عناق الفنّ والعلم والفكر والعمل"
نشر في لحج نيوز يوم 29 - 12 - 2014


/أجرى اللقاء معه الأديبة: د.سناء الشعلان -
*هامش تعريفي:هذه المقابلة هي عبارة عن ندوة فكرّية للمفكّر السّيد د.علاء الجوادي تقدّم أفكاره ورؤاه وإبداعاته ومنهجه واتّجاهاته،وهو لقاء نادر من نوعه مع المفكّر الجوادي قلما يُظفر بمثله.
* السيّد علاء الجوادي: هو الدكتور علاء الجوادي، الملقب بين أصدقائه بالأمير الشّاعر، وًلد في بغداد لأسرة مسلمة عربيّة عراقيّة هاشميّة أصيلة ملتزمة ذات علم وثقافة وفضل، حصل على تعليمه الاولي والثانوي في بغداد، ثم تخرّج في كليّة الهندسة التكنولوجيّة من جامعة بغداد قسم هندسة البناء والانشاءات الذي تنقسم به الدراسة في الصف الخامس الى قسمين اختار هو تخصّص تخطيط المدن، وكان بحثه للتخرج بعنوان "الاسواق البغدادية... دراسة تخطيطية" ثم حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعات بريطانيا، والآن هو يحمل درجة الأستاذيّة.إلى جانب ذلك هو شاعر متصوّف ورسام ومؤرّخ ومفكّر وناقد أدبي، فضلاً عن تكوينه مدرسة فكريّة خاصّة تدعوللتسامح والمحبّة والإخاء ونبذ العصبيّة والإقليميّة والعنصريّة، تقلّد الكثير من المهام والوظائف الوطنية والثقافية والسياسية والدبلوماسية، وهو الآن السفير العراقيّ في سوريا، وهو يصرّ على رأس عمله هناك على الرّغم من المخاطر الأمنية المحيطة به ليخدم الجالية العراقيّة هناك. له العشرات من المؤلفات الفكرية والنقدية والإبداعيّة والتاريخية والتخصّصية في تخطيط المدن، كما لها المئات من الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة في هذا الشّأن.
كيف تلخّص الفكر الصّوفي الذي تتبنّاه في إبداعك الشّعريّ؟
قبل الجواب عن هذا السؤال العميق نحتاج الى القاء نظرة ولو سريعة على التصوف والمقصود منه، والموضوع يحتاج الى كتابة بحث عنه ومع اني كتبت الكثير من الملاحظات هنا وهناك عن التصوف وما يمت اليه من مفاهيم وقيم. اولا اريد ان اقول انه لا يوجد اتفاق على تفسير التصوف بل حتى في توصيف التصوف وتحديد ميادينة وابعاده. ولاختلاف فهم معنى التصوف اختلفت المواقف تجاهه بين مؤيد وممارس له وبين مخالف ومحارب ضده، وبين من يكون موقفه على الحياد دون عداء او تأييد.
وهناك الكثير من أقوال العلماء من المدرسة السنية تتفاعل ايجابيا مع حقيقة علم التصوف والعارفين فيه. وحول حقيقة التصوف كما قال الشيخ الشعراني في كتابه الأنوار القدسية: (هو العمل بالعلم والشريعة الإسلامية على وجه الإخلاص والصدق، ولو رجعت إلى رجال التصوف الاوائل الذين أسسوه كانوا كلهم علماء عاملين دعاة إلى الله ساروا إلى الله بالكتاب والسنة المطهرة فلذلك ظهرت أنوارهم وبقيت آثارهم فالتصوف حقيقة أن تتعلم العلم الشريف الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ثم يعمل بهذا العلم الذي تعلمه ثم يسعى لاكتساب الصدق والإخلاص وذلك يكون بالاستعانة بالله تعالى والعكوف على الذكر والعبادة لتصفية الروح وتزكية النفس وشفاء القلب السقيم فلا تصوف بدون علم ولا ينفع العلم بلا عمل ومن قال بغير هذا فهو ليس من التصوف. ويقول إمام أهل السنة والسلفية الشيخ احمد بن حنبل لولده عبد الله: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا أعلم أقواماً أفضل منهم)!!
اما حجة الاسلام الشيخ ابو حامد الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال: (ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق).
ويقول الإمام الشافعي: (حبب إلى من دنياكم ثلاث: ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والإقتداء بطريق أهل التصوف). ويقول شيخ الشافعية النووي: (أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، إتباع السنة في الأقوال والأفعال، الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله في السراء والضراء).
وحتى ابن تيمية الحراني المعروف بتشدده فانه لا يهاجم الصوفية بالكامل اذ يقول: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهو ر مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء او مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف).
ويقول الباز الاشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني في الفتح الرباني:
كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة،
طر إلى الحق عزَّ وجلَّ بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترك العبادات المفروضة زندقة
وارتكاب المحظورات معصية. كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل
وهناك اقوال لكبار مشائخ العلماء السنيين مثل: تاج الدين السبكي والشاطبي والسيوطي والمحاسبي وابن خلدون وابن عابدين في مدح المتصوفة. ويقول ابو الحسن الندوي الهندي وهو من السلقية المحدثين في كتابه "المسلمون في الهند" قولا حسنا بالصوفية. وقال ابو القاسم الجنيد البغدادي: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته،فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه. من لم يحفظ القران ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب. وقد أثر عن السري السقطي أنه كان يقول: التصوف اسم لثلاثة معاني هو الذي:
لا يطفئ نور معرفته نور ورعة
ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة
ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله.
ولكن نرى اليوم الحملة شعواء من قبل سلفي ووهابي زماننا على المتصوفة اذ يعتبرون التصوف: علم مبتدع وليس له أصل في الشريعة وهو زندقة ورجاله زنادقة. ان الصوفية فرقة مجانبة لمنهج أهل السنة والجماعة.
والصوفيون ليسوا فرقة واحدة بل هم فرق ومجاميع كثيرة، فمن طوائفهم: القادرية، والرفاعية، والنقشبندية، والبكتاشية، والصفوية، والشاذلية، والسطوحية طريقة سيدي احمد البدوي، إلخ. وكل اسم مأخوذ من اسم الشيخ الذي يتبعه المريدون. وفي عقيدة المتصوفة أن تعدد الطرق حتى لو كانت بالملايين، لا يضر في الدين، لانهم يعتقدون ان الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.
ان ضعف التوجه الصوفي في المجتمعات السنية كان لصالح سيطرة الاتجاهات الوهابية السلفية والارهابية التكفيرية. الصوفية بصورة عامة ينشدون مجتمعا تعايشيا مع الاخر حتى اذا اختلفوا معه بالدين او المذهب. كما ان الحركات الصوفية كان لها الباع الطويل في النضال ضد الاستعمار في الوقت الذي رأينا الحركة السلفية لا نشاط لها في هذا الميدان بل ان مهارتها كانت تظهر بمحاربة المسلمين والدولة الخلافة الاسلامية العثمانية لصالح الغربيين والغزاة.
بعد هذه المقدمات التي قد تكون مفيدة او على العكس مملة للقارئ ارجع لاقول: انه من هذا الاستعراض طالعتنا الكثير من الرؤى الانسانية والمعرفية التي يتمكن الشاعر والاديب والفنان من الاستفادة منها وقد يتبناها كلا او جزءً او حتى لا يتبنّاها كطريقة بمعناها الخاص ولكن من الممكن ان تسهم بصورة كبيرة في إلابداع الشّعريّ والادبي والفني، وعلى اقل الاحتمالات فانها توسع من مداركه وافاقه الروحية والعقلية، وقد تسهم في ترقيق طباعه.
ما تقول حول الشاعر الصوفي الكبير الحلاج لاسيما وانت تذكره في إبداعك؟ الحلاج لا شك ولا ريب شخصية اسلامية وعالمية كبيرة ومشهورة وكُتب عنه الكتير. ولكني سأنطلق من نقطة اخرى وهي: مخاطبة الناس على قدر عقولهم مما تبناه المتصوفة ويقول احدهم: (نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا، وكذلك لا يجوز لأحد أن ينقل كلامنا إلا لمن يؤمن به، فمن نقله إلى من لا يؤمن به دخل هو والمنقول إليه جهنم الإنكار، وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رؤوس الأشهاد وقالوا: من باح بالسرّ استحق القتل). وقد ذكر الدباغ حكايات كثيرة عن الذين لم يكتموا السرّ فابتلاهم الله ببلايا عديدة، من القتل والصلب والحرق والعمى وغير ذلك، وكان منهم الحلاج، لأنه لم يقتل إلا لإفشاء سرّه. ويري المتصوفه عنه أن الخضر عبر على الحلاج وهو مصلوب، فقال له الحلاج: (هذا جزاء اولياء الله؟ فقال له الخضر: نحن كتمنا فسلمنا، وأنت بحت فمتّ). وكما رووا عن أبي بكر الشبلي أنه قال: (كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت)
وينسب للامام السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام انه قال:
يارب جوهر علم لو ابوح به*** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي*** يرون أقبح ما يأتونه حسنا
ان الخطأ الذي نسبه العارفون والمتصوفة للحلاج هو عدم التزامه بالمعنى الانف الذكر، فاعطى الحجة لسفك دمه. والله اعلم بحقيقة امره وسره. والحسين بن منصور الحلاج فهناك من بصحح مذهبه وهناك من يرى انحرافه بل كفره وزندقته، وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء، ومنهم من نسبه إلى الحلول مع انه يقول: "من ظن أن الإلهية تمتزجُ بالبشرية،والبشرية بالإلهية فقد كفر،فإنه الله تعالي تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم،ولا يشبههم بوجهٍ من الوجوهِ،ولا يشبهو نه". وهو الذي يقول: "وكما أن ناسوتيتي مستهلكةٌ في لاهو تيتك،غيرُ ممازجةٍ لها،فلاهو تيتك مستوليةٌ علي ناسوتيتي،غير ممازجةٍ لها".
ومنهم من نسبه إلى الزندقة وإلى الشعبذة لاسيما وقد اشتهر بالقول بوحدة الوجود. ومن شعره الذي أنكره العلماء، قوله:
سبحان من أظهر ناسوته***سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا*** في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينة خلقه***كلحظة الحاجب بالحاجب
وواضح تأثر هذا الشعر بالتصورات النصرانية والمسيحية. والحلاج على ارتفاع مستواه في عالم العشق والتفاني في طريق ما يعتقد الا ان ذلك لا ينزه كل اعماله واقواله لا سيما ما خالف به شريعة رب العالمين. ولكن في كلام الحلاج ما يهيج الشجون ويدمي العيون مثل قوله: ركعتان في العشق لا يصح وضوئهما الا بالدم. انا اعتقد ان الحلاج تم تشوبه صورته من قبل قيادات متمكنة من المسلمين السنة والشيعة على السواء لانه كان يحمل سرا ليس من صالحهما كشفه. في صباح 26 من ذي القعدة لسنة 309 هجريه تقدم الوزير حامد بن العباس لكي يتلو خطاب الخليفه المقتدر بالله العباسي موضحا ان في قتل الحسين بن منصور الحلاج فيه مصلحة للمسلمين... وعندما أكمل بيان اﻻعدام اشار للسياف بان يتقدم لحز رقبة هذا العاشق المتجاهر بما لم يتجاهر به غيره... سقط الرأس على اﻻرض، كتب على التراب كما يروي مناصروه اسم الله في اكثر من 33 موضع... وعلى اي حال فان ما نسبه المسيحيون من صلب للمسيح ولم يثبت ذلك ويخالفهم به الكثير من النصارى وكل المسلمين، الا ان صلب المسيح تجلى بصلب الحلاج. هذا ما ذهب اليه ماسينيون، وسمّاه جان شوفالييه "مسيح الإسلام"، وأطلق روجيه أرنالديز على دعوته تسمية "دين الصليب"، وبات من الصعب على كلّ من تأمّل في سيرة حياته ومماته ألا يلاحظ اوجه الشبه بينه وبين المسيح.
لم يتّخذ الحلاّج التقيّة منهجًا له في حياته الروحيّة والسياسيّة، بل تكلّم بكلّ جرأة، وعانى ما لم يعانه أحد من المتصوفة، فاتّهم واضطهد وسُجن، وعُرض مصلوبًا وقبلها بقي ثماني سنوات محبوسًا في بغداد، يقودوه من سجن إلى آخر، إلى أن انتهت حياته في 26 آذار العام 922، بعد أن تمّ جلده، وقُطّعت أعضاؤه، ثمّ صُلب وقُطع رأسه وحُرق جسمه كلّه. لم يهب الحلاّج الموت، وظلّ متماسكًا وقويًا، وبدا كأنّه ينتظره، لا حبًّا بالموت، وإنّما ترسيخًا لدعوته الصوفيّة، ومبدئه القائم على التضحية والمحبّة. إنّ أساس المحبّة عند الحلاّج هو التضحية، لذلك وجب على الذي يحبّ الآخر أن يضحي من أجله. وكان قد "تنبأ" بموته صلبًا لَمّا قال: "وإن قُتلتُ اوصلبتُ اوقطّعت يداي ورجلاي ما رجعتُ عن دعواي. كما قال: "قد اجتمعوا لقتلي تعصّبًا لدينك، وتقرّبًا إليك، فاغفر لهم، فإنّك لوكشفتَ لهم ما كشفتَ لي لَما فعلوا ما فعلوا". ضُربَ الحلاجُ ألفَ سوطٍ فما تاوة،حسب رواية ابن الأثير، ثُمَّ قطعت يديهِ ورجليهِ وهو حَيَّ، ويروي أنهُ صلَّي وهو مقطوع اليدين والرجلين.ثم صلبوه ثلاثة أيام،ثم قطعت رأسه، وألقي الزيتُ على جذعه وأحرقْ، وذروا رمادهُ من فوقِ مئذنة الجامع المنصور فتناثرت على صفحةِ دجلة، ونُصِبَ الرأسْ للمشاهدبن. نظر إلى صديقه ''الشبلي'' بين الحضور، طالبه بسجادة للصلاة، والدماء كانت تسيل من يديه، مسح وجهه وقال ''ركعتان في العشق لا يجوز وضوؤها إلا بالدم'' وهنا نرى انه حقق مقصوده. قال عنه الفقيه المعروف ومفجر الثورة الاسلامية في ايران والعالم الاسلامي الامام السيد روح الله الموسوي الخميني في غزل له باللغة الفارسية:
من به خال لبت ای دوست گرفتار شدم
چشم بیمار تو را دیدم وبیمار شدم
فارغ از خود شدم وکوس انا الحق بزدم
همچو منصور خریدار سر دار شدم
وترجمته للغة العربية:
سُبيتُ يا حبيبي بخال شفتك
أبصرتُ عينك المريضة، فمرضتُ
ذهلت عن نفسي، وأطلقت صرخة: أنا الحق
وكما فعل الحلاج اشتريت حبل المشنقة
ان اعجابي بالحلاج لا يعني ايماني بكل ما قال، بل هي شطحات كانت تصدر منه كصدور الهذيان من المجانين، لقد كان الحلاج يعيش حالة الاحتراق والهيجان مما يجعله ينفلت عن الكثير من الاطر التي ينبغي للمسلم الموحد ان يلتزم بها. ويشير الشيخ ابو حامد الغزالي في كتابه المعروف "المنقذ من الضلال" إلى ذلك قائلًا: "ثم يترقى الحال -بالصوفي- من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق. ولا يحاول معبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه. وعلى الجملة ينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول، وطائفة الاتحاد، وطائفة الوصول. وكل ذلك خطأ، بل الذي لابسته تلك الحالة لا ينبغي أن يزيد على أن يقول:
وكان ما كان مما لست أذكره***فَظَنَّ خَيْرًا ولا تَسْأَلْ عن الخَبَرِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.