لعل المتأمل للمشهد اليمني يدرك أن سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء بقدر ماشكل لهم من إنتصار وهيبة لحركة تعتقد أن إنتصاراتها نتيجة لمظلوميتها ودفاعها عن نفسها وهو ماجعل قادتها يبشرون جنودهم في جبال مران عام 2004 بأنهم سيصلون صنعاء يوما ما ! إلا أن ذلك الإنتصار قد يبدو بمثابة القشة التي ستقصم الحركة الحوثية وبمثابة فخ وطعم قُدم للحوثيين الغرض منه إستدراجهم إلى العاصمة لكي يتسنى القضاء عليهم فيما بعد بحجج كثيرة لعل أبرزها ماحدث من فوضى نتيجة إقتحامهم لعدد من المنازل والمؤسسات ولإنتشار ميليشياتهم المسلحة ولعل الجميع يتذكر أن سقوط حركة الإخوان المسلمين في مصر لم يتم إلا بعد وصولهم للحكم يعني وهم في أوج قوتهم فالنصر قد يحمل في طياته نكسات ونكبات لأصحابه خصوصاً إذا ما أعقبه تصرفات لا أخلاقية يحاول فيها المنتصر فرض هيبته وشخصيته وثقافته على من سواه ! كذلك يدرك الحوثيون أن المتربصين بهم كثر محلياً ودولياً ولعل تنظيم القاعدة أحد أولئك المتربصين ! كما يرى البعض أن الرئيس السابق ونجله أحد الذين يسعون لإستغلال تهييج الرأي العام والقيام بإنقلاب عسكري لحماية الثورة والجمهورية رغم تحالفهم الآن مع بعضهم البعض ولكنها ألاعبيب السياسة ومقتضياتها فقد تجمع أعداء الأمس وتفرق حلفاء اليوم وماتحالف صالح مع الحوثي إلا خير دليل كما أنه تحالف على وشك الإنتهاء فكل طرف يدرك أن الآخر أصبح خطر عليه فصالح ونجله هم أكبر خطر يهدد الحوثيين كما أن أنصار الله أصبحوا العقبة الكوؤد أمام حلم استعادة نظام صالح ولا يخفى على أحد أن الطرفين ما زالا يؤرقان منام الرئيس هادي وصراعهما مع بعض حالياً لصالح الأخير فكما أزاح أنصار الله علي محسن الأحمر وأولاد الأحمر ومن خلفهم حزب الإصلاح من تصدر المشهد السياسي فإن الطريق ممهدة وأظن أن المسألة مسألة وقت لكي يزاح خصم جديد لهادي وأحد المتهمين بعرقلة مسار العملية السياسية إما الحوثيين وإما صالح وبعدها لن يتبقى سوى خصم وحيد قد تبدو مواجهته فيما بعد سهلة بعد التخلص من التحالفات الحالية التي همها الآن إسقاط النظام وتقويضه ولكن قد يدفع هادي ونظامه ثمن هذه اللعبة غالياً كون الحوثيين قد توغلوا في العاصمة ومؤسسات الدولة وبعض المعسكرات وكسبوا ولاء بعض القادة في أماكن حساسة وخطيرة ! وقبل هذا كله لم يتوقع أبناء اليمن أن تشهد عاصمتهم حرب بعد أحداث 2011ويعود إليها دوي المدافع وتتعرض لإجتياح حوثي وهي التي احتضنت حواراً لكافة القوى السياسية دام تسعة أشهر كان يظن الجميع أن مشاكل اليمن وظروفه المعقدة ستحل عقب ذلك الحوار التاريخي إلا أن الأحداث الأخيرة جعلت الجميع في حيرة ودهشة وذهول ماذا حدث ولماذا وكيف ومن يقف وراء ذلك ! بعض التحليلات السياسية لم تبرىء الرئيس هادي في ماحصل وأن له يد طولى فهو كان يقصد حسب زعمهم من التخلص من الثقل القبلي الذي كان يحاصره والمتمثل في قبيلة أولاد الأحمر والجناح العسكري الموالي لهم في الجيش والذي يمثله مستشار الرئيس للشئون العسكرية علي محسن القائد السابق للفرقة الأولى مدرع التي انشقت عن حكم صالح إبان ثورة التغيير والذي يرى البعض أن إلغاء الفرقة بعد قرار الهيكلة لم يواجه بإرتياح من قبل الأحمر رغم مباركته لذلك القرار إلا أن رفضه لتسليم موقع الفرقة كان دليل على ذلك وهذا ماتبدى فيما بعد في تخلي السلطة عن محافظة عمران والتي تمثل الثقل القبلي لأولاد الأحمر وكذلك تخليها عن اللواء 301 مدرع أحد الألوية التابعة للفرقة وتخليها عن قائده حميد القشيبي أحد رجال الجنرال علي محسن وتبع ذلك الحدث تغيير قائد المنطقة العسكرية السادسة المقدشي والمعروف بولائه لمحسن ولم يكتف الرئيس بذلك بل أراد أن يتخلص من محسن نهائياً وذلك مابدى واضحاً بعد أن تركته السلطة وحيداً في مواجهة الحوثيين وتصوير المعركة أنها بينه وبين أنصار الله ولعل الأحمر أدرك حجم المؤامرة فقرر الإنسحاب مغادراً اليمن والتي كان يعد أحد أعمدة الحكم فيها وكان يوصف بالرجل الثاني في الحكم طيلة حكم صالح وحاول أن يكون كذلك مع هادي كما يرى البعض وهذا مارفضه الأخير وجعله يتخلص منه ومن أولاد الأحمر ويضعف شوكة حزب الإصلاح أحد الأحزاب الدينية المحسوبة على الإخوان المسلمين وهذا ماجعل البعض يرى أن مؤامرة دولية شاركت فيها الإمارات والسعودية للقضاء على إخوان اليمن ! لكن البعض استبعد أن تؤيد السعودية جماعة معروفة بولائها لإيران العدو الأكبر للسعودية كما أن تمدد الحوثيين وسيطرتهم على مفاصل الحكم في اليمن يهدد أمن السعودية واستقرارها فيما يرى طرف ثالث أن هناك تحالف بين المملكة والحوثيين لكنه مؤقت القصد منه حالياً التخلص من إخوان اليمن بعد ذلك قد تدعم السعودية والإمارات إنقلاب عسكري في اليمن بقيادة نجل الرئيس السابق أو أحد القادة العسكريين الموالين لهاتين الدولتين ! بعض التحليلات السياسية ذهبت بمخيلتها بعيداً ورأت أن هادي يسعى ويخطط للإنفصال بجنوباليمن بعد ماحدث في صنعاء وإن لم يكن بطريقة رسمية فهو سيحاول الإنتقال إلى عدن بحجة أن صنعاء تحت قبضة الحوثيين ومن ثم يرى البعض أن هذه فرصة مناسبة له بإعلان عدن عاصمة لليمن والتخلص من الثقل القبلي الذي عطل مسار الدولة في صنعاء ويرى آخرون أن إعلان عدن عاصمة لليمن سيكون بمثابة إعلان إنفصال الجنوب لا سيما والشمال معظمه في قبضة الحوثي ومعظم مناطق الجنوب تحت سيطرة الحراك وأصبح معظم أبناء الجنوب يطالبون بالإنفصال عن الشمال! كما أن توقعات تشير إلى أن إكتفاء هادي بالبقاء في عدن خلال الفترة القادمة خصوصاً بعد نقل معظم ألوية الجيش اليمني إلى الجنوب ليس بالضرورة للإنفصال خصوصاً والرجل أحد أبرز قادة الجيش الذين دافعوا عن الوحدة ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك لكن للرجل حسابات مع بعض الخصوم كما قلنا بدءاً بالمعركة المتوقعة بين صالح والحوثيين وبين الحوثيين والقاعدة والتي قد تمتد إلى محافظتي مأرب والبيضاء وقد تكون سبباً لسحب الحوثيين من صنعاء لكن إنتصارهم سيزيد الطين بلة عند هادي وسيشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة لأن الشمال سيكون فعلياً تحت سيطرة أنصار الله لذا فأن إطالة أمد المعركة بين الحوثيين والقاعدة وإرهاقهم هو الخيار المحتمل فهؤلاء حالياً أبرز خصوم لهادي ولاشك أنهم يدركون مخططات هادي ولديهم حساباتهم الخاصة للتعامل معه فيما تخلصوا من خصومهم أما في حال نجاح هادي في مخططه واستطاع أن يخلص الشمال من خصومه السابقين فإنه سيتفرغ لمواجهة دعاة الإنفصال جنوباليمن حيث يرى البعض أن هادي قد لعب شوطاً مهماً في ذلك فقد استطاع إختراق الحراك الجنوبي وكسب بعض قادته المؤثرين وخفت حدة الأصوات المنادية بإعلان دولة الجنوب نوعاً ما وأصبح بعض أبناء الجنوب مقتنع بفكرة إقامة إقليمين في الجنوب وأربعة في الشمال لكن غالبية الجنوبيين لا زالوا يطالبون بفك الإرتباط واستعادة دولتهم في جنوباليمن كما ذكرنا سابقاً ! بعد كل ماسبق توسعت التحليلات والتوقعات السياسية فهناك من يرى فيها أشياء منطقية وهناك من يرى فيها مبالغات سياسية وشطحات مثل أن يعلن الرئيس إنفصال الجنوب ! ويرى آخرين أن الأيام القليلة القادمة ستكشف لنا كثير من الخبايا والألغاز حيث يرون أن سقوط صنعاء بيد الحوثيين كان سقوط شكلي والقصد منه إبعاد التهمة عن الرئيس ووزير الدفاع على التآمر على مقر الفرقة وعلى جامعة الإيمان فقد سقط التلفزيون والإذاعة ووزارة الدفاع ورئاسة الوزراء وغيرها من مؤسسات الدولة لكن العجيب أن توقيع إتفاقية الشراكة والسلام أعقب ذلك السقوط بساعات وبحضور الرئيس الذي لم يغادر العاصمة وهو يرى عاصمته تسقط ودون أن تحرك خمس مناطق عسكرية أي قطعة سلاح بل لم يصدر بيان لشجب واستنكار ماحدث ؟!!!!!! الرئيس هادي بدوره أصبح مدان حتى تثبت براءته وبدأت شعبيته في انخفاض وهو ما يتداركه حالياً في كل مناسبة بقوله أن بلاده نجت من مؤامرة كبيرة داخلية وخارجيه وهو ماسيدركه اليمنيون لاحقاً وبدورهم تساءل البعض لماذا صرح هادي أن طهران تريد مقايضة صنعاء بدمشق وفي الأخير وقف مكتوف اليدين ولم يحرك ساكناً أمام الحوثيين!!! وهل كان تسليم صنعاء بتلك الطريقة حكمة لتتجنب البلاد الحرب الأهلية كما زعم أم إنها فرصة لتشهد البلاد تغييرات كبيرة وخصوصاً في قيادة الجيش بحجة التعاون مع الحوثيين والنظام السابق البعض رأى أن سقوط صنعاء بتلك الطريقة سيعجل من سقوط بقية القوى المتحالفة ضد هادي للإنفراد بالمشهد السياسي لأنها ستبدأ بالصراع فيما بينها ! ولعل بيان أنصار الشريعة خير دليل حينما توعد الحوثيين بجعل أشلائهم تتطاير ولعل هذا سيجعلهم يطاردون أنصار الله بدلاً من مطاردتهم للجيش كونهم أي أنصار الله هم من يتسيد المشهدالسياسي كما يبدو ظاهراً وبعد أن حلت ميليشياتهم بدلاً من الجيش اليمني الذي يراه معظم اليمنيون جيش منهار ولم يعد ذا جدوى وفائدة بعد عجزه عن حماية عاصمة البلد وبعد نهب عدد من معداته فيها !!! إذن كما قلنا الأيام القليلة القادمة كفيلة بمزيد من التطورات وكشف بعض الحقائق والألغاز المعقدة كوضع اليمن الأشد تعقيداً والذي جعل الجميع في حيرة وفي محاولة لفهم هذا الواقع الذي جمع كل المتناقضات والتي استعصى فهمها حتى الآن ليبقى السؤال ماذا حدث في اليمن لتسقط صنعاء بتلك الصورة العجيبة ؟!!! ويبقى السؤال الأهم وماذا سيحدث بعد في هذا البلد المغلوب على أمره الذي لا يخرج من أزمة إلا إلى أخرى ؟!!!!