شكلت حادثة اغتيال محافظ عدن اللواء جعفر سعد، في هجوم بسيارة مفخخة استهدف موكبه أمس تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، ضربة موجعة للسلطة الشرعية التي تسعى لفرض الاستقرار في هذه المدينة التي تشهد حالة من الفوضى الأمنية وتعد الاغتيالات أبرز عناوينها. ويُعد اللواء سعد أحد خصوم الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومن أبرز القيادات العسكرية بالجيش والتي نسقت مع القوات الإماراتية في الحرب ضد الحوثيين وقوات صالح لاستعادة عدن، وسبق أن منحه الرئيس عبد ربه منصور هادي وسام الشجاعة تقديرا لدوره. وتشهد عدن موجة اغتيالات متصاعدة طالت أكثر من ثمانين شخصا من القيادات الأمنية والعسكرية ورموزا في المقاومة الشعبية بالمدينة، منذ تحريرها من قبضة الحوثيين وصالح في يوليو/تموز الماضي، وحتى الآن، وفقاً لإحصائيات أمنية بعدن. ومن أبرز هذه الاغتيالات استهداف مقر إقامة نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد بحاح، وطاقم حكومته، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وموقع عسكري تابع لقوات التحالف العربي أسفر عن سقوط نحو 15 قتيلا، بينهم أربعة جنود إماراتيين. مؤشر خطير وكان مسلحون مجهولون اغتالوا أمس الأحد ضابطا بالجيش يدعى عنتر الباخشي بالقرب من منزله في عدن، دون أن تتبنى أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن العملية، وذلك قبل ساعة من اغتيال محافظ عدن، وبعد يوم من اغتيال رئيس المحكمة الجزائية بعدن القاضي محسن علوان في ظروف غامضة. واعتبر محللون وصحفيون يمنيون أن تصاعد الاغتيالات -والتي امتدت إلى أعلى هرم السلطة بالمحافظة- مؤشر خطير على تفاقم الخلل الأمني الناتج عن غياب أجهزة الدولة بالمدن المحررة وخصوصا العاصمة المؤقتة عدن. وحذر رئيس مركز مسارات للإستراتيجيات والإعلام بعدن، باسم الشعبي، من خطورة تصاعد مسلسل الاغتيال على هذا النحو وعدم الإسراع في معالجة الخلل الأمني والذي قد يدفع بعدن ومحيطها بما في ذلك مضيق باب المندب الإستراتيجي نحو منزلق الفوضى". وقال الشعبي للجزيرة نت إن الوضع الأمني في عدن أصبح خطيرا جدا ويستدعي تحركا رسميا وشعبيا كبيرا من كل المكونات الاجتماعية في المدينة لإنقاذ مدينة عدن من السقوط بشكل كامل في الفوضى وبالتالي عودة السكان إلى النزوح منها مرة أخرى. وتابع أن "نَسب بعض عمليات الاغتيالات لتنظيمات إرهابية مثل تبني تنظيم الدولة لاغتيال محافظ عدن، وبعض العمليات الأخرى، هي مجرد أدوات فقط ليس أكثر يقف خلفها المنفذ الحقيقي". غياب الرؤية من جهة أخرى، اعتبر رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد -في حديث للجزيرة نت- أن ما يجري من اغتيالات جزء من الفوضى التي تعقب عادة الحروب، موضحا أن ظهور الجماعات المسلحة مؤشر لوجود حالة فراغ أمني. وقال إن السلطة الشرعية التي عادت إلى عدن لاتخاذها عاصمة مؤقتة للبلاد فشلت في ملء الفراغ نتيجة لعدم امتلاكها رؤية إستراتيجية لحالة اليمن بعد تحرير المناطق من سيطرة الحوثيين. وأضاف أن ملء الفراغ كان يفترض أن تسلم إدارة أمن المناطق المحررة للمقاومة الشعبية بإشراف الجيش الوطني والسلطة المحلية، ويتم إدماج أفرادها في إطار شرعي يأخذ توجيهاته من منظومة السلطة الشرعية، لكن ما حصل أنه تمت إزاحة المقاومة، بينما "عجزت السلطة الشرعية بهياكلها القديمة المهترئة عن القيام بدورها فحصل الفراغ الذي ملأته الجماعات الإرهابية". وأضاف: "إذا استمر الوضع كما هو فإن تمدد الجماعات المسلحة وسيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد ستعطي مشروعية جديدة للانقلابين في العودة للسيطرة على تلك المدن تحت لافتة مكافحة الإرهاب، وقد يصبح المتمردون جزءا من الحرب على الإرهاب وبالتالي فرض سيطرتهم". خطر إستراتيجي بدوره، اعتبر الصحفي المتخصص في شؤون القاعدة، أمجد خشافة، أن تبني أنصار تنظيم الدولة تنفيذ سلسلة اغتيالات، بما فيها اغتيال محافظ عدن، أمر لا يمكّن الحكومة وأجهزتها الأمنية من اتهام طرف آخر غير هذه الجماعة. وأشار إلى أن عناصر تنظيم الدولة باليمن بالرغم من أنهم لا يشكلون بعد ظاهرة لقلة عددهم فإن الحالة الهشة لأجهزة الأمن بالمناطق التي تخضع للسلطات الشرعية، ومن بينها عدن، هي ما يساعد هذا التنظيم على التحرك وتنفيذ العمليات ضد خصومهم في أي مكان. وقال خشافة -في حديث للجزيرة نت- إن ظهور أنصار تنظيم الدولة لسد هذا الفراغ، في إطار الصعود المتسارع لأصله في العراق وأنصاره في سوريا وليبيا، هو ما يشكل خطرا إستراتيجيا للأنظمة الوطنية، وليس على اليمن فحسب. وأضاف: يدرك التحالف والحكومة حجم هذا الخطر، إلا أن أزمة الانقسام بالرؤى تشكل عائقا أمام وجود قوة الدولة في عدن، بعد أن تم تفريغ المعسكرات والمقرات الأمنية باعتبار أن لها صلة بالرئيس المخلوع صالح، وهو ما أوجد أزمة في إعادة بناء هذه الأجهزة ودمج المقاومة الشعبية بالجيش.