الاحتلال يواصل توغله في رفح وعدوانه يخلف مزيدا من الشهداء والمصابين    معجزة تتوج اليونان بلقب يورو 2004    انسحاب ديوكوفيتش نذير شؤم قبل ويمبلدون.. واستثناء وحيد    اكتمال صفوف منتخب البحرين قبل مواجهة الثنائي العربي    عصابات فارس مناع تعبث بالآثار في إب لتهريبها للخارج    اكتمال تفويج الحجاج اليمنيين عبر منفذ الوديعة    الموت يفجع اللواء فيصل رجب    سخط وغضب عارم وسط اليمنيين من دولة خليجية بسبب تداول مقطع فيديو مسرب وصادم    حريق هائل في مارب وضحايا جلّهم من الأطفال    التأثيرات السلبية لقراءة كتب المستشرقين والمنحرفين    محلل سياسي: مخطط خطير لإسقاط مأرب والساحل الغربي ومحافظة جنوبية وحرب كبرى الأشهر القادمة!    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    لا تجعلوا الانتقالي كيانا مغلقا    قيادة السلطة المحلية في مارب تستقبل وفد موكب السلام بحفاوة "شاهد"    إنهيار منزل من 3 طوابق على رؤوس ساكنيه بالعاصمة عدن    الفاسدون الجنوبيون يقفون ضد فك إرتباط الجنوب باليمن    عيدروس الزبيدي في مهمة تركيع الحوثيين    اليمن.. في ضرورة إعادة ضبط إعدادات المصنع    مقتل جندي في وادي حضرموت برصاص مسلحين مجهولين    دي بروين يفتح الباب أمام الانتقال إلى الدوري السعودي    الاتحاد السعودي معروض للبيع!.. تحرك عاجل يصدم جمهور العميد    قيادي في الحراك الثوري يهاجم الانتقالي الجنوبي و يدعو إلى انتفاضة    مع اقتراب موسم الاضاحي ..10 دول عربية ضمن الأكثر امتلاكا للأغنام في العالم وهذا هو ترتيب اليمن    غرق طفل في حضرموت : العثور على جثته بعد ساعات من البحث المكثف    عدن وحضرموت على صفيح ساخن والغضب الشعبي يتزايد    ضربة قاصمة جديدة للحوثيين: عدن تستقبل المزيد من المنظمات الدولية    عاجل: إعلان عسكري أمريكي بشأن هجوم صاروخي للحوثيين بالبحر الأحمر    الرئيس اليمني الاسبق علي ناصر يكشف عن مشروع للسلام في اليمن واسباب عدم اعلان نتائج لقاءات مسقط    رئيس تنفيذية انتقالي لحج الحالمي يُعزّي في وفاة المناضل العميد شعفل عبدالله العبادي    545 مستفيدا من القافلة الطبية والدورة التدريبية في الإنعاش القلبي بمستشفى حريضة    كاين يطالب ساوثغايت بالابقاء على كول بالمر ليورو 2024    المنتخب الوطني الأول يغادر للمنامة لمواجهة نظيره البحريني في تصفيات المونديال    بطارية طاقة شمسية تدمر منزل في المهرة وسقوط قتلى وجرحى    منظمات المجتمع المدني في حضرموت ترفض تواجد قوات العليمي في الساحل الحضرمي    75 مليون دولار يلحسها وزير الداخلية "إبراهيم حيدان" قيمة بطاقة شخصية    ارحموا الريال    وضع حجر أساس لإنشاء قرية سكنية للنازحين بمأرب بتمويل كويتي    بعد إعلان الريال التعاقد معه.. مبابي: "فخور بالانضمام إلى نادي أحلامي"    لم تستطع أداء الحج او العمرة ...اليك أعمال تعادل ثوابهما    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    مسار السلام في اليمن .. اتجاه نحو العودة إلى نقطة الصفر واخر يفتح بصيص تفاؤل وبينهما مشكاة ضوء خافت    وثيقة تكشف عن مديونية كبيرة للبنوك التجارية والإسلامية لدى البنك المركزي    - 17مليار دولار ارتفاع ثروة أغنى أغنياء روسيا خلال السته الأشهر من 2024    الرئيس الزُبيدي يوجه بمخاطبة واستكمال إجراءات نقل مقرات المنظمات إلى عدن    - توقعات ما سيحدث لك وفق برجك اليوم الثلاثاء 4يونيو    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    نهب وتدمير للاقتصاد الوطني.. كيف يعبث الحوثيون بالقطاع الزراعي؟    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    عودة التيار الكهربائي إلى مدينة مأرب بعد انقطاعه لساعات إثر خلل فني    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    خراب    الوجه الأسود للعولمة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استدعاء التاريخ هرباً من الحاضر: سبتمبر وصراع الهوية اليمنية

شهدت ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 زخماً وحضوراً جماهيرياً واسعاً في أوساط اليمنيين، فقد تم نقل عيد الثورة لهذا العام من الميادين إلى قلوب الناس، بحسب تعبير الكاتب والروائي محمود ياسين. وتحوّل الاحتفاء الشعبي بثورة 26 سبتمبر في جزء منه إلى حرب هوية، ذلك أن جماعة الحوثيين المسيطرة على السلطة بصنعاء أحيت ذكرى الولاية (يوم الغدير) كمناسبة دينية في 8 سبتمبر/أيلول الماضي بزخم كبير، كما أحيت في 21 سبتمبر الماضي، الذكرى الثالثة لسيطرتها على صنعاء باعتبارها "ثورة شعبية". وهو ما دفع مناهضيها إلى مهاجمة المناسبتين. الأولى لأنها مناسبة دينية لا تشمل جميع اليمنيين، بل بعضهم، ولأنها تحصر حق الولاية في البطنين (سلالة الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب). مع العلم أن المناسبة غير متوافقة مع مبادئ الجمهورية وثورة 26 سبتمبر، التي أصدرت قيادتها قراراً بمنع إحياء ذكرى "يوم الغدير" لأنها تكرس سلطة الأئمة الذين قامت ضدهم الثورة من وجهة نظرهم، وبالتالي حشد هؤلاء المناهضون كل السرديات التاريخية التي تعبر عن الهوية القومية اليمنية باعتبارها هوية "قحطانية" في مقابل هوية "عدنانية" للهاشميين أو الحوثيين حالياً. أما المناسبة الثانية فاعتُبرت "انقلاباً" على السلطة التي تمثل امتداداً لثورة 26 سبتمبر.
في ليل 26 سبتمبر 2015، ذهب الكاتبان أحمد العرامي وعلوي السقاف وزملاؤهما إلى ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، وهو مظلم ولا شعلة فيه ولا احتفال بالذكرى ال53 لثورة 26 سبتمبر. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تمر فيها أعياد الثورة من دون إيقاد الشعلة في الميدان، الذي انطلق منه ثوار سبتمبر إلى قصر الإمام البدر، آخر الأئمة الذين حكموا اليمن بين عامي 898 و1962، كواحدة من أهم ثورات العالم العربي التحررية، نتج عنها النظام الجمهوري الوحيد في شبه الجزيرة العربية حتى اليوم. وفي اليوم التالي ل26 سبتمبر 2015، أحيا شباب الحزب الاشتراكي اليمني ذكرى الثورة بالرقص والأناشيد الوطنية في الشارع العام، كمظهر وحيد للاحتفاء بها يومها. وتصدرت المشهد وزيرة الثقافة السابقة أروى عثمان، التي تعرّضت بموجبها لحملة شيطنة كبيرة، بسبب تجاوزها التقاليد ورقصها مكشوفة الرأس.
وبعد مرور ثلاث سنوات على سيطرة الحوثيين على صنعاء، و30 شهراً من حرب التحالف على اليمن، من دون تحقيق أهداف جوهرية، تنامى الشعور الوطني لدى المواطنين، بشكل غير مسبوق، تحديداً بمبادئ ثورة سبتمبر 1962. وانتقل الاحتفال بها من مهمة رسمية إلى مهمة وطنية شعبية، قام بها المواطنون تلقائياً، عبر إعادة التقليد القديم بإشعال كرات الرماد المعجونة بالغاز على أسطح المنازل، وإطلاق الألعاب النارية، وإقامة الأمسيات الراقصة على أنغام الأناشيد الوطنية. فقال الفنان التشكيلي مراد سبيع ل"العربي الجديد"، إن "شعلة الثورة اتقدت في قلب كل يمني حر"، أما الشاعر أوراس الإرياني فرأى أن "الاحتفال الفردي بها تحوّل إلى ثورة بحد ذاتها".
وعلى الرغم من إقامة فعالية إيقاد شعلة 26 سبتمبر في ميدان التحرير بصنعاء من قبل سلطات الحوثيين، وإلقاء خطابات بالمناسبة من قيادات الجماعة، بمن فيهم رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، إلا أن المناهضين للحوثيين، اعتبروا ذلك غير كاف، لأن زعيم الجماعة وصاحب القرار الأول عبد الملك الحوثي، ألقى خطابات مطولة في مناسبات دينية، لم يتم إحياؤها سابقاً، حتى سيطرة جماعته على السلطة، مثل ذكرى يوم الغدير، والمولد النبوي، وذكرى عاشوراء/كربلاء، ويوم الشهيد، ويوم القدس. غير أنه لم يلقِ أي خطاب في ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962. وهو ما دفع الصحافي نبيل عبدالرب، المنتمي لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، شريك الحوثيين في السلطة، إلى القول، إنه "كنا نتمنى من زعيم الجماعة الحوثية إلقاء خطاب بمناسبة الذكرى ال55 لثورة 26 سبتمبر، أسوة بالمناسبات الوطنية والدينية الأخرى"
مع العلم أنه بدءاً من مطلع سبتمبر الماضي، استبدلت الغالبية العظمى من الحسابات الفيسبوكية اليمنية، باستبدال بروفايلاتها بشعار ثورة 26 سبتمبر بشكل غير مسبوق. كما أُنشئت صفحات جديدة ذات متابعة مرتفعة، للدفاع عن اليمن الجمهوري الذي ولد بانطلاق ثورة 26 سبتمبر، كصفحة "اليمن الجمهوري"، وصفحات أخرى تطوع مجموعة شباب بإطلاقها باسم "الوعي الديمقراطي"، دشنت نشاطها بنشر 20 كتاباً عن تاريخ اليمن المعاصر وثورة سبتمبر 1962. كما تفرّغ عشرات الكتّاب والشعراء لنشر أدبيات خاصة بالثورة، إلا أن خطاب هذه الصفحات لم يخلُ من هجمات عنيفة ضد الحوثيين، في ظلّ اتهامهم بأنهم ضد ثورة 26 سبتمبر. أما على الجانب الآخر، فقد تمّ نشر كتيب شكك بمبادئ ثورة 26 سبتمبر بعنوان "الجمهورية المزعومة في اليمن"، ولم تصدره الجماعة أو عن جهة تمثلها لكنه تناول 26 سبتمبر من موقف مناهض لها كلياً، بشكل غير مسبوق في اليمن، بدا كأنه خطاب متشدد مناهض للثورة في مقابل لتشدد المؤمنين ب26 سبتمبر.
وفي مدينة تعز، أعلن أحد المواطنين عن بيع سيارته بالمزاد العلني لتمويل فعالية إيقاد شعلة 26 سبتمبر، بعد تأخر سلطات الشرعية عن توفير المبالغ المطلوبة لإحياء الذكرى. بدورها، نظّمت محافظة مأرب، وهي مقرّ سلطات الشرعية في محافظات الشمال، حفلاً خاصاً لإيقاد شعلة 26 سبتمبر، بالتزامن مع إيقاد شعلة صنعاء التي أوقدها خصومهم. ووقع بعضهم في ظلّ تسابق محموم بين الطرفين للتعبير عن الاهتمام بذكرى 26 سبتمبر، لكسب ولاء الجماهير التي فرضت أجندة اهتمامها على السياسيين من الطرفين.
سياسياً، شنّ الرئيس عبدربه منصور هادي في خطابه بالمناسبة، هجوماً حاداً على الحوثيين، متهماً إياهم بأنهم "امتداد لنظام الأئمة الذي قامت ضده الثورة"، ومتهماً الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بأنه "خان الجمهورية بتحالفه مع الحوثيين". لكن هادي تناسى بدوره موقف السعودية، حليفته، من الجمهورية يومها، ومواقفها اللاحقة للحيلولة دون تكوين دولة قوية في اليمن، بينما كانت هذه نقطة مهمة استغلّها صالح والحوثيون.
في هذا الصدد، شنّ صالح هجوماً ضد هادي والسعودية، وشبّه حلفاء الرياض اليوم ب"المرتزقة الذين دعمتهم ضد الجمهورية في الستينيات". وكما اعتبر المناهضون للحوثيين وصالح بأن ذكرى سيطرتهم على صنعاء (21 سبتمبر 2014) انقلاباً على ثورة 26 سبتمبر 1962، فإن هناك من اعتبر دخول الحوثيين صنعاء ثورة شعبية تشكل امتداداً لثورة 26 سبتمبر، كمحمد عائش رئيس تحرير صحيفة الأولى (متوقفة حالياً)، المقرّب من الحوثيين. لا بل إن عضو اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد المقالح، وصفها بأنها "مسار تصحيحي لانحرافات ثورة 26 سبتمبر".
إلا أن احتفال الحوثيين رسمياً بذكرى يوم الغدير أو ما يسمى (يوم الولاية) كان الأكثر جدلاً في الأوساط الشعبية، لأنها بنظر الكثير من اليمنيين، بمن فيهم حلفاؤهم في "المؤتمر الشعبي العام"، متناقضة مع النظام الجمهوري برمته، لا فقط مع ثورة 26 سبتمبر. وكان الأكثر تناولاً للقضية بالنقد العلني كتّاب موالون للشرعية والرئيس هادي.
كما عمّم ناشطون وكتّاب تهمة الانقلاب على مبادئ 26 سبتمبر، فشملوا مكوّناً رئيسياً وواسعاً في المجتمع اليمني، كالهاشميين، لمجرد رفضهم مواقف وسياسات الحوثيين، علماً أن الهاشميين وقفوا ضد نظام الأئمة، وكان جزء كبير من قيادة الثورة وتنظيم الضباط الأحرار من الهاشميين. واعتبر الكاتب عبدالله البردوني، أن "إثارة النعرة الطائفية (القحطانية والعدنانية) بين ثوار سبتمبر، عملية موجّهة لاختراق صف الجمهوريين يومها".
حتى بشأن ثورة 26 سبتمبر ذاتها هناك تيارات مختلفة رأت هويتها تبعاً للوجوه التي مثلتها وقاتلت دفاعاً عنها ضد نظام الأئمة، والدول التي دعمته يومها وعلى رأسها السعودية. فبعضهم اعتبر بأنها كانت "ثورة قومية تزعمها عسكريون أعضاء في حركة القوميين العرب، وأن القوى التقليدية قامت بإقصاء هؤلاء منذ انقلاب 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، التي تزعمتها قوى كانت أكثر ميلاً إلى المصالحة مع الملكيين، وأكثر قرباً من السعودية التي كانت العدو الأول للثورة".
في المقابل، رأى آخرون بأن "المبادئ التي مثلها القوميون لا تعبّر عنهم بل أن القوى القبلية/الدينية التقليدية التي قامت بانقلاب 5 نوفمبر 1967 هي الوجه الحقيقي للثورة، لأنها تخلصت من الهيمنة المصرية على القرار اليمني يومها، وساهمت في إنهاء الحرب الأهلية التي استمرت 8 سنوات وتحقيق الاستقرار في البلد بالتوصل إلى المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين في عام 1970.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.