بين العام 2000 والعام 2008 تغيرت الولاياتالمتحدة بصورة جذرية, ومرحلة ما بعد 2008 مسار تغييري آخر اقرب ما يكون الى «الثورة الداخلية». مجلة «الكفاح العربي» أوردت في سياق تقرير لها عناوين هذا التغيير, الذي يبدأ بالعالمين العربي والاسلامي في مبادرة اميركية جديدة يفترض ان تشكل خطة عمل لباراك اوباما في حال وصوله شارك في وضعها اكثر من ثلاثين مسؤولاً اميركياً بينهم رجال كونغرس ودبلوماسيون سابقون ابرزهم مادلين اولبرايت ودنيس روس وريتشارد ارميتاج... وخبراء في الشؤون الاسلامية والمسيحية واليهودية, من اجل تقليص رقعة العداء بين الولاياتالمتحدة والمسلمين. ماذا في التقرير الخطة؟ نحن الآن في تشرين الأول € نوفمبر € من العام 2000: معركة الانتخابات الأميركية محتدمة بعنف بين جورج بوش وجون كيري, والعالمان العربي والإسلامي يعلّقان كبير الآمال على الأول لتغيير السياسات الأميركية في الشرق الأوسط المنحازة بشدة إلى إسرائيل وأجندتها في الشرق الأوسط. النصف الأول من آمال العرب والمسلمين تحقق بفوز بوش. لكن النصف الثاني أثبت أنه كابوس. صحيح أن بوش قلب السياسات الأميركية في الشرق الأوسط رأساً على عقب, لكنه قلبها على رأس العرب والمسلمين, فنشر سياسة «الفوضى الخلاقة», ودمر العراق, وغزا أفغانستان, ودعم حروب سرائيل ضد لبنان وفلسطين, وساند الاستيطان اليهودي في ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس, وأوقف مسيرة الديمقراطية العربية حين شعر ان رياحها لن تكون كما تشتهي السفن الأميركية, ودمج بين الارهاب والفاشية وبين الاسلام. نحن الأن في تشرين الأول العام 2008: معركة الانتخابات الأميركية محتدمة, وان ليس كثيرا, بين باراك أوباما وجون ماكين. ورغم أن العالم العربي لا يكن الحماسة لأوباما كتلك التي أبداها لبوش, إلا أن ثمة آمالاً لديه بتغييرات كبرى في التوجهات الأميركية في حال فوز أوباما. وهو فوز بات مرجحاً, حتى الآن على الأقل, إلا إذا ما انتصر ما يسمى «تأثير برادلي» الذي يقول ان الغالبية الأميركية البيضاء تغيّر رأيها المنحاز إلى المرشحين السود حين تصل إلى أقلام الاقتراع, أو إذا لحق أوباما بمارتن لوثر كينغ وجون وروبرت كنيدي. آمال التغيير تبدو للوهلة الأولى في محلها, على الرغم من أنها قد تثبت لاحقاً أنها ليست أكثر من تفكير رغائبي أو حتى خيالي كما سنرى بعد قليل. وهي تستند إلى كم وافر من الأدبيات التي تشير إلى أن الديمقراطيين برئاسة أوباما سيستبدلون العصا بالجزرة في علاقاتهم مع العالمين العربي والاسلامي على كلا المستويين الأيديولوجي والاستراتيجي. قبل أيام, أطلق «مركز البحث عن أرضية مشتركة» في واشنطن بالاشتراك مع معهد «التوصل إلى اجماع» في بوسطن مبادرة «مشروع التواصل الأميركي الاسلامي» الذي تضافرت فيه جهود 30 من المسؤولين ورجال الكونغرس والدبلوماسيين السابقين, بينهم وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت, والنائب السابق لوزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج, والمنسّق السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط دينيس روس, وعضوا الكونغرس السابقيَن, فين ويبر وستيف بارتلت, فضلاً عن باحثين أميركيين وخبراء في حل الصراعات وقادة رأي إسلاميين ومسيحيين ويهود. المشروع خرج بتقرير وقع في 150 صفحة وتضمن الخطوط العامة لاستراتيجية هدفها انقاذ علاقات أميركا مع العالم الاسلامي وتقليص العداء المتنامي بين الطرفين, وطي صفحة صدام الحضارات التي فتحها صموئيل هانتينغتون وبرنارد لويس وبقية سرب المحافظين الجدد الأميركيين. وقد رفع المؤتمرون توصيات إلى الرئيس الأميركي الجديد لخّصها ديفيد فيرمان, الذي أشرف على التقرير, في مقابلة مع «سويس إنفو» على النحو الآتي: أولاً, أن يسلط الضوء في خِطاب تنصيبه على الأهمية القصوى لتحسين العلاقات الأميركية مع العالم الاسلامي. ثانياً, أن يؤكّد فوراً إلتِزام الولاياتالمتحدة بحظْر استخدام اشكال التعذيب كافة. ثالثاً, أن يبادر خلال ثلاثة أشهر من تنصيبه إلى طرح مبادرات رئيسة لحل الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط, وعلى رأسها الصراع العربي الاسرائيلي والمجابهة مع ايران. رابعاً, أن يدعو بحلول شهر تموز من العام 2009 إلى عقد مؤتمر موسّع يضُم وكالات الحكومة ورجال الأعمال, لمناقشة الإصلاح الاقتصادي والتنمية وخلْق فرص العمل في الشرق الأوسط. خامساً, أن يقود الرئيس الأميركي الجديد مبادرة بالتّعاون مع الكونغرس وقيادات هيئة التعليم في الولاياتالمتحدة ورجال الأعمال, لتحسين العلاقات مع العالم الاسلامي, وإطلاق مبادرة للتبادل والتعليم بين المُواطنين الأميركيين ومواطني الدول الاسلامية». وتزامن هذا التقرير مع آخر أصدرته مؤسسة الإنصاف FAIR نددت فيه بمن وصفتهم ب«دستة الأشرار» التي أخذت على عاتقها مهمّة تشويه صورة الإسلام وبث الخوف من المسلمين في وسائل الاعلام الأميركية. أبرز هؤلاء «الأشرار» الكاتب اليهودي الاميركي دانيال بايبس, ومذيع قناة «فوكس نيوز» بيل أورايلي, ومذيع «سي إن إن» غلين بيك, ومقدم برامج الراديو مايكل سافيج وعدد من الكتَّاب البارزين, مثل ديفيد هورويتز ومارك ستاين وروبرت سبنسر. وتقول الباحثة إنغريد ماتسون, أن استراتيجية تحسين العلاقات مع العالم العربي تستند إلى ثلاثة ركائز: الاعتماد على الدبلوماسية كأداة رئيسية لحل النزاعات في العالمين, العربي والاسلامي وإشراك الأطراف الحليفة وكذلك المناهضة للولايات المتحدة في الحوار,ومساندة الجُهود المبذولة للارتِقاء بنظم الحكم وتعزيز مشاركة المجتمع المدني في الدول الإسلامية, والترويج للتحوّل الديمقراطي والعمل مع الدول الإسلامية في برامج شراكة اقتصادية توفِّر فرصاً للشعوب الاسلامية. هذا على المستويات الفكرية الثقافية. أما على الصعيد الاستراتيجي, فقط سبق أن بلور الديمقراطيون خلال الأشهر القليلة الماضية ما يمكن أن يكون خريطة طريق جديدة لهم في العالمين العربي والاسلامي, تمظهرت في ثلاثة أوجه: 1 مبادرة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي برئاسة مادلين أولبرايت. 2 تقرير بيكر هاملتون المشترك بين الديمقراطيين والجمهوريين, ومبدأ الادماج الجديد الذي طرحه ريتشارد هاس الباحث الإستراتيجي البارز والمسؤول الحكومي السابق. 3 جدول أعمال السياسة الخارجية الذي نشره باراك أوباما في «فورين أفيرز» في تموز/آب 2008. مبادرة أولبرايت المسماة «دعماً للديموقراطية العربية» التي صدرت العام 2007, كانت غاية في الشمول لأنها حددت بدقة شديدة الهدف الأبعد والاعمق للولايات المتحدة وهو إدماج الشرق الاوسط بالكامل في العولمة, والعمل على إدخال تغييرات شاملة وكاسحة في كل مناحي الحياة العربية. والاهم أن المبادرة أسندت كل «ثورة التغيير» الأميركية الى المصالح لا الأيديولوجيا. فواشنطن تريد الديمقراطية العربية لأهداف الأمن القومي العليا, لا لأهداف القيم والمثل العليا وهي رسمت خريطة طريق لتنفيذ هذه الأستراتيجية الشاملة «تستغرق كل جيلنا الحالي وحتى ما بعده». وهذا ما أضفى على المبادرة أهمية مضاعفة. خطة اولبرايت فلنستعرض معاً أهم معالم خطة أولبرايت التي قد يتبنى اوباما العديد من خطوطها العامة: جاء في مقدمة المبادرة التي وقعت في 80 صفحة: «خلال العقود الخمسة الأخيرة, كانت السياسة الأميركية إزاء العالم العربي تستند إلى الفكرة بأن الامر الواقع السياسي في المنطقة يخدم بشكل أفضل مصالح واشنطن في الشرق الأوسط. فبمساعدة شركاء عرب مثل مصر والسعودية والاردن والبحرين والكويت والمغرب, أسست الولاياتالمتحدة سجلاً جيداً من تحقيق الانجازات خصوصاً في ما يتعلق بحماية تدفق النفط من الخليج الفارسي € العربي € وضمان امن اسرائيل, ومواجهة الدول المتشردة, ومكافحة الارهاب, وخلال الحرب الباردة احتواء الاتحاد السوفياتي في المنطقة. بيد ان الهجمات على واشنطن ونيويورك في 11 أيلول 2001 , تحدّت كل افتراضات السياسة الشرق اوسطية. فبعد فترة قصيرة من الهجمات, بدأ صناع القرار السياسي بالتساؤل عما إذا كانت الأنظمة السياسية السلطوية في الشرق الاوسط مصدر الاستقرار أم انها السبب الرئيس للتطرف السياسي الذي اطلق منظمات مثل القاعدة. وإدارة بوش تعتقد بوضوح أن أفضل طريقة ل«تجفيف المستنقع» الذي ينتج الارهابيين هو تعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط. فريق عمل أولبرايت الذي شكّله مجلس العلاقات الخارجية € الذي يطلق عليه إسم «صانع الرؤساء الاميركيين» € لدراسة ما إذا كان تعزيز الديمقراطية في الشرق الاوسط يخدم بشكل أفضل المصالح الأميركية, وصل إلى الاستنتاج بأنه, وبغض النظر عن المخاطر القصيرة الأمد, فان الديمقراطية في الشرق الأوسط أمر مرغوب به, وبأنه على المدى الطويل سيقلص تطوير المؤسسات الديمقراطية في المنطقة من جاذبية الارهاب ومن مخاطر الانتفاضات الثورية, ومن بروز انظمة معادية لأميركا. انطلاقاً من هذه الاكتشافات , قدم فريق العمل تقريراً يشير إلى أن الشرق الأوسط بات محط التركيز المركزي للسياسة الخارجية الأميركية للجيل المقبل وما بعده. وفيما لائحة التحديات في المنطقة طويلة, إلا ان العالم العربي يتضمن أيضاً فرصا. ففي منطقة تتميز ب«عجز ديمقراطي» وبآفاق اقتصادية محدودة, ثمة أيضاً اختمار. فمن مراكش إلى القاهرة ومن رام الله إلى الرياض, ينهمك العرب في نقاشات مكثفة, وإعادة نظر بالنفس, وإعادة تقدير لمجتمعاتهم وفي هذا الاطار. لدى واشنطن فرصة للمساعدة في تشكيل شرق اوسطي ديمقراطي. ومن خلال دراسة التطورات الأقليمية وتقدير الخيارات الاميركية, سعى فريق أولبرايت إلى الاجابة على سؤالين رئيسيين الاول: هل تخدم سياسة تقوم على تعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط المصالح الأميركية وأهداف السياسة الخارجية الأميركية ؟ والثاني: وإذا ما كان الامر كذلك, هل يجب على الولاياتالمتحدة أن تنفذ مثل هذه السياسة, آخذة في الاعتبار المروحة الكاملة لمصالحها؟ إحابة فريق العمل على السؤال الاول هو «نعم»: الولاياتالمتحدة يجب أن تدعم الديموقراطية بشكل متساوق ومستمر وفي كل مناطق العالم. ورغم ان الديمقراطية تتضمن بعض المخاطر الكامنة, إلا ان الحرمان من الحرية يحمل معه مخاطر اكبر بعيدة المدى. وإذا ما كان المواطنون العرب قادرين على التعبير عن تظلماتهم بحرية وسلماً, فإنهم سيكونون أقل استعداداً للجوء إلى اجراءات أكثر تطرفاً. كما سيكونون اكثر استعداداً لبناء مجتمعات مفتوحة ومزدهرة مع احترام حقوق الأنسان وحكم القانون. وفي الاجابة عن السؤال الثاني, قال التقرير انه يجب على الولاياتالمتحدة أن تعزز تطور المؤسسات والممارسات الديمقراطية على المدى الطويل, آخذة بعين الاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن فرضها من خارج وان التغيّر المفاجئ والمؤلم ليس ضرورة ولا هو مرغوب به. إن هدف اميركا في الشرق الأوسط يجب ان يكون تشجيع التطور الديمقراطي لا الثورة. ويجب ان يأخذ صناع القرار بعين الاعتبار تنوع المنطقة الاقتصادي والسياسي, ونقص التقاليد الديمقراطية القوية, وتحدي الانتقال من العملية السهلة نسبياً الخاصة باجراء الانتخابات إلى بناء الديموقراطيات المستقلة والقابلة للاستمرار. هدف أميركا يجب أن يكون دعم تطور الانظمة الديموقراطية المفتوحة على المشاركة في ما يتخطى الطيف الأيديولوجي , مع استبعاد أولئك الذين يرفضون الألتزام بالاجراءات السلمية. وقد خرج فريق أولبرايت بالتوصيات الآتية: € وضع إستراتيجية لتحقيق التغيير الأجتماعي والسياسي والاقتصادي في كل دولة عربية على حدة, لكن بشرط التمسك بمبادئ عامة تشمل: حقوق الانسان, التمثيل السياسي, قواعد الحل والربط الدستورية, التسامح, حكم القانون, حقوق المرأة وشفافية اتخاذ القرار. ويلاحظ تقرير أولبرايت هنا أنه رغم تشديد واشنطن مؤخراً على الديمقراطية في الشرق الأوسط, إلا انه لا يزال عليها التصرف بشكل متسق حيال كل الدول العربية في هذه القضايا المهمة. € على واشنطن تشجيع القادة العرب على تطوير «ممرات إلى الاصلاح» مفصلة وعلنية تتجاوب مع مطالب المواطنين في التغيير. الطبيعة العلنية لمثل هذه الخطط ستمكن المواطنين من محاسبة الحكام على ما يفعلون . € لا يتعين على واشنطن قبول منطق القادة العرب الذي يقول بأن التقدم نحو الديمقراطية ليس ممكناً قبل تسوية القضية الفلسطينية, لكن عليها أيضاً ألا تقبل المنطق الاسرائيلي بأنه لا يجب استئناف مفاوضات السلام إلا حين تصبح السلطة الفلسطينية ديمقراطية بالكامل. يجب أن تدعم الولاياتالمتحدة الاصلاحات الديمقراطية في الشرق الاوسط سواء كان هناك تقدم ام لا نحو السلام, ودعم التقدم نحو السلام سواء اكان هناك إصلاح ديمقراطي رئيسي أم لا. € سواء كان هذا حسناً أو سيئاً, يحتمل ان تلعب الحركات والأحزاب السياسية الاسلامية دوراً مهماً في شرق أوسط أكثر ديمقراطية. يجب ان تبقى الولاياتالمتحدة يقظة في تصديها للمنظمات الأرهابية, لكنها في الوقت ذاته لا يجب ان تسمح لقادة الشرق الأوسط بإستخدام الأمن القومي كذريعة لقمع المنظمات الأسلامية غير العنيفة. يتعين على واشنطن ان تدعم المشاركة السياسية لأية مجموعة او حزب يلتزم بقواعد ومعايير العملية الديمقراطية. ولتقليص الاحتمال بان تكتسح الحركات الاسلامية الانظمة السياسية الشرق أوسطية الأكثر انفتاحاًَ. كما يجب على الولاياتالمتحدة ان تدعم ترتيبات دستورية تقيّد سلطة الأغلبية لمنعها من الدوس على حقوق الأقليات. معظم الديمقراطيات لديها ميكانيزمات مثل مجلس الشيوخ أو المحكمة العليا اللذين يمنعان «طغيان الأكثرية». € على واشنطن تعزيز الاصلاحات السياسية والاقتصادية في وقت واحد. كل المعلومات المتوافرة تشير إلى ان النمو الاقتصادي حاسم لديمومة الديمقراطيات, لكنه ليس السبب الرئيس المسبب بشكل مباشر للديمقراطية. إن تحبيذ الاصلاح الاقتصادي على حساب الاصلاح السياسي قد يتجاهل الحقوق الديمقراطية والمطالب السياسية للمواطنين العرب. € أحد أهم العوامل المعرقلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم العربي هو التفكك والحجم الصغير € وفق مقاييس الرسملة, أي اجمالي الاستثمارات في سوق ما € للسوق الشرق أوسطي. وجنباً إلى جنب مع المبادرات الثنائية, مثل المناطق الصناعية النوعية, واتفاقات التجارة والاستثمارات, ومعاهدات الأستثمارات الثنائية, واتفاقات التجارة الحرة, يتعين على واشنطن أن تقدم المساعدة لتحسين البيئات التنظيمية, وقواعد الاصلاح الضريبي, والاهم: إزالة العراقيل من طريق التجارة الداخلية الاقليمية في جهد لتعزيز الاندماج الاقتصادي الاقليمي. € انظمة التعليم العربية لم تقم بالاجمال بعمل مناسب او كاف حيال تحضير الطلاب للاقتصاد العالمي. ورغم أن انغماس واشنطن في إصلاح النظم التعليمية العربية مشوب بالمشاكل السياسية والثقافية, إلا انه يجب على الولاياتالمتحدة السعي إلى الشراكة مع المؤسسات التعليمية العربية والاميركية والاوروبية والآسيوية, ومؤسسات القطاع الخاص, والمنظمات متعددة الجنسيات لتطوير برامج تدريب الأساتذة وتقديم المساعدات التقنية لتفكيك مركزية أنظمة التعليم العربية, وتوسيع تعليم اللغة الأنكليزية. وفي إطار هدف واشنطن لتعزيز التطور الاقتصادي والعلمي في الشرق الأوسط, يتعين على واشنطن أيضاً تعزيز الشراكات بين كليات الاقتصاد والهندسة الأميركية وبين المؤسسات التعليمية العربية. تغيير شامل كما هو واضح, تقرير أولبرايت كان أخطر وأوضح وأشمل بيان حول النيات والتوجهات الاميركية في الشرق الاوسط لعقود مقبل عديدة. وهو بذلك يرقى بأهميته إلى مستوى تقرير جورج كينان في العام 1942 حول «الاحتواء والردع» الذي رسم الخطوط العامة للحرب الباردة, او على الأقل لمبدأ أيزنهاور الذي حدد السياسة الخارجية الأميركية في حوض المتوسط طوال نصف قرن. لكن لماذا تقرير أولبرايت على هذا القدر من الاهمية التاريخية ؟ لأسباب عدة: 1 لانه حدد بدقة شديدة الهدف الأبعد والاعمق للولايات المتحدة: إدماج الشرق الاوسط بالكامل في العولمة, حين قال ان «أحد أهم العوامل المعرقلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم العربي هو التفكك والحجم الصغير € وفق مقاييس الرسملة € للسوق الشرق أوسطي. وانه على واشنطن إزالة كل العراقيل من طريق التجارة الداخلية الأقليمية بهدف تعزيز الاندماج الأقتصادي للمنطقة في العولمة. 2 ولانه دعا إلى تغيير شامل وكاسح في كل مناحي الحياة العربية: أالاقتصادية, عبر الخصخصة واللامركزية, ب السياسية, عبر الديمقراطية والحريات, ت التعليمية, من خلال إشراف دولي على المناهج وبرامج التدريب, ث الاستراتيجية, عبر مواكبة الديمقراطية بالسلام والعكس بالعكس, ج ثم عبر تحديد شروط القبول الأميركي لوصول الحركات الاسلامية العربية إلى السلطة ولأنه يسند كل «ثورة التغيير» الأميركية إلى المصالح لا الأيديولوجيا . فواشنطن تريد الديمقراطية العربية لأهداف الأمن القومي العليا, لا لأهداف القيم والمثل العليا. وهذا ما يضفي على التقرير خطورة مضاعفة. 3 وأخيراً, لأنه رسم خريطة طريق لتنفيذ هذه الاستراتيجية الشاملة «تستغرق كل جيلنا الحالي وحتى ما بعده». بيكر هاملتون استراتيجية اولبرايت هذه, سبقتها مباشرة مبادرة بيكر هاميلتون التي تمحورت في مجملها تقريباً حول كيفية إخراج اميركا من المستنقع العراقي, وأيضاً كيفية تدشين مقاربة أميركية جديدة في الشرق الأوسط. وهي رأت ان هذا يتطلب: أ شن هجوم دبلوماسي جديد لتحقيق إجماع حول استقرار العراق والمنطقة. وهذا الهجوم يجب ان يشمل كل دولة لها مصلحة في عدم سقوط العراق في لجج الفوضى, بما في ذلك جيران العراق والدول الرئيسة في داخل المنطقة وخارجها. ب نظراً إلى قدرة إيران وسوريا على التأثير على الاحداث في داخل العراق ونظراً أيضاً الى مصلحتهما في تجنب وقوع العراق في الفوضى, يتعين على الولاياتالمتحدة أن تحاول التعاطي في شكل بناء معهما عبر سياسة العصا والجزرة معاً. ت لا تستطيع الولاياتالمتحدة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط ما لم تتعاط مباشرة مع النزاع العربي الاسرائيلي ومسألة اللااستقرار الاقليمي. يجب أن تجدد الولاياتالمتحدة التزامها بتحقيق سلام عربي اسرائيلي شامل على كل الجبهات: لبنان, سوريا, وحل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية. وهذا يتطلب مفاوضات مباشرة بين كل هذه الأطراف. مبادرة بيكر هذه مضافاً اليها استراتيجية أولبرايت دلتا على وجود توجهات استراتيجية كبرى جديدة تنأى بالولاياتالمتحدة عن طريق فرض السلطة المنفردة الاميركية بالقوة في العالم كما رأى المحافظون الجدد, وتدفعها في اتجاه مبدأ دولي جديد يستند إلى مبدأ «الإدماج» ( integration ) الذي يفترض أن يحل مكان مبدأ الاحتواء الذي كان نجم السياسة الخارجية الاميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ريتشارد هاس, الباحث الاستراتيجي البارز والمسؤول الحكومي السابق, كان أول من تقدّم بفكرة المبدأ الجديد في دراسة نشرها في دورية «ناشنال إنترست» € خريف 2005 € , لكن سرعان ما كرت السبحة بعده ليتبلور المبدأ كالآتي: الادماج هو الوريث الطبيعي للاحتواء الذي كان ضرورياً وسياسة صحيحة إبان الحرب الباردة. بيد أن المبدأ المناسب للحقبة الراهنة يجب أن يعثر على طريقة لجلب الآخرين إلى النظام العالمي وليس إبقاءهم خارجه. إضافة, الادماج يقدم أفضل الردود المتناسقة على العولمة وعلى التهديدات الأخرى العابرة للقوميات المحددة لتحديات عصرنا. وهو يعكس الحقيقة بأن التهديد الرئيس للامن القومي الأميركي والازدهار اليوم, يأتي ليس من قوة كبرى أخرى منافسة € لأن الفجوة بين أميركا والآخرين هائلة € بل مما يمكن وصفه بشكل أفضل ب«الجانب المظلم من العولمة»: الأرهاب, انتشار الأسلحة النووية, الامراض المعدية, الحماية التجارية وتغير المناخ العالمي. الطريقة الأضمن لمكافحة الأرهاب هي عبر الادماج. وحده إدماج الدول الأخرى في الصراع ضد «الارهابيين» الحاليين قمين بجعل الولاياتالمتحدة تربح هذه الحرب. الأطراف الفقيرة المدمجة, سواء أكانت أفراداً أم دولاً, يمكنها أن تحرم الارهابيين من الأرض الخصبة لتجنيد المقاتلين أو شن العمليات. إضافة إلى ذلك, للاندماج مضاعفات على الجهود الأميركية لوقف انتشار الأسلحة النووية. فهذا المبدأ سيحاول دمج كل من إيران وكوريا الشمالية في نظام منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي العقوبات والعزل ومحاولات تغيير النظام, ستحل مكانها الحوافز السياسية والاقتصادية, بدعم كامل من الصين واوروبا ودول أخرى. إن مبدأ الادماج له القدرة على أن يكون استراتيجية شجاعة وتغييرية تمكّن الولاياتالمتحدة من تشكيل الحقبة المقبلة من التاريخ. وهو يستند إلى تفاهمات إيجابية بين الولاياتالمتحدة والدول لكبرى تشبه تلك التي صاغها «وفاق اوروبا» في القرن التاسع عشر. كيف يمكن ان يبدو العالم الاندماجي؟ كحد أدنى, سيكون عالماً حيث الحكومات لن تكون حرة لارتكاب الابادة الجماعية € او السماح بحدوثها € . وفي الوقت ذاته, كل أو معظم الحكومات ستنضم إلى قاعدة تقول ان القوة لن تستخدم بشكل مقصود ضد المدنيين أو لأهداف سياسية. الدول الكبرى € الصين, روسيا, اليابان, الهند, والاتحاد الاوروبي, إضافة إلى الولاياتالمتحدة € توافق على السماح للدول الأخرى بالحصول على اليورانيوم المخصب لأغراض نووية سلمية, لكنها ستمنعها من الحصول على الأسلحة النووية. مجلس الأمن, رغم كل قصوره, هو احد الامكنة الممكنة لتحقيق الاجماع. لكن هناك منابر اخرى مثل حلف الأطلسي والمنظمات الأقليمية الأخرى, ومجموعة الثماني الكبار € أو من الأفضل العشرة الكبار بعد ضم الصين والهند € . الحصول على الدعم الدولي سيتطلب أيضاً من الولاياتالمتحدة أخذ مصالح واهتمامات الدول الكبرى بعين الاعتبار, وبخاصة الصين واليابان والهند والاتحاد الاوروبي. ويلخص هاس هذا المبدأ كالآتي: «التاريخ يوحي بأن مثل هذه الأحاديث عن التعاون الدولي المستدام غير واقعية, وان الأمر مسألة وقت قبل أن تبدأ الدول الكبرى بتحدي الزعامة العالمية € خصوصاً الصين او حتى الاتحاد الاوروبي € . بيد ان هذا ليس حتمياُ بالضرورة. ثم: أميركا ليست في موقع يمكنها من منع بروز قوى أخرى, مثل الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي, أكثر مما كان بإمكان أوروبا منع الولاياتالمتحدة من الصعود في القرن التاسع عشر. كما انها في حاجة إلى دول اخرى قوية لمواجهة تحديات العولمة. والقضية التي يجب أن تطرحها اميركا على نفسها ليس ما إذا كانت الصين ستصبح قوية, بل كيف ستستخدم الصين قوتها المتزايدة. القبضة الحديد هذه, إذاً, هي الأدبيات الرئيسة التي شكّلت مضمون التوجهات الجديدة للديمقراطيين الأميركيين طوال السنوات الثلاث الماضية, والتي يفترض أن يعمل أوباما في حال فوزه على هديها. وهي, كما هو واضح, تبدأ وتنتهي بجملة واحدة:ضرورة إدماج الشرق الأوسط وبقية الدول الصاعدة في العالم. كيف؟ من خلال عوامل ثلاثة: الاقتصاد, والتحولات الديمقراطية التدريجية, واستبعاد سياسة الاقصاء والعزل. لكن, ماذا لو فشلت هذه القوة الناعمة في تحقيق أهداف كل من الولاياتالمتحدة وقوى العولمة الرأسمالية التي هي في الواقع صاحبة المصلحة الاولى في سيرورة الادماج؟ هنا تطل برأسها القبضة الحديد التي تتخفى وراء القفازات الحريرية التي سيضعها أوباما: في حال فشل الاغراء والاقناع, لا مفر من الحرب واستخدام القوة. وهذا على اي حال ما أوضحه أوباما نفسه في دراسة مقتضبة نشرتها له «فورين أفيرز» الدورية الاهم في أميركا والعالم € عدد تموز/آب 2007 € , حين حدد طبيعة هذا الخيار البديل العنيف كالآتي: € الانسحاب من الحرب المخطئة في العراق ستمكننا من اعادة تركيز اهتمامنا على الشرق الأوسط الأوسع وعلى الحرب العامة ضد الارهاب وبخاصة في أفغانستان وباكستان. € الحوار المباشر مع ايران سيكون هدفه اقناعها عبر اغراءات اقتصادية ودبلوماسية بالتخلي عن برنامجها النووي العسكري ووقف دعمها ل«الإرهاب» و«العدوان الإقليمي». يجب أن يعمل العالم على حمل ايران على وقف تخصيب اليورانيوم ومنعها من حيازة الاسلحة النووية, لأنه من الخطر للغاية ان تقع هذه الاسلحة في ايدي طبقة دينية راديكالية. ولذا, خيار استخدام القوة العسكرية يجب ألا يستبعد. € سأعمل € والحديث مازال لاوباما € على تجديد القدرات العسكرية الأميركية وزيادة عديدها بنحو 100 ألف جندي, لكي تتمكن الجيوش الاميركية من خوض معارك القرن الحادي العشرين. كما سأدرس استخدام القوة العسكرية في حالات تتجاوز مجرد الدفاع عن النفس بهدف ضمان الاستقرار الدولي. ربما بات جلياً الآن ان المحك الرئيس لسياسة القبضة المخملية الأميركية الجديدة ستكون في ايران. الأشهر الستة الأولى وربما ايضاً السنة الأولى وحتى الثانية من ولاية «الرئيس» أوباما € مجدداً في حال فوزه € ستشهد بدء تطبيق مبدأ القبضة المخملية هذا عبر إطلاق مفاوضات مباشرة بين البلدين. بالطبع, لن تتطرق المحادثات بين الطرفين منذ اللحظة الأولى الى القضايا الكبرى الشائكة بينهما, وعلى رأسها المسألة النووية وموقف ايران الاسلامية من وجود اسرائيل اضافة إلى دورها في المشرق العربي الداعم ل«حزب الله» و«حماس», بل هي ستحاول اولاً العثور على قواسم مشتركة. * الكفاح العربي