في تصاعد جديد لحالة التوتر في منطقة شرق البحر المتوسط بشأن حقوق التنقيب عن الغاز، والنزاع على ترسيم الحدود البحرية، أطلقت تركيا، الثلاثاء، سفينة "فاتح" للقيام بأول عملية تنقيب في المياه العميقة لها في البحر المتوسط. وحذر وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، من أي محاولات للتحرش بالسفينة من قبل أي دولة، قائلا: "القوات البحرية ستقوم بما يلزم في حال حدوث تحرش ". وأضاف، في كلمة له بمراسم انطلاق سفينة "فاتح"، وفقا للأناضول: "على من يسعون لاتخاذ خطوات أحادية وغير مشروعة تمنع حقوق تركيا، أن يعلموا أن تركيا ستواصل حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي وحقوق جمهورية شمال قبرص التركية في كافة المحافل". وأكد دونماز أن سفينة "فاتح" محلية الصنع، وتمتلك تقنيات عالية المستوى من الجيل السادس، ويمكنها مواصلة أنشطتها بوضع الثبات حتى في الأمواج التي يصل ارتفاعها الى 6 أمتار، وفي أصعب الظروف. وأشار الوزير التركي إلى إمكانية البدء بأعمال التنقيب في المياه الضحلة في البحر المتوسط قبالة ولاية مرسين اعتبارا من الشهر المقبل. وقال إن تركيا تستهدف توفير احتياطيات النفط والغاز لتركيا، وزيادة استخدام الموارد الطبيعية المحلية، مضيفا أنهم بفضل تقنية سفن التنقيب التركية خير الدين بربروس"، و"أوروج رئيس"، و"فاتح" تمكنوا من تقليل الاعتماد على تكنولوجيا الخارج في مجال أنشطة البحث والتنقيب البحرية". وأظهرت الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ثروة غازية كبيرة تكفي لإحداث نقلة نوعية لاقتصادات 7 دول عربية وآسيوية وأوروبية، وتجعل من تركيا مركزا للطاقة العالمية. وبقدر عظم هذه الثروة الغازية، بقدر المخاوف المتوقعة من تصاعد حرب خفية بدأت بوادرها بتصريحات تصعيدية متبادلة بين رؤساء بعض الدول ووزراء خارجيتها، بحثا عن إثبات حق كل دولة في هذه الثروة الكبرى، والتي يرى خبراء نفط أنها ستكون من أهم مكامن الطاقة في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة. واعتبر الخبير الدولي، والباحث المهتم بتأثير قانون البحار الدولي على الكابلات البحرية وعلى الانتفاع بمكامن الغاز البحرية، نائل الشافعي، أن سفينتي الفاتح و برباروس التركيتين، تقوض كل معاهدات التفريط التي وقعتها مصر مع قبرص واليونان منذ 2003 وحتى اليوم. وقال في منشور له عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "سفينة الحفر التركية ( فاتح) بدأت العمل الثلاثاء في خليج أنطاليا لتقوض مزاعم تلامس الحدود اليونانية-القبرصية، المبنية على أن جزيرة كاستلوريزو التي تحتلها اليونان لها مياه اقتصادية تجُب كل الساحل التركي. وهي الجزيرة التي تحجج بها المفرطون المصريون بأن لها مياه إقليمية واقتصادية". وأضاف: "سفينة المسح السيزمي ( بارباروس) تعمل منذ أسبوع شمال نقطة المنتصف لأقصر مسافة بين مصر وتركيا بين "شاويش كوي" التركية وبلطيم المصرية. وبذلك تقوض تفريط مصر في ضعف مساحة الدلتا لقبرص لتمرير الأنبوب الإسرائيلي الذي سيتحتم عليه المرور في مياه تركية، حين تسمح التكنولوجيا."
ثلاثة سيناريوهات وطرح الشافعي ثلاثة سيناريوهات للآثار المحتملة المترتبة على تقويض تركيا لترسيم الحدود المصري-القبرصي، الأول أن "الأنبوب الإسرائيلي إلى كريت ثم أوروبا لن يمكن مده، لأنه سيمر في مياه تركية، وتركيا لن تسمح بمروره إلى اليونان إلا بعد ترسيم حدودها البحرية مع اليونان، بما في ذلك جزر الدوديكانيز. والسيناريو الثاني يتمثل في أن "الغاز الإسرائيلي لن يجد سوقاً له إلا السوق المصري. لذلك ستزيد إسرائيل من مبيعاتها إلى مصر، وسيتصادف إما تراجع إنتاج مصر من الغاز أو اضطرار مصر لبيع غازها لمحطتي الإسالة (البريطانية في إدكو والاسبانية الإيطالية في دمياط) بسعر أقل مما تشتري به الغاز الإسرائيلي. وقد تبيع إسرائيل جزءا من غازها إلى السوق المحلي السعودي، كما أُعلِن ضمن خطة نيوم وصفقة القرن". ويتمثل السيناريو الثالث، بحسب الشافعي في أنه: "قد تتمسك قبرص (وإسرائيل) بشريط بحري يصل قبرص باليونان، مقتطع من المياه المصرية، وفيه سيمر الأنبوب الإسرائيلي إلى كريت. إلا أن هذا الحل بالغ الصعوبة لمرور في عمق 4200 متر. كما أن شكل الشريط البحري سيكون إهانة لمصر وغالبا لن تسمح تركيا ببقائه". مصر ليس لها علاقة ومن ناحيته، قال نائب رئيس الهيئة العامة للبترول المصرية السابق، صلاح حافظ، في تصريحات ل"عربي21"، إن "مشكلة تركيا مع قبرص وليست مع مصر"، مؤكدا أن تركيا لن تستطيع عرقلة اتفاقيات ترسيم الحدود بين مصر واليونان. وأضاف المسؤول المصري السابق: "تركيا تسعى لعرقلة ترسيم الحدود بين مصر واليونان ولن تستطيع عرقلة ذلك بشكل مباشر، كون اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ولذلك تسعى تركيا لعمل خط وهمي للبحث والتنقيب لا يتماشى مع الاتفاقيات الموقعة". وتابع: "أنقرة تزعم بوجود خط منتصف بين مصر وتركيا وهذا الخط ليس له وجود، لأن الجزر الموجودة لها مياه إقليمية خاصة، ولو طبقنا وجهة النظر التركية في ترسيم الحدود البحرية سيكون لمصر حصة أكبر من جانب وحصة أقل من جانب آخر". وأوضح حافظ: "تركيا لم توقع على اتفاقية ترسيم البحار الدولية، ولديها مشاكل سياسية مع قبرص اليونانية، والمشكلة بينهما أكبر من اتفاقية البحار، وليس لمصر علاقة بهذه المشكلة ". وأشار نائب رئيس الهيئة العامة للبترول المصرية السابق إلى أن مصر ليس لديها ما تخسره في النزاع التركي القبرص، لكنه في في الوقت نفسه قال إن تصاعد التوتر بينهما قد يؤدي إلى عرقلة نقل الغاز القبرصي إلى مصر، وهذه خسارة لمصر لأنها تستفيد من تسييل الغاز". تصاعد التوتر وأكد الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل في تصريحات ل"عربي21"، أن السفينة التركية المتوجهة إلى شرق البحر المتوسط للتنقيب عن الغاز والنفط ستجدد، بلا شك، أجواء التوتر مع قبرص واليونان. ولفت إسماعيل إلى أن "المحاولات التركية السابقة للتنقيب عن الغاز والنفط خلقت توترات بين أثيناوأنقرة، وأيضا بين الجزء اليوناني من قبرص والجزء التركي شمال قبرص، وكلاهما يصر على أن له الحق القانوني في المنطقة المتنازع عليها". وأضاف: "تركيا تسعى لتحقيق استقلال واكتفاء ذاتي في مجال الطاقة، وتصرح رسميا أنه لا أطماع لها في ثروات دول مجاورة، وتريد فقط استغلال ثروات الغاز والنفط في مناطقها البحرية الإقليمية التابعة لها جغرافيا، وتستند في ذلك إلى اتفاقية تعود لعام 1960 تضمن لها حق استغلال الثروة البحرية". وأوضح الخبير في شؤون النفط والطاقة أن "تركيا تواجه تكلفة باهظة في استيراد كل احتياجاتها من الطاقة، لذا فهي بحاجة لتطوير مصادرها من الطاقة من البحر المتوسط، واليونان حتما غير سعيدة وتقوم بمضايقة السفن التركية، في ظل استمرار النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين اليونان وقبرص منذ عشرات السنين". وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر، اعترضت القوات البحرية التركية، فرقاطة يونانية تحرشت بسفينة "خير الدين بربروس" التي تجري أبحاثًا شرقي البحر الأبيض المتوسط. ونصحت وزارة الخارجية التركية، اليونان بتجنب التصرفات التي من شأنها تصعيد التوتر في البحر المتوسط. وشدد إسماعيل على ضرورة اللجوء إلى التحكيم الدولي لإنهاء هذه النزاعات التي لا تخدم قبرص او اليونان أو تركيا، مضيفا: "حتى مصر تعترض على النشاط التركي في البحر المتوسط، وتركيا تعترض على اتفاق ترسيم الحدود بين قبرص ومصر عام 2013". وأردف: "في تلك النزاعات الحدودية متشابكة الخيوط بالبحر المتوسط، لا يمكن تجاهل دور إسرائيل ولبنان أيضا لأن لهما مصالح في البحر المتوسط"، مؤكدا أن هذه النزاعات لها أبعاد سياسية أيضا بجانب أبعادها الاقتصادية.