بلادنا مقبرة المعونات والمساعدات في مختلف الأوقات والظروف سواء في وقت السلم أو زمن الحرب.. حين الثورة وعند الأزمة وأثناء التسوية وإبّان المبادرة وقبل التوافق وبعد الوفاق!! وكأن بلادنا أشبه بمقبرة لا تردّ ميّت، بل أن بعض المقابر حالياً لا تستقبل الجثامين نظراً لازدحامها، بينما بلادنا المحروسة لا تعرف معنى الازدحام ولا تكترث لتكاثر الديون وتثاقلها على كاهل الجيل القادم.. في السابق كانت السلطة في سباق محموم للحصول على الدعم الخارجي بأي وسيلة ومهما بلغ الثمن؛ فمثلاً إذا كانت الأجواء هادئة تقوم سلطت (نا) وحكومت(نا)-حسب الزميل نعمان قائد- بطلب المساعدات والمعونات بذريعة البناء والتنمية، وإذا لم تلتفت الدول المانحة والغنية لهذا المطلب اليماني تقوم سلطة وحكومة (نانا) بافتعال الأزمات وتصعيد التوترات وإشعال جذوة الصراعات، وذلك في سبيل الحصول على المعونات والمساعدات المالية بحجة مكافحة الإرهاب!! وعندما اكتشف الخارج نوايا (نانا) -سلطتنا وحكومتنا السابقتين- جاؤوا بمكتب فيدراليي وقرروا الإشراف بأنفسهم على مكافحة إرهابنا.. عندها لم تعدم السلطة الحيلة- طبعاً ليس المقصود المعتقل عبدالسلام الحيلة- فلجأت إلى استغلال مخاوف الشقيقة السعودية من التمدد الشيعي الإيراني وقامت بإنتاج وإدارة ست حروب متتالية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء (عسكريين ومدنيين) من كافة محافظات الجمهورية.. يعني بإمكان حكامنا أن يتسببوا في قتل الشعب وفي تدمير الوطن وإشعال الفتن الطائفية الكارثية على الجميع.. المهم هو الحصول على الفلوس، تحت شعار (هات وبس)! الرئيس السابق رغم أنه غير حائز حتى على شهادة ابتدائية، ويمكن (ما جزعش من جنب مدرسة) –حسب شهادة الكاتب عبدالكريم الرازحي- إلا أن هذا الرئيس السابق سبق الجميع في ممارسة هذا النوع من الفنّ التسولّي، ونصب الكمائن المتعددة لاصطياد أرصدة معونات الأشقاء ومساعدات الأصدقاء!! الأخطر أن هذه المهنة المهينة والمهانة لم تقف عند الرئيس السابق وصحابته الأشرار فحسب، بل امتهنها أسلافه واحترفها (تابعوه) وباتت ظاهرة رائجة وعلى مدى الأزمان! وكأن لسان حال نخبتنا السياسية يقول: "نحن من أجل المال مستعدون للقيام بثورة حقيقية.. ثورة مضادة.. نتحارب.. نتقاتل.. نتفق.. نسدّ.. نتوحّد.. ننفصل.. نجلس في البلاد.. نخرج من اليمن.. المهم جيبوا فلوس واعرفوا أمور بيضاء من ذيّ الراس!!" حاضرنا في مهبّ الهبات، ومستقبلنا على كفّ المعونات الخارجية وعلى قرن ثور المساعدات!! برنامج الحكومة قائم على المعونات, واقتصادنا تحت رحمة (وديعة سعودية).. محاور حوارنا الوطني تدور حول صندوق إئتماني خارجي مفتاحه بيد الدول الراعية لنا.. هيكلة جيشنا بيد أمريكا.. الداخلية حقنا في حضن بريطانيا والأردن.. وحتى دستورنا من اختصاص فرنسا!! المرتبات على الخليج.. الانتخابات على الاتحاد الأوربي.. الكهرباء على الصين.. وحتى التعداد السكاني لعام 2014م على عاتق خبرات مصرية وهي العاجزة عن إفادة نفسها!! جميع أطراف الداخل يطلبون العون والاستعانة من الخارج باعتبارهم أصحاب الأمر والنهي.. ومدري معاهم وصيّة من أبونا آدم، وما احناش داريين!! مجلس النواب والنوائب والنائبات في بلادنا يسجّل الرقم القياسي في تخطي عمره الافتراضي، لكنه لم يعالج أي قضية أو يسجل أي منجز باستثناء المصادقة على اتفاقيات الدعم والقروض الخارجية!! منذ أواخر 2011م وحكومتنا تفاخر بقدراتها في استجلاب المعونات الخارجية، ثم نتفاجأ قبل شهر بصدور قرار جمهوري بإنشاء الجهاز التنفيذي لاستيعاب المعونات الخارجية وتعهدات المانحين! الله يفضحكم، وأيش بتعملوا من زماااااان؟!!!! طبعاً، لسنا ضد استدعاء أو استقبال المعونات الخارجية وإدارتها بشكل يعود بالفائدة على الوطن، لكن التجارب الماضية أثبتت عكس ذلك، وبشهادات الخارج بل واعترافات الداخل!! والاعتراف كما يقال سيد الأدلة. ولكن نحن ضد من يتخذ من هذه المعونات هدفاً رئيساً وغاية وجودية بل وثابتاً مقدّساً، ودافعاً يستحق منه التضحية بالوطن والمواطن مقابل هذا الدعم الخارجي الذي يتحول من مصالح مرسلة ومصالح عامة إلى مصلحة شخصية لصالح قلة قليلة من المتنفذين مقابل تقديم البلاد والعباد قرباناً لذلك!! ومع هذا كله فإن الكلّ يتكلم باسم الشعب وعن الشعب، لكنه مجرد استهلاك إعلامي؛ إذ أن لا أحد من الأطراف يعمل أدنى حساب للشعب، وكأنه الحلقة الأضعف والجدار الأقصر في نظرهم الذي لا يتجاوز أرانب أنوفهم؛ لأنهم منشغلون ب(أرانب جيوبهم)!! من يفتح جيوبه للخارج فإنه على أتم الاستعداد وكامل الجاهزية لأن يفتح باب الوطن على مصراعيه أمام القوات الخارجية.. يفتح أجواء السيادة.. يفتح الحدود بل ويبيعها بسعر التراب.. يفتح أسرار الدولة –هذا إذا ما تبقّى أسرار!! من يفتح جيبه للخارج فلن يتردد في أن يفتح النار في وجوه أبناء شعبه؛ في أبين/ رداع/ صعدة/ مأرب/ شبوة .. إلخ. إن استدامة استجلاب هذا النوع من العون العبثي قد يستحيل معه الوطن المُعان باستمرار إلى وطن (عنّين) اقتصادياً وإدارياً وسيادياً وهذا هو الأخطر!! فحتى متى نبقى اليد السفلى يا .......؟! المثير للضحك أن البعض يظن أن بإمكان الخارج أن يعيننا في حلحلة مشاكلنا الداخلية والمتجددة والمتراكمة منذ زمن زمين، ويبدو أنه ما ينفعش معنا سوى مجلس أمن تجاري مقيم في صنعاء وعدد من المحافظات!! إذا لم ننفع أنفسنا فلن ينفعنا أحد.. إذا لم نعالج المشاكل التي صنعناها بأيدينا فلن يعالجها غيرنا.. التدخل الخارجي والإرادة الوطنية نقيضان لا يجتمعان.. وأخشى ما أخشاه أن يغدو مؤتمر الحوار مجرد فعالية لممارسة الحوار الخارجي حول اليمن، وقد يكون ذلك بأدوات يمنية وبلسان يمني!! الأغرب من هذا كله أن كثيراً من المساعدات نسمع جعجعتها دون رؤية طحينها، بل إن مشاهدة الحكومة لتلك المساعدات يعدّ حلماً بعيد المنال؛ ولعله يوازي ذلك الحلم القديم المتجدد لأحد الأصدقاء الذي ظل وما زال يحلم بمشاهدة غازات الصوديوم ونترات البوتاسيوم وبقية الغازات التي قرأها وسمع عنها في المرحلة الإعدادية، لكنه تخرّج من الثانوية والجامعة ونال الماجستير والدكتوراة ولم يحظ حتى اللحظة بمشاهدة أي من تلك الغازات السمعية، ويخشى أن يموت وفي نفسه شيء من مساعدات البوتاسيوم!!