يبدو أن /''الإقصاء/'' ماركة مسجلة لدى النخبة السياسية اليمنية سواء الحاكمة أو المعارضة أو المستقلة؛ فالإقصاء هو أقصى ما يقترفه ساساتنا الأجلاء وأقسى ما يمكن أن يتخلوا عنه.. (الإقصاء) اليوم هو سيّد الموقف، واللغة المتسيّدة والمستأسدة على الجميع.. الإقصاء هو النتيجة الحتمية والضرورية والنهائية التي تتمخض عن الشعارات الحزبية والبيانات السياسية ومختلف المراحل النضالية وبألوانها المتباينة.. الإقصاء هو الأداة المرنة التي يتم استخدامها في شتى الظروف الزمانية والمكانية؛ فقد يتم ممارسة الإقصاء باسم الديمقراطية أو الدستور أو القانون.. وقد يرتدي الإقصاء ثوب الشرعية أو الشريعة.. وقد يلد (الإقصاء اليمني) من بطن الثورة ورحم التغيير.. قد يتمنطق الإقصاء المدنية والحداثة، وقد ينبلج من جلباب الدين (الإقصاء الإسلامي) تحت شعار /''وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى/'' الإقصاء أقصر طرق النضال اليمني.. أسهل وأسرع سلالم المنصب والثروة.. (الإقصاء) كنز لا يفنى وبركة آسنة لا تنضب.. بل عُقدة يزنية وعقيدة معقّدة ومعقودة على نواصي أبناء سبأ!! ويكأن الإقصاء ثقافة صالحية مؤتمرية، ومنهج إصلاحي، ومبدأ اشتراكي، ووسيلة ناصرية، وغاية حوثية، وحقيقة شمالية وحلم جنوبي منتظر بفارغ الصبر!! الإقصاء في بلادنا له (99) اسماً، أهمها التغيير/ الهيكلة/ التدوير/ التطوير/ المحاصصة/ التقاسم/ التسوية/ المصلحة الوطنية/ العدالة الإنتقالية. تاريخنا ما فتئ يقصّ علينا عديد من دروس الإقصاء الماضوي، وحاضرنا يزخر بمئات من شواهد (الإقصاء) ومستقبلنا ينذر بمزيد من الإقصاء المضاد والتداول السلمي للقصقصة!! هذا ما تحكيه قصاصات واقعنا الواقع في براثن الإقصاء والتهميش والتطنيش، والساقط في وهدة المحاصصة والتقاسم والتناهب والاستحواذ اللا متناهي!! انظروا إلى ماضينا وحاضرنا.. بحلقوا إلى كل ما يحيط بنا.. أعيدوا النظر والبحلقة كرّتين سينقلب إليكم حسرةً وأسى، وستتكشف أمامكم الفاجعة عارية من أسمال الحياء وأطلال الخجل!! المؤتمر أقصى المشترك سابقاً.. والمشترك يقصي المؤتمر حالياً.. الشماليون أقصوا الجنوبيين سابقاً والجنوبيون اليوم يقصون ما أمكن من الشماليين.. الطغمة مارست إقصاء ماضياً تجاه الزمرة والزمرة اليوم يمارسون نفس الأسلوب في حق الطغمة.. أبين كانت مقصية من قبل سنحان، واليوم سنحان تعاني الإقصاء الآتي من أبين.. المؤتمر يقصي الإرياني من الحوار، والإصلاح يقصي بافضل من رئاسة الكتلة البرلمانية.. والإشتراكي يقصي خالد سلمان وسلطان السامعي.. والناصري يقصي علي سيف حسن وحاتم أبو حاتم.. والبعث يقصي نائف القانص وأحمد حيدر.. واتحاد القوى الشعبية يقصي محمد عبدالملك المتوكل.. وحزب الحق يقصي محمد المنصور ومناصريه.. أما عبده الجندي فحكايته حكاية مع الإقصاء أشبه بحكاية الحُطيئة مع الهجاء الذي قاده إلى هجاء نفسه.. فالجندي يبدو أنه يتمتع برغبة جامحة وغريزية داخلية عتيقة في إقصاء كل من حوله، وحين عجز في ذلك لجأ الجندي إلى إقصاء ذاته من الناصري الأم ثم من الناصري الفرع، تاركاً لعقيلته أهم تركة إقصائية ناعمة مارستها بحق الصغير العزي شائف! السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية تواصل إقصاءها للحراك الجنوبي، والحراك الجنوبي يقصي بعضه بعضاً؛ فعلي سالم البيض يحاول إقصاء حسن باعوم، وأحمد الحسني يستهدف إقصاء محمد علي أحمد.. وينسحب هذا على بعض الشخصيات الحزبية فمثلاً صلاح باتيس لعله يفكّر في إقصاء محسن باصرة من قيادة الإصلاح! إيران تسعى لإقصاء صعدة وأخواتها عن اليمن.. والسعودية ترمي إلى إقصاء اليمن عن حضرموت.. بينما محافظة الضالع اتخذت لها مكان قصيّاً عن الجميع! مشائخ حاشد في أقاصي الانفراط بعد أن سلّط الله بعضهم لإقصاء بعض.. أما مشائخ تعز فهم يعانون من التوازن السلبي الذي لم يسمح لكل منهم إقصاء الآخر.. بعض أبناء مأرب يقصقصون أنابيب النفط وأسلاك الكهرباء.. فيما محافظة الحديدة مقصقصة أراضيها من كافة الجهات!! الأستاذ اليدومي يقصص رؤياه على إخوته في شبكة التواصل الاجتماعي (لقد شغفه الفيسبوك حباً).. والدكتور ياسين يمنّي نفسه بالعودة مجدداً إلى أقاصيصه وأقاصيده.. الشيخ سلطان يواصل استقصائه عن آخر الإصدارات المطلوبة لمكتبة أبي ذر.. الأستاذ/ حسن زيد يقصقص أجنحة حزبه سواء بحق أو بغير حق.. بينما آل الوزير يلملمون قصاصاتهم المتناثرة منذ 1948م!! السيدة توكل كرمان نجحت في خوض غمار منظمات الإقصاء المدني، وأحرزت سابقة فريدة من نوعها حين فازت بجائزة نوبل ب(المقاصّة)!! حكومة الوفاق أقصى ما فعلته وتفعله هو تشكيل عدد من لجان التقصّي الهادفة غالباً إلى إقصاء الحقيقة عن السمع العام.. فيما رئيس الجمهورية لم يقم بقصّ أي شريط منذ توليه وحتى اليوم!! فبالله عليكم، متى سيتم إخصاء هذا الإقصاء حتى يتوقف عن إنجاب هذه المتوالية من المقصات البشرية التي تأبى تحديد (القص) أو على الأقل تنظيمه؟! سؤال ينتظر من الرئيس القادم الإجابة ههههههههه!