بقلم: محمد بالطيف كالعادة مع أصحاب تاكسي الأجرة تبدأ الرحلة بسؤال منك عن أجرة المشوار – على قاعدة ما كان أوله شرط كان آخره نور- في كثير من بلدان العالم غير بلادنا طبعا لا تجهد نفسك كثيرا وأنت تتفاوض مع سائق تاكسي حول الأجرة فكل مشوار له اجر معلوم في غالب الأحوال ، بعد الإنتهى من هذه المسألة الإجرائية يأتي دور السائق الذي يجب أن يبتدئ بسؤالك عن وجهة السفر ثم سيل جارف من الأسئلة يتدفق بلا حدود ولا قيود لا يفصل بينها إلا التوقف أمام النقاط الأمنية وما أكثرها خصوصا في بلادنا ، من هذه الأسئلة مثلا : من أين؟ والى أين ؟وما السبب ؟وكيف ؟ومتى؟ ومن ؟ ولأننا في زمن الثورات العربية وهي مرتع خصب لكل متحدث هذه الأيام فهي سيدة الموقف بلا منازع . صاحبنا هذه المرة سائق تاكسي على طريق مطار الرياض بالمملكة العربية السعودية ركب معه أحد أصدقائي …. سائق التاكسي وبفراسته المعهودة حينما يعرف بدقة متناهية تفاصيل خرائط المدن والأحياء والحارات والتقاطعات تماما يقرأ خرائط الهوية من تضاريس الوجوه وبسرعة فائقة وبمجرد نظرة عابرة يدرك هوية زبونه ليحدد من بجواره في هذا المشوار . سأل صاحبنا زبونة بلا مقدمات أنت حضرمي ؟ بالتأكيد . كيف الثورة عندكم وكيف ساحة التغيير بالمكلا وتريم ؟ كل شي على ما يرام . لديكم حراك جنوبي يطالب بالانفصال عن الشمال ؟ نعم . ولديكم مشروع حضرموت وله أتباع وأنصار ؟ وهذا أيضا موجود . وهناك كثير من أصحاب المشاريع والمطالب المختلفة في حضرموت أليس كذلك ؟ نعم نعم .وهناك غالبية صامته لايدري أحد ماذا تخبئ تحت عباءة صمتها ؟ ما أكثرهم خصوصا في حضرموت .. نظر سائق التاكسي الذي ناهز الستين من عمره وقد غزا الشيب مفرق رأسه واجتاح لحيته .وقال مخاطبا الراكب : أنظر يمينا ويسارا يا بني . ماذا ترى ؟ أرى أشياء كثيرة !!. أقصد هل ترى كم سيارة تسير في نفس الخط الذي نسير أنا وأنت فيه ؟ . كثيرة لأستطيع أن أحصيها . قال سائق التاكسي : ايش رأيك لو تناسينا جميع من حولنا ولم نعتبر لوجودهم أي قيمة وقررنا أن الطريق لا يوجد فيه أحد إلا أنا وأنت فقط على متن هذه السيارة واستبحنا الخط كيفما نشاء ؟!.. قلت له هذا جنون . قال لماذا ؟ قلت له نسوي حادث ونروح فيها . نظر هذا الحكيم إلي وقال : هكذا يابني لن نصل بل وسنؤخر الآخرين عن الوصول إن لم نمنع وصولهم أيضا ، يجب أن نؤمن أنه من حق كل واحد أن يأخذ نصيبه في هذه الطريق ولا يحق لأي واحد أن يضن أن له حق أكثر من غيره ممن حوله . يجب أن نضع أيدينا في أيادي من حولنا لنصل جميعا بإذن الله تعالى . انتهى المشوار إلى المطار وحان وقت دفع ألأجرة دفع صديقي أجرة المشوار ثم نظر إلى وجه هذا الحكيم وسأله أعطيتك قيمة أجرة المشوار يا عم ؟ قال نعم . قال صاحبي ( مازحا طبعا ) : بقيت قيمة النصيحة كم قيمتها . قال : قيمتها أن تطبقها يبني . قبل الوداع سأل صديقي سائق التاكسي من أين أنت يا عم قال : أنا يبني من شبوه جيرانكم في حضرموت ، زمان فريت من البلد عندما كان الوالد يخاف من الولد .