لم يعد العالم اليوم كما كان يقال قرية كونية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، بل يكاد يقترب شيئا فشيئا ليصبح (عمارة) واحدة يقطنها أناس متجاورون، يفرض عليهم الواقع التعايش والتعاون والاحترام المتبادل، والقبول بالأخر حتى وان كان من بين هؤلاء المتجاورون جماعة أقوياء من هواة التنصت، والتكشف، والبلطجة وممارسة دور الشرطي على الجيران الضعفاء.. و"اللي مش عاجبه يعزل"! لكن هيهات.. هيهات.. إذ لا مخرج لنا ولا مكان سوى أن نبحث لنا عن مكان محترم مع هؤلاء الجيران غير المرغوب فيهم، ونبحث معهم عن نقاط تلاقي وتعاون مشترك، ونمتنع عن النعيق والصياح والعويل والخطب والشعارات الزائفة.. وحان الوقت لان نعطي للميكروفونات إجازة إلى اجل غير مسمى، ولا بد من رفع شعار الجدية والعمل والعلم والانفتاح. فإذا أردت أن تنطوي على نفسك وتغلق على نفسك الأبواب والنوافذ فافعل.. لكنك لن تجد أحدا يتأسف عليك، وبالتالي فاحجز لك مقعدا خلفيا في سلم الحضارة الحديثة.. هل تريد أن تخالف طرائق "الكفار" في عاداتهم وثقافاتهم..؟ فليكن.. لكنك لن تجد أحدا يأبه لما تفعله.. هل تريد أن تلبس ساعتك باليد اليسرى عوضا عن اليد اليمني..؟ افعل ذلك، أو حتى دعها في البيت، فلن تجد أحدا يعلق على ما تفعل.. لكن ماذا لو تمكنت من صناعة الساعة وامتلكت تقنيتها؟ حينئذ ستجدهم يعملون لك ألف حساب؛ حينئذ سيكون للأمة ألف شأن وقيمة! ثم لا ضير إن هاجمت التلفزيون والانترنت والمسرح والفياجرا والغناء والبنطلون.. لكن رجاء افعل ذلك بلا مايكرفون.. لان هذا الأخير ليس من صنعك، هو من صنع هؤلاء "الكفار" الذين تشتمهم ليل نهار..! هل تريد أن تقاطعهم؟ قاطعهم في كل وقت، وفي كل مكان.. لكن لا تستخدم طائراتهم وسياراتهم وقطاراتهم وتلفوناتهم وتقنياتهم، وحتى أكلهم وشربهم وأدويتهم ولبسهم.. الخ!! فحياتك من استيقاظك وحتى منامك هي نتاج لإبداعاتهم وحضاراتهم وثقافاتهم!! فقط من حقك أن تحتفظ لنفسك بحق الدعاء عليهم بالزوال والهلاك.. فهو الشيء الوحيد الذي تقدر عليه!!