لا ادري ما الذي قد يثير الريبة في مظهر "سماء"؟ لا ادري ما الذي قد يثير الرعب من طفلة ذات ست سنوات فقط؟ هل يا ترى توحي ملامحها الجميلة بنوايا إرهابية؟ أم أن عينيها تفضحان معاداة للسامية؟ أو أن ضحكتها رمز سري لبدء عملية لتفجير البيت الأبيض؟ شيء ما في "سماء" أفزع عتاولة العالم فأتوا بكل قواهم ونصبوا صواريخهم وأرسلوا طائراتهم لتنفث نيران أحقاد ألاف السنين.. فلقد اعتبر العالم المتحضر واعتبرت جيوش الحرية إن سماء هدف لعملية من عمليات إدخال شمس الديمقراطية على منطقتنا العجوز البائسة.. وان جسدها الصغير يحجب رياح التقدم في المنطقة، وان عروستها الصغيرة تخبئ في جيب فستانها أسلحة كيمياوية! وان سماء ذات الست سنوات تشتري بمصروفها اليومي الصغير قطعة حلوى صغيرة وعلبة عصير.. وصاروخ بعيد المدى!! سماء لم تكن تريد شيئا.. لشد ما أثار دهشتها ورعبها تلك النيران الكثيفة التي حاصرت قريتها وبيتها وجسدها.. لشد ما أذهلتها تلك الإنفجارات الضخمة التي هزت كل شيء، كل ما كانت تريده أن تجري وان تعلب مع صديقتها مستمتعة بكل سعادة الدنيا.. كل ما كانت تريده هو يد أمها وهي تمررها على شعرها قبل أن تنام مع أغنية حنونة.. كل ما تريده هو حضن أمها الدافئ تحتضنها فيعم السلام والاطمئنان والحب.. هل كان هذا كثيراً؟؟؟ لم يكن شيء يقلقها.. فلم تقلق وهناك بابا الذي تعرف انه سيحميها من أي شيء وكل شيء، ففي عينيه كانت ترى الأمان.. جل ما كان يقلقها هو هاجس طفولي تتغلب عليه بأن ترفع يديها الصغيرتين إلى الله لتدعوه وهي مغمضة العينيين بأن يطيل من عمر عروستها! كانت سماء تصيح والنار تحرق جسدها كانت تتساءل في رعب ما السبب؟ ما الذي فعلته لتستحق كل هذا العذاب؟ كانت تتصور في سذاجة وطفولة أنها قد ربما أخطأت في شيء فكان هذا عقابها! قد ربما لم تغسل يدها، أو لم تنظف أسنانها؟! أو ربما لأنها وعدت أمها أن تكمل العشاء ولم تفعل؟؟ أياً كان السبب فهي لم تفهم.. فهي صغيرة جدا وتلك الدبابات كبيرة جدا.. كانت قد سمعت أشياء عن الأمريكان القادمين.. ولكنها تساءلت في ذهول أليس هؤلاء من نفس المكان الذي يعيش فيه ذلك الظريف "ميكي ماوس"، ويعيش فيه المضحكون "توم وجيري"؟؟ لم إذن تسببوا في كل هذا الألم في جسدها؟؟ لم تدرك بعقلها الطفولي أن "ميكي" و"توم" و"جيري" مخصصين لأطفال شقر وبيض ذو عيون زرقاء يحق لهم أن يعيشوا، أما الأطفال من لون بشرتها هي والذين يسكنون في بيوت كبيتها خصص لهم العم "رامسفيلد" و العم "بوش" ليرسلوا لهم ألعاباً حديدية ضخمة تسحق بيوتهم وألعابهم.. وتسحقهم..!! وفي لحظاتها الأخيرة ذرفت دمعة أخيرة.. دمعة حملت كل أمالها ورغبتها في الحياة واللعب والضحك. قُتلت سماء.. وعشنا نحن.. قتلت طفلة بريئة كانت ابتسامتها وعد بمستقبل جميل عادل، وعشنا نحن لنستهلك المزيد من والوجبات الأمريكية والبيبسي، ولنقوم بدورنا الهام في التصويت لمن يكون سوبر ستار العرب ونشجع احمد في ستار أكاديمي.. لنهز رأسنا في أسى وتبلد ونحن نرى في التلفاز الأعداء يدخلون بيوت الفلسطينيين.. نهزها في أسى وتبلد وهم يدخلون بيوت اللبنانيين.. نهزها في أسى وتبلد وهم يدخلون بيوت العراقيين.. وسنهزها في أسى وتبلد وهم يدخلون بيوتنا و يأخذون نساءنا من جنبنا، ولن يكون لنا رد فعل سوى أن نتناول جهاز التحكم ونغير القناة لنتابع بحماس ثوري .. "مس ليبنون". قد لا تسمعون ضحكة الطفلة سماء مرة أخرى.. لن تروا وجهها الملائكي وضفيرتها الطويلة.. لن تضحككم شقاوتها وتصرفاتها الطفولية.. ولكني أؤكد لكم أن أبناء "سماء" سيأتون وسترونهم بأجسادهم القوية.. ستتابعون عبر التلفاز أيضا (كالعادة) وهم يحققون النصر وهم يركلون المعتدين إلى خارج الديار ستسمعون صوتهم يهز العالم بأكمله عندما يهتفون.. الله اكبر..! وسترونهم وهم يلتفتون إليكم ويسألونكم في غضب (وسيكون عليكم أن تجيبوا): ألم تسمعوا صرخة سماء!!؟ عند ذاك.... بمَ ستجيبون!!؟ [email protected]