يبدو أن فكرة الذهاب إلى الطبيب هذه الأيام أينما كان في مستشفى عام أو خاص أو في عيادته، مغامرة لا تخلو أبدا من المخاطرة، يدفع ثمنها كل من أجبره قدره ودفعته الضرورة تحت وطأة المرض على ذلك!! وهي مغامرة غير مأمونة العواقب وتؤدي في بعض الأحيان إن لم تكن أكثرها إلى عواقب وخيمة وكارثية للمريض وأسرته والمجتمع، ليس بسبب خطورة المرض وعدم متابعة الحالة من بدايتها كما قد يعتقد البعض، ولكن بسبب الإهمال والتسيب والاستهتار بأرواح المرضى واللامبالاة التي يتعامل بها بعض الأطباء مع مرضاهم وتكون نتيجتها حياة إنسان ضاعت جراء أخطاء طبية كان يمكن تلافيها. إذا وجد الطبيب الإنسان الذي يعمل بضمير حي وصدق وإخلاص، وان كان هذا الصنف من الأطباء قد أصبح بحكم النادر في ظل تفشي الفساد وغياب جهات الرقابة والضبط والمحاسبة، التي تكتفي بتسجيل كل حادثة قضاء وقدر، تحت مبرر الحفاظ على سمعة المستشفى أو العيادة وقبل هذا الحفاظ على سمعة الطبيب المهنية وهي سمعة مدفوعة الأجر طبعا. أما الحفاظ على حياة إنسان غير واردة أبداً، ولكن أين المفر للمواطن المسكين المغلوب على أمره، المجبر تحت وطأة المعاناة وشدة الألم المرضي على خوض هذه التجربة المريرة والقاسية، والمغامرة الخطرة التي ربما يدفع حياته ثمنا لها ويعيش بقية عمره يعاني من آثارها، وهو أمام خيارين أحلاهما مر. أما أن يصبر على ما أصابه ويتحمل آلامه وأوجاعه بعزيمة المؤمن بقضاء الله وقدره حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى ويمن عليه بالشفاء أو بالخلاص من هذه الدنيا. أما الخيار الثاني فعليه أن يحسم أمره ويتوكل على الله ويقرر الذهاب إلى الطبيب أينما كان في مستشفى عام أو خاص أو في عيادة تخصصية، فلا فرق وكله بحسابه، فان كان هذا المريض من الدنيا وله من العمر بقية سيعود إلى أهله- شفي من مرضه أم لا. اكتشف الطبيب مرضه وشخصه جيدا أم لم يكتشفه، وتم تشخيصه من باب القياس لان الأمراض تشابه على الأطباء في بلادنا، المهم في الأول والأخير العافية من الله، والطبيب الله يستره ويحفظه "عمل اللي علو". أما إذا كان المريض من أهل الآخرة وقدره أن يموت على أيدي ملائكة الرحمة- كما يسمون أنفسهم- فتلك إرادة الله والخيرة فيما اختارها الله.. فهل نعتبر أن زيادة جرعة التخدير إهمالا وقتل خطأ لان من قام بها لا يحمل مؤهل علمي..؟ وهل نعتبر أن غسل العملية وتنظيفها بمحلول ملوث وخالي من أي مضاد حيوي تقصير واستهتار أدى إلى موت إنسان؟ وهل يمكن أن نقول أن التشخيص الخاطئ وعدم الفحص الجيد للمريض هو نتاج الجهل بأصول المهنة، وعدم فهم، وقلة خبرة، أم تسيب ولامبالاة!؟ والى متى سيظل القضاء والقدر شماعة نعلق عليها إهمال الأطباء والممرضين وأخطائهم ؟؟ والى متى ستبقى أرواح المرضى عرضة للعبث والاستهتار وأجسادهم حقولا للتجارب، وأموالهم فيداً مباحا للتجار الأطباء؟؟ والى متى ستبقى أجهزة الرقابة والضبط صمٌ عميٌ بكمٌ لا تحرك ساكناً حيال ما يجري داخل أروقة المستشفيات العامة والخاصة والعيادات التخصصية من جرائم ضد المرضى؟؟ وهل يا ترى سيكون" صلاح البعداني" آخر ضحايا مستشفى "المستقبل" الخاص بتعز، المنظورة قضيته أمام المحكمة بحسب قرار اتهام نيابة غرب تعز المقيدة برقم (212 ل 2007م/ جرائم جسيمة)، والذي أكد أن وفاته كانت بسبب أخطاء طبية وإهمال، وإن المتهم بها فني تخدير زاول المهنة بدون المؤهل العلمي المطلوب.. وكما يشير تقرير الطبيب الشرعي الذي يؤكد أن الوفاة بسبب جرعة التخدير والإهمال.. أم أن القضية ستؤول مثل غيرها في بقية المستشفيات إلى الصلح والسلام؟؟ وأخيرا إلى متى ستبقى شعارات: "أخي المواطن، أختي المواطنة.. لا داعي لسفركم للخارج، نحن بعون الله نرعاكم، أنتم بين أيادي أمينة.. راحة المرضى هو هدفنا".. الخ.. مجرد شعارات جوفاء لا تمت للواقع بصلة، وكلها شعارات للدعاية واستقطاب الزبائن من المرضى فقط، لا غير!!؟ اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه..! * صحفية وناشطة حقوقية- مسئولة الفتيات بالاتحاد العام لشباب اليمن/ فرع تعز