ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    غدر به الحوثيون بعدما كاد أن ينهي حرب اليمن.. من هو ولي العهد الكويتي الجديد؟    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(أزمات الغد برؤية اليوم: التأثير الإنساني للتمدين)- إصدار جدير بالقراءة
نشر في نبأ نيوز يوم 22 - 02 - 2008

في مكان ما، في وقت ما من هذا العام، سيولد طفل في الطابق رقم 25 لمستشفى المدينة أو على الأرضية الوسخة لكوخ مظلم في حي فقير، وسيستأجر طالب في السنة الأولى من الجامعة شقة ضيقة في منطقة مانهاتن السفلى، أو ستتخلى عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص عن قطعة أرض زراعية وتسلمها لزحف الصحراء أو البحر وستتوجه نحو جاكرتا أو لاباز أو لاجوس بحثاً عن حياة جديدة وموطن جديد. ووصول هذه العائلة أو الطالب أو الطفل ما هو إلا تغيير للموازين السكانية، الأمر الذي سيؤدي ولأول مرة في التاريخ، إلى أن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن.
يعيش 3.3 مليار شخص في الوقت الحاضر في المدن والمراكز الحضرية حول العالم، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى خمسة مليارات شخص. وسيحدث 95 بالمائة من هذا النمو في الدول النامية.
ففي العقود الثلاثة القادمة، سيتضاعف عدد سكان المدن في آسيا من 1.36 مليار إلى 2.64 مليار نسمة، كما سينمو عدد سكان المدن الإفريقية بأكثر من الضعف من 294 مليون إلى 742 مليون شخص. أما دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، فستشهد نمواً أبطأ من 400 مليون إلى 600 مليون شخص، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وبينما تتصدر المدن الكبرى العناوين الإخبارية البارزة وجداول أعمال التنمية، من المتوقع أن يتوقف النمو العام في المراكز الحضرية التي تزيد عن 10 ملايين نسمة، وبدلاً عن ذلك، ستحصل المدن التي يقطن فيها أقل من 500,000 نسمة على نصف النمو الحضري الكلي خلال السنوات العشر القادمة.
وجهين لعملة التمدين
وليس بالضرورة أن يكون هذا النمو أمراً سيئاً، فكما قال ديفيد ساتروايت من المعهد الدولي للبيئة والتطوير، إذا كانت السرعة التي تنمو فيها المدينة استجابة للفرص الاقتصادية فهي تشكل فائدة وهي بذلك ليست بمشكلة. وأشار ساتروايت إلى أن "جزءاً كبيراً من القيمة الاقتصادية في أي بلد يتم توليده في المناطق الحضرية.
حتى في الدول [النامية] التي يعيش 60 إلى 70 بالمائة من سكانها في المناطق الريفية، فلا زلنا نجد أن أكثر من نصف الاقتصاد وغالباً أكثر من ذلك يتم توليده في المناطق الحضرية.
فالعاصمة البنغالية دكا التي تعرف بعاصمة العربات المجرورة تشهد هي الأخرى تلوثاً جوياً لا بأس به مقارنة بالعديد من المدن الكبرى.
المشكلة إذن ليست النمو، وإنما النمو العشوائي، ففي عام 2001، سكن 924 مليون نسمة أو حوالي 31 بالمائة من سكان المدن في العالم في مستوطنات غير رسمية أو أحياء فقيرة، يقع 90 بالمائة منها في الدول النامية. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يصل عدد سكان الأحياء الفقيرة حول العالم إلى ملياري شخص.
في العاصمة البنغالية دكا، يعيش 3.4 مليون شخص في 5,000 حي فقير ومستوطنة عشوائية. وينحصر 60 بالمائة من سكان مدينة نيروبي في أكثر من 130 مستوطنة غير رسمية، تشغل 5 بالمائة فقط من المساحة الكلية للمدينة. أما في بومباي، فتنمو المستوطنات غير الشرعية 11 مرة أسرع من المدينة ذاتها حيث يصل إليها 300 شخص يومياً من الأرياف.
وكل هذه الأمور في نهاية المطاف تترجم إلى فقر مدقع وأوبئة وظروف معيشة مروعة. ففي دكا مثلاً، كلما ارتفع مستوى النهر تفيض مياهه وتُغرِق التجمعات غير الشرعية المؤلفة من الأكواخ الصغيرة المرفوعة على أعمدة. وقد بنيت هذه الأكواخ في أحواض الفيضان فوق مياه لا تنفك الروائح الكريهة من الانبعاث منها ولا تفارقها نفايات المصانع. أما في دلهي فمشكلة المياه هي الندرة حيث يتصارع سكان الأحياء الفقيرة مع بعضهم البعض للحصول على فرصة استخدام أحد أنابيب المياه الموجودة في منطقتهم، وفي كثير من الأحيان تمر أيام كاملة دون الحصول على قطرة ماء.
ويكون سوء التغذية في العادة في أعلى مستوياته في الأحياء الفقيرة، حيث تؤدي البطالة إلى انعدام قدرة السكان حتى على شراء الخضراوات التي تزرع محلياً.
ويركز تعريف "الأحياء الفقيرة" و"فقراء المدن" دائماً على ما يفتقده هؤلاء الأشخاص من التعليم والخدمات الاجتماعية والوظائف والماء النظيف والرخيص والصرف الصحي والسكن والصفة السكنية. وفي كثير من الأحيان يعيش الفقراء في مساكن دون المستوى العادي، وفي المساحات العامة الفارغة، أو في مستوطنات غير شرعية قرب المناطق الحضرية الرئيسية.
وعادة ما تفرض النظرية التي تقول "أن مستويات الفقر في المدينة أقل من مستوياته في الريف"، غير أن الأعداد المطلقة للفقراء والمصابين بنقص التغذية في تزايد مستمر في المناطق الحضرية. وقد أشار برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) في عام 2003 أن "الفقر بدأ عموماً بالانتقال إلى المدن... وهي عملية تعرف باسم "تمدين الفقر".
وبينما يتجه موطن الفقر نحو المدن، تتعثر المساعدات التنموية في التحرك معه. وتقول هيلين جايلي رئيسة منظمة كير الأميركية، في تقييم صريح لقدرات التنمية الحضرية: "تعتمد المنظمات غير الحكومية على التمويل الخارجي وغالباً ما تعتمد أولويات التمويل على المكان الذي يركز عليه المانحون". ونتيجة لذلك "لم تتحرك المنظمات غير الحكومية ولا الأطراف المانحة لمواجهة الفقر في المدن بالسرعة التي انتشر فيها هذا الفقر".
"أكثر تهديداً من القرية"
وقد نمت المدن بشكل رئيسي في القرن العشرين من خلال الهجرة من الأرياف إلى المدن. أما اليوم، فتنمو المدن في الغالب من الداخل، أي أن عدد الأشخاص الذين يولدون في المراكز الحضرية يزيد عن عدد الوفيات فيها. وعملية التمدين هذه – أو ما يسمها علماء السكان "النمو الطبيعي" – ما هي إلا مؤشر جزئي على التطور في المجال الطبي في الدول النامية ووصول أكبر للرعاية الصحية في المناطق الحضرية بشكل خاص.
ولكن حقيقة أن معدلات الوفيات أخفض عموماً في المدن تخفي الأزمة الصحية التي تعاني منها الأحياء الفقيرة. والأسوأ من ذلك، أن معظم المتأثرين بهذا الانفصام في الرعاية الصحية داخل المدن هم الأطفال. فقد وجدت دراسة نشرتها "المجلة الدولية للمساواة الصحية" عام 2006 أن الاختلاف في مجال سوء التغذية داخل المدن في 15 دولة إفريقية جنوب الصحراء الكبرى أكبر من الاختلاف الموجود فيها بين الريف والمدينة.
كما أشار تقرير أصدرته الأمم المتحدة عام 2006-2007 حول وضع مدن العالم إلى أن سوء التغذية لدى الأطفال في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية في أثيوبيا يصل إلى 47 بالمائة و49 بالمائة على التوالي، مقارنة بنسبة 27 بالمائة في المناطق الحضرية خارج الأحياء الفقيرة. وفي النيجر، تصل نسبة سوء التغذية لدى الأطفال في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية إلى 50 و 52 بالمائة على التوالي في العامين المذكورين مقابل 35 بالمائة في المناطق الحضرية غير الفقيرة. وفي الأحياء الفقيرة في الخرطوم، تصل نسبة انتشار الإسهال بين الأطفال إلى 40 بالمائة مقابل 29 بالمائة في المناطق الريفية. وبذلك يخلص التقرير إلى القول أن "العيش في الأحياء الفقيرة المزدحمة وغير الصحية هو أكثر خطراً على الحياة من العيش في القرى الريفية الفقيرة".
توفر المياه
أما بالنسبة لتوفر المياه والصرف الصحي في المناطق الحضرية فهو كالرعاية الصحية أفضل حالاً عموماً في المدن عنه في الأرياف. ولكن من جديد تخفي مقارنة الأرقام الكلية للريف والمدينة الحقيقة، فعلى سبيل المثال، يتشارك 1,300 شخص في حي مباري في مدينة هيراري في زيمبابوي في مرحاض عمومي واحد توجد فيه ست حفر فقط لقضاء الحاجة.
ومع ازدياد عدد سكان المدن، يزداد أيضاً عدد الأشخاص الذين لا توجد لديهم مصادر مياه محسنة، حيث سيتضاعف عدد هؤلاء من 108 ملايين شخص عام 1990 إلى 215 مليون شخص عام 2010. وفي بيئات المدينة الكثيفة – وحتى في بيئات الأحياء الفقيرة الأكثر ازدحاماً – يمكن للأمراض المعدية أن تتحول بسرعة إلى أوبئة، مما يجعل عواقب المياه غير الآمنة وضعف خدمات الصرف الصحي أسوأ بكثير من المناطق الريفية. وسيتأثر بكل ذلك عدد أكبر من الناس في المدن نظراً للتجمعات السكانية الكثيفة.
وبالإضافة إلى التأثيرات الواضحة التي تظهر بسبب التوفر الضعيف للماء والصرف الصحي والخدمات الصحية (مرض إلتهاب ذات الرئة والملاريا والإسهال والسل وفيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز)، تؤدي ندرة الخدمات إلى استمرار الفاقة والفقر، إذ ينفق الفقراء في المدن نسبة أعلى من دخلهم على معالجة الأمراض وهم أكثر عرضة لفقدان الأجور وفقدان الأمن الوظيفي عندما يضطرون للغياب عن العمل. وكل هذا يؤدي إلى إضعاف قدرتهم على التحمل والاستمرار، مما قد يبقي العائلة المتنقلة حبيسة دائرة مغلقة من الفقر المستمر.
الكوارث غير الطبيعية
وفي الربع قرن الأخير وحده، كان 98 بالمائة من الجرحى أو المتأثرين بالكوارث الطبيعية يعيشون في 112 دولة تصنف كدول ذات دخل منخفض أو دخل متوسط منخفض، وفقاً لتقرير وضع العالم لعام 2007 الصادر عن معهد مراقبة العالم.
وبينما تستمر الزلازل وكوارث التسونامي في تصدر العناوين الإخبارية البارزة، تؤثر الفيضانات والانهيارات الأرضية على عدد أكبر من الفقراء في المدن. وقد شكل التسونامي الذي حدث عام 2004 ما نسبته 90 بالمائة من حصيلة الوفيات الناتجة عن الكوارث الطبيعية في ذلك العام. وبلغ عدد الأشخاص المتأثرين بهذه الكارثة 2.4 مليون شخص هو رقم صغير نسبياً مقارنة بحوالي 110 ملايين شخص من المتأثرين بالفيضانات في بنجلاديش والهند والصين في العام نفسه، وفقاً لتقرير كوارث العالم لعام 2005 الصادر عن الاتحاد الدولي للصليب الأحمر.
ومع توفر القليل من الأراضي في المناطق الحضرية، يعيش الفقراء بسبب الحاجة في أحواض الفيضانات وأطراف المنحدرات والجرف غير المستقرة وفي أطراف المنشآت الصناعية. في الدول النامية، لا يشكل الزلزال والإعصار الكارثة ولكنه محفز للكارثة من خلال تعريض البنية التحتية والمساكن غير المطابقة للمواصفات والتخطيط العشوائي للمدن وإجراءات الإغاثة المنعدمة – فكل هذا يشكل الكارثة الحقيقية التي تنتظر الفقراء في المدن.
الحرب داخل المدن
ويوجد لدى العديد من سكان الأحياء الفقيرة القليل من الوزن السياسي أو ربما يكون هذا الوزن منعدماً. فعلى العكس يخاف هؤلاء السكان من نتائج السياسات التي تقوم في الغالب بإبعادهم.
ويعتبر الفقر الدافع الرئيسي للعنف والجريمة منذ فترة طويلة، و لكن هذه الفكرة اتهمت في السنوات الأخيرة بأنها تبسيط للقضية. فقد أشارت مقالة نشرت عام 2004 في مجلة "البيئة والتمدين" وتناولت موضوع العنف وانعدام الأمن في المدن، إلى انعدام المساواة كدافع رئيسي للجريمة. وجاء في المقالة أن "التفسيرات المعتمدة على التنبؤ الإحصائي أظهرت أن عدم المساواة هي أكثر تأثيراً من الفقر فيما يتعلق ببيانات معدلات الجريمة، حيث يكون تفاوت الدخل أكثر وضوحاً في المناطق المدنية مقارنة بالمناطق الريفية".
وقد أظهرت دراسة للبنك الدولي عن العنف في المناطق الحضرية في أمريكا اللاتينية أن عدد جرائم القتل تراوح بين 6.4 جريمة بالسنة لكل 100,000 شخص في بوينس آيريس وحتى 248 جريمة لكل 100,000 شخص في ميديلين في كولومبيا. وتمثل جرائم القتل في مدن مثل ريو دي جانيرو وساو باولو أكثر من نصف عدد جرائم القتل في البرازيل مثلما هو الحال بالنسبة لمكسيكو سيتي في المكسيك وليما في البيرو وكاراكاس في فنزويلا.
والتحدي الأكبر لقياس الجريمة في المناطق الحضرية هو التفريق بين الأسباب الهيكلية التحتية (مثل علاقات السلطة غير المتساوية)، وعوامل التحفيز (مثل الكحول وتعاطي المخدرات) التي غالباً ما تشوب قضايا العنف الأسري.
ويعد الخطر في تحليل وقياس العنف في المدن في التصورات التي تبنى على مثل هذه الدراسات، فوفقاً للإحصاءات، تعاني المراكز الحضرية (وخاصة الأحياء الفقيرة) من معدلات أعلى للجريمة، ولذلك يمكن للعنف أن يصبح جزءاً مؤسسياً من المجتمع وبشكل أخطر تصبح صورة سكان الأحياء الفقيرة كمجرمين أكثر ثباتاً.
من الأكواخ الفقيرة إلى مجلس الشعب
وفي عام 1990، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً عن التنمية البشرية تطرق الفصل الخامس منه بشكل خاص للتأثير البشري للتمدين في الدول النامية.
عند الحديث عن دور الحكومات المحلية والوطنية في مجال تقديم الخدمات للفقراء في المدن، أوصى القائمون على التقرير أن تقوم الحكومات "بالتحول من تقديم الخدمات بشكل مباشر إلى تمكين الآخرين من تقديم هذه الخدمات – مثل المنتجين الرسميين وغير الرسميين، أو المنظمات غير الحكومية المحلية أو سكان المدن أنفسهم."
وقد اكتمل هذا النموذج المعتمد على الاستعانة بمصادر خارجية بحلول عام 2007، وكما أوضحت الكاتبة راسنا وارا في تقييمها لدور الحكومة الكينية في التنمية الحضرية "يكمن حل مشكلة الأحياء الفقيرة في نيروبي في التدخل المتكامل والقوي للوكالات والجهات الحكومية".
فتطوير الرعاية الصحية والتعليم وتوفير المياه وخدمات الصرف الصحي، إلى جانب منع العنف والاستجابة للكوارث الطبيعية، يعتمد على الحكومات المحلية. وتبدأ الإدارة والحكم الجيد بالاعتراف بالحقوق القانونية لسكان الأحياء الفقيرة وغير الشرعية في الوجود وصياغة هذا الحق من خلال امتلاك الأراضي وتعليمات فرز وتخطيط مناطق المدينة. وقد تزامن الإدراك أن الحكومة متغيبة عن تخطيط المدن مع الإدراك أن الفقراء في المدن كانوا، في أحسن الأحوال، مستقبلين سلبيين، وفي أسوأ الأحوال، مغيبين كلياً عن التخطيط والتنفيذ لمشاريع تطوير الأحياء الفقيرة. كما أن فقراء المدن هم في أفضل موقع للدفاع عن حقوقهم أمام السلطات المحلية، ولتصميم وتنفيذ هذه المشاريع التي تهدف إلى تطوير أحيائهم الفقيرة.
وفي الوقت الحاضر، يكافح مسؤولو التنمية الحضرية لتحديد دورهم ولتأسيس توجه أكثر نشاطاً وتماسكاً نحو التمدين. وترى جايلي رئيسة مؤسسة كير، أن منظمتها غير الحكومية هي صلة وصل بين الحكومات والأحياء السكنية، حيث قالت "نحن لا نقول أننا نزحف إلى مواقع السلطة في هذه البلاد ولكننا نبحث جدياً عن الطريقة التي يمكننا من خلالها أن نقدم المساعدة على مستوى القاعدة لنعطي الناس الإحساس بقدرتهم على التفاعل وجعل حكوماتهم مسؤولة أمامهم".
مدن نصف مضيئة
وأوضح تقرير سكان العالم لعام 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن "المدن تلعب دوراً رئيسياً في تركيز الفقر ولكنها أيضاً تمثل أفضل أمل للنجاة منها...فالتحدي هو في التعرف على طريقة استغلال تركيز السكان [في المدينة]".
وخلال الأشهر القادم، ستقوم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بنشر مقالات ومقابلات مفصلة لبحث كيف يمكن مواجهة هذا التحدي. وستتضمن هذه المقالات مقابلات وحوارات مع قادة في مجال التنمية الحضرية – من رؤساء المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والخبراء الجامعيين - وحتى سكان الأحياء الفقيرة أنفسهم. وستبحث هذه التقارير المفصلة في قضايا الرعاية الصحية وندرة الموارد والعنف والكوارث ودور السلطات في حل مشاكل المناطق الحضرية.
والسؤال الأهم، هل يمكن تطبيق النموذج الريفي للتمويل القادم من الأعلى إلى الأسفل في المناطق الحضرية؟ وهل يمكن تحقيق هدف الألفية التنموي رقم 11 في تحسين حياة 100 مليون شخص من سكان الأحياء الفقيرة؟ وهل حقيقة أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في المدن سيمثل نقطة تحول في نوعية التطوير الذي يمكن للحكومات والخبراء القيام به لتضييق الفجوة الواسعة بين سكان المدن أو أنه فقط رقم جديد؟
يبقى هذا الموضوع أمراً ملحاً بالنسبة لسكان المدن من الفقراء، إذ يحذر ساتروايت من المعهد الدولي للبيئة والتطوير قائلاً: "يوجد لدينا حالياً مثال نموذجي لما يمكن أن يحصل في المستقبل إذا استمررنا في الإخفاق في تغيير استجابة الحكومات والمنظمات الدولية. فنصف سكان المدن يعانون من معدلات وفيات بين الأمهات والأطفال أعلى بنسبة 20 مرة من المفترض، كما يعيش نصف سكان المدن في مستوطنات غير شرعية. سنبدأ بالتأكيد بمشاهدة حركات مقاومة عنيفة تخلق اضطرابات مدنية قد تؤدي بالنهاية إلى حروب أهلية".
* تم نشره بالتعاون بين شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (باللغة الإنكليزية)

اقرأ كتاب
"أزمات الغد برؤية اليوم: التأثير الإنساني للتمدين"
باللغة الإنكليزية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.