وسط مراوغة حوثية.. مارب تفتح طريق البيضاء صنعاء من جهتها    عقوبات أمريكية جديدة على أفراد وكيانات داعمة لمليشيا الحوثي    الأردن يستضيف مؤتمراً دولياً للاستجابة الانسانية الطارئة لغزة    ادارة الموارد البشرية بكاك بنك تدشن دورة تقيم الاداء الوظيفي لمدراء الادارات ورؤساء الاقسام بالبنك    بوتين يهدد بنقل حرب أوكرانيا إلى البحر الأحمر    الرئيس الزُبيدي يدشن أعمال الاجتماع العام الثاني لهيئة التشاور والمصالحة (نص كلمة الرئيس)    انتشال 35 جثة لأشخاص لقوا حتفهم بحادثة غرق قبالة سواحل شبوة جنوب شرق اليمن "صور"    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    "الأونروا": الدمار الذي شهدته غزة لا يوصف وإعادة الإعمار يحتاج 20 عاما    مليشيا الحوثي تسطو على منزل مواطن وتطرد النساء والأطفال وتنهب محتوياته    النفط يرتفع وسط توقعات بزيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    آخر ظهور للفنان محمد عبده عقب تلقيه علاج السرطان .. شاهد كيف أصبح؟ (فيديو)    رونالدو يحتكر الأرقام القياسية في اليورو    إعلان رسمي من سلطنة عمان بشأن اليمن    سينر يرتقي لصدارة التصنيف العالمي.. وديوكوفيتش يتراجع    ألكاراز يحتفل بلقب رولان جاروس بطريقة مثيرة    عقب الانهيار الجنوني.. أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية تتوقف عند هذا الحد    لأول مرة منذ 2015.. طيران اليمنية يعلن استئناف رحلاته لوجهة جديدة اعتبارا من هذا الموعد    الحوثيون يمنحون مشرفين درجة الماجستير برسالة واحدة مسروقة وتم مناقشتهما(أسماء)    دعوة لمقاطعة مبخوت بن ماضي    تفاصيل قضية "الزويكي" الذي حكم عليه الحوثيين بلإعدام لدفاعة عن شرفه بعد اغتصاب شقيقته    همسة في أذن من يطالبون بفتح طريق عقبة ثره    خبير سعودي: أحمد علي عبدالله صالح مطلب شعبي لإخراج صنعاء من حكم المليشيات الحوثية    حملة تقودها وسائل إعلام الشرعية للنيل من الانتقالي ليست غريبها عليها    العطش وانعدام الماء والكهرباء في عاصمة شبوة يصيب مواطن بجلطة دماغية    فضل الذكر والتكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة: دعوة لإحياء سُنة نبوية    مانشستر يونايتد يسعى لتعزيز هجومه بضم المغربي يوسف النصيري    في تصعيد جديد: مليشيا الحوثي تختطف مدير موريمن بعد مداهمة منزله    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات شهر مايو للقطاعين المدني والعسكري والمتقاعدين    إيران تمول والحوثي ينفذ: اختفاء 43 طفلاً من مراكز صيفية في ذمار    رجل يقتل زوجته بالرصاص ويدفنها في المطبخ.. والكشف عن دافع الجريمة    مختار علي يعزز صفوف المنتخب السعودي امام الاردن    وديًّا: فوز متواضع لإيطاليا على البوسنة    ارتفاع في تسعيرة مادة الغاز المنزلي بشكل مفاجئ في عدن    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    جرة قلم: قمة الأخلاق 18    أكدوا ثبات الموقف الداعم والمساند لفلسطين.. تحذير أدوات العدو ان من التمادي في خطواتهم ضد شعبنا واقتصادنا    العاصمة صنعاء تشهد الحفل الختامي وعرضاً كشفياً لطلاب الدورات الصيفية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    الضرائب تعلن عن امتيازات ضريبية للمنسوجات المحلية    تدشين مخيم مجاني للعيون بمديرية العدين في إب    افتتاح معمل وطاولة التشريح التعليمية ثلاثية الأبعاد في الجامعة اليمنية    الرواية الحوثية بشأن حادث انهيار مبنى في جامع قبة المهدي بصنعاء و(أسماء الضحايا)    ''استوصوا بعترتي'' و استوصوا بالمعزى!!    "هوشليه" افتحوا الطرقات!!!    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    منظمة الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    في الذكرى الثالثة لوفاته.. عن العلامة القاضي العمراني وجهوده والوفاء لمنهجه    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    أحب الأيام الى الله    روسيا تعلن بدء مبيعات مضاد حيوي جديد يعالج العديد من الالتهابات    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    نادي ظفار العماني يهبط رسميا للدرجة الأدنى    بعد أشهر قليلة من زواجهما ...جريمة بشعة مقتل شابة على يد زوجها في تعز (صورة)    ما حد يبادل ابنه بجنّي    الحسناء المصرية بشرى تتغزل باليمن و بالشاي العدني    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما.. قيمة اضطرارية لتجاوز الانكسار الأمريكي
نشر في نبأ نيوز يوم 22 - 01 - 2009

تميزت الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2008م عن سابقاتها بفوز أمريكي اسود وهو مسيحي من أصل أفريقي، وله جذور إسلامية، فهل يستحق ذلك الحدث كل هذا الضجيج الإعلامي والتفاؤل العالمي؟ اليست أمريكا رائدة الديمقراطية وصاحبة أقدم دستور مكتوب في العالم؟ ألا ينص هذا الدستور على المواطنة المتساوية دون التمييز على أساس العرق أو اللون أو المعتقد؟ ألا يحق لكل من يولد في أمريكا أن يرشح نفسه لرئاستها وفقا لدستورها؟ فلماذا كل تلك الجلبة المحفوفة بالاستغراب والتهويل والبهجة الصاخبة؟ ولماذا تصور وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية ورجال السياسة ذلك الحدث وكأنه انتصارا كونيا، أو ثورة إنسانية؟ انه لون جديد لكنه متاح ومعقول وفقا للمنظور الأمريكي فهل بالضرورة أن يكون كل جديد غريب؟
الحقيقة أننا ومن بين ثنايا الكتابات والتحليلات العديدة التي تناولت ذلك الحدث سندرك انه ليس بالدستور وحده تسير الولايات المتحدة الأمريكية! وبالتالي قد يكون الأمر طبيعيا في أي دولة من دول العالم، غير أن سريانه أيضا على الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون خارج إدراك أولائك الذين يعتبرون أمريكا النموذج المثالي لليبرالية الغربية، وهو ما قد يؤثر على جهود المتحمسين خارج أمريكا لمحاكاة هذا النموذج وتعميمه، مما يحتم عليهم أعادة النظر في إغلاق بوابة الاجتهاد في الخيارات السياسية الأفضل، ومراجعة ما جاء به "فوكو ياما" في كتاب "نهاية التاريخ".
ففي الوقت الذي كان فيه "بان كي مون" أمين عام الأمم المتحدة يتحدث في "غزة" وسط رائحة دماء المجازر والسنة الحرائق عن فضائع ما صنعته الأسلحة الأمريكية على يد الصهاينة من جرائم إبادة تستدعي التحقيق والحساب والعقاب، كان اوباما يرتب أفكاره استعدادا للحديث في حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عن الأمن والسلام والحرية والإنسانية والعدالة وإساءة استخدام السلطة.
لا شك أن سنوات مطلع الألفية الثالثة كانت الأسوأ في تاريخ أمريكا والأمريكيين والعالم اجمع، ذلك أن إستراتيجيتها في مواجهة أحداث سبتمبر أكسبتها موجة عداء عالمية، حربي العراق وأفغانستان، مكافحة الإرهاب، فضائح "أبو غريب"، معتقل "غوانتانامو"، العنت الأمريكي ضد الإسلام والعرب، الدعم الكبير لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وانتهاءَ بالأزمة الاقتصادية المالية التي أثبتت فشل الليبرالية الاقتصادية وتراجع نظرية عدم تدخل الدولة في الاقتصاد التي كانت تزعم أن السوق يعدل ويصحح نفسه في مثل تلك الأزمات.
تجاه ذلك أصبح التغيير حتميا بالنسبة للأمريكيين، لم يجد الديمقراطيين الفرصة سانحة لكسب رهان التغيير فحسب ، فقد تجاوزوا حتمية التغيير وأرادوا أن يحققوا سبقا ديمقراطيا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك بإحداث تغيير نوعي يتمثل بترشيح امرأة أو أسود للرئاسة الأمريكية فأيا منهما أصبح الرئيس كان سيعتبر سابقة أمريكية تتعدى حاجز اللون أو الجنس بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية ، وأي منهما كان سيدهش العالم لا محالة.
لكن لماذا استقر الخيار على الأسود وليست المرأة؟ ما هي المقومات التي جعلت اوباما يفوز على هيلاري؟ اليست المرأة هنا اقرب للنخب السياسية والأسر الأمريكية العريقة وزوجة رئيس سابق؟ اليست مقومات الرجل الأفريقي الأصل ذي الارتباط العائلي بالإسلام مدعاة للنفور؟ الم يسبق وان فشل القس "جيسى جاكسون" في الحصول على دعم الحزب له بالترشح للرئاسة لأنه أميركي أسود رغم موقعه الديني المسيحي وجذور عائلته الأمريكية؟ الم يفشل" مايكل دوكاكس " المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 1988 أمام منافسه "جورج بوش" الأب نتيجة لعدم ثقة قطاع كبير من الأميركيين بوطنيته باعتباره ابن مهاجر يوناني حديث، لم تتأصل عائلته في التاريخ الأميركي، ولم تنحدر من "الأنجلوسكسون" الأبيض المسيحي البروتستانتي؟!.
لقد انطلق صناع السياسة الأمريكية من ذلك الواقع المرير الغير مسبوق في تاريخ أمريكا مستندين إلى واقعية أن الرئيس "ليس هو الحاكم"، فرأوا أن ما سيحدثه اوباما من تحولات مطلوبة في الإستراتيجية الأمريكية، لن يخدش كبرياء أمريكا وسيحافظ على هيبة النظام الأمريكي والقيم الأمريكية على المستويين الدولي والوطني، ويتضح ذلك عندما نأخذ في الاعتبار ما يلي:
أولا: أن الولايات المتحدة تعاني من هزائم إستراتيجية، ومشروع إمبراطورية متعثرة، وأزمة اقتصادية لا يمكن تجاهلها، وإذا كان من الضروري تغيير إستراتيجية وسياسة أمريكا في الخارج والداخل, فإن العالم سيقول: هذا اعتراف أمريكي بالهزيمة والانكسار! وهو ما قد يؤثر على مستقبل أمريكا وتجرؤ الآخرين عليها، لاسيما القوى والشعوب المناهضة لها.
لكن إذا جاء شخص اسمه باراك حسين أوباما، اسود وذو جذور إسلامية ، ويحمل القيم الأمريكية التقليدية, فإن ذلك سيجعل من الممكن القول أن أي تغيير يقوم به كان لأسباب أخلاقية وقيميه لدى اوباما، وليس في ذلك هزيمة لأمريكا. إضافة إلى أن تبنية للقيم الأمريكية يجعله في النهاية مثل الآخرين، ويمكن توجيهه حيثما تريد أجندة الأجهزة الأمريكية الحاكمة. وهكذا ستبدو المتغيرات وكأنها ذات بواعث أخلاقية، ومن ثم تفادي إحساس الآخرين بعدم الثقة تجاه أمريكا أو شيوع الإحساس بهزيمتها وانكسارها.
ثانيا: انتخاب رئيس أسود لأول مرة في بلد سمعتها سيئة كأمريكا، سيحتم على العالم عدم معاملتها على أساس الممارسات أو الشكل السابق، فثمة شكل جديد ومختلف لأمريكا, صالح لأن يكون نموذجا يحترمه الجميع، كما أن وجود رئيس من أصول أسلامية سيخفف معاناة أمريكا في حربها ضد الإرهاب، فذلك سينعكس على شعور المسلمين بأنهم مع رئيس كهذا أكثر قدرة على التفاهم حول عديد من القضايا بعيدا عن التعالي والغطرسة التي لم تخدم أهداف أمريكا في المنطقة الإسلامية.
ورغم فوز أوباما من خلال قبول شعبي وانتخابات حرة، إلا أن ذلك لم يكن قبل التحالفات والأموال والقوى والمصالح التي راهنت علي أوباما أولا ومنحته تفويضها من وراء ستار‏!، كما أن ذلك ليس مؤشر على نجاح النظام السياسي الأمريكي، بقدر ما يؤكد التخبط والضعف والتراجع الذي يعاني منه النظام، وهو ما قاد إلى حتمية التغيير بهدف إصلاح هنات النظام وتصحيح المسارات التي اتبعتها إدارة بوش في ظل هيمنة التيار المحافظ الذي أراد التحكم بكل المؤسسات الأميركية وتهميشها بل و إقصاء مؤسسات هامة عن أداء مهامها على الوجه الدستوري والقانوني ومن ذلك على سبيل المثال:
• على الصعيد الديمقراطي تم تعطيل مفعول الرقابة على السلطة التنفيذية، ولم تتمكن المؤسسات في عهد بوش من وقفه عند حده ، أي أن الخلل ليس فرديا وإنما مؤسسي كامن في البنية الهيكلية للدولة، وفي آلية صناعة القرار، وهذا أعمق بكثير من مجرد "انحراف سياسي" ينتهي بحلول رئيس جديد مكان رئيس منحرف، كما انتزع بوش كثيرا من الصلاحيات التي لا يملكها دستوريا ، ومارسها لسنوات عديدة كإجراءات التعذيب والتصنت..الخ دونما سلطة رادعة لمخالفاته الدستورية.
• في مجال الحقوق والحريات و بعد قرن ونصف من إعلان "تحرير الرقيق" في أمريكا، وصل رئيس أسود إلى سدة الرئاسة، وهذا حدث تاريخي يمكن أن ينطوي على نتائج إيجابية مستقبلا، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن عمق استمرارية التمييز العنصري في واقع الولايات المتحدة حتى الآن. يعزز ذلك عدم وصول أي امرأة إلى منصب الرئاسة أو حتى نيابة الرئيس حتى اليوم، بينما يكفل الدستور والقانون حقها في ذلك منذ حوالي تسعين عام!.
• في المجال الاقتصادي والتنموي يبدو إن طبيعة النظام الأمريكي المتبع وسياساته المالية والاقتصادية تسببت في تدهور مستوى المعيشة لقطاعات كبيرة من السكان الأمريكيين، فخلال فترة بوش الابن فقط ارتفع عدد أصحاب المليارات الأمريكيين من (6) ملايين شخص إلى (9) ملايين و(300) ألف شخص. كما ارتفع عدد الفقراء الأمريكيين من (31) مليون و(700) ألف شخص إلى (37) مليونا و(300) ألف شخص. وارتفع عدد العاطلين عن العمل من (6) ملايين شخص إلى أكثر من (9) ملايين ونصف المليون شخص. بينما ارتفع عدد المحرومين من الرعاية الصحية من (38) مليونا إلى (47) مليون شخص.
وهو السبب الحاسم وراء المشكلة البشرية الأكبر حجما والأشد عمقا على صعيد اتساع الفجوة بين الثراء والفقر، والتقدم والتخلف، والصحة والمرض، والبطر والجوع، في عالم اليوم. ولأن النظام الرأسمالي المنتشر عالميا بزعامة أمريكا قائم على تشابك قنوات التعامل المالي الذي يجعل امتصاص الثروات ممارسة عالمية الأبعاد ؛ لك ذلك تحولت الأزمة الأمريكية إلى أزمة عالمية.
ومع ذلك ورغم أزمات النظام السياسي الذي تأخر في تمثيل المواطنة المتساوية على الواقع، إلا أن فوز أوباما لا يترك مجالا للشك في أن المجتمع الأمريكي استطاع أن يحدث انقلابا في ثقافته المجتمعية والسياسية وتمكن من التغلب على المفاهيم التي لم تكن تسمح لرجل اسود قبل نصف قرن أن يشارك البيض ركوب الحافلات، ولا حتى أن يدخل المطاعم التي تمنع دخول الكلاب والسود.
وبذلك ربما تجاوز الأمريكيون القيم التي كانت تتعارض مع الديمقراطية وقيم الليبرالية ولا تنسجم أصلاً مع طبيعة الدستور الأميركي، حيث لم تعد ذات قيمة لدى الجيل الأميركي الجديد. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن "فوز أوباما أزال آخر حاجز عنصري في السياسة الأمريكية" غير أن الواقع مختلف تماما، واعتقد أن أمريكا لا زالت بحاجة لعقود أخرى إن لم تكن قرونا للقبول برئيس أمريكي مسلم أو حتى بوذي، وبالتالي فان صناع القرار في النظام السياسي الأمريكي سيظلون ينتقون من الديمقراطية ما يريدون تاركين منها ما لا يريدون ، بما في ذلك القيم الليبرالية التي يمجدها دستور الولايات المتحدة الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.