5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    شهداء بينهم أطفال إثر غارات ليلية على غزة وتصنيف جباليا وبيت حانون "منكوبتين"    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    جماعة الحوثي تطلب تدخل هذا الطرف الدولي لوقف تصعيد الشرعية وقرارات "مركزي عدن"    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    فضيحة حوثية تُثير موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي و تُهدد الاقتصاد (صورة)    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    خراب    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس صالح وخيار تأسيس المؤتمر الشعبي العام (ملف خاص)
نشر في نبأ نيوز يوم 24 - 08 - 2006

بمناسبة الذكرى ال(24) لتأسيس المؤتمر الشعبي العام تنفرد "نبأ نيوز" في نشر تفاصيل تأسيس المؤتمر، والخيارات التي دفعت بالرئيس علي عبد الله صالح لتبني هذا المشروع الوطني.. وهل كان المؤتمر الشعبي العام مفتاح سر حل المشاكل الاستراتيجية التي كانت تواجهها اليمن!؟ والى أي مدى حقق المؤتمر وحدة الجماهير والوطن!؟
المؤتمر وخيارالوحدة الوطنية
أولاً: الميثاق الوطني- وحدة الفكر
واحدة من أهم خصال الرئيس علي عبدالله صالح هي أن قضيته الوطنية الثورية لا يمكن أن تنفصم عن ذاته الإنسانية والفكرية، ويستحيل أن تتعايش في مخيلته بغير صفاتها الكلية الواحدة ضمن دائرة تكويناتها الزمانية والمكانية، بحيث تصبح مفاجأة أي حدث طارئ ليست إلا حالة ستاتيكية عاجزة عن الاستحواذ على الجهد الوطني كاملاً والإخلال بالمعادلة السياسية.
فالرئيس علي عبد الله صالح، وإن ظل يواجه التحديات الصعبة من حين لآخر من غير توقف، إلا أنه كان يبدو خلالها دائماً رجلاً لا تحاصره الخطوب، ولا تعجزه الإمكانيات الشحيحة، وله من الإرادة والعزيمة ما يؤهله لصناعة أكثر من موقف في أكثر من مكان وفي آنٍ واحد.. فلا النوائب تفقده صوابه، ولا الانتصارات بقادرة على شحنه بالغرور.. وكأننا به رجل يعيش بأنفاس الجماهير ، ويغفو بأحلامها.
فكرة الميثاق الوطني وصياغته
مع أن الظرف اليمني في عام 1980م كان معقداً الى حد كبير ، والسلطة في صنعاء تقود معارك دفاعية ضارية أمام هجمات الجبهة الوطنية التي رمت بكل ثقلها في الساحة السياسية والعسكرية لزعزعة نظام الحكم، الى جانب اضطراب القوى السياسية والاجتماعية الأخرى ، والتوترات في العلاقات الخارجية مع دول الجوار، والكثير من المشاكل الاقتصادية والهموم الوطنية. كان الرئيس صالح يتداول فصول تلك الأزمات بمنظور فكري منهجي عميق، تتشكل تصوراته الفلسفية داخل إطار من الوعي المعرفي الكبير بالمفردات التاريخية والحضارية ، والاستيعاب الكامل لأبجديات الواقع وتصوراته السياسية، في سبيل الوصول الى صياغات جديدة وعملية تؤسس هياكل المرحلة القادمة، وتكون نواة حقيقية لبرامج العمل الوطني لجميع القوى السياسية والاجتماعية في الساحة اليمنية.
إذن أخذت مسيرة بناء الدولة اليمنية تسلك منحى تكاملياً متقدماً منذ تاريخ 27 مايو 1980م، الذي صدر فيه القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م ، والذي تعتزم القيادة اليمنية من خلاله صياغة ميثاق وطني يوحد القوى اليمنية المختلفة على منهج فكري واضح وثوابت استراتيجية ملزمة ، وقد نص القرار المذكور على تشكيل لجنة حوار وطني تتبنى على عاتقها صياغة أفكار الميثاق الوطني.وتتألف هذه اللجنة من (51) عضواً بما فيهم رئيس اللجنة (حسين عبد الله المقدمي).
ويمكن تفسير هذه الخطوة على أنها حصيلة استنباط واقعي ومنطقي لمعطيات الساحة اليمنية والإفرازات الناتئة في مختلف محطات الحركة الثورية اليمنية، والتي تشكلت على عدة أنماط سياسية متسببة بالكثير من الأوجاع والآلام، والإحباطات للرموز الثورية. فقد ظن البعض في مرحلة ما من مسيرة النظام الجمهوري أن الوطن آيل للانتكاس، وإن الثورة تعيش أيام احتضارها الأخير، ولم يبق منها غير اسمها، وبعض (القفشات) الدستورية المعطلة، وثمة آلاف من المناضلين القابعين بعيداً عن دوائر الحكم يلوكون الذكريات البطولية، ويأسفون على واقع مرير، تتجاذب أطرافه قوى وطنية ممزقة وصراعات دموية مذهلة، وفوضى سياسية عارمة، وإرادة سياسية مخذولة لم تسعفها تجاربها بنفض عوالق الماضي السحيق والانبعاث بفكر مجدد يحمل هوية الوطن الذي يحيا على أرضه.
كان طبيعياً من الرئيس علي عبدالله صالح أن لا يمتطي جواداً خاسراً جربه الأسبقون، ولا أن ينتظر من ينتزع الرهان على مستقبل الوطن من بين أيدي صناع الثورة السبتمبرية لأن اللبيب أقدر من غيره على تحليل جدلية العلاقات الناشئة في زمن الثورة وقراءة أسرار الأنكفاء على حالة التردي، واستلهام دروسها، وبلورة وضع جديد، وعناصر مغايرة جديرة بانتشال الوطن من أزمته الراهنة، ومن هنا يصبح مشروع صياغة الميثاق الوطني مسألة انبعاث تجديدي معاصر للكينونة اليمنية فكراً ، وإنساناً، ودولة.
وهذا الانبعاث سيكون بمثابة الأداة الفاعلة التي سيرمي عليها الرئيس صالح كل ثقله السياسي وبرنامجه العملي، ورهاناته المرحلية لمشاريع بناء الدولة اليمنية الحديثة، لأنها ستكون عصا التوازن التي تمسك بها مختلف القوى الوطنية السياسية والاجتماعية، والحكومية أيضاً.
وفي الحقيقة أن فكرة صياغة (ميثاق وطني) كانت قد برزت للوجود للمرة الأولى في أواخر عهد الرئيس عبدالله السلال حين عقد مع رموزه السياسية القيادية اجتماعاً في مدينة (الحديدة) بتاريخ 31/10/1967م ووقع المجتمعون (وعددهم 14) بياناً اقترح في البند الثالث منه " الأعداد لوضع ميثاق وطني يحدد الأهداف السياسية للمرحلة القادمة، ويرسم الخطوط الرئيسية التي تلتقي عندها، وتجمع عليها فئات الشعب..". لكن انفلات الأوضاع السياسية وتدهورها إلى ابعد الحدود أحال دون ذلك، وقاد إلى الإطاحة بنظام السلال بحركة (5 نوفمبر 1967م).
أما في الفترة موضوع البحث، فإن فكرة الميثاق الوطني كان لها صداها الكبير ووقعها المؤثر بين أعضاء مجلس الشعب التأسيسي حين عرضها الرئيس صالح لأول مرة، باعتبارها كانت تمثل أقوى خيارات المرحلة في الخروج من الأزمة الوطنية، ومواجهة الاختراقات الفكرية والعقائدية التي زادت المسألة الوطنية اليمنية تعقيداً، وفاقمت أخطارها. وعلى هذا الأساس تم تشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة حسين المقدمي وعضوية خمسين آخرين، ويمثلون جميع شرائح المجتمع اليمني علماء. ومفكرين ومشائخ وعسكريين ومثقفين وغيرهم- وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م.
ونصت المادة الثانية على تحديد مهام لجنة الحوار الوطني في تقصي آراء ووجهات المواطنين حول مجمل القضايا الأساسية التي تهم المواطن والوطن، والتعرف على تطلعاتهم وتصوراتهم الفكرية من خلال طرح مشروع الميثاق الوطني.. ونص القرار أيضاً على توزيع استمارات استبيان وإبداء الآراء على المواطنين وتلخيص النتائج وتقديم التوصيات والرفع إلى رئيس الجمهورية.
بينما نصت الفقرة (ج/د) من المادة الثالثة للقرار على رفع الصيغة النهائية من الميثاق إلى رئيس الجمهورية ليقوم بدوره بتوجيه الدعوة لعقد المؤتمر الشعبي العام.
وبناءً على ما تقدم، عقدت لجنة الحوار الوطني اجتماعها الأول بتاريخ21/6/1980م في (نادي الضباط) بالعاصمة صنعاء، وترأس أعمال الاجتماع رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح. وكان على اللجنة أن تضع وتقر اللائحة الداخلية لها، وتحدد لجانها الفرعية، ثم تقوم بحملاتها الإعلامية في مختلف أرجاء اليمن، إضافة إلى توزيع استمارات الاستبيان ونسخ من مشروع (الميثاق الوطني) على المواطنين.
وبتاريخ 14/12/1980م عقدت جميع اللجان الفرعية للجنة الحوار الوطني اجتماعاً موسعاً في (نادي الضباط) برئاسة رئيس الجمهورية، تم خلاله جدولة الأعمال وفقاً لسقف زمني معلن، وتوعية اللجان الفرعية بمهامها، فكان أن باشرت تلك اللجان حملاتها الإعلامية بدءً من يوم 16/12/1980م ولغاية 4/1/1981م. وخلال تلك الفترة عقدت اللجان (250) مؤتمراً مصغراً، وزعت خلالها (100.000) مائة ألف نسخة من مشروع الميثاق الوطني، إضافة إلى (200.000) مائتي ألف استمارة استبيان الآراء.
بلغت لجنة الحوار الوطني أهم وأدق أعمالها في يوم الأحد 15/2/1981م، وعقدت اجتماعها برئاسة رئيس الجمهورية، وباشرت اللجنة بأعمال الفرز والصياغة مستهدية بآراء الأغلبية وتصوراتهم ومقترحاتهم إلى أن تم الوصول إلى الصيغة النهائية لمشروع الميثاق الوطني. وفي يوم الأحد 4/10/1981م استعرضت لجنة الحوار الوطني المشروع، وتمت المصادقة عليه بالإجماع فرداً فرداً بطريقة رفع الأيادي.

أهداف الميثاق الوطني
تبلورت فكرة (الميثاق الوطني) لدى القيادة اليمنية كمنهج سياسي تحولي ينقل برامج عمل الدولة إلى مسار تفاعلي مع المتغير المرحلي الطارئ من جهة، ومع مبادئ الثورة اليمنية وأهدافها من جهة أخرى وهي الفكرة التي ذهب إليها الرئيس صالح في فاتحة (الميثاق الوطني) بقوله:
(لقد كان في طليعة همومي، منذ الأيام الأولى لتحملي أمانة قيادة شعبنا المؤمن الصادق، أن أعثر على صيغة عملية تتفاعل مع مبادئه وقيمه، وأهداف ثورته…).
لكن بالعودة إلى التصورات السياسية التي عرضها الرئيس علي عبدالله صالح في ديباجة قراره الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م، نقف على قراءة فصيحة لأهداف الميثاق الوطني، يمكن تلخيصها بالآتي:
- تعزيز الوحدة الوطنية بفكر وطني يقوم على أساس الجمع بين الأصالة المعاصرة.
- ملئ الفراغ السياسي بفكر وطني متكامل تتحدد به المناهج السياسية للدولة والقوى الوطنية معاً.
- تحصين الشعب اليمني من التيارات الفكرية الدخيلة.
- تفعيل مبادئ وأهداف الثورة السبتمبرية وجعلها واقعاً ملموساً يعيشه جميع أبناء المجتمع.
- تحقيق التواصل الحضاري بين الموروث التاريخي وضرورات الحاضر وتطلعات المستقبل.
- تحقيق الأمن والاستقرار من خلال توحيد جميع الطاقات في إطار فكري سليم.
- إضفاء شرعية جماهيرية على نظام الحكم وكسب ثقة الجماهير بالدولة وتلاحمها معها.
- يكون بمثابة الهوية التعريفية بالوطن اليمني ونظام حكمه تطمئن إليه دول الإقليم والعالم.
ومما يجدر ذكره هو أن الميثاق الوطني يرتكز في بلورة رؤاه المستقبلية إلى خمس حقائق هامة يستمدها من فصول التاريخ والتجارب السابقة والمقارنة مع الواقع، والحقائق الخمس هي:
1- الاستقرار والأمن والسلام هي أسس البناء الحضاري، ولا يمكن أن تتهيأ إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية التي تقود إلى وحدة الأرض والشعب والحكم.
2- أن العقيدة الإسلامية هي ضمير الشعب اليمني الذي لا تزعزعه الأحداث الدامية ويستحيل بدونها الاندفاع للأمام.
3- أن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وإن القوة والدجل والخديعة قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله.
4- لا يمكن تحقيق الوحدة والتطور والتقدم بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
5- رفض كل أشكال الاستغلال والظلم مهما كانت أصولها ومصدرها.

ثانياً: المؤتمر الشعبي العام- وحدة الأداة
الرئيس علي عبدالله صالح رجل لا يمكن عده ضمن الزعامات التقليدية المقلدة لتجارب الغير، والتي تخشى على نفسها من التقلبات السياسية العصرية، وثقافاتها المتجددة، فهو لا يؤمن بنظرية التماثل السياسي ويعتقد أن لكل بلد خصوصياته التي تملي عليه إعادة تقويم كل ما يقع بين يديه من تجارب الآخرين، ومن ثم تكييف ما يلائم منها على أساس من ظرفه الخاص، وواقعه اليمني المحلي، وطبيعة الجاهزية التي تتشكل بها القوى الوطنية على ساحة العمل السياسي.
لذلك عمل الرئيس صالح على توأمة مشروع الميثاق الوطني بمشروع إقامة المؤتمر الشعبي العام وربط الاثنين بأواصر علاقة جدلية ومصيرية، ترهن مستقبل عمل كل منهما بالطرف الآخر من معادلة البرنامج السياسي الوطني. فالميثاق الوطني لا يمكن أن يبصر النور بغير مصادقة المؤتمر الشعبي العام عليه، حتى لو تمت المصادقة يبقى مجرد فكر تنظيري مدون ما لم يجد الأداة والوسيلة المناسبة التي تنقله إلى واقع عملي معاش، تتمثل فيه عقيدة الجماهير اليمنية وتطلعاتها وإرادتها الوطنية. وهو الفعل الذي سيؤديه المؤتمر الشعبي العام، بوصفه "أسلوب للعمل السياسي يضم ممثلين عن الشعب بمختلف فئاته الوطنية ضمن منهج فكري عام يجسده الميثاق الوطني".
ووفقاً للتعريف السابق الذي صاغته لجنة التصور للعمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام تتبلور الحقيقة الأخرى من الطرف الثاني للمعادلة، مفصحة عن حجم العلاقة الجدلية بين الميثاق الوطني والمؤتمر الشعبي العام والتي توزن مشروعية كينونة المؤتمر الشعبي العام بمقدار تمثيله لعقيدة وفكر وإرادة الجماهير اليمنية، وبمستوى نجاحه في تحقيق الطموحات وتلبية الحاجات الشعبية التي كان يمثل جميع فئاتها، وشرائحها الاجتماعية. ولا شك أنه بغير ذلك السلوك العملي والتجسيد الحي للمبادئ الميثاقية يفقد مشروعيته ويلغي أسباب وجوده. فلا حاجة للمؤتمر الشعبي العام إذا ما تغيب الميثاق الوطني عن ساحته، ولا ضرورة أو أهمية للميثاق الوطني من دون الوسيلة السياسية التي تنفخ فيه الحياة على أرض الواقع..ومن الواضح أن تلك الجدلية كانت بمثابة الجسر الذي عبر عليه المؤتمر الشعبي العام إلى الألفية الثالثة، وكلمة سر الرئيس صالح لفتح آفاق الدولة اليمنية الحديثة أمام أبناء الشعب اليمني.

الإعداد والتحضير للمؤتمر الشعبي العام
انطلاقاً من طابع العلاقة الجدلية التي أسسها الرئيس علي عبدالله صالح بين الميثاق الوطني والأداة السياسة المنفذة لبرامجه والمشرفة على تطبيقه وعدم الإخلال بمبادئه، نص القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م على أن تعقب مرحلة صياغة مشروع الميثاق الوطني بشكله النهائي والرفع به إلى رئيس الجمهورية مرحلة جديدة يتم توجيه الدعوة فيها لعقد "المؤتمر الشعبي العام".
ولما كانت القوى الوطنية مشتتة التوجهات، ومتنافرة مع بعضها البعض، وعلى غير هدى أو دراية من أي مناهج سياسية واضحة، عمل الرئيس علي عبدالله صالح على بذل جهود حثيثة وجبارة للالتقاء بممثلي مختلف القوى السياسية والاجتماعية، وعقد في شهر أغسطس 1980م لقاءات موسعة مع رؤساء القبائل أكد فيها على (أن يتحمل كل اليمنيين مسئولياتهم في القضاء على التخلف الموروث من عهد الأئمة، ويجب على المشائخ كغيرهم من اليمنيين المساهمة في بناء المجتمع الديمقراطي وتعزيز الوحدة الوطنية…).
وتكرست تلك اللقاءات الفردية والجماعية للتمهيد للمشروع الوطني العملاق (المؤتمر الشعبي العام) وتذليل أية صعوبات قد تنجم عن الفهم الخاطئ أو الرؤى الضيقة التي غالباً ما تعرضت لمطباتها التجارب المماثلة. إلا أن الأمر من بعد ذلك اختلف كثيراً، ووجدت أفكار الرئيس صالح أصداءً عالية جداً عند تلك القوى التي رأت في مشروع الميثاق الوطني والمؤتمر الشعبي العام مساحة كبيرة من الديمقراطية التي قد تستفيد منها في تفعيل عملها ونشاطها السياسي تحت عباءة المؤتمر الشعبي العام وستكون أيضاً الفرصة التي يمكن استثمارها في إخراج بعض برامجها إلى ضوء الشمس. في الوقت الذي سيكسب بها الرئيس صالح شيئاً من الاستقرار الداخلي الذي يكفل له التوسع في الأنشطة التنموية والإنمائية للوطن اليمني.
وتأكيداً لذلك التوجه الديمقراطي أصدر الرئيس صالح قانون الانتخابات بالقرار الجمهوري رقم (29) لسنة 1980م وذلك بتاريخ 21 أغسطس 1980م . وتلا ذلك ببضعة أشهر أصدر رئيس الجمهورية القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 1981م والذي يقضي بتحديد أعضاء المؤتمر الشعبي العام الذين سيضطلعون بمهمة إقرار مشروع "الميثاق الوطني" من (1000) ألف شخص، منهم (700) سبعمائة شخصاً يتم انتخابهم من قبل المواطنين من جميع أنحاء الجمهورية، بحسب دوائرهم الانتخابية التي تم توزيعها بناءً على نتائج التعداد السكاني بالجمهورية العربية اليمنية والمعلنة بالقرار الجمهوري رقم (61) لسنة 1981م. أما الباقي فهناك (300) ثلاثمائة عضواً يتم تعيينهم بقرار جمهوري.
وبتاريخ 19/10/1981م- أي بعد أسبوعين بالضبط من مصادقة لجنة الحوار الوطني على مشروع (الميثاق الوطني)- أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم (128) لسنة 1981م، والذي يكلف بموجبه اللجنة العليا واللجان الفرعية لانتخابات هيئات التعاون للموسم الانتخابي التعاوني الثالث الإشراف على انتخاب ممثلي المواطنين في المؤتمر الشعبي العام في جميع أنحاء الجمهورية.
ثم صدر القرار الجمهوري رقم (53) لسنة 1982م حدد فيه رئيس الجمهورية أسماء (300) عضواً من أعضاء المؤتمر الشعبي العام وفقاً لما أقره القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 1981م. كذلك وجه الرئيس علي عبدالله صالح رسالة إلى رئيس وأعضاء لجنة الحوار الوطني يكلفهم بها الإعداد والتحضير لعقد المؤتمر الشعبي العام وكانت مؤرخة في 31/3/1982م. وبناء على ذلك باشرت اللجنة أعمالها اعتباراً من 11/4/1982م، وأخذت تعد اللائحة المنظمة لأعمال وجلسات المؤتمر. وبعد أن أتمت مهمتها اطلعت رئيس الجمهورية على ما أنجزته، والدور الذي بادر إلى إصدار القرار الجمهوري رقم(54) لسنة 1982م، داعياً فيه المؤتمر الشعبي العام للانعقاد ابتداءً من يوم الثلاثاء 24 أغسطس 1982م. وحدده بمهمتين رئيسيتين: الأولى إقرار الميثاق الوطني، والثانية تحديد أسلوب العمل السياسي لتطبيق الميثاق الوطني في المرحلة القادمة التي تعقب المؤتمر الشعبي العام الأول.

انعقاد المؤتمر الشعبي العام الأول
تلبية لدعوة رئيس الجمهورية، انعقد المؤتمر الشعبي العام الأول في الفترة (24-29 أغسطس 1982م) في العاصمة صنعاء، تحت شعار: (من أجل ميثاق وطني يجسد عقيدة الشعب وأهداف الثورة) وخلال جلسات المؤتمر أقر جميع أعضاءه الصيغة النهائية لمشروع الميثاق الوطني وتم اعتباره المنهج الفكري للعمل الوطني في شتى المجالات في ظل النظام الديمقراطي الشامل.
ومن جهة أخرى، تقدمت لجنة التصور للعمل السياسي في جلسة يوم 26/8/1982م بمقترحين: الأول يدعو إلى ضرورة استمرارية المؤتمر الشعبي العام كأسلوب للعمل السياسي، مبررة ذلك بأن استمراريته ستساعد على تعميق الوعي بالميثاق الوطني وتمكين المواطنين من ممارسة العمل السياسي والتفاعل مع البرامج التنموية للدولة، إضافة إلى ترسيخ القيم الأخلاقية في سلوك الفرد والمجتمع وفقاً لمبادئ الميثاق الوطني، وتقييم تجربة العمل السياسي وتأهيل القوى الوطنية لممارسة أفضل الأساليب الديمقراطية.
أما الاقتراح الآخر، فهو أن تنبثق عن المؤتمر الشعبي العام (لجنة دائمة) مؤلفة من (75) عضواً ، ويتم تشكيلها على نفس منوال تشكيل المؤتمر ، بهدف أن تكون مسئولة عن قيادة وتوجيه أعمال وسياسة المؤتمر الشعبي العام، وعن تطبيق الميثاق الوطني، ورعاية العمل السياسي وحمايته من الانحراف. وتم إقرار تلك المقترحات، ثم فتح باب الترشيح فور انتهاء جلسة يوم 27/8/1982م، وفي يوم 29/8/1982م تم الانتهاء من أعمال الفرز لانتخاب (50) عضواً للجنة الدائمة. أما ما تبقى من العدد وهو (25) شخصاً فقد صدر بهم القرار الجمهوري رقم (62) لسنة 1982م بتاريخ 31/8/1982م، كذلك أقر أعضاء المؤتمر النظام الأساسي للمؤتمر الشعبي العام، وخلصوا أخيراً إلى اعتبار المؤتمر الشعبي العام بمثابة التنظيم السياسي الوحيد في الجمهورية العربية اليمنية الذي تمارس داخل أطره مختلف القوى السياسية الوطنية نشاطها:
وبتحقيق ذلك يكون الرئيس علي عبدالله صالح قد نجح فعلاً في رص الصفوف الجماهيرية وقواها السياسية في بوتقة واحدة، لا خلاف على فكرها، أو برامجها العملية، أو وسائلها التي تترجم الإرادة الشعبية والغايات الثورية للوطن اليمني، حيث أن " الميثاق الوطني" جسد في أبوابه الخمس المبادئ العامة التي حددت الخطوط الأساسية لحركة المجتمع ووجهت مسار الدولة اليمنية صوب مرحلة واضحة ومثمرة.

ثالثا: مطالعة في أوراق الوحدة الوطنية
ارتبط ترجيح الرئيس علي عبدالله صالح لأولويات الرص الوحدوي للصفوف الوطنية بالجانب التاريخي من شخصيته والذي تشكلت على أفقه المقروء مفردات ثقافته السياسية. فإنطلاقه من أرضية الاستيعاب العميق لحقائق التجارب التاريخية السابقة أفضى به إلى تقديم خيار الدعامة الجماهيرية للحكم على كل الفرضيات العلاجية الأخرى. وهو أمر مستوحى من عدة تجارب سابقة أودت بأرواح أربابها بعد أن استفحلت الأزمة الوطنية وبلغت ذروتها دون إدراك أهمية الوحدة الوطنية في تقرير مصير العمل السياسي وأنظمة الحكم إلا بعد فوات الأوان، ومن تلك التجارب:
1- دعوة القاضي محمد محمود الزبيري إلى تأليف مؤتمر شعبي في الفترة 2-5/5/1965م خلال "مؤتمر السلام" فكان أن استشهد بعد ذلك ببضعة أيام فقط.
2- إصدار الرئيس السلال و (13) رمزاً قيادياً في نظامه بياناً يدعو لوضع (ميثاق وطني) بتاريخ 31/10/1967م( ). فكانت النتيجة أن أطيح بحكمه بانقلاب بعد أربعة أيام فقط من البيان.
3- الرئيس الحمدي بدأ في منتصف عام 1977م الإعداد والتحضير لعقد (مؤتمر شعبي)، لكنه أغتيل بعد ثلاثة أشهر.
4- أما الرئيس القاضي الإرياني والرئيس الغشمي فإن ضياع الوحدة الوطنية كان سبباً رئيسياً وراء ضياعهما أيضاً. وطبقاً لذلك نجد أن السلطة ظلت تهمش ثقل القوى الوطنية، حتى إذا تدهورت أوضاعها راحت تسترضيها وتحاول الاحتماء خلف ظهورها، ولكن بعد أن تكون قد استقوت واستشرى نفوذها ولم يعد بالإمكان احتواء نقمتها ومداواة الآلام التي كابدتها على يد السلطة من إقصاء وزج بالسجون والتصفيات والإهانات وغيرها. ومن جهة أخرى فإن المشاريع الثلاثة الآنفة الذكر قدمت رؤى ناقصة لتوليفة الوحدة الوطنية، فاثنين منها اقترحت مؤتمراً شعبياً يجمع القوى الوطنية ولم تشر قط إلى طبيعة الأفكار والعقائد التي يمكن أن تلتقي داخل أطرها تلك الحشود. بينما بدت مبادرة الرئيس السلال أقرب إلى مناورة يائسة وغريبة لم تأخذها أي جهة على محمل الجد.
أما الرئيس علي عبد الله صالح فقد مر على تلك الفترات العصيبة، ووقف على أخطائها أو مواضع إخفاقها، ولم يكتف بتحاشي تكرارها، بل ذهب إلى صياغة البدائل، ورسم معادلات توازن جديدة وذات خصوصية يمنية تسير بمحاذاة الواقع اليمني دون أن تتجاوزه إلى أي مستوى كان من المثاليات الفكرية والقوالب السياسية الجاهزة.
الرئيس علي عبدالله صالح لم ينتظر حتى يبلغ التشتت الوطني أقصى مداه فيستنجد بالجماهير، ويرمي الشباك للقوى الوطنية باسم مؤتمر شعبي أو ميثاق وطني.. بل على العكس من ذلك فقد جاء القرار الجمهوري رقم(5) لسنة 1980م عقب عدة خطوات سابقة عززت الثقة بنوايا الرئيس صالح وجديته في تطوير مناهج حكم الدولة حتى لدى أشد المناوئين له. فمثلاً كان هناك تأسيس لمجلس شورى، وانتخابات مجالس بلدية، وتوسيع في إعداد واختصاصات مجلس الشعب، وإصدار قانون انتخابات وغيرها.
علاوة على ذلك لم يكن القرار أحادي الأسس، بل شمل الفكر والأداة معاً في نفس القرار، وذلك الأمر أعطى الموضوع فهماً أوسع وأوضح ، وجعله أكثر تقبلاً في الوسط الجماهيري. خاصة وأنه يؤسس بدايات عهد سياسي جديد، وليس نهاياته المحتضرة.
اعتمد الرئيس علي عبدالله صالح في شق الطريق إلى الوحدة الوطنية لغة الحوار السلمي والتشاور وكان في مقدمة الأسباب التي أوصلت الرئيس صالح إلى مكسب الوحدة الوطنية هو التمهيد المسبق للعمل، حيث أنه حرص على الالتقاء مع قيادات القوى الوطنية السياسية والاجتماعية، والتشاور معهم فيما كان يعزم الإقدام عليه، والأخذ بالآراء والمقترحات الجيدة التي عرضوها عليه.
بجانب ذلك فأنه حرص أيضاً على عدم تجاهل أو تهميش أية قوى وطنية ذات أثر في ساحة العمل السياسي، مهما كان موقفها من نظام الحكم، لدرجة أن الجبهة الوطنية الديمقراطية التي كانت تقود حرب العصابات على الحدود بين الشطرين وتهاجم القرى والمدن الخاضعة لنفوذ الشطر الشمالي، حصلت على فرصة عادلة من الحوار والمشاركة في لجنة الحوار الوطني التي اضطلعت بمهمة صياغة مشروع الميثاق الوطني، أسوة بغيرها من التيارات العاملة في الساحة اليمنية.
أما العنصر الآخر في تركيب المعادلة السياسية بين القوى الوطنية فقد تمثل في نسبة 30% الثلاثون بالمائة التي خصّ بها القرار الجمهوري رقم(9) لسنة 1981م رئاسة الجمهورية لتتولى تعيينهم، فيمكن تقييمها على إنها التفاتة ذكية من صُنّاع القرار السياسي اليمني، كانت ترمي إلى موازنة المشاركة السياسية برموز فعالة ومؤثرة وفسح المجال أمام بعض العناصر السياسية التي كانت مستبعدة في العهود السابقة للمشاركة، وهو أمر أسهم في حل بعض الخلافات السياسية، وتخفيف شحنة التوتر بين القوى الوطنية، وظهور إمارات الارتياح والرضا إلى حد ما من الجهود التي كان يبذلها الرئيس علي عبدالله صالح لتوحيد صفوف الوطن.. ولعل من أبرز صور ذلك الارتياح والرضا تجسد في سرايا المقاومة الشعبية (الجيش الشعبي) التي تشكلت في القرى والمدن اليمنية المختلفة لإسناد الوحدات العسكرية الحكومية في الحرب التي كانت تخوضها لمواجهة العصابات التخريبية الماركسية. وذهب بعض الكتاب والباحثين إلى عزو نصف النصر الذي بدأ يتحقق منذ منتصف عام 1981م وحتى يوم (15 أغسطس 1982م) الذي توقفت فيه العمليات القتالية- إلى تضاعف الالتفاف الشعبي الجماهيري من مختلف القوى الوطنية حول قيادة الرئيس علي عبدالله صالح.
بالرغم من كون تأسيس المؤتمر الشعبي العام جاء في إطار ملء الفراغ السياسي في ظل دستور دائم تحرم المادة (37) منه العمل الحزبي، إلا أن النتيجة التي نخلص إليها هي أن الميثاق الوطني الموصوف بالأساس الفكري للمؤتمر الشعبي العام قد اكتسب شرعيته الجماهيرية الوطنية من خلال صياغته على يد جميع القوى السياسية التي كانت قائمة آنذاك بما فيها القوى المعارضة للسلطة مثل (الجبهة الوطنية الديمقراطية) و (الناصريين حاولوا بالأمس القريب الإطاحة بنظام حكم الرئيس صالح) وغيرهم. ومن ناحية ثانية، فإن المؤتمر الشعبي العام مثل وجهاً حقيقياً للإئتلاف الشعبي العام كونه ضم بين صفوفه مختلف التيارات السياسية والقوى الوطنية التي كانت متواجدة على الساحة في زمن انبثاقه.. وعليه يصبح كل ما تحقق أولى الغايات الوطنية والأهداف الثورية التي ينجزها الرئيس علي عبد الله صالح.. ولكن بشق الأنفس.
أن الأهمية التي يعطيها الرئيس صالح لهذه الخطوة تأتي من كونها قاعدة ارتكاز عوامل استقرار البلاد، وأمنها الوطني وهي العوامل التي لا بد منها في أية صناعة حضارية وبناء تنموي سريع. وذلك الفهم مستوحى من تجربة تاريخية عريقة لم يخف الرئيس انبهاره بدروسها، فيقول: (إن شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام، ولم يتحقق له ذلك إلا في ظل الأرض والشعب والحكم، ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية) .
مما تقدم ذكره تتجلى أمامنا صورة الرئيس علي عبدالله صالح بملامحها الفذة، وبريقها الوطني الصادق، ومهاراتها الخلاقة، وإنسانيتها الدفاقة التي لا يمكن لأبناء الأمة إعطاؤها حق قدرها حتى يعرفوا أنه الزعيم العربي الوحيد الذي يقطع مسيرة ربع قرن في الحكم بلا معتقلات سياسية، أو مطاردة أمنية واحدة لمعارضٍ ينتقد نظامه علناً.. لا شك إن أقصر الطرق للوصول إلى شخصية الرئيس علي عبدالله صالح هي بالوقوف على ناصية أقرب " كشك" لبيع الصحف في أي بقعة من اليمن.
أهم أوراق الوحدة الوطنية هي تلك التي حددت داء الوطن اليمني، وفسرت لغز الانحدار السياسي والانهيار التنموي، والشتات الثوري، ثم مضت تنسج فكر الجماهير، وتنتشل الفرد من زمن الاغتراب، وتراهن على كونه أداتها الوحيدة في التغيير وقيادة التحولات الاستراتيجية.
الورقة التي نحن بصددها كتبها الرئيس علي عبد الله صالح، وعلى ضوء أفكارها ولد مشروع الميثاق الوطني، وولد المؤتمر الشعبي العام، وأصبحت معيار تقييمنا لأهمية ما أنجزه الرئيس صالح.. وسأقتطف نصوص متفرقة من أحاديثه في هذا المضمار:
- (بدأ شعبنا يعاني من آلام جديدة ومستجلبة غير تلك الآلام التي دفنها وتحرر منها وإلى الأبد، آلام ارتبطت بالتيارات السياسية والفكرية الدخيلة التي ظل يسيل لعابها لهثاً لاحتواء مسيرة الثورة واستلاب الإرادة اليمنية وامتلاكها نتيجة الفراغ السياسي المتفاقم الذي أثمر الصراعات الثانوية، وهو ما مثل تهديداً خطيراً للثورة ولوحدة الشعب الوطنية ولطموحاته في تسيير أموره…).
- (.. في الوقت الذي لم يتم القضاء على كل تلك التيارات الدخيلة بمجرد الإعلان عن تحريمها لكنها كانت تعشش وتستشري في الخفاء وتحت رماد السرية، وهو الأمر الذي جعلنا جميعاً وكل الغيورين على الثورة والوحدة الوطنية على اقتناع تام بضرورة التحصين الفكري الكامل للثورة ومسيرتها وأنه لابد في مواجهة التيارات الفكرية الغازية والمتسربة من فكر وطني يمني يواجهها، ويكون فعلاً المتراس الذي يتصدى لها، في الوقت الذي يكون المرشد والهادي لمسيرة الثورة..).
- (إذا كان سوء معظم الأقطار العربية قادماً من خارجها في شكل انتداب أو تسلط أجنبي مباشر، فإن داء اليمن متمثل في انقسامها إلى شعب مظلوم في جانب ونظام إمامي متخلف في جانب آخر..).
- (إننا على يقين من أن شعبنا قادر على أن يمارس حقه في الديمقراطية على أكمل وجه..).
........................................................................................................
المصدر: كتاب ((علي عبد الله صالح ، تجارب السياسة وفلسفة الحكم)) تأليف: نزار خضير العبادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.