طلت علينا القناة الفضائية اليمنية في شهر رمضان المبارك لهذا العام بمجموعة من برامج المسابقات الثقافية الليلية – أقول الليلية لأني لا أشاهد تلك التي تُعرض في النهار لفارق توقيت الإفطار بين باريس وصنعاء. وبلا شك أن هذه البرامج لها أهداف تثقيفية وترفيهية لجمهور الشاشة الصغيرة لكن بعضها وللأسف تتشابه وتسير على نمط بعض البرامج التي تعرض على القنوات العربية أو الأجنبية منذ زمن طويل، أي أن بعض برامج المسابقات في الفضائية اليمنية فيها ما يكفيها من الرتابة. كمشاهد لا أُفَرِّق كثيراً بين برنامج السندباد وبرنامج مفتاح المدينة أو الصعود إلى القمة من حيث المضمون. البرامج كلها ترتكز على الأسئلة وهي أسئلة في غاية البساطة.. ما الذي يمكن أن يتعلمه الإنسان من أسئلة ساذجة؟ً ناهيك عن تكرار أسئلة هذا البرنامج في البرنامج الآخر وكأن معدي أسئلة البرامج قد اتفقوا جميعاً على قائمة أسئلة واحدة. أضف إلى ذلك أن بعض مقدمي هذه البرامج لا ينسجموا مع برامجهم، ليس كل إعلامي يمكن أن يقدم برنامج مسابقات. سأتناول هنا برامج المسابقات الأربعة التي تُبث في ليالي رمضان وعلى وجه الخصوص ابتداءً من الساعة العاشرة ليلاً على توقيت صنعاء وهي السندباد وفرسان الميدان ومفتاح المدينة والصعود للقمة. وقبل ذلك أود أن أوضح أنه ليس من وراء هذا النقد إي إساءة للفضائية اليمنية أو لمقدمي تلك البرامج ومخرجيها وإنما منطلقنا ودافعنا هو الغيرة والحرص على أن تظهر الفضائية اليمنية بشكل متميز، لها خصوصياتها التي تميزها عن باقي القنوات العربية والعالمية ولها حضور جماهيري على المستوى العربي والأجنبي فهي نافذة اليمن على العالم. "السندباد".. اسم على غير مسمى في حقيقة الأمر، لا أجد فرق كبير من حيث المضمون بين هذا برنامج السندباد وبرنامج مفتاح المدينة أو الصعود للقمة مهما اختلفت طرق التقديم ومقدميهما أو إضافة فقرات خاصة لبعضها. مقدم برنامج السندباد الأخ نادر أمين إعلامي متميز على الساحة اليمنية، لكني أعيب فيه بعض الهفوات التي لا تطغى على البرنامج مهما كان نجاحه. عند مشاهدتي للمرة الأولى لبرنامج السندباد تذكرت تلك المقابلة التي أجراها الأخ نادر أمين بمعية الأستاذ محمود الحاج مع الفنان الكبير الدكتور أبو بكر سالم بالفقيه مساء الخميس الموافق 03/07/2003 عند زيارته لليمن وما جرى في تلك المقابلة من " العجين والرفاس" وتدني مستوى التقديم في تلك الليلة. وفي برنامج السندباد يحرص الأخ نادر أمين على الوقت الثمين للبرنامج متجاهلاً الكثير من الأشياء الأخرى التي تضفي على البرنامج جو من المتعة لدى المشاهد، فتراه ما أن يطرح سؤاله حتى يستحث المتسابق على إعطاء الجواب بعد مرور ثانيتين من طرح سؤاله مردداً بعض عبارات الاستعجال ك "وقت البرنامج قصير" و" الوقت الوقت يا فلان" وغيرها من العبارات منذ أول متسابق، وكأنه ينتظر نهاية البرنامج على أعصاب مشدودة. وعندما يعطي المتسابق إجابة صحيحة يطلب مقدم البرنامج من الجمهور وبإلحاح تشجيع المتسابق وكأننا في الصف الأول أو الثاني الابتدائي، وهذا يعكس عدم تفاعل الحضور مع البرنامج. ثم أن كثير من الأرقام التي تُسحب في القرعة لا يوجد أصحابها بين الجماهير، أي أن كثيراً من الناس يشترون تذاكر الدخول ليتمكنوا من الحضور والاستمتاع وربما يحالفهم الحظ بسحب أرقامهم ليحصلوا على جائزة ما، لكن يبدو أن أصحاب تلك الأرقام التي ليس لها أحد يغادرون البرنامج منذ البداية. هلا سأل الأخ نادر أمين نفسه: لماذا يتم سحب أرقام لا يوجد أصحابها وتكرر ذلك في كل حلقات البرنامج؟ السندباد اسم جميل يحمل معاني كثيرة وفكرة البرنامج فكرة رائعة بحيث يتم بث البرنامج من محافظات مختلفة واستضافة فنانين من الشباب، لكن المضمون والطريقة بحاجة إلى إعادة النظر فيهما. فالبرنامج عبارة عن أسئلة كما هي عليه بقية البرامج، وفوق هذا كله نلاحظ التدخل المفرط من قبل المخرج عبر السماعة اللاسلكية لدى مقدم البرنامج والتي يعطي عبرها وباستمرار تعليماته التي غالباً ما تربك مقدم البرنامج. "فرسان الميدان" من نجاح إلى نجاح لا يختلف اثنان على أن برنامج فرسان الميدان برنامج ناجح جداَ وله حضور لدى الجمهور، ويكتسب نجاحه وجماله من فكرته وتنوع فقراته وتنوع المناطق التي تدور فيها فقرات البرنامج من سهول وجبال ووديان وسواحل على الأرض اليمنية. فمتعة المشاهد تكمن في تنوع فقرات البرنامج وفي الأسئلة التي تسافر مئات الكيلومترات تبحث عن إجابة لها. والأجمل من ذلك كله هو أن البرنامج لا يقتصر على جمهور معين بل يشرك فيه مختلف الأعمار، فنرى الأطفال والشباب والشيوخ من الرجال والنساء. كما أن روح المتعة والنكتة والابتسامة التي يتمتع بها الأستاذ يحي علاو وحضوره بكل مشاعره وحماسه قد أضفى نجاحاً كبيراً على البرنامج. ولكن يبدو لمن تابع البرنامج في السنوات السابقة بأن التنوع في الفقرات لهذا العام قد أنخفض إلى درجة ملحوظة ، وما نخشاه أن يفقد برنامج فرسان الميدان في المستقبل هذا التنوع الذي جعل منه برنامج متميز وأن يؤول إلى برنامج روتيني شبيه بالبرامج الأخرى. ثم إن هناك ملحوظة نتمنى من الأخ الأستاذ يحي علاو أن يأخذها بعين الاعتبار وهي التكرار عند الحصول على إجابة سليمة. ما من شك بأن الأستاذ يحي علاو يحرص على التذكير باسم المتسابق والإجابة الصحيحة التي أعطاها عدة مرات، لكن ذلك التكرار قد لا يستحبه المشاهدين. "مفتاح المدينة" بانتظار مجاذيب ابن علوان البرنامج إلى حد ما مشوق والأخ محمد المحمدي إعلامي بارز يتمتع بقدرة عالية في تقديم البرنامج وشد انتباه الجمهور، وقد تميز في الكثير من البرامج وعلى سبيل المثال برنامج "نوح الطيور". كما أن بشاشته تضفي على البرنامج بشيء من الجمال، لكن هناك فقرة في برنامج مفتاح المدينة لا أدري كيف وافق عليها القائمين على البرنامج. الفقرة تستضيف فيها شاب موهوب يقوم في كل حلقة بتقديم موهبة جديدة، وفي إحدى الحلقات على سبيل المثال وليس الحصر قام ذلك الشاب بتثبيت طرف سيخ من الحديد على لوح من الخشب وطرفه الآخر يضغط عليه برقبته، ثم قامت مجموعة من الشباب بالضغط على ذلك اللوح الخشبي باتجاه الشاب ومجموعة أخرى قامت بدفع ذلك الشاب من خلفه بالاتجاه المعاكس، فأثبت ذلك الشاب قوته على المقاومة دون أن يخترق سيخ الحديد رقبته. كما أن هناك فقرات أخرى لذلك الشاب أكثر عنفاً مما ذكرت كفقرة القوالب الأسمنتية التي وضعت إحداها على ظهره وضربت بالأخرى مع وضع جنبية تحت رقبته دون أن تؤثر عليه الجنبية أو القوالب الأسمنتية. بالتأكيد يجب تشجيع ذلك الشاب على ممارسة مواهبه، لكن السؤال الأهم الذي يجب طرحه هو هل يجب عرض تلك الفقرات في برنامج مسابقات كمفتاح المدينة الذي يشاهده الأطفال والكبار؟ ألا نخشى من التقليد الأعمى لدى الأطفال لذلك الشاب ما قد يسببه من حوادث وخيمة لدى بعض الأطفال؟ ألا يُخشى أن تحدث تلك الفقرات صدمة لدى البعض وهم يشاهدونها؟ وهل تم استشارة أخصائيين في علم النفس حول تأثير تلك الفقرات من عدمه على المشاهد ؟ أم أن هدف طاقم البرنامج هو تقدم الجديد متجاهلين إي عواقب سيئة قد تحدث لدى الأطفال أو غيرهم ممن لا يطيقون تلك المشاهد أو من التقليد الأعمى؟ وما أخشاه أن يتحول هذا البرنامج الجميل إلى برنامج لعرض القدرات الخارقة والأعمال السحرية وأن يلجأ الأخ محمد المحمدي في يوم من الأيام لاستضافة مجاذيب ابن علوان. "الصعود للقمة".. من سيربح المليون بحلة يمنية فكرة هذا البرنامج ليست جديدة ولكنها محاكاة لبرامج عالمية ك " من سيربح المليون" مع تغيير شيئاً ما في الطريقة، ومن هنا أكتسب هذا البرنامج جمهوراً لا بأس به، إضافة إلى أسباب أخرى منها تمكن المشاركين من الحصول على مبالغ مالية وهدايا قيمة لسهولة الأسئلة التي تطرح عليهم. وكأن لسان الحال يقول " شارك تربح 100 % مع هدية". أضف إلى ذلك الفنادق التي تستضيف المشاركين وإمكانيات البرنامج الكبيرة. كل هذا ساهم في حشد جمهور لهذا البرنامج. مقدم البرنامج هو المحرك الرئيسي للبرنامج، هو من يمكن أن يضفي على البرنامج بعض اللمسات التي تقوده إلى النجاح وهو أيضاً من يقتل فيه الفكرة ويفقده جمهوره. الأخ محمد الردمي مذيع مخضرم وبشوش ويليق جداً بالبرنامج لكن هناك بعض النقاط السلبية التي يجب تفاديها. وأُذكر بأني لست هنا لأنتقد لمجرد النقد ولا لأعلم هؤلاء الإعلاميين اللامعين أعمالهم لكني أقيم البرنامج بعين المشاهد وليس بعين طاقم البرنامج، وأرى من الهفوات التي لا يراها طاقم البرنامج نفسه أو قد ربما يراها ويتغاضى عنها لبساطتها في نظره. ومن الملاحظات التي أستشفيتها من متابعتي لبرنامج الصعود للقمة والتي أتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار أولاً التكرار الممل لشرح طريقة المسابقة للوصول إلى القمة مع كل متسابق. كان بالأحرى شرح طريقة المسابقة للمشاركين كلهم قبل بداية بث البرنامج مع التذكير بها مرة واحدة في بداية البرنامج. أما وأن يرددها مقدم البرنامج مع كل متسابق فهذا مبالغ فيه. ثم، وبغض النظر عن الأسئلة السهلة التي يختارها الكمبيوتر، الأخ محمد الردمي يستخدم أحياناً طرق لإيحاء الجواب الصحيح لبعض المشاركين ويضغط على البعض الآخر. فأين الحيادية يا ردمي؟ برامج المسابقات هي برامج جميلة وهادفة لما تحمله من ثقافة وتنافس ومتعة، لكن كثرتها على نفس النمط والرتابة وتكرار الأسئلة فيها يعد مضيعة للوقت والجهد والمال واستخفاف بعقول الجماهير. وللخروج ببرنامج هادف وناجح يجب تقييم فكرة البرنامج تقييماً دقيقاً من قِبل مختصين قبل التسجيل والبث واستشارة أخصائيين في علم النفس في بعض الفقرات. وبدلاً من صرف الأموال على برامج متشابهة يمكن اختصارها إلى برنامجيين أو ثلاثة برامج مسابقات متنوعة على أن تستغل ميزانية البرنامج الرابع في تغطية العجز في الاحتياجات اللازمة للخروج ببرامج ناجحة. لماذا لا يخصص مثلاً برنامج مسابقات يستضيف كل يوم قطاع من القطاعات ؟ في اليوم الأول مسابقة بين مقدمي البرامج أنفسهم، وفي اليوم الثاني بين الأطباء واليوم الثالث بين المهندسين، واليوم الرابع بين الصحفيين واليوم الخامس بين الممثلين، واليوم السادس بين المدرسين، واليوم السابع بين المحامين واليوم الثامن بين الاقتصاديين وهكذا، على أن تكون أسئلة المسابقة عامة وليست تخصصية كي لا يكون هناك تحسس بين زملاء المهنة تتخللها فقرات ترفيهية، وأن يساهموا بما يربحونه من الأموال لصالح الجمعيات الخيرية ودور الأيتام وغيرها. وفي الأخير كل ما نأمله هو التجديد والابتكار والتنوع في الأفكار والتميز في الطريقة والإبداع وليس "التبداع" وحسن الاختيار لمقدمي البرنامج وتوفير الإمكانيات للفضائية اليمنية كي ترقى برامج المسابقات وغيرها من البرامج إلى مستوى البرامج العالمية لتكون فخراً لليمن في الداخل والخارج.