خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    "حرمان خمسين قرية من الماء: الحوثيون يوقفون مشروع مياه أهلي في إب"    انتقالي حضرموت يرفض استقدام قوات أخرى لا تخضع لسيطرة النخبة    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية!    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    المجلس الانتقالي يبذل جهود مكثفة لرفع المعاناة عن شعب الجنوب    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    رفض فئة 200 ريال يمني في عدن: لعبة القط والفأر بين محلات الصرافة والمواطنين    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    أولى جلسة محاكمة قاتل ومغتصب الطفلة ''شمس'' بعدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتلال جزيرة حنيش..أسرار المؤامرة ومفاتيح انتصار الرئيس صالح
نشر في نبأ نيوز يوم 15 - 12 - 2006

يعود الاهتمام بالعلاقات اليمنية- الإرتيرية بالنظر إلى كون إرتيريا- تؤسس مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية الحزام الأمني لليمن، وإن أي إخلال في قواعد هذه العلاقة يعني تغييباً للاستقرار الإقليمي لمنطقة دول البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وبالتالي إعاقة نمو مسارات التنمية الوطنية لشعوب المنطقة، وتعزيز حالة الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما يجعلها نهباً للصراعات الدولية الكبيرة التي لا ترحم ضعيف.
وطبقاً لذلك المفهوم في علاقات دول إقليم البحر الأحمر والقرن الإفريقي توجهت اليمن نحو إنماء دائرة علاقاتها الخارجية مع إرتيريا التي بدأت العلاقة معها تأخذ طابعاً أوضح منذ عام 1974م. بمجيء نظام (ما نغستو هيلا ميريام) في أديس أبابا، واتخاذه مواقفاً عدائية في أول الأمر إزاء الكيان الصهيوني.
وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح قامت العلاقات على نحو مضطرد مع حركة النضال الإرتيري سُمح للحركة في ظلها استخدام بعض الجزر اليمنية في البحر الأحمر وعلى رأسها جزيرة حنيش الكبرى مراكزاً للتدريب، ومواقعاً لتخزين الأسلحة، وقواعد لانطلاق الثورة على أثيوبياً. وبعد سقوط نظام (هيلاميريام) في يوليو 1991م، وإقامة حكومة مؤقتة برئاسة (إسياسي أفورقي) زعيم الجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا، اعترفت اليمن بالحكومة المؤقتة، كما وقعت مع أسمرة اتفاقية عسكرية لتبادل الخبرات في مايو 1992م.
وبعد الاستفتاء وإعلان استقلال ارتيريا في 25 مايو 1993م شهدت العلاقات اليمنية- الإرتيرية تطوراً كبيراً إلى المستوى الذي شاع فيه الحديث عن علاقات شخصية متميزة بين رئيسي البلدين تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية بحيث صار كل منهما يفاجئ الآخر باتصالات وزيارات غير مقررة مسبقاً( ).. وفي زيارة أفورقي لصنعاء في نوفمبر 1994م أكد على أن (الدائرة الاستراتيجية للقرن الإفريقي لا تكتمل من دون اليمن..).
لكن ما لم يكن بالحسبان في مسار هذه العلاقة هو أن تتلقى الحامية اليمنية في جزيرة حنيش الكبرى في 11 نوفمبر 1994م إنذاراً خطياً من أحد الزوارق الإرتيرية بإخلاء الجزيرة بحجة تبعيتها لدولة إرتيريا. في الوقت الذي كانت اليمن قد منحت إحدى الشركات الألمانية ترخيصاً لإقامة مشاريع اقتصادية وسياحية في جزر أرخبيل حنيش.وفي 15 نوفمبر 1995م حاولت القوات الإرتيرية السيطرة على الجزيرة لكن باءت المحاولة بالفشل.
ورغم التحرك السريع للدبلوماسية اليمنية، والتدخل الشخصي من قبل الرئيس صالح من خلال اتصالاته بالرئيس إسياسي أفورقي والدعوة لترسيم الحدود البحرية لم يمنع ذلك من تكرار ارتيريا لمحاولاتها وتصعيدها للموقف العسكري الذي انتهى بشن هجوم بحري واسع على الجزيرة في 15 ديسمبر 1995م أفضى بعد ثلاثة أيام من القتال بسقوط الجزيرة بأيدي القوات الإرتيرية وأسر الحامية اليمنية البالغة نحو مائتي جندي بعد صدور الأوامر إليها بوقف إطلاق النار من قبل الرئيس صالح.
• الأيادي الخفية
في غضون بضعة أيام من التوترات السياسية والعسكرية في أرخبيل حنيش بدأت تجتمع خيوط وجود أيادي خفية تحاول تحريك الأحداث صوب ساحة دولية غير مستقرة في البحر الأحمر، بجانب التسبب بإرباك كبير لليمن على وجه الخصوص التي كانت قد خرجت لتوها من حرب انفصالية لم تلتئم جراحاتها بعد.
ومع أن أنظار الاستخبارات العسكرية اليمنية قد ذهبت في ظنونها إلى موضع آخر في بادئ الأمر، إلا أن قيادة الرئيس علي عبد الله صالح ظلت على قناعة كبيرة بأن المستفيد الأعظم من تصعيد الأحداث في إقليم البحر الأحمر هو الكيان الصهيوني الذي يحرص على التعايش في مناخات غير مستقرة لدول المنطقة (هذه الحقيقة مؤكدة في عدة خطابات لسيادته)، حيث أن (إسرائيل) سعت في أواخر عام 1994م إلى استغلال ظروف الدولة الإرتيرية الحديثة العهد ومشاكلها المعقدة لتضع على طاولة الرئيس أفورقي جملة من المشاريع والمساعدات الاقتصادية والعسكرية مقابل الحصول على بعض التسهيلات العسكرية في مياه البحر الأحمر، الأمر الذي لقي ترحيباً عند العديد من القيادات الحكومية الإرتيرية، وساندت الرئيس أفورقي على التورط ببعض الاتفاقيات السرية مع (إسرائيل) فازت منها ببضع قواعد عسكرية في مجموعة من الجزر الإرتيرية في مقدمتها جزيرة (دهلك).
وتأكد لدى صناع القرار السياسي اليمني وقوف الكيان الصهيوني خلف التطورات الأخيرة من خلال تصعيد الجانب الإرتيري للأعمال الحربية ضد الجزر اليمنية عقب توجه أسياسي افورقي إلى (تل أبيب) في نهاية نوفمبر 1995م، ومن ثم حصوله على صفقة أسلحة (إسرائيلية) حديثة مؤلفة من ست طائرات هليكوبتر طراز (بلاك هوك ودولفين)، وطائرة واحدة طراز (عربة) خاصة بمهمات الاستطلاع البحري، ومنظومة رادار بحري، ومجموعة صواريخ بحر/ بحر طراز (جبرائيل) وستة زوارق بحرية طراز (ريشيف و سعر) تم استخدامها في الهجوم الإرتيري على جزيرة حنيش الكبرى، الذي تولى قيادته ضابط (إسرائيلي) أيضاً يدعى (مقدم طيار مايكل دوما).
وقد كشفت التقارير (الإسرائيلية) بعد انتهاء الأزمة بان سيطرة إرتيريا على جزيرة حنيش تندرج في إطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذها (إسرائيل) تحسباً لتهديدات سودانية ويمنية محتملة تعرض الملاحة الدولية في البحر الأحمر للخطر أو تغلق منافذ الوصول لميناء (إيلات) عبر بوابة باب المندب على غرار ما قامت به اليمن عام 1972م.
وبجانب الكيان الصهيوني حاولت قوى إقليمية ودولية اللعب على أوراق الأزمة اليمنية – الإريتيرية فقد تحركت المملكة العربية السعودية لاستغلال ظروف الأزمة في ممارسة مزيداً من الضغوط على الحكومة اليمنية بشأن المسائل الحدودية العالقة؛ فقد ترددت أنباء عن قيام السعودية بتزويد إرتيريا معدات وأسلحة بحرية عبر ميناء (جدة)، شملت على (68) زورقاً حديثاً، و (28) شاحنة مرسيدس موديل 1995م، وعدداً من الحاويات المغلقة التي لم يعرف ما بداخلها، إضافة إلى معدات بحرية أخرى مختلفة.
ومن جهة أخرى فإن واشنطن بذلت جهداً مكشوفاً لتدعيم الموقف الإرتيري وتشجيع أطماعه، وفي عرقلة المبادرة الفرنسية لحل النزاع ضمن استراتيجياتها الدولية القاضية بالحد من النفوذ الفرنسي في عنق البحر الأحمر.. ثم تطور الأمر إلى تحرك الأسطول البحري الفرنسي من قواعده في جيبوتي (مايوتي- لا ربونيون)، وتحرك جزء من القوات البحرية الأمريكية المرابطة في المحيط الهندي بقاعدة (ديغوغارسيا) تأهبا لأي تطورات محتملة قد يجنح إليه النزاع اليمني الإرتيري.
وعلى صعيد آخر، فإن تقلب الموقف الإرتيري سريعاً وعدم استقراره على مفهوم واضح لعدوانه العسكري الذي امتد إلى جزر أخرى في الأرخبيل كشف عن حقيقة وجود جناح متشدد بين القيادات الحكومية الإرتيرية يغذي الأزمة مع اليمن ويحرص على تصعيد المواجهات العسكرية وتوسيع دائرتها، بما من شأن تلك القيادات أن تمثل مركز التأثير الخارجي في مؤسسة الحكم الإرتيرية .. وهو الأمر الذي زج بقيادتي البلدين في مواقف محرجة للغاية خصوصاً وأن ثقة صنعاء بنظام أسمرة كانت كبيرة للغاية إلى درجة وصف سفير اليمن في إرتيريا للحدث بقوله: (الموضوع فيه تضخيم، وبأن ما حدث زوبعة في فنجان)، مما جعل التطورات اللاحقة تأخذ تفسيراً عكسياً لدى القوى الوطنية اليمنية بأنها نتائج طبيعية لتهاون الحكومة في معالجة الوضع في مظاهره الأولى المصغرة.. من غير أن تكون هذه القوى على أية دراية بحلقات النزاع الأخرى، التي تحرك الأحداث عن بعد وتسعى إلى جر الطرفين إلى أتون حرب واسعة تلحق الضرر بمصالح الدول الكبرى المارة عبر هذا الممر الملاحي الدولي، والذي سيستدعي آنذاك نزول قوات دولية على هذه الجزر تحت شعار حماية المصالح الدولية أو الأمن الملاحي العالمي في مياه البحر الأحمر.

• إدارة الحرب من خنادق الدبلوماسية
تأكدت مهارة الرئيس علي عبد الله صالح في إدارة الأزمات الدولية من خلال الطريقة التي واجه بها التحدي الإرتيري من خلال القنوات الدبلوماسية ولغة الحوار والتفاوض بنفس طويل، انتهاءً بالتحكيم الدولي.
ففي اليوم التالي لأول محاولة إرتيرية للاستيلاء على حنيش الكبرى في 15 نوفمبر 1995م أجرى الرئيس صالح اتصالاً هاتفياً مع الرئيس أفورقي مشدداً على ضرورة ترسيم الحدود في إطار الأسس والمبادئ العامة للقانون الدولي كما اقترح عقد اجتماع بين وزيري خارجية البلدين لتسوية أي خلاف يتعلق بملكية جزيرة حنيش.. وبالفعل بدأت المفاوضات في الثاني والعشرين من نوفمبر في صنعاء، وكان فيها وزير خارجية إرتيريا بطرس سلمون على موقف نقيض تماماً من تأكيدات الرئيس أفورقي المطمئنة، فقد صرح سلمون فور وصوله لمطار صنعاء بلغة غير مهذبة (جئنا فقط نطلب من اليمنيين أن يخرجوا من جزيرة حنيش الإرتيرية).
فشلت مفاوضات صنعاء ومفاوضات أسمرة أيضاً وتلقى الرئيس صالح رسالة من نظيره الإرتيري تضمنت توسيع نطاق الخلاف ليشمل جزر الأرخبيل كلها، وبات مؤكداً للقيادة اليمنية أن أسمرة تستخدم المفاوضات لتكسب الوقت ولتنفذ مخططاً مدفوع الثمن إسرائيلياً لاحتلال جزيرة حنيش في 15ديسمبر 1995م ثم لتناور بالمفاوضات مجدداً لاكتشاف قدرة اليمنيين على إثبات ملكيتهم لجزر الأرخبيل.
اتخذت صنعاء موقفاً حازماً جداً عقب سقوط الجزيرة بيد القوات الإرتيرية، فقد رفض الرئيس صالح اللقاء بأفورقي عبر مبادرة وساطة أثيوبية حملها إلى صنعاء وزير الخارجية الإثيوبي (سيوم ميسفن) في 21 ديسمبر 1995م، واشترط الرئيس صالح إخلاء جزيرة حنيش الكبرى وإطلاق سراح الأسرى اليمنيين.
وكما هو معروف عن الرئيس علي عبد الله صالح في حرصه على حشد الموقف العربي الدولي في مواجهة التحديات الخارجية، فإنه عقب سقوط الجزيرة مباشرة أوفد مبعوثيه إلى بعض الدول العربية لشرح الموقف اليمني فأرسل عبد العزيز عبد الغني إلى السعودية، وعبد الكريم الإرياني للإمارات وعمان، وعبد الوهاب الآنسي لقطر والبحرين، ويحيى حسين العرشي إلى المغرب وليبيا وتونس وموريتانيا والجزائر، وعبد الله أحمد غانم إلى الأردن، ويحيى المتوكل إلى سوريا، ومحمد سالم با سندوة إلى الكويت، وعبد السلام العنسي إلى السودان.. كما قام الرئيس صالح بزيارة القاهرة في 12 يناير 1996م لإنعاش الدور المصري في تسوية الأزمة. وفي الوقت نفسه كان الرئيس قد أجرى عدة اتصالات هاتفية مع دول أجنبية صديقة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الأزمة على أمل ممارسة الضغط على الجانب الإرتيري في العدول عن عدوانه.
على إثر ذلك النشاط الدبلوماسي المحموم، والحركة السريعة المتعددة الاتجاهات، أخذت الساحة الدولية تتفاعل مع المسألة اليمنية إيجابياً، فتقدمت إثيوبيا بمبادرة مؤلفة من ثلاثة خيارات وافق الرئيس صالح منها على مقترح إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية. وفي 29ديسمبر 1995م زار الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي صنعاء، واقترح قيام فرنسا بدور الوسيط لتسوية النزاع، وفي 26 يناير 1996م رحب الرئيس صالح رسمياً بجهود الوساطة الفرنسية، وفي نفس اليوم وصل وزير خارجية مصر عمرو موسى يحمل وساطة مصرية لطرفي النزاع.. وكان رد الإرتيريين على وساطتي إثيوبيا ومصر سلبياً للغاية، والأمر الذي أكد مصداقية صنعاء في إدعائها بتعنت الطرف الإرتيري، وكذلك ولد تعاطفاً دولياً مع الجانب اليمني كان أحد مظاهره أن أحجمت جيبوتي في منتصف شهر إبريل 1996م عن تسليم إرتيريا بعض السفن والقطع البحرية التي باعتها أديس أبابا لأسمرة. وجاء هذا الموقف بعد زيارة نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي لجيبوتي مبعوثاً من الرئيس صالح.
لقد عمل الرئيس علي عبد الله صالح على إدارة الأزمة من خلال المعسكر الدبلوماسي وقنوات الحوار مع مختلف مراكز القوة والتأثير في المجتمع الدولي والذي دفع في آخر الأمر إلى تغليب الخيارات اليمنية لفض النزاع بالتحكيم الدولي. ففي 21 مايو 1996م احتضنت العاصمة الفرنسية باريس مراسيم التوقيع على مسودة اتفاق المبادئ بين الجمهورية اليمنية ودولة أرتيريا والذي أقر التزام اليمن رسمياً بالتخلي عن استخدام القوة واتباع الوسائل السلمية لتسوية النزاع، وكذلك إنشاء محكمة تحكيم تتألف من خمسة قضاة يحال إليهم أمر البت في النزاع استناداً إلى قواعد القانون الدولي، ومن ثم رسم الحدود البحرية بين البلدين، ومنح فرنسا حق مراقبة أي نشاط أو تحرك عسكري.
عقب ذلك أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً في 26 أغسطس 1996 دعا فيه الطرفين إلى الامتثال لاتفاق المبادئ والامتناع عن استخدام القوة. وفي 9أكتوبر 1998م أصدرت المحكمة قرارها النهائي الخاص بالمرحلة الأولى، وقضى بملكية اليمن لجزر أرخبيل حنيش البالغ عددها (43)جزيرة يمنية، بما فيها جزر حنيش وجبل زقر المتنازع عليها.
وفي الأول من نوفمبر 1998م قامت إرتيريا بتسليم الجزيرة للقوات اليمنية تنفيذاً لحكم المحكمة، كما قام أفورقي بزيارة اليمن في نوفمبر 1998م في مبادرة لتنقية أجواء العلاقات الثنائية بين البلدين وفي 17 ديسمبر 1999م صدر حكم المرحلة الثانية القاضي بترسيم الحدود الملاحية بين الطرفين ( ) وفي 17 إبريل 2001م زار الرئيس صالح العاصمة الارتيرية أسمرة ليطوي ملفات الماضي ويصفها بأنها (سحابة صيف انتهت) ، وليوقع الطرفان أثناء الزيارة عدداً من الاتفاقيات والمشاريع المشتركة التي من شأنها توثيق علاقات الشعبين ورفع درجة أمن واستقرار الإقليم بأكمله، وبالتالي تفريج فرص النهوض والتنمية في ظل ما تهيأت من فرص ومناخات مناسبة جداً لأي مشاريع تنموية وطنية.

• الرئيس.. عبور خنادق الأزمة
لا يمكن مقارنة حرب الجزر اليمنية مع إرتيريا مع أية حرب أو نزاع آخر سبق أن شهدته ساحة الجمهورية اليمنية، فهي التجربة الأولى في عهد الثورة التي يواجه فيها اليمنيون تحدياً خارجياً بهذا الحجم والنوع، لذلك كانت ردود الفعل الرسمية والشعبية على قدر كبير من التفاوت والتباين في الرأي حول سبل معالجة الأزمة والحد من مخاطرها.
ففي الوقت الذي احتلت الحكمة فحوى السلوك السياسي الرسمي، وعمد الرئيس صالح إلى التروي وضبط النفس، ومراجعة حسابات الأزمة بدقة وبعد نظر .. اندفعت قوى جماهيرية شعبية كبيرة باتجاه الحلول العسكرية، واستخدام القوة في استعادة الحق اليمني المغتصب، متأثرة بزهو انتصاراتها العظيمة، في حرب الردة والانفصال صيف عام 1994م، ومنساقة خلف العديد من التحليلات السياسية والعسكرية التي روجتها وسائل إعلام أحزاب المعارضة وأخرى خارجية والطابور الخامس في الشارع اليمني.
فقد لعبت تلك القوى دوراً أساسياً في حشد رد فعل شعبي مناوئ للسياسة الحكومية، يتهم الدولة بالتخاذل والتفريط بالجزر اليمنية، ويطالب بتشكيل حكومة جديدة قادرة على حماية الأرض والعرض والسيادة الوطنية. فالقضية – على الصعيد الداخلي- أخذت في بعض مراحلها طابعاً آخر تم تجييره في حسابات حزبية محدودة غير خاضعة لأية معايير استراتيجية للسياسات القائمة آنذاك.
على سبيل المثال- اغتنم حزب التجمع اليمني لإصلاح ردود الفعل الشعبية الغاضبة من العمل العدواني الإرتيري للتقليل من شأن قدرات تنظيم المؤتمر الشعبي العام في قيادة الدولة اليمنية أو حجم استعداده للتضحية من أجل الوطن رغم أن حزب الإصلاح كان يمثل الشريك الوحيد للمؤتمر الشعبي في الحكم ويشاطره المسئوليات والمناصب إلى حدٍ ما، لكنه لجأ إلى المناورة السياسية من نفس الخندق الذي كان الحزب الاشتراكي يهاجم منه المؤتمر ويحمله تبعات الأزمات بينما كانا يتقاسمان مراكز الحكم بالمناصفة، فحزب الإصلاح طوال الأزمة مع إرتيريا كان يدق طبول الحرب بأعلى أصواتها، ويؤلب الرأي العام على الرئيس صالح والمؤتمر الشعبي العام من خلال منابر المساجد والمعاهد العلمية وصحيفة " الصحوة" الناطقة بلسانه، والتجمعات الجماهيرية، وحذا به الأمر إلى توزيع أشرطة تسجيل تضم مجموعة من الأناشيد بعنوان (يا حنيش الكبيرة أنت أغلى جزيرة...الخ).
هذا النشاط السياسي المحموم، والخطاب الإعلامي المركز حمله التجمع اليمني للإصلاح كأحد رهاناته السياسية على تقويض نفوذ وشعبية المؤتمر الشعبي العام في فترة يجري فيها الحديث والاستعداد لانتخابات برلمانية ثانية، كما أن المؤتمر الشعبي العام كان قد أبدى استياءً شديداً من استغلال الإصلاح للحقائب الوزارية الممنوحة له على نحو سيئ للغاية يكرس بها مفاهيم الانتهازية الحزبية، مما ترجم معنى فض الإئتلاف في المرحلة المقبلة.. وعلى هذا الأساس كرس الإصلاح كل طاقاته لجعل مشكلة جزيرة حنيش كقميص عثمان تماماً.. يلوحون به طلباً للانتقام، فيما لمآرب أخرى.
إن الضغوط التي مورست على القيادة السياسية اليمنية لم تكن في جميعها ذات صفة جماهيرية شعبية، بل كان بين صفوف حكومة عبد العزيز عبد الغني من يعطي الأولوية للخيار العسكري، ولربما امتدت الضغوط الجماهيرية إلى بعض الرموز الحكومية، وأثرت في موقفها بعض الشيء خصوصاً مع افتضاح سياسة التسويف والمماطلة التي اعتمدتها الحكومة الإرتيرية.
ربما تعلقت الجماهير اليمنية أثناء الأزمة بالمقولة الشهيرة (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) لكن الرئيس صالح رجح هذه المرة العمل بالمقولة (البصر غلب القوة) .. ففي بادئ الأمر كان استخدام القوة يمثل بديلاً على طاولة الرئيس صالح، ولطالما ظل يرفض الخوض في أي حوار مع الرئيس أسياسي أفورقي قبل انسحاب القوات الإرتيرية من جزيرة حنيش الكبرى.. وطبقاً للحسابات العسكرية كانت اليمن في وضع أقوى يؤهلها للقيام بنشاط عسكري جوي مكثف يجبر القوات الإرتيرية على إخلاء الجزيرة، إلا أنه لا يقدم حلاً نهائياً للمشكلة، وسيواصل الإرتيريون نشاطهم العسكري في المياه الدولية اليمنية والتعرض للجزر اليمنية من حين لآخر، خاصة وأن الأسطول البحري اليمني قد تم تدميره نهائياً في حرب صيف عام 1994م ولم تعد تمتلك أي زورق أو معدات عسكرية بحرية.
وقدر الخبراء اليمنيون تكاليف العمل العسكري لتحرير الجزيرة بما يقارب المليار دولار، وهي تكلفة عالية جداً في سياق الأزمة الاقتصادية الحادة التي تقصم ظهر البلاد من جراء الآثار التي خلفتها حرب الخليج الثانية وحرب الانفصال.. إذ لم يعد بمقدور الميزانية اليمنية تحمل أي عبء إضافي مهما كان عنوانه .
ليست هذه الأسباب وحسب ما دفع الرئيس صالح للأخذ بالخيارات السلمية بل أن ما عرف به من قدرات على استقراء خفايا الأمور وأبعادها المستقبلية كشفت عن خيوط تآمر إقليمي ودولي يهدف إلى جر اليمن إلى حرب طويلة الأمد يقف على طرفها الآخر العديد من الخصوم الكبار والقوى الإقليمية التي يسعدها استنزاف الموارد اليمنية وإضعاف دائرة حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي ظهر على مسرح الأحداث كقوة إقليمية وقومية رائدة في منطقة الشرق الأوسط.. وكان أي تورط يمني في حرب جديدة يعني نجاح تلك القوى في استدراج الرئيس صالح إلى كمين خطير، تم نصب فخاخه بذكاء شديد، ويعني أيضاً إخماد جذوة البناء الوطني اليمني إلى أجل غير مسمى .. وقد كشفت الأحداث أن القوى المتآمرة استطاعت في مطلع الأزمة من تحقيق اختراق ملموس في القاعدة الجماهيرية اليمنية بفعل بريق الأموال الطائلة الممنوحة لرموز في الحركة الإسلامية والتيار القبلي للضغط على القيادة اليمنية ودفعها للقبول بالخيار العسكري.
ومن وجهة نظرنا، كان نجاح الرئيس علي عبد الله صالح في عبور تلك الخنادق القاتلة، وعدم استسلامه لضغوط الرأي العام وبعض القيادات الحكومية، وتمسكه بالثوابت الاستراتيجية الخارجية لأسلوب الحوار والتفاوض في حل المشكلة، يعتبر التجربة الأكثر صعوبة في تاريخه السياسي، والموقف الأعظم ذكاء وحنكة وحكمة من بين جميع المواقف التي شهدها عهده، لأنه تفوق فيه على العديد من العقول السياسية الخطيرة التي كانت تدير لعبة الشرق الأوسط وفي مقدمتها العقلية الصهيونية الخبيثة.
فإذا كان انتصار السابع من يوليو 1994م قد تقاسمه مع أبناء شعبه من مدنيين وعسكريين. فلا شك إن انتصاره باستعادة جزر أرخبيل حنيش لا يمكن عدّه إلا انتصاراً رئاسياً بلا منازع.
.........................
المصدر: كتاب (علي عبد الله صالح .. تجارب السياسة وفلسفة الحكم)..تأليف: نزار العبادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.