العلاقة العربية الإيرانية هي موقع إشكالية. وهذه ليست أمراً طارئاً على طرفي هذه العلاقة، بل هي قديمة قدم الصراع بين موقعين متخامين في الجغرافيا متخاصمين في الإستراتيجية والسياسة، والصراع الذي كان يغلف كل مرة بلبوس معين استمرت جمرته تحت الرماد على تعاقب الحقبات التاريخية. وإن ما جعل العلاقة تحكم بالتوتر، أن الموقع الإيراني المشدود دائماً إلى عصبيته القومية الفارسية بقي يستحضرما تختزنه ذاكرته من حقبة ما قبل الفتح الإسلامي وبنظرته إلى الموقع العربي نظره استعلائية، كونه كان دائماً صاحب يد طولى في التأثير في الإقليم العربي المحيط. إن بلاد فارس التي فقدت كيانيتها السياسية التي كانت قائمة في ظل حكم الأكاسرة وألحقت بمرجعية الإدارة السياسية العربية طيلة فترة الخلافة الإسلامية بعهودها الثلاثة الراشدية والأموية والعباسية استعادت مرحلة هذه الكيانية بعد سقوط الخلافة العباسية والتي أصبحت أحد عناصر القوة التي استند إليها الطموح الفارسي الجامح. إن الموقع الإيراني الذي أسند ظهره إلى الشرق أدار وجهه إلى الغرب، لأن هذا الغرب الجغرافي كان العازل الجغرافي الذي يفصل بلاد فارس عن شواطئ المتوسط الذي كان وسيبقى مركز التوازن الدولي، بالنظر إلى مشاططة ثلاث قارات له وعلى ضفافه تشكلت الحضارات القديمة، ولم يفقد أهميته في العصرين الوسيط والحديث بالنظر إلى الميزات الإستراتيجية لموقعه. وإنه من خلال مقاربة الموقعين العربي والإيراني، فإن لكل منهما ميزة كانت تعتبر نقطة قوة لديه. فالموقع الإيراني الذي تميز بوحدة كيانيته السياسية، افتقر إلى تماس جغرافي مع المتوسط الذي كانت من شواطئه الشرقية والجنوبية تتم محاكاة الغرب الأوروبي سلماً وحرباً، والموقع العربي، الذي توفرت له انبساطات جغرافية منحته موقعاً استراتيجياً مميزاً ومهماً، افتقر إلى كيانية سياسية موحدة. لقد استفاد الموقع الإيراني من ميزة وحدة كيانيته السياسية فكان طرفاً واحداً في مقابل فريق آخر متعدد الأطراف. وهنا يجب الإقرار أن الإدارة السياسية للموقع الإيراني استغلت ميزة مركزية القرار بكفاءة عالية وعمدت إلى توظيف كل مكامن القوة لديها لأجل تأمين عبور سياسي إلى شواطئ المتوسط، وهذا ما كان ليتحقق له في الا ثلاث حالات، الحالة الأولى، أن يكون الموقع الإيراني جزءاً من منظومة دولية مشاططة سياسياً وجغرافياً للمتوسط كما كان الحال في الحلف المركزي الذي سمي بحلف بغداد، والحالة الثانية، أن تكون معطيات الموقع العربي ضعيفة بحيث لا تقوى على مد الجموح الإيراني المشرئبة أنظاره إلى الغرب، والحالة الثالثة، هي حضوره عبر بعض البيئات الشعبية والسياسية حيث يرى في وجود هذه البيئات مرتكزاً لمواطئ قدم يستطيع من خلالها توظيف حراك هذه البيئات بما يخدم أهدافه الإستراتيجية. إن الذي جعل العلاقة العربية – الإيرانية محكومة بشكل عام بالتوتر السياسي وعلى تبدل طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، هو أن الموقع الإيراني يرى حدود طموحه السياسي أكبر من حدوده الجغرافية، وأن المدى الحيوي لهذا الطموح هو المدى العربي من العراق شرقاً إلى شواطئ المتوسط غرباً. وهو أدرك في وقت مبكر أنه لا يستطيع عبور هذا المنبسط الجغرافي إلا إذا تحققت له أرجحية تأثير في معادلة موازين القوى. ولهذا كان يعمل دائماً على أن يبقى الموقع العربي ضعيفاً وأبرز عنوان لضعف الموقع العربي هو تجزئته. ولذلك كان إبقاء الموقع العربي مجزءاً هدفاً ثابتاً لإستراتيجية الإدارة السياسية الحاكمة في إيران ولم يغير من جوهر هذه الإستراتيجية التحولات السياسية التي شهدها الموقع الإيراني والتي كان آخرها حصول التغيير تحت مسميات الشعارات الإسلامية. هذا النزوع الإيراني الدائم للاندفاع غرباً والذي رأى في ضعف الموقع العربي عبر التجزئة فرصته السانحة دائماً لاختراق هذا المنبسط العربي بجغرافيته الطبيعية والمجتمعية لم يكن عامل الضغط الوحيد الذي يرخي بظلاله الثقيلة على الواقع العربي، بل كان هناك ضغط آخر مارسه الغرب الاستعماري الذي قدم نفسه وريثاً سياسياً للرجل المريض. وأن احتضان الغرب الاستعماري وعبر مواقعه المقررة للمشروع الصهيوني، جاء ضمن سياق رؤية هذا الغرب لما يشكل توحد الموقع العربي من تهديد لمصالح الدول الاستعمارية. ولهذا نشطت الإستراتيجية الدولية التي أطبقت على حوض المتوسط مع بداية القرن العشرين على تقسيم الموقع العربي إلى كيانات متعددة وبالاستناد إلى واقع هذه التجزئة يتوفر المناخ الآمن للكيان الصهيوني، الذي اختيرت فلسطين له للأهمية الإستراتيجية التي تتميز بها في التاريخ والجغرافيا. من هنا، فإن الموقع العربي وقع تحت تأثير ضغطين، أحدهما من المداخل الشرقية، والثاني من الداخل المشاطط للمتوسط، وأن كلا من هذين الضغطين كان يدرك أن تحقيق أهدافه لا يمكن إلا بوجود العازل العربي الضعيف في البنية والمشتت في الإمكانات. انطلاقاً من هذه المقدمة يطرح التساؤل التالي؟ من هو المستهدف الأساسي من استلاب فلسطين وإقامة كيان استيطاني على أرضها؟ للإجابة على هذا التساؤل يجب ترك التخيلات السياسية جانباً، "والعودة إلى الوثائق التاريخية والمقدمات التي ساهمت بقيام هذا الكيان". تقول توصية مؤتمر بانرمان الذي انعقد 1907، بدعوة بريطانية لتحديد مصادر الخطر على الإمبراطوريات الأوروبية، بأنه: على جنوب البحر المتوسط وشرقه يعيش شعب له من وحدة الأرض والتاريخ والتراث والمصالح المشتركة كل مقومات الترابط والتقدم والوحدة، وفيه يكمن الخطر على مصالح القوى الغربية إذا ما تسنى لهذا الشعب أن يتوحد، وتضيف التوصية بأنه لدرء الخطر الناتج عن توحد هذا الشعب يجب العمل سريعاً لفصل جزئه الأسيوي عن جزئه الإفريقي، وذلك بزرع جسم غريب عنه يكون صديقاً للإمبراطوريات الأوروبية، وعدواً لسكان المنطقة، ويكون على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا وعلى مقربة من قناة السويس، الشريان الحيوي لأوروبا والمنفذ إلى المياه الدافئة. على أساس هذه التوصية، تم احتضان المشروع الصهيوني بإقامة كيان على أرض فلسطين، وحظي هذا الاحتضان بكل الدعم والرعاية والذي لعبت بريطانياً بداية دور رافعته السياسية والتسويقية ومن ثم انتقلت الرعاية إلى الموقع الدولي المقرر في النظام الرأسمالي والذي يختصر اليوم بأميركا. إذاً، أن العرب كشعب تتوفر فيه كل مقومات الوحدة والتقدم هو المستهدف أولاً وأخيراً من مشروع الاستيطان الصهيوني، ولم يكن الاستهداف لغير العرب أصلاً. وعلى أساس هذا الاستهداف الأصلي، كان الصراع بين مشروعين، المشروع الصهيوني المحتضن من مراكز التقرير في منظومة الدول الاستعمارية، ومشروع التوحد العربي كتوق يسعى إليه الشعب العربي لتحقيق ذاته وحماية وجوده والدفاع عن مصالحه. ولهذا اعتبرت قضية فلسطين، قضية العرب المركزية، لأن فيها تختصر كل أهداف العرب، فإن بقيت محتلة فهذا يعني أن العرب لم يرتقوا إلى مستوى توحدهم، وان تحررت فلا سبيل لذلك إلا طريق الوحدة. وضمن سياق الفهم لطبيعة الصراع جاءت مقولة مؤسس البعث الأستاذ ميشل عفلق بأن الوحدة طريق فلسطين، وفلسطين طريق الوحدة، وبقدر ما يقترب العرب من توحدهم بقدر ما يقتربون من تحرير فلسطين. إذاً، قوة العرب في وحدتهم، وهذه المقولة على بساطتها هي شديدة الدلالة عن واقع الحال. من هنا، فإن الطرف المعني مباشرة بالتصدي للاحتلال الصهيوني ومقاومته إنما هم العرب، والفلسطينيون بطبيعة الحال هم جزء من العرب وواجهة التصادم الأولى. وعندما يكون العرب هم المعنيون مباشرة بالتصدي للاحتلال ومقاومته فهذا يعني بالضرورة أن مشروع مقاومة الكيان الصهيوني هو مشروع عربي. وهذا المشروع يكون فاعلاً عندما تتوفر له آليات وأدوات ومناخات وأرضية ملائمة ويكون ضعيفاً عندما تظلله ظروف معاكسة. إن أهم عناصر قوة مشروع المقاومة العربي للاحتلال الصهيوني، أن تكون أداته الفلسطينية موحدة في الرؤى والمنهج والتعامل، وأن تكون حاضنته العربية موحدة في الرؤى والمنهج والتعامل أيضاً، وأن يكون تكامل الأدوار وتفاعلها قائماً بين أداء الكفاح الشعبي، وآليات العمل السياسي. وأنه بقدر ما تكون الجبهة الخلفية العربية موحدة في حدها الأقصى أو متوافقة في حدها الأدنى، وبقدر ما تكون الساحة العربية غير مثقلة بأعباء الصراعات والأزمات الداخلية الحادة، وبقدر ما تكون مرتكزات القوة المادية العربية متماسكة وقوية بقدر ما يكون الفعل المقاوم فعالاً ومؤثراً ومنتجاً. وهنا نعيد طرح تساؤل آخر في ضوء تحديد طبيعة الصراع بين المشروعين العربي والصهيوني، أين يقف الموقع الإيراني من هذين المشروعين،هل هو رديف سياسي واستراتيجي للموقع العربي؟ إن الإجابة على هذا التساؤل لا تختصرها الشعارات السياسية التي غالباً ما تكون براغماتية، بل تجيب عليه الأهداف الإستراتيجية لكل من الموقعين الإيراني والصهيوني. إنه من خلال ادراك ايران لمصلحتها، يبدو واضحاً وثابتاً، بأن الموقع الإيراني يهدف إلى رؤية موقع عربي ضعيف، لأنه من خلال ضعف هذا الموقع يستطيع العبور السياسي إلى شواطئ المتوسط، وبدون ذلك لا يكون بإمكانه أن يقدم نفسه واحداً من اللاعبين الكبار في النظام الإقليمي، وأنه بقدر ما يرى الموقع الإيراني أن الموقع العربي ضعيفاً بقدر ما يكون تأثيره الضاغط أقوى وأفعل والاقدر على فرض شروطه ومطالبه التي تحاكي مصالحة الإستراتيجية. كما أنه على المقلب الآخر، فإن الموقع الصهيوني لا يجد مناخاً أكثر ملاءمة لأمنه وتحقيق أهدافه إلا مع موقع عربي ضعيف أيضاً. وعندما تتلاقي الإستراتيجية الإيرانية مع الإستراتيجية الصهيونية على إضعاف الموقع العربي هل يكون الموقع الإيراني جدياً في طرحه لتحرير فلسطين وإزالة الكيان الصهيوني، أم أن الأمر لا يعدو كونه بروبغندا إعلامية تسقطها معطيات الواقع الموضوعي؟ إن الإجابة على هذا التساؤل وبعيداً عن الموقف السياسي القَبَلي، يكمن في رصد السلوك السياسي للموقع الإيراني في تعاطيه مع الموقع العربي وعادة ما تكون الشواهد الحسية والواقعات المادية هي التي تشكل الأساس الذي يستند إليه لتشخيص موقف سياسي تشخيصاً موضوعياً بعيداً عن التصور الذهني المحض وعليه لا بد من استعراض عينات من السلوك السياسي للموقع الإيراني خلال حقبتين سياسيتين مختلفتين، نظام الشاه والنظام الحالي الذي يقدم نفسه على أنه نظام إسلامي. في ظل حكم الشاه، كان النظام السياسي منخرطاً في حلف سياسي-عسكري، تقوده أميركا وهي الحاضنة السياسية الأفعل للكيان الصهيوني وكانت هناك علاقات دبلوماسية بين نظام الشاه والكيان الصهيوني، ولا يخفى أنه من ضمن أهداف ذلك الحلف الذي كان يراد له أن يكون ساتراً عسكرياً وسياسياً على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفياتي، وأن يكون الحاضنة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني. كما أنه في تلك الحقبة فإن النظام السياسي كان يقدم نفسه بأنه شرطي الخليج بكل ما تعني المفردة من دلالات سياسية وهذا الشعار كان يرفع في ظل الرعاية الغربية وخاصة الأميركية البريطانية لحكم الشاه. إذاً، في تلك الفترة فإن النظام السياسي في إيران كان يقيم علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، وهما كانا ضمن منظومة سياسية واحدة تعمل تحت سقف الإستراتيجية الدولية الأميركية، ذلك النظام الذي كان يقدم نفسه طرفاً في خارطة العلاقات الاقليمية، لم يكتف بإشهار موقفه السياسي من بعض المواقع العربية المناهضة للإستراتيجية الأميركية، بل مارس أيضاً الاحتلال المباشر لأرض عربية، والجزر الثلاث في الخليج العربي هي الشاهد الدائم على أبعاد المطامع الإيرانية في الأرض العربية. بعد سقوط نظام الشاه وانتصار حركة التغيير، رفعت الإدارة السياسية شعارات جديدة، من ضمن هذه الشعارات، العداء الحاد للعروبة ليس في بعده السياسي وحسب، بل تجاوز ذلك إلى العروبة كهوية قومية. وقد قدمت هذه الإدارة الجديدة نفسها بأنها نصيرة لفلسطين، فقطعت العلاقة مع الكيان الصهيوني، ورفعت علم فلسطين فوق المبنى الذي كانت تشغله السفارة الإسرائيلية. إنه مما لا شك فيه، أن هذه الخطوة كانت إيجابية لا بل جيدة ونظر إليها على أنها ربما تشكل بداية تحول جدية في إستراتيجية الموقع الإيراني تجاه الصراع العربي-الصهيوني، لكن لم يمض الوقت طويلاً حتى تكشف أن المصالح الإستراتيجية للموقع الإيراني هي التي تتحكم بسلوكه السياسي، وأن الشعارات السياسية ليست إلا براقع لإخفاء الوجه الحقيقي. إن إطلالة على سلوكية الإدارة السياسية للنظام الحاكم في إيران، تبرز على سبيل المثال لا الحصرما يلي: 1- لحظة ازدياد الضغط عليه على جبهة الحرب مع العراق لجأ إلى جلب السلاح من الكيان الصهيوني (وإيران غيت شاهد على ذلك). 2- عندما طلب منه الانسحاب من الجزر الثلاث، لم يتغير موقفه عن موقف النظام السابق، بل أكثر من ذلك اعتبر أن البحرين جزءاً من بلاد فارس. 3- كان له دور ناشط في احتلال أفغانستان والعراق، وهو قال صراحة أنه لولا مساعدة إيران لما استطاعت أميركا والقوى المتحالفة معها من احتلال هذين البلدين. 4- بعد احتلال العراق، اعتبرت الإدارة السياسية أن فرصتها التاريخية قد حانت ويجب اقتناصها حيث عادت لتستحضر ماضياً برؤية عراق مقسم مدار سياسياً من قبل حكام إيران تيمناً بحقبة ما قبل الفتح العربي يوم كان ايوان كسرى على مقربة من بغداد. 5- عمدت إلى تطييف الحياة السياسية في العراق وضخ أعداد من الإيرانيين لتسجيلهم في القيود المدنية العراقية بهدف إحداث تغيير في التركيب السكاني في العراق وتعريق مئات الألوف من الإيرانيين لتوظيفهم مستقبلاً لصالح المشروع الإيراني إذا ما أدت المتغيرات السياسية إلى تغيير المعادلة القائمة حالياً بمعادلة سياسية ومعادية لمشروع الهيمنة الإيرانية. 6- تخريب المؤسسات، واغتيال الكفاءات العلمية والكوادر العسكرية وخاصة الطيارين منهم، بحيث حرم الشعب في العراق من خيرة كفاءاته العسكرية. 7- التحريض الدائم والمستمر ضد عروبة العراق وتغذية الاتجاهات المعادية للعروبة والوحدة الوطنية. بعيداً عن العراق، الدخول على خط الانقسامات السياسية العربية وتوظيف الحراك السياسي لبيئات شعبية ذات تكوين مذهبي لمصلحة إيجاد مواطئ قدم لتدخله كي يقدم نفسه بأنه ذو باع طويل في الترتيبات السياسية والأمنية. 8- حيث لا يجد بيئات شعبية ذات انتماء طائفي فإنه يدخل على خط الانقسام السياسي مستفيداً من قدراته المالية التي يقدم بعضها لجعل بعض القوى السياسية ترتبط به ومن خلالها يعمد للتأثير في العمليات السياسية. 9- سعى إلى رفع سقف الخطاب السياسي اعلامياً ضد الكيان الصهيوني وبهدف دغدغة المزاج الشعبي الفلسطيني والعربي من خلال معرفته بعلاقة هذا المزاج بموضوع الصراع مع العدو الصهيوني. 10- عمد إلى توريط بعض البيئات الشعبية في بعض الأقطار العربية في صدامات غير محسوبة وجعلها تدفع أثماناً باهظاً في الأرواح والمصالح لا لشيء، إلا لظن منه ان ذلك سيحفظ له موقعاً على طاولة البحث السياسي في الترتيبات الأمنية والسياسية. هذا الغيض من فيض التدخل المباشر لإدارة النظام الحاكم في إيران، يدفع إلى محصلة أن نتاج دوره كان سلبياً لجهة معطى الصراع العربي – الصهيوني لأن من يريد أن يكون دوره إيجابياً في مجرى هذا الصراع، لا يجد نفسه في اصطفاف واحد مع القوى التي احتلت العراق، ولا يعمل على تخريب العراق وتفتيت بناه المؤسساتية، والمجتمعية ولا يعمد إلى تصفية كفاءاته العسكرية، ولا يعمد إلى رعاية التخريب الأمني والسياسي في الخليج العربي، وآخرها الدخول على خط الأزمة في اليمن، ولا يدخل على خط الانقسام السياسي الفلسطيني مؤججاً ومتدخلاً للحؤول دون توجد سياسي فلسطيني، ولا يرفع شعاراً في لبنان، ويمارس واقعياً عكسه لجهة تغذية فواصل الانشطار العامودي بين المكونات الشعبية اللبنانية. كل هذه الممارسات لا تترك مجالاً للالتباس، بأن الموقع الإيراني على اختلاف بنى أنظمته السياسية، كان عاملاً ضاغطاً على الموقع العربي، ان بالتدخل المباشر وان غير المباشر وكل ذلك كان يساهم في زيادة عوامل اضعاف الموقع العربي. هذا السلوك السياسي للنظام الإيراني يدفع إلى القول بأن من يريد أن يبقى الموقع العربي ضعيفاً لا يمكن أن يكون صادق النوايا في مواجهة الكيان الصهيوني، وأن رفع لشعارات المواجهة مع هذا الكيان، ليست إلا من قبيل ذر الرماد في العيون وعل ذلك يمكنه من أن يكون لاعباً أساسياً في الترتيبات السياسية والأمنية المنطقة التي تسميها أميركا بالشرق الأوسط الجديد. من هنا، فإن إيران لا علاقة لها بالمقاومة كمشروع عربي ضد المشروع الصهيوني المتجسد كيانياً على أرض فلسطين. لأن المقاومة لهذا المشروع هي عربية أصلاً في المضمون والبعد القومي، ومن يكون له مصلحة في إضعاف الموقع العربي، وهذا غير خاف عن الإستراتيجية الإيرانية، إنما يخدم الإستراتيجية الصهيونية رغم كل زعم أو ادعاء معاكسين ومن يكون عدواً للعروبة لا يكون عدواً لنقيضها في آن واحد.. إن العراق دمر لأنه كان يشكل قاعدة ارتكازية للمقاومة كمشروع عربي، ومن يساهم في تدمير العراق ويمضي في هذا التدمير والتفتيت، هل يصدق زعمه بأنه يريد تدمير "إسرائيل"؟ ان تدمير "إسرائيل" لا يمر إلا عبر بوابة الموقع العربي القوي والموحد، وإيران لا مصلحة لها في رؤية موقع عربي قوي وموحد، وبالتالي لا مصلحة لها في تدمير "إسرائيل" لأن مصالحها الإستراتيجية تتلاقى مع إستراتيجية المشروع الصهيوني وآن للحقيقة أن تقال كما هي. وحبذا لو كان النظام الايراني أكثر صدقية في تعامله مع القضايا العربية والقضية الفلسطنية جوهرها...... في 17/9/2010