منتخبنا يتعادل مع النيبال في الجولة الاخيرة من التصفيات الآسيوية المشتركة    ملاك الصيدليات يهددون بالإضراب عن العمل نتيجة للاعتداء على أحد الصيدليات في مدينة رداع    نتنياهو في قبضة "حزب الله"؟؟    أبا رغال وفتح الطرقات    سياسيو اليمن تخلوا عن عاصمتهم ورضوا بالشتات بديلا    أحزاب تعز: استمرار حصار مليشيا الحوثي للمدينة وإغلاق الطرق جريمة واعتداء على حق الحياة    حكم صيام يوم الجمعة أو السبت منفردا إذا وافق يوم عرفة    الأردن يتغلب على السعودية 2-1 في تصفيات كأس العالم وآسيا: فوز مستحق في الجولة الأخيرة    مستشار الرئيس الزُبيدي يكشف عن تحركات لانتشال عدن والجنوب من الأزمات المتراكمة    وجود رشاد العليمي في عدن لن يعيد الدولة الجنوبية    مليارات شبوة توزع على المحاسيب... لا سيارة إطفاء ومصانع تحلية المياه تطفي حريق في أكبر الفنادق    كشف تفاصيل مثيرة عن "الأغبري" الذي اتهمته جماعة الحوثي بالتجسس لأمريكا وعلاقته بشقيق زعيم الجماعة    الحوثيون يختطفون إمام مسجد رفض توجيهاتهم    الحارس القضائي.. النسخة الحوثية من "اللجنة الخمينية لتنفيذ أمر الإمام"    تحذيرات من دعوات مشبوهة: لجنة وزارة الدفاع ومحافظ أبين يتفقدون جبهة عقبة ثرة    وديًّا: رونالدو يقود البرتغال للفوز على أيرلندا    "مسام" يواصل تطهير اليمن من الألغام الحوثية بإتلاف 659 لغماً في باب المندب    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    "تعز تواجه عقبة جديدة: شيخ قبلي يطالب بمبالغ مالية للسماح بإكمال مشروع الجسر"    مليشيا الحوثي تصعّد إجراءاتها الأمنية في طريق مأرب - البيضاء وتزيد الطين بله في طريق المسافرين    مدرب وحدة عدن (عمر السو) الأفضل في الدور الأول في بطولة الناشئين    الآنسي يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران في وفاة والده    اليويفا سيمنح برشلونة 50 ألف يورو    ضيوف الرحمن يواصلون توافدهم إلى مكة المكرمة استعدادا لأداء مناسك الحج    البنك المركزي يوضح سبب صرف مرتبات مايو عبر البنوك الموقوفة    النائب حاشد يغادر مطار صنعاء الدولي    بكر غبش... !!!    مول سيتي ستار في عدن.. سوق تجاري بمضمون خيري إنساني مراعاة لظروف الأسر الاقتصادية    «كاك بنك» يسلم ثانوية لطفي جعفر أمان مواد مكتبية ومعدات طاقة شمسية    بطعنات قاتلة.. شاب ينهي حياة زوجته الحامل بعد فترة وجيزة من الزواج.. جريمة مروعة تهز اليمن    بالفيديو.. رئيس ''روتانا'' يفاجئ الفنان محمد عبده عقب عودته من رحلته العلاجية .. وهذا ما فعلته ''آمال ماهر'' مع فنان العرب    صواريخ حزب الله الجديدة تهدد تفوق الطيران الحربي الصهيوني    الإطاحة ب''نصاب'' جنوبي اليمن وعد مريضًا بالفشل الكلوي بالتبرع بإحدى كليتيه وأخذ منه نحو مليوني ريال    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه النيبال في تصفيات آسيا وكأس العالم    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    انهيار جنوني .. محلات الصرافة تعلن السعر الجديد للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية صباح اليوم    حسام حسن: البعض يخشى نجاح منتخب مصر.. والتحكيم ظلمنا    عن جيراننا الذين سبقوا كوريا الشمالية!!    هل فقدت مليشيا الحوثي بصيرتها؟!    حكم التضحية بالأضحية عن الميت وفق التشريع الإسلامي    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    تشيلسي مهتم بضم الفاريز    إعلان مفاجئ من بنك الكريمي بعد قرار البنك المركزي بعدن وقف التعامل معه!!    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار يدعم مقترح بايدن لوقف إطلاق النار بغزة    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    النفط يرتفع وسط توقعات بزيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    آخر ظهور للفنان محمد عبده عقب تلقيه علاج السرطان .. شاهد كيف أصبح؟ (فيديو)    فضل الذكر والتكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة: دعوة لإحياء سُنة نبوية    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاكم رُوْي بِيْنْ Roy Bean
نشر في نشوان نيوز يوم 08 - 03 - 2011

هذه قصة حقيقية من التراث الأمريكي. حدثتْ في بدايات تكوين الدولة الأمريكية. وصاحبنا روي بِيينْ هذا بدأ حياته إنساناً عاديا. خامسَ أربعة أخوان؛ ثلاثة ذكور وأخت. وقد وُلد صاحبنا في عام 1825 في أحد أقضية ولاية كنتاكي، لأسرة فقيرة وَأَبٍ مجتهد.

وفي عام 1836، وعمره يناهز السادس عشر، غادر أسرته للبحث عن عمل في ولاية أخرى هي نيوأورليانز. وهناك أضطر للهرب، والفرار حين تسبب في الكثير من المشاكل. وغادر إلى تكساس، لمدينة سان أنطونيو ليعمل مع أخيه سام، الذي كان قد أسس لحياته أسلوباً خاصاً به؛ وكان يعمل في نقل البضائع إلى المكسيك على الحدود الجنوبية. ثم تتطورت العمليات، فانتقل إلى إلى مدينة حدودية مكسيكية؛ أُخرى وأنشأ هناك ما يشبه عِمادةً ومركزَ تواصل تجاري. وأصاب سام نجاحاتٍ كثيرة؛ إلا أنَّ صاحبنا رُويْ بِيْين كان غير أخيه. فكان أنْ دخل في مشادَّة مع جرينجو مكسيكي فقتله. أضطرا إلى الفرار، بعد إضطراب مركزيهما، وعمادتيهما التجارية، هناك، بعد حادثة القتل. أمسى صاحبنا مطلوباً للعدالة لارتكابه جريمة القتل، مع سبق الإصرار والترصد.
غادر الأخوان.
وكانت المحطة التالية هي مدينة سونورا في الغرب. هناك ترك رُويْ بعد رجاءٍ مِن أخيه سام - خوفاً من ملاحقة أولياء دم القتيل المكسيكي - إلى سان دييجو في كاليفورنيا في 1849 ليعيش عالة على أخيه جوشوا، الذي أوصلته سمعته الطيبة إلى منصب عُمدة المدينة.
في24 فبراير 1853. سُجن رُويْ بِِيينْ، هو ومنافسه الإسكوتلندي العِفْط، بتهمة الأعتداء بنية القتل. وبعد شهرين في 17 إبريل، هرب من السجن فراراً من العدالة. وقُرأ له منشور ( مطلوب حياً أو ميتاً ) -wanted dead or alive- حين كان الرجل قد وصل إلى مدينة سان جبراييل في كاليفورنيا، ليعمل ساقياً للخمر في خمَّارة صالون أخيه جوشوا Joshua.
وساقت له الأيام مالم يكن في حسبانه... وكأنما تُريدُ له شيئاً!..
توفي أخوه جوشوا؛ وورث رُويْ بِيينْ الخَمَّارةَ الصالونَ عن أخيه. إلا أنَّ مرض العظمة كان قد بدأ يزلزل شخصيته؛ وكان من أبرز ما يوحي بذلك.. حادثةٌ مشينة قام بها صاحبنا المجنون حين غازل زوجةَ رجلٍ مكسيكي. كان الرجل ضابطاً مكسيكياً. حدثتْ مشادةٌ بين الرجلين؛ فإذا برُويْ بِيينْ يقتل الضابط المكسيكي.
حدث ذلك في يوم من أيام عام 1854. فجأةً !...حدث ما لم يتوقعه رُوي بِِيينْ؛ ومالم يتوقعه أحدٌ، مِمَّن عرفوا الرجلَ، وخَبَروه غيرَ قليل. جاء ستةٌ من أصدقاء الضابط المقتول، وأحاطوا بالخمَّارة والصالون. إضطر مستر رُوي بِيينْ أنْ يستسلمَ بعد أنْ نفذتْ ذخيرتُه؛ أو لأسبابٍ أخرى.. أختلف فيها وحولها مؤرخو تلك الفترة.
جُهزتْ المشنقة، بعد أنْ أصدر الضباطُ الستة الحكمَ المبني على ( العين بالعين والسن بالسن). رُفع رُويْ فوق ظهر فرس؛ وربط حبلُ المشنقة إلى أعلى الشجرة المبروكة. وتركوا ساحة المشنقة وهم على يقين أنَّ الفرس في لحظة ما.. سينطلق إذا ماتحرك صاحبنا؛ أو لمجرد الإنطلاق بَتَّاً.
ولمرةٍ أخرى يفوز الرجل بحياته. إذ كانت تلك المرأة التي قتل رُويْ بِيينْ زوجَها الضابط. ويقال - بحسب مؤرخي تلك الفترة - أنَّ المرأة، أصلاً، كانتْ قد أخْطِفَتْ مِن قِبَلِ الضابط المكسيكي المقتول، وتم زواجها قسراً بغير إراتها، ورغبتها. على أية حال - أختلفنا أو إتفقنا بعد جدالٍ مع تفاصيل حياة صاحبنا - فإنَّ المرأةَ تعاطفتْ مع رُوي بِيينْ.. ربما حباً أو شفقةً. فكَّتِ المرأةُ الحبالَ عن عنقه، ويديه.
ونجا صاحبنا. ربما للمرة الخامسة أو الرابعة. إلا أَنَّ حبلَ المشنقة حول عنقه ترك عنقَه متخشباً ومتصلداً يصعب أنْ يتحرك في الإتجاهات. وبقي عنقه ذو ميلان على كتفه الأيسر. علامة من علامات ماضٍ قذرٍ، أبَى إلا أنْ يتركَ بصمةً على الرجل لاحقتُه بقيةَ حياته؛ عَلَّ الرَّجُلَ ينصاع لنوايا الخير؛ إلا أنَّ الرَّجُلَ رفض إلا مصاحبةَ شيطانه راكباً به مراكب جنون العظمة، وعظمة الجنون - كما سنرى!
ترك المرأة والبلاد وهاجر!
إلى أينَ هذه المرة. سنرى.
عاد رُوي بِيينْ إلى أخيه سام، الذي أصبح بعيش في نيو مكسيكو، ويدير صالوناً، وخَمَارةً هناك. عمل رُويْ مع أخيه حارساً للصالون والخَمَّارة saloon keeper. ولعَلَّ القارئَ يلاحظ أنَّ صاحبنا لا يستطيع أنْ يقف لوحده أبداً.. دائماً ما يُرى متعجرفاً، ومُتَقَوِّياً بأحد إخوته وأسرته، برغم ما صَوَّره مؤرخو تلك الفترة من أنه كان ذو شخصية مستقلة وقوية. إلا أنَّ الأحداث - كما سنرى - تعطيك إنطباعاً مخالفاً لروايات المؤرخين.
رجع صاحبُنا إلى سام أخيه الذي كان قد نُصِّبَ شريف لِقضاء دونا آنا Dona Ana County القريب من مدينة سيلفر سيتي، المنتعشة إقتصادياً. وأمامَ الصالون، كان رُويْ بِيينْ قد ركز مِدفعاً كبيراً على قاعدة مرتفعة مِن الحجر، عارضاً إياه للمارة، في إيماءة إلى قدرته على حماية مصالحه، ومصالح أخيه. إلا أنَّ الإيماءةَ المُتَخفِّية خلف المدفع، وخلف الإيماءة الظاهرية الأولى، هي حالة الجُبْن، والخوف، والضعف، والإحتماء بآلة عسكرية متفوقة بقياس الزمن آنئِذٍ - كما كان يعتقد. وحالة عدم الثقة بالنفس، ترتبط بالأساس بالحالة الثقافية عند الأنسان، وطريقة التفكير، ومستوى العقلية mentality level، في علاقة طردية تصاعدية.
كان صاحبنا يستمد دائماً أسباب إستمراره مِنْ الأزمات، التي كانت تعصف بالبلاد، وكان يخرج في كل مرةٍ بوضع جديد يمده في طغيانه. وقد لاحظنا ذلك إلى هذه اللحظة، كيف إستفاد صاحبنا من كل الأزمات.
ولكن إنتظروا!..
قصة إنهياره، وهروبه، وربما قتله ستكون مفاجأةً وفلتةً لا تبرير لها إلا الثورة عليه. إذن فلنتابع!..
وأحب أنْ أذكِّر أنَّ ما أرويه لكم هي قصَّةٌ حقيقية جمعتها شذرات من هنا وهناك، وقد وقعت أحداثها، ودامت، وانتهت في الغرب الأمريكي. وهي شخصية من التاريخ الأمريكي في رحلة بناء الدولة الأمريكية الفيدرالية؛ دولة الدستور والنظام والقانون!..
وأثناء الحرب الأهلية التي حدثتْ لتوحيد أمريكا، ظهرت نزعتا الرجل في البارنويا، والنرجسية في وقت مبكر، لتثبتَ عِوج تفكير الرَّجُل في قراءة التاريخ، ورفض التسليم بنظرية الزمن، ومبدأ قطار الوقت الذي يسير إلى الأمام؛ مكتسحاً في طريقه أياً مَنْ يقف في طريقه. لم يسمع الرجلُ طقطقة الساعة تخفق مؤذِّنةً بقرب النهاية، وبداية التغيير. مسكينٌ أصمٌ صاحبنا هذا!..
إتخذ الرجل موقفاً منافياً لمنطق التغيير القادم! وحاول أَنْ يستفيدَ حتى مِنْ الهدف الوطني في توحيد الأرض الأمريكية. وعندما إنحاز لمعسكر الفيدرايين؛ كان إنحيازه في تلك اللحظة الوطنية الأصيلة، تدخل في حساباتٍ مُتخَفِّية مبنية على الإستفادة من الأزمات، والحرب والخراب، أستحلاباً لمنافع شخصية من البقرة الحلوب: الوطن، ووحدة الأرض والأنسان!. لم يكن ينظر للأشياء إلا من منظور ماذا سأكسب من وراء ذلك؛ بعيداً عن شقائق مناظير النقاء الوطني، والنزاهة الإنسانية،والنزعات الإنتمائية للإنسان والأرض والحياة، وشفافية مبادئ الوحدة التي يستريح في ظلالها الجميع دون فُرقَةٍ أو تَفرِقَةٍ.
ففي معمعة تلك الحرب، وانشغال أخيه في هذه الحرب بحكم منصبه؛ سرق رُوي بِيينْ أخاه! وانسحبَ، مع الجيش الفدرالي من نيو مكسيكو، التي إحتلها الكونفدراليون، ليسكنَ بعدها لعشرين سنة في ولاية سان أنطونيو San Antonio.
وفي خلال تلك العشرين عاماً، مارس.. حاول جاهداً أنْ ينجح في أعمال كثيرة؛ إلا أنَّ نظرته المريضة للأشياء، ونرجسيته التي تجشمتُه وتجشمها لم تترك له حليفاً، ولم يحالف نجاحاً، أو يحالفه نجاحٌ ألبته.
أفتتح مشروعاً لبيع وتصدير القطن ففشل. ثم حول تجارته إلى أَنْ يكون قائداً teamster لفريق يقوم بنقل الأفراد، والبضائع من مدينة إلى أخرى؛ وفشل. ثم أنتقل إلى أعمال الأخرى. فافتتح مشروعاً لمزارع الأبقار، لبيع الألبان، وبيع اللحوم؛ ألا أنَّ الشركة أغلقتْ؛ وسُجن وغُرِّم، بعد أنْ كشفه الناس بأنه يمذق الماء بالحليب. إنتقل بعدها لافتتاح شركة بيع الأخشاب للتدفئة بالجملة؛ فاكتُشِفَ وهو يقطع أشجاراً من أراضٍ يمتلكها آخرون. وتهمة أخرى لسرقة أملاك الناس الخاصة. بعدها عمل مرَّةُ أُخرى بتجارة الأبقار، وبيعها، وبيع لحومها - كجزَّار وقصَّابٍ؛ وقبض عليه وهو يبيع أبقاراً بأختام لمُلَّاك آخرين.
وفي أكتوبر 1866تزوج من فرجينيا تشافيز، ذات الثماني عشرة ربيعاً، لينجبَ منها أربعة من الأبناء؛ في حياةٍ زوجيةٍ مضطربةٍ. وهو شيءٌ متوقعٌ من رجل مريضٍ نفسياً.
وبعد أربع سنوات من الصراع مع النفس ومع الناس ومع الدنيا... وفي عام 1870، قطن في منطقة نائية، فوق قطعة أرضٍ كبيرةٍ، وبسعرٍ زهيدٍ؛ وبنى صالوناً آخر كبيراً إلى حدٍ ما؛ وكان على طريق العربات المتجهة إلى أقصى الغرب والجنوب. توالت الأخبار على مسامعه أنَّ سِكَّةً لخطوط القطار ستحتوي مساحات من أراضية كأحدى محطات التوقف والتموين والتفريغ.
فرح رُويْ بِيينْ كثيراً!..
وأزداد فرحه حين أبتدأتْ معسكرات العمال بالإنشاء، والتركيب، والإقامة إعلاناً عن بدء الأعمال. وقبلها كان الرجل قد اشترى أراضٍ إضافية، طموحاً في التوسعة والإستثمار؛ عن طريق البيع. وحتى قبل الشروع في ذلك العمل الهائل، كان العمال بالمئات يتوافدون على هذه القرية الجديدة والصغيرة، التي أُسميَتْ بعده، وحملتْ إسم ( قرية بِيينْ ) Beanville مما أكسبها السمعة والشهرة؛ فسعى أصحاب المال لشراء الأراضي في تلك القرية النائية التي ستصبح فيما بعد مركزاً تُشَدُّ إليه الرِّحال، والرَّحَّالة، وتقطع إليه المراحل؛ خاصةً بعد التغيير الذي ستشهدهُ عما قريب!..
بدأتْ مواسمُ البارونويا في متاهات ومناخات خصال صاحبنا تظهر بعنفٍ، لا يرحم نفسَه، ولا يرحم غيرَه؛ وطغت رياحُ النرجسية تشدُّهُ إلى أعماق النَّفس الأمَّارة بالسؤ في أبعادها السحيقة التي تقتل صاحبها من حيث لا يدري، ولا يعلم. وقربت ساعاتُ النهاية الحتمية، والقانون الإلهي يتشكلُ ملامحاً في الأفق، وناموس السماء يتهيأُ ملاحماً تجترف الطغاة، والمستبدين، اللذين يجهلون قراءات الثورات والتغيير، لتَحْتَرِفَ الدنيا معانقة الْمَلَآئكَةِ في الواقع إنساناً، وأرضاً، وعالَماً، ودنيا يتغشَّاها الحلمُ حقيقةً، من كل صوبٍ وحدبٍ، فِي زغاريد عرسٍ بهي!.. وعروسٌ هي الدنيا بِأزارِ ثورةٍ، وإهابِ ثُوَّارٍ !
وتبدو الحياةُ أجمل من غير الطغاة، وأروع يتنهي الخارجون على القانون، وأحلى حين يُشنَقُ قُطَّاعُ الطرق، وأرغد من غير الأوغاد وسَفَلَة القوم وسَوَقَة الناس. وذلك ما سيحدث إذا ما عرفنا أنَّ رُويْ بِيينْ قد توَّهم أنَّ الزعامة، والرِّيادة، والقيادة، والقانون، وتطبيق القانون؛ بيديه وحده لا سواه؛ مُتَذرِّعَاً بأنَّه مالك تلك الأرض؛ ومتحجِّجاً بالأقدمية والسَّبق. فإذا به يُنَصَّبُ نفسَهُ قانوناً هناك يفسره كيفما يشاء، ونسي أنَّه مطلوب من القانون وخارج على القانون!..
وبِبَلطَجَةٍ لا نظير لها، وبارتزاقٍ مقيت ومقزز؛ أرعبَ الناسَ، وآذى الخلقَ هناك بالقتل؛ أو القبول بتطبيق قانونه. إِنَّ غَلَبَةَ المالِ غالباً ما تؤجلُ الثورات، ولكنه لا يلغي أسبابها، أو يعيق حدوثها، أو يسطَّح من عمقها؛ مهما بدا قوياً وفعالاً؛ لِأنَّ التاريخ ما كذبَ أو عفى؛ وإنْ نام أو غفى..! حينها تُبعث الثورةُ، ويَرى الناسُ كم هو رائع هذا الكون، وكم هي رائعة هذه الدنيا، وما أحلى نسائم الحرية وما أرطبها وأصحها!
وكبرت القرية لتصبح مدينةً؛ وكَبُرَ الناسُ معها؛ فأكبروا في أنفسهم سماجةَ جاهلٍ يتحكم بمصائرهم ومصادرهم، وأستخفوا بإنسانيتهم أنْ يسوقهم، قاتلٌ مهووسٌ ومرتشٍ مبسوسٌ، بمسدسه وقانونه الخاص يُطَبِقُهُ في قاعةِ محكمةٍ هي نفسُها قاعةُ صالونِه وكراسيها هي نفسُها كراسي خَمَّارته حين كان يصدر أحكامه. وأزداد الوضع في التجبر، والقمع، والطغيان، والجبروت، حين ظهر النِّفط في المنطقة... حيث استحوذ رُويْ بِيينْ على مردوداته سواء بامتلاكه، أو بقهر المُلَّاك بالمشاركة في الأسهم الشرائية على اختلاف عند مؤرخي الفترة.
وفي 1882 أسسَ محطةً أخرى على نهر بيكوس، وفي نفس منطقة مرور القطار المزمع إنشاء سكته، وعمالها الثمانية آلاف يرتادون خَمَّارته وصالونه القديم والجديد. وتختلف الروايات هنا...حيث يكثر التهريب في هذه المنطقة الجديدة، بحكم أنها كانت منطقة قريبة من الحدود، زِدْ عليه..أنَّ الفارِّينَ من طائلة القانون كانوا قد بدلوا ملاذاتهم إليها. ومن الرواة ومؤرخي تلك الفترة من يقول أنه كان أحد هؤلآء المهربين؛ ومنهم من قال أنه كان يشتري فقط منهم البضائع المهربة وخاصة الخمور. ومن ثَمَّتَ أتفق شُذَّاذُ الآفاق على تعيينه عُمدةً على المنطقة الجديدة.
كان صاحبنا يحمل دوماً بين يديه القانون القديم لولاية تكساس، ويحكم بغيره.. وبما يراه هو لا تراهُ بنودُ القانون. وفي 2 من شهر إبريل من نفس العام، تمَّ تعيينه رسمياً من العاصمة قاضي وحاكم الدائرة السادسة من قضاء بيكوس of pecos county precinct 6. حيث كانت المحاكمات تُقام في خَمَّارته وصالونه؛ وحيث كان يشترط على الحاضرين شراء الخمر بالقوة، ووفقاً لقوانينه الخاصة في الإستراحات بين الجلسات.. وما أكثر هذه الإستراحات!. وكان الرَّجُلُ قد منح نفسَه ألقاباً، بعد إقتراحاتٍ عازلةٍ عن المعقول، وهازلةٍ بالقانون المنقول، من بطانته، شُذَّاذِِ الآفاق، والقتلةِ، والمجرمين، والهاربين من يد القانون؛ فإذا به يطلق على نفسه (حاكم وقاضي الغرب في بيكوس) Law West of Pecos. وقد عرف عنه ترفعه عن الناس، وسخريته منهم وبهم، وأشتُهر عنه خروجه عن القانون عند تطبيق القانون. وكان يخفي خلف تبجحه ونخيطه وزنطه، إنساناً أجبن من فأر!
إسمع لهذه لتعرف ما أقول.
حدث يوماً أنَّ رجلاً عِفْطَاً وعُتْعوتاً، إسمه بادي أوروك، وكان قاتلاً مأجوراً، قتلَ أحد العمال من أصل صيني. والقاتل كان أسكتلندياً؛ وقد أشتِهروا بالعَيْفَطَة، والتلاحم وقت الشدائد. وكان يوم المحكمة !
فإذا بأصدقاء الرَّجُل الأسكتلندي بادي أوروك، يحاصرون المحكمةَ الخمارةَ الصالون؛ ونادوه "بالوغد"؛ إذا لم يبرئ المتهمَ صديقَهم، فستكون نهايته، ونهاية كل مايملك. فإذابرُويْ بِيينْ يقرأ من دستور تكساس القديم:
" أنَّ مَنْ قتل إنساناً .. "
ثم توقف. وبرأ المتهم.
وحين سُئل: " كيف!؟" قال:"الدستور يقول إنساناً، وليس صينياً "! مريضٌ يستبيح إنسانية الإنسان جَباناً قذراً لاخير فيه !
ثم إذا به يستميل نفسَ القاتل المأخور بادي أوروك لبقية العشرين سنة الأخيرة، التي ظل بها يستولي على أراضي الناس، بالقوة مستعيناً بالمدمنين والقتلة، المأجورين، وشُذَّاذ الآفاق.
كيف لقاتلٍ إلا أنَّ يعيشَ في ظل قاتلٍ، في قلق قاتلٍ، من غدَّارٍ قاتل!
طلق زوجته؛ حين بدأتِ البارانويا تبلغ فيه شأوىً في أقاصيه، والنرجسية المُركَّبة تأخذ منحىً سحيقاً سيقتله.
بل ومفارقات الأعمال، والتشابه يأتي بقوة، إذا ما عرفنا أنَّ هيئة المُحلَّلفين كان يُعَيِّنُهم هو بنفسه، ولا يُنتخبوا إطلاقاً، وكانوا من أكبر زبائن خَمَّارته مِنَ المدمنين !
هل تتوقعون ذلك!؟
أما أنا فقد صدقتُ ذاك بعدما رأيتُ من هذا في بلدي!.
التاريخ غالباً يختلف في تفاصيله، وتتفق فلسفة الأحداث فيه. إلا أنَّ تفاصيل قصة صاحبنا، طريفة إلى حد التطابق مع صاحبنا!
سيرفض رُوي بِيينْ توريد دخل المبالغ الخاصة بالدائرة 6 إلى الخزينة العامة للولاية، وسيرفض الأوآمر الفدرالية في شؤون كثيرة؛ مما سيؤلبُ الكبارَ والصغارَ والعامَّةَ عليه. وكان يتصرف بالمداخيل، وكان مزامير أبيه الخاصة به.
كانت كل الأحكام الصادرة عن قاعة خَمَّارته عبارة عن غرامات مالية. للطلاق عشرة دولارات؛ والزواج خمسة دولارات؛ وهكذا دواليك... ويعتبرها مالاً خاصة؛ وإذا ما تجرأ أحدهم على النقد فإنه يذهب وراء الشمس.
وكانت دعوته حين يكلل زواجاً " يا جنازة أرحبي فوق الأموات"! ترجمةً متَصرفاً بها لتناسب مقاماً كهذا، للعبارة الأنجليزية التي تقال عند الدعاء للميت (and may God have mercy on your souls )!
والأغرب في الموافقات والتشابه في كل هذا وذاك أنَّ رُوي بِيينْ فاز في إنتخابات مُزَوَّرة وتحت فوهات المسدسات أَو رُزَمِ الدُّولارات لثلات دورات إنتخابية.. وفي 1896 حين سقظ في الإنتخابات، رفض تسليم الختم الرسمي للحكم المحلي والدستور وكامل العهدة الفيدرالية للحاكم الجديد!
فكان أنْ خرج الناسُ داعيين بالتغيير وللتغيير!
وأنتهت قصة الطاغية على نهايتين يراها فريقان من الرواة. الفريق الأوَّل يقول أَنَّهُ تَنَحَّى بعد ضغط الناس والشارع، وعاشَ بقية حياته يرعى الفقراء، وفتحَ مدرسةً ودار أيتام. والفريق الآخر يقول أَنَّهُ قٌتِلَ، وسُحِلَ في شوارع المدينة، بَعْدَ أَنْ رَبط بذيلِ حصانه حبلاً مشتعلاً فأحرق به آبار النَّفط والمدينة كلها!
والآن سيادة الرئيس ماذا تختار ؟
وأَضحكُ كثيراً حينَ قلتَ يوماً " أَنكَ لستَ تاكسي للفساد "..
سيادة الرئيس ...
أَنْتَ فرزة الفساد، وماتراه في الشارع الآنَ نتيجة تلك الفرزة!
توافقت الأعمال..
واختلفت الأزمنة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.