الحوار قيمة انسانية رفيعة، وسيلة بنائه ليتفق المختلفين و تتمخض وجهة النظر الاسلم والاصوب لديهم، على طاولته وفي رحابه العامرة تتلاقح افكار الذين يعلون مصلحة المجموع و ذات الحق، في أجوائه تنبعث همم البنائين وتستيقظ عزائم الصادقين لصنع الاجمل و اجتراح الافضل الذي لم يكن بعد ويكون بالتالي نتاج محمود لأهل الفكرة وهم يتناقشون ويستمعون لوجهات نظر بعظهم البعض ويتساجلون ويعتركون اعتراكهم المُلهم الذي يقره المنطق وترحب به الباب العقلاء. الحوار هو الوسيلة الاقل كلفة والاروع عاقبة لدى المخلصين لمبدئيته كوسيلة لحسم الخلاف وتقريب وجهات النظر و تفريغ اقصى ما لدى العقول من صوابية منطقية وحصيلة معرفية و بعد نظر واتساع افق و التوصل من كل ذلك الى نقطة الاجماع ومحور الارتكاز والانطلاق للعمل الجاد الجمعي. اصحاب الحجة والمنطق السليم يجدون انفسهم منساقين لداعي الحوار بخلاف سواهم ممن يسيطر عليهم الرأي السقيم غير المسنود بحجج العلم و المعرفة والتاريخ والجغرافيا والمنطق، أقويا الفكر يجدون انفسهم في الحوار البناء الخلاق بخلاف ضعفاءه الذين يرون في القوة ونهج العنف وسيلة لتحقيق افكارهم التي تتعارض مع مصالح الاخرين بل وفي احيان مصالحهم الشخصية ولكن منعهم التعصب ادراك الحق . الخلاف على امر مشترك دافع مثالي لدخول اطرافه في حوار ليقوموا بوضع الحل المرضي لكل الاطراف وبما يمثلونه وما يمتلكونه من وجهات نظر تبتغي مصلحة المجموع او مصلحة المشاركين كتنظيمات وقد تكون الاولى متوخاة من الثانية . كلما كان خلاف العقلاء اعمق كان الحوار ادعى، وفي لججه ومعتركه يكون هاجس الجميع الوصول الى الخيارات الافضل التي يتمخض عنها الحوار لا التصلب عند وجهة النظر الفردية . في آدابه : يجمع المتحاورين المصداقية في الوصول الى الرؤية الأصوب، انه ليس محل ليعرب صاحب رأي عن رأيه ومن ثم يستميت في التعصب له دون ان يسمح للرؤى الاخرى ان تجد فرصتها إلى عقله ومعقوليته ودون ان يكون نحوها منصفاً همه الحق ان يُقال ويُتبع. احترام وجهات النظر والتواضع خصلتان مهم توفرهما في اطراف الحوار ليتوصل به ومن خلاله الجميع الى اصوب الآراء و انجح القرارات الجمعية التي تقطع دابر الخلاف وتضع الاصوب في متناول رائد الحق والصدق . في تقنية الحوار : الحوار في جوهره ليس مناظرة لعرض الآراء والافكار وهو ليس حلبة لتبادل الاتهامات والشتائم انه صدق في القول وموضوعية في الطرح، انه بحث عن المشترك وتحديد له وبناء عليه . الحوار آلية تشبه في مضمونها ومجرياتها وشدها وجذبها والى حد بعيد الزر المنزلق للجاكيت او السحاب بلهجة والشرّة بلهجة ..كيف ذلك؟؟ ان عمل ذلك الزر يتمثل في التقريب واحداث الالتقاء الايجابي ذي القيمة بين جانبين متباعدين اقصى تباعد ويرتكز عمله على ايجاد القاسم المشترك وتكوينه بين شقي الزر(قاعدته)وهي بالتأكيد موجوده فقط تحتاج غالباً تثبيت وقد تكون مثبتة من اصل الصنعة وعبر السحب السلس للقبضة تتم عملية التحاور والالتقاء بين شقي /جانبي/طرفي الجاكيت، ومن خلال التأمل في آلية عمل الزر المنزلق والحوار نستخلص ان خطوات الحوار تتم حسب الخطوات المرتبة كما يلي : اولاً : من المهم جداً وللغاية ضمان انسيابية الحوار عبر الالتزام بأخلاقياته ومنها احترام وجهة النظر المخالفة مع السماح بطرحها وبسطها، ومنها البعد التام عن جو الشتائم والمهاترات ومناخ التلميحات المؤججة للخلاف، انه بدلاً عن كل ذلك لابد من ان يسود مناخ الطرح الهادئ الموضوعي المتزن، ويكون حادي الجميع التجرد من الانانية والحرص على تحقيق مصلحة الوطن لا الاشخاص ولا الهيئات. ثانياً :ان الاصل والأولى بالحوار كعمل انساني يحتاج الى ترتيب اولوياته، ان يبدأ بتحديد القواسم المشتركة بين اطراف الحوار ويمكن ان يتم ذلك عبر عشرة من الاسئلة المدخلية التأسيسية يجب عنها اطراف الحوار اما شفوياً او تُضاف الاجوبة مكتوبة : 1. من نحن ؟ 2. ماهي قيمنا الحوارية؟ 3. ماذا نريد لوطننا؟ 4. ماهي الممكنات؟ 5. ماهي الاولويات الوطنية والحوارية؟ 6. ماهي الفرص المتاحة للشعب/للوطن؟ 7. كيف يمكن استغلال الفرص لمصلحة الوطن العليا؟ 8. ماهي التهديدات للشعب/للوطن؟ 9. كيف يمكن مواجهة التهديدات بنوعيها؟ 10. ما هي مواقف القوى الخارجية المؤثرة؟وكيف يمكن تحقيق اقصى استيعاب لها وفق مبدأ تبادل المصالح؟ ان الحوار هو في ذات الوقت نوع من اعادة التقييم و اعادة اكتشاف للذات والاهداف التي قد تضيع في معمعة الصراع ولهيب الاختلاف.انه محطة تأمل مثالية وعميقة في الذات وفي الآخر. إنّ الحري بالمتحاورين ان يقبلون على مائدته بروح الاتفاق لا الخلاف، وأن يؤجلون نقاط خلافاهم ومواضع اختلافهم ليمنحوا صوت العقل الحريص على مصلحة المجموع فرصته بدلاً عن صوت العاطفة، ولذا يكون البدء بتحديد القواسم المشتركة. وحين نصل الى مواضع الخلاف فانه ليس كنه الامر الحواري الانتصار لوجهة النظر الراهنة ولكن الاقبال بأسماع تُجيد فن الانصات وعقول تُجيد فن التفكير ونفسيات تقبل بمعقولية خطاء الذات وصوابية الآخر، انما كنه الحوار الخروج بأفضل ما يمكن من نتائج لتحقيق الاهداف والتطلعات الوطنية وخدمة المجموع حاضراً ومستقبلاً . ان الحوار الوطني في مرحلتنا اليمنية الراهنة هو مهمة وطنية ينبغي لكل من يهمه امر الوطن والمواطن ان يكون عامل انجاح له لا تعطيل وافشال، انه ينبغي ان يسعد له وينهض يبذل جهده لإنجاحه. وهو يأتي كأحد ثمار الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي انطلقت في 11 فبراير 2011 في اجواء الربيع العربي المتدفق رغم العقبات والعراقيل والتحديات، والحوار الوطني اليمني في جانب منه سيتضمن وضع اجندة وطنية لتنفيذ وتجذير اهداف هذه الثورة الماضية لتضع اليمن على درب التقدم والازدهار على جميع الاصعدة المادية والمعنوية، وهي بما هي ثورة شعبية فان اهدافها لم تشذ ولم تخرج عن كونها طموحات وطنية سابقة لها كان النظام البائد حجر عثرة في بلوغها بل كان سد منيع ان تأخذ طريقها للتجسد فقد كان مسكون بهمه الشخصي الاستبدادي الارتزاقي الذي كان على الوطن ان تسوده ثقافة الفساد حتى يتم لزعيم ذلك النظام اشباع نزواته وغرائزه المغرقة في الشخصنة .