على وقع التقدّم السريع لقوات الشرعية في جنوباليمن، فضلاً عن بدء تشكيل حصار على المليشيات في شمال البلاد، كثّف المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مشاوراته مع الأطراف اليمنية، لبلورة مبادرة أممية تتضمّن "مخرجاً سياسياً يُنهي الحرب القائمة في البلاد بالاستفادة من التطورات الأخيرة"، متخذاً من سلطنة عمان هذه المرة مقراً لمشاوراته. ووجّهت الأطراف المقرّبة من الحكومة الشرعية و"المقاومة" انتقادات واسعة للمبعوث الأممي، واعتبرت أنه "يسعى لإنقاذ الحوثيين بعد بروز مؤشرات احتمال انهيار سلطات الانقلاب وهزيمتها"، فيما ظهرت بوادر انفصال الحوثيين عن حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. والتقى المبعوث الأممي في العاصمة العُمانية مسقط، أمس السبت، وفداً حوثياً يضمّ عدداً من القيادات، أبرزها المتحدث الرسمي باسم الجماعة، محمد عبد السلام، ومسؤول العلاقات الخارجية، حسين العزي، ومسؤول المفاوضات في الجماعة، مهدي المشاط. كذلك مثّل حزب "المؤتمر" في اللقاء، قادته المتواجدين خارج البلاد، بالإضافة إلى عضو اللجنة العامة الذي غادر صنعاء يحيى دويد. كما حضر مسؤول حزب "البعث"، المتحالف مع "المؤتمر"، قاسم سلام، اللقاء. وأفادت مصادر مطلعة، بأن "ولد الشيخ أحمد هدف من اللقاء العرض على وفد الحوثيين وصالح خطته المؤلفة من سبع نقاط، أو ما فضّل تسميتها أفكاراً، من أجل تضمينها في تقريره لمجلس الأمن حول التطورات اليمنية، الأربعاء المقبل". وذكرت المصادر أنه "من المتوقع أن يطلب ولد الشيخ أحمد من مجلس الأمن اعتماد مقترحاته التي خَلَصَ إليها بعد الاجتماعات مع مختلف الأطراف اليمنية كمبادرة أممية رسمياً". وتتلخّص الأفكار الأممية ب"انسحاب المليشيات والجماعات المسلّحة من المدن، وأن يتزامن الانسحاب مع وقف إطلاق النار، بوجود آلية مراقبة تحت إشراف الأممالمتحدة، من خلال مراقبين". وتتعلّق النقطة الثانية بإيصال المساعدات إلى جميع المدن، بما في ذلك محافظة صعدة، فيما تشمل النقطة الثالثة، السماح للبواخر التجارية بالوصول إلى السواحل اليمنية. وتنصّ النقطة الرابعة على احترام القانون الإنساني الدولي، في ما يتعلق بعدم تجنيد الأطفال وحماية السجناء وغير ذلك. وتتضمّن النقطة الخامسة عودة الحكومة لممارسة مهامها، خصوصاً في ما يتعلق بالبنية التحتية والخدمات، بينما يعترف الجميع في النقطة السادسة بأن الإرهاب هو التهديد الحقيقي في البلاد. وتقضي النقطة السابعة بالعودة إلى طاولة المفاوضات السياسية، على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني. على أن يكون كل ما سبق، قائماً على مرجعيات، من أهمها القرار الدولي 2216، والذي تطالب الحكومة والتحالف الجميع بالالتزام به". وبينما صرح المبعوث الأممي بأنه وجد قبولاً لهذه الأفكار أثناء زيارته إلى السعودية ولقائه المسؤولين اليمنيين والخليجيين، إلا أن التحركات الأممية واجهت انتقادات من حيث التوقيت، إذ يرى المؤيدون للحكومة و"المقاومة" أن الحل السياسي، وخصوصاً في هذا التوقيت، ما هو إلا إنقاذ للمليشيات التي بدأت تتهاوى على أرض الواقع. كما أنه من المتوقع أن تقدم الحكومة ملاحظاتها واعتراضاتها على بعض بنود الحل المقترح، وليس رفضه من حيث المبدأ، مهما كانت الضغوط التي تتعرّض لها من مناصريها في الداخل، إذ إن موقفها لا يعتمد على التطورات الميدانية فحسب، بل كذلك، على ملاحظات دول التحالف العربي، وخصوصاً السعودية، وأي تفاهمات سياسية إقليمية ودولية، من دون أن يكون إقصاء الحوثيين وارداً. وفي تصريح لافت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، يوم الجمعة، فقد أكد أن "الحوثيين هم جزء من الشعب اليمني، ولديهم دور ليؤدوه في مستقبل اليمن، لكن ذلك لا يُمكن أن يكون في سياق دور خاص لهم، أو تشكيل مليشيات خارج إطار الحكومة". وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني في العاصمة الإيطالية روما، أنه "لا زلنا نؤمن بأن المخرج الوحيد للأزمة في اليمن هو الحل السياسي، المبني على أسس الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216". كما سبق للمتحدث باسم التحالف العربي، العميد أحمد عسيري، أن أكد على ضرورة انخراط الحوثيين في العملية السياسية. وهو ما يمثل رسالة تطمين للحوثيين بأن التحالف لا يسعى لإلغائهم، بل لإلزامهم على وقف استخدام القوة لفرض خياراتهم على الأطراف اليمنية الأخرى. ولم يبدِ الحوثيون أي موقف "رسمي" تجاه الجهود الأممية الأخيرة حتى اليوم، غير أن التطورات الميدانية الأخيرة من المتوقع أن تدفعهم نحو التنازل والقبول بأي حلّ يحفظ لهم قدراً من المكاسب أو يوقف مزيداً من الخسائر التي تتكبدها الجماعة ميدانياً وسياسياً، وبدأت تنعكس على حماس مناصريها وخطابها الإعلامي في الفترة الأخيرة. مع العلم أن حزب "المؤتمر الشعبي العام"، برئاسة صالح، كان قد بدأ البحث عن مخرج سياسي منذ أكثر من شهر، من خلال اللقاءات التي عقدها قياديون في الحزب مع أطراف دبلوماسية عربية ودولية في العاصمة المصرية القاهرة. ويبدو الحزب من خلال تصريحات قياداته ولقاءاته، مرحّباً، بل ويسعى لمخرج سياسي للأزمة، بأقل الخسائر. ومن المتوقع أن تستبعد أي تسوية صالح من النشاط السياسي، سواء بصيغة معلنة أو بتعهّدات غير معلنة. وظهرت في الفترة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى بوادر تفكك تحالف الحوثيين وصالح، إذ رفض "المؤتمر" التوجه مع الحوثيين لحكومة خارج إطار التوافق، وخطوات أخرى كان الحوثيون يلوحون بها كردٍّ على الفشل السياسي. كما برز أيضاً من خلال منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، تراجع كبير في دفاع ناشطي "المؤتمر" عن الحوثيين، لا بل تحوّله إلى هجوم عليهم في العديد من الحالات، وتحميلهم المسؤولية عمّا يحصل في البلاد. وفي المقابل، بدأ بعض الحوثيين يلمحون إلى دورٍ ما لحزب "المؤتمر" في التراجع الميداني الأخير، وربطه بالوفد الذي أجرى لقاءات في مصر بعيداً عن التشاور مع الجماعة؛ وأيّاً يكن وفي ظل المعطيات الميدانية الأخيرة، فإن انفصال الحليفين بات الأمر الطبيعي، بوصف علاقتهما صارت شراكة "خسائر" لا "مكاسب".