مليشيا الحوثي تقتحم مكتب حكومي وتختطف أحد الموظفين    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    بحوادث متفرقة.. أربعة أشخاص ينهون حياتهم في إب خلال يوم واحد    غارات مكثفة على رفح والقسام تفجّر ألغام في قوة صهيونية والاحتلال يعلن إصابة 46 جنديا    محاولة تحطيم سور النسيج الحضرمي.. لن تمر أي مخططات غير مرغوب فيها    الأمطار تطفئ حرارة الأجواء في عدد من المحافظات خلال الساعات القادمة    خطوات ثاقبة للمجلس الانتقالي تثير رعب قوى صنعاء الإرهابية    محمد البكري و أحمد العيسي وخلال سبع سنوات دمرا حياة شعب الجنوب    الإطاحه بقاتل شقيقه في تعز    خبير آثار: ثور يمني يباع في لندن مطلع الشهر القادم    صافرات الإنذار تدوي في ''إيلات'' .. جيش الاحتلال يعلن تعرضه لهجوم من البحر الأحمر    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    محلات الصرافة في صنعاء تفاجئ المواطنين بقرار صادم بشأن الحوالات .. عقب قرارات البنك المركزي في عدن    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    جماعة الحوثي تفرض اشتراط واحد لنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن !    خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    هل ينال قاتل الطفلة شمس عقوبته العادلة في عدن؟.. محاكمةٌ تشدّ الأنظار    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    الوجه الأسود للعولمة    الطوفان يسطر مواقف الشرف    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدى الذكريات
قصة قصيرة
نشر في 14 أكتوبر يوم 04 - 02 - 2011

كل ما كان يذكره وهو جالس على مقعده في المقهى الصغير الذي يشرف على الشارع المزدحم بالناس والسيارات ، انه خرج من بيته منذ بضع دقائق ثائراً، غاضباً ، وهو يقسم لزوجته بأغلظ الأيمان انه لن يعود إليها والى أطفاله أبدأ !
كان يغلي غضبا وهو يستعيد الكلمات الحادة التي تبادلها مع زوجته في مناقشتهما التي حامت لساعات طويلة بلا جدوى فقد بقي الخلاف بينهما ولم يستطع احدهما أن يقنع الآخر بوجهة نظره.. وتحولت المناقشة في النهاية إلى مشادة عنيفة انتهت بتركه للبيت.
ومضت فترة من الوقت .. وهو جالس في مكانه لا يتحرك .. انصرف بفكره كله ، حتى انه لم يسمع صوت صديقه الذي مر عليه منادياً .. ولم يشعر به إلا عندما وجده يقف أمامه وجها لوجه ويمد إليه يده مصافحاً .. ثم دعاه إلى الجلوس، ففعل وأمضى الصديقان بضع دقائق يتحدثان فقد كان يحس بحاجة شديدة لان يتحدث إلى أي شخص، وفي أي شيء.. إلا أن الصديق ما لبث أن شعر بأن شيئا ما يؤرق صاحبه ، فاستأذن بالانصراف .. وعاد الزوج مرة أخرى إلى أفكاره ومتاعبه مع الحياة ولكنه في هذه المرة بدأ اقل انفعالاً.. لقد بدأت الثورة التي كانت تعتمل في صدره تهدأ وتخبو..
وفجأة، ولأول مرة منذ أن اختار هذا المكان ملجأ له ، وجد نفسه يتطلع بتفرس في هذه الوجوه وكأنه لم ير وجوها لبشر من قبل! رجل جامد الوجه تنم ملامحه عن تصميم أكيد.. يمر أمامه وهو يسرع الخطى ولا يكاد يحس بأحد من حوله فتاة صغيرة تحمل حقيبة كتبها وقد ارتدت زيها المدرسي.. وراحت تسير في خطى ثابتة .. إنها تعرف طريقها.. نفس الطريق الذي تسير فيه كل يوم .. طريق العودة إلى البيت بعد انتهاء اليوم الدراسي .. زوجان، الأب يحمل طفلتهما ويحنو عليها ولا يكف عن مداعبتها والتطلع إلى وجهها الحلو والأم تمسك بطفلتها وتلثمها بشفتيها.. أسرة سعيدة صغيرة..
وتمر لحظات وتظهر امرأة عجوز، أحنت السنون ظهرها فراحت تمشي في خطى ضعيفة مترددة وهي تعتمد على ذراع حفيدتها. ووراءهما زوجان آخران.. يسيران معاً ولكنهما يبدوان وكأن كلاً منهما يمت إلى عالم أخر غير عالم صاحبه.. وجهان تعلوهما التعاسة .. وعيون تحتويها الكآبة. وتتحرك شفتا الزوج .. انه يقول شيئاً ولكن الزوجة صامته لا ترد ! وخلفهما مباشرة سار أبناؤهما الثلاثة.. ولدان وفتاة كلهم في سن المراهقة.. وتتقدم الفتاة قليلاً لتقترب من أمها وتهمس في أذنها ببضع كلمات.. ولكن الأم تشيح عنها بوجهها، وكأنها لا تسمع أو أنها تسمع ولا تهتم بما تسمع!
واستمرت الوجوه تمضي أمامه .. وهو ينتقل ببصره من وجه إلى وجه .. لم يكن يهمه أو يثير انتباهه أي شيء غير وجوه الناس الذين يمرون أمامه ، والتعبيرات التي تظهر عليها.. وجوه شابة ووجوه قطعت من رحلة العمر نصفها أو أكثر.. ووجوه شاخت وامتلأت بتجاعيد السنين .. وجوه من كل لون .. وجوه سعيدة تبتسم للدنيا.. ووجوه تعيسة كئيبة.
وسرح بفكره .. وشرد قليلاً .. ثم ما لبث أن آفاق من وقفته.. وكأنه قد عثر على شيء .. هذه الوجوه متباينة .. هذه النماذج المختلفة من الناس .. هذه الصور التي مرت أمامه.. اليست هي الحياة بذاتها.. الحياة بكل ما فيها من سعادة وشقاء.. حب وكراهية.. فرح وآلم؟ وأحس برغبة في الهرب ولكن إلى أين؟ وقام من مقعده .. ومشى وقادته قدماه إلى شاطئ البحر القريب .. وعلى الرمال عاد يلقي بجسمه ويتكئ على ساعده ، ويرقب مياه البحر الممتدة أمامه .. ورآها قادمة من بعيد ... موجه عاتية شامخة راحت تقترب وتقترب.. ثم بدأت تهدأ وتضعف وتضعف حتى إذا ما وصلت إلى الشاطئ راحت تمتزج برماله .. لقد ضاعت وكأنها لم تكن ولكنها قبل أن تتلاشى تماما تظهر من ورائها.. ومن بعيد موجة أخرى شامخة ايضاً وقد أخذت تسير في نفس الطريق إلى مصيرها المحتوم!
ومرة أخرى شرد ذهنه .. وراح يسائل نفسه: اليست هذه هي الحياة .. شباب وشيخوخة ثم نهاية .. أين كان مولدها .. هناك في قلب المياه الواسعة الممتدة على مرمى البصر.. ولعل ميلادها هو الشيء الوحيد الذي لم يره ولا يعرف من أين بدأ.. ولعله ايضاً وجه الخلاف الوحيد بين أمواج البحر والبشر ! فنحن نعلم من أين جئنا وكيف؟
ولم يمض في تأملاته طويلاً .. فقد شد بصره فجأة ظهور شبح من بعيد .. كان وحده في رقدته مع البحر والظلام ونجوم السماء .. فلم يكن يظهر من القمر في تلك الليلة سوى هلال صغير.. ولم يستطع أن يتبين صورة هذا الشبح.. هل هو لرجل أم لامرأة .؟. وشعر بشيء ما يربط بينهما على هذا البعد . وقام ينفض الرمال عن ملابسه .. ثم وقف برهة يسأل نفسه : ترى من يكون ولماذا جاء إلى هذا المكان في هذه الساعة؟ وسخر من تساؤله .. الم يأت هو نفسه إلى هذا المكان الهادئ ، هاربا، من الزحام والناس ومشاكل الحياة ؟ الفرق الوحيد بينهما انه يعرف لماذا جاء هو .. ولكنه لا يعرف لماذا جاء هذا الغريب ؟ وصمم على الذهاب إليه .. ربما بدافع الفضول ، وربما لأنه أحس في هذه اللحظة بالذات برغبة شديدة في أن يتحدث إلى أي شخص .. فقد انقضت عليه مع أفكاره وتأملاته مع الحياة وصورها أكثر من أربع ساعات كاملة منذ أن ترك بيته وزوجته وأطفاله وخرج إلى الشارع ثائراً غاضباً..
وفي خطوات بطيئة متثاقلة راح يمشي صوب هذا الشبح الذي اتخذ لنفسه مكانا فوق المقعد الكبير الذي يشرف على البحر .. وكان كلما اقتربت المسافة التي تفصله عنه، أحس برغبة في العودة إلى مكانه حيث كان يجلس في وحدته.. وفجأة وجد نفسه يقف تماما ويكف عن السير .. فقد سمع شيئا جعله يتردد في إتمام رحلته .. سمع صوت نحيب ضعيف قادم من الاتجاه الذي يسير إليه .. ثم ما لبث أن رأى هذا الغريب يخرج منديلا لقد بد واضحا له في الظلام أن صاحبه يبكي.. وانه يجفف دموعه بمنديله الأبيض.. ولعله الشيء الوحيد الذي استطاع أن يتبينه وسط هذا الظلام الذي كان يلف المكان كله من حوله.
إذن هو ايضاً يتألم .. هو أيضا يعاني مثله .. ووجد نفسه بالرغم منه ، يعود إلى مسيرته ، وفي خطى سريعة هذه المره وقد استبدت به رغبة عارمة في أن يمد إلى هذا الألم الذي أبكاه والذي دمعت له عيناه .. من يدري فقد يجد عنده هو ايضا شيئا ما يخفف عنه متاعبه!
ولم يعد يفصل بينهما سوى بضع خطوات .. وفجأة مرة أخرى.. وجد الزوج نفسه يقف تماما ، وقد تسمرت قدماه بالأرض .. وكادت تفلت من شفتيه صيحة ذهول ... وجد نفسه يقف وجها لوجه أمام زوجته وأم أطفاله .. المرأة التي تركها غاضبا...حانقا منذ أربع ساعات.. وهو يقسم بالا يعود إليها.. ورفعت عينيها .. ورأته يقف أمامها ؟.. وقالت في هدوء : " أنت ".
ومالذي جاء بك إلى هنا ؟
جئت أشكو همومي للبحر!
وهل استمع إليك .. وماذا قال لك ؟
قال أشياء كثيرة .. ما أشبه أمواج البحر بكم انتم معشر الرجال.. هل ترى هذه الموجة العاتية القادمة .. تأملها في ثورتها ، ثم انظر إليها عندما تقترب من الشاطئ وتهدأ وتتلاشى !
إذن فهذا هو ما وجدته في جلستك وحدك.. وفي تأملاتك لمياه البحر في الظلام!
لا .. ليس من اجل هذا وحده جئت إلى هذا المكان!
ثم نظرت إليه وكأنها تسأله :" إلا يذكرك هذا اللقاء بشيء"؟
ولما لم تجد جوابا .. عادت إلى منديلها مرة أخرى تمسح به دموعها، ثم قالت :" منذ ثماني سنوات مررنا أنا وزوجي بهذا المكان وجلسنا على هذا المقعد ، نكمل احتفالنا بعيد زاوجنا الأول "!
وخفق قلبه ، وهو يمد يده في هدوء لتلتقي بيدها وتتعانق اليدان .. وقال يهمس في أذنها في صوت نادم :" سامحيني يا حبيبتي" ثم ضمها إلى صدره بحنان وهو يتمتم:
" سأعود إليك .. نفس الرجل الذي عرفته ..لن أسيء إليك بعد اليوم"!
وقامت ، ومشت معه ، وقد تشابكت ذراعاهما واستندت برأسها الصغير إلى كتفيه .. وألقت نظرة أخيرة على البحر من ورائها، قبل أن يبدآ رحلة العودة معا إلى البيت.. نظرت إلى البحر نظرة سريعة عابرة .. لقد خمد الموج الثائر .. وانسابت مياهه الدافئة في هدوء لتختلط بالرمال الناعمة التي لم تفترق عنها ابدأ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.