تخال نفسك وأنت تتجول في أسواق بيع الماشية قبيل حلول عيد الأضحى وكأنك في سوق عكاظ الشهير غير انك لن تسمع يقيناً مساجلات الشعراء ومناظرات الأدباء بل ستصم أذنك خوار العجول وثغاء الشياه والماعز وضجيج المتسوقين. تنشأ في مثل هذا الأيام في العاصمة صنعاء أسواق وأسواق وتغلق طرقات وتسد شوارع بفعل الحجم الهائل للحيوانات التي تساق إلى حتفها قرباناً وأضحية في العيد الأكبر. ظاهرة تتكرر سنوياً بتكرار المناسبة ومعها تظهر ظواهر ومشاهد لا تخلو من السلبيات كما لا يغيب عنها الإيجاب وأيضاً لا تتأثر كثيراً بمستوى الإقبال والعزوف قبل محبي إتيان هذه السنة النبوية الأكيدة وفقاً لقدرات وإمكانيات هذه الفئة أو تلك.. وفي سوق نقم أكبر الأسواق في العاصمة رواجاً لبيع الأبقار والماعز كانت محطتنا للاقتراب قليلاً من هذه الظاهرة. إقبال متوسط الظروف المعيشية المعقدة التي تتفاقم شهراً بعد آخر وعاماً بعد عام ألقت بظلالها القاتمة على مستوى الحركة التجارية في هذه الأسواق ويقول تجار وأصحاب مواشي بأن هذه الظروف انعكست بجلاء في الإقبال على شراء الأضاحي الذي ليس كما كان عليه الحال في السنوات الماضية. وفي سوق نقم الذي سدت الماشية شارعين على جانبيه الجنوبي والشمالي وأجبرت السيارات على تحويل مساراتها منذ اليوم الثالث في شهر ذي الحجة يكاد المكان يضج بأنواع مختلفة من الأضاحي بلدية ومستوردة من الصومال وبعض دول القرن الأفريقي وتتميز فقط من ناحية رخص أسعارها كما يقول التجار والمالكون للمواشي وذلك بالطبع على حساب الجودة. يوضح على صالح العنقوز وهو تاجر أبقار بأن قيمة العجل البلدي تتراوح ما بين 120- 80 ألف ريال فيما لا تتجاوز قيمة المستورد نصف هذا المبلغ ويفسر العنقوز بحكم خبرته التي تتجاوز كما يقول ال 25 عاماً في تجارة المواشي بأن العجول البلدية تظل ذات حيوية عالية حيث أن إطعامها يتنوع ما بين أصناف الأعلاف كما يتم الاعتناء بها وإعطاؤها الملح بشكل مستمر وهو ما لا تحصل عليه المواشي الخارجية سواء كانت أبقاراً أو ماعز ويصف التاجر العنقوز مستوى الإقبال بالمتوسط والمتدني نوعاً ما مقارنةً بالسنوات الثلاث الأخيرة.. مؤكداً بأن الزبائن الذين يحرصون على شراء أضاحي العجول يقتصرون على فئة معينة من المجتمع وهم قلة. الشراكة وتبقى الشراكة في ذبح الأضاحي المميز في شراء الأبقار.. ويقول أحمد حسين السياغي وهو صاحب عجول معروضة للبيع بأنه نادراً ما يقدم شخص بمفرده على شراء ثور للأضحية.. وتغلب على شراء هذا النوع من الأضاحي شراكة 7 أشخاص حيث أن ذلك يجزي شرعاً ويخفف كثيراً من الأعباء المالية. ويضيف حسين الآنسي وهو أيضاً تاجر مواشي بأن وجود العجول الخارجية يؤثر بشكل أو بآخر على أسعار المواشي البلدية غير أن ذلك لا يعني بوارها رغم أسعارها المختلفة. فرص عمل وفي مثل هذه الأيام والمواسم يجد الكثير من الشباب وحتى الأطفال في منطقة نقم والمناطق المماثلة التي تنتشر فيها أسواق الماشية فرصاً مناسبة للحصول على عمل ولو كان ذلك موسمياً وبأجور زهيدة. ويحمل سليم الشريف وهو طفل في العاشرة من العمر عصا غليظة يحاصر بها العجول في الجهة الجنوبية لسوق نقم وهو الجناح المخصص للأبقار فيما تقع الأغنام في الجهة الشمالية.. هذا الطفل شأنه شأن أقرانه يؤكد بأنه يقوم بمساعدة أصحاب العجول في مهمتهم طوال العشرة الأيام في الاعتناء بها وسقيها الماء من الصباح الباكر وحتى غروب الشمس مقابل 300 ريال. كما يؤدي شباب آخرون مهمة الحراسة للثيران والكباش من اللصوص اللذين ينتشرون أيضاً في مثل هذه الأماكن علهم يحصلون على فريسة سهلة. ويؤكد هؤلاء العمال الشباب بأن العام الماضي وفي مثل هذه الأيام سُرق عجل ثمنه 80 ألف ريال بسبب أن صاحب القطيع لم يعتمد على حراسة مثالية لحيواناته وبالفعل تمكن اللصوص من السطو على العجل على حين غرة من صاحبه المشغول بإعداد كبيرة من العجول. وفي هذه الساحة المليئة بالضجيج والفوضى تجد الكثير من الفئات والشرائح فرصاً مناسبة للعيش فهناك العشرات من الباعة المتجولين كما أن آخرين يحرصون على إقامة بقالات صغيرة في هذه الأماكن، أما المهنة الأكثر رواجاً والذين ترتفع سقوف أجورهم في مثل هذه المناسبات فهم الجزارون الذين يعيشون موسماً يجنون فيه مالايحصلون عليه في أي فترة أخرى من العام. خيار الدجاج وإذا ما نظرنا إلى أسعار الكباش فإنها تتراوح كما يقول أحمد علي سعيد وهديم صاحب أغنام معروضة للبيع ما بين 20- 10 آلاف ريال فإن خيار الدجاج يبقى حاضراً بقوة في أجواء العيد رغم الانتشار الهائل لأسواق الماشية التي تعج بأنواع شتى من الماعز والأبقار ويقول وليد عبيد وهو مواطن وصف نفسه بالكادح والعاجز حتى عن مجرد التفكير في شراء كبش للعيد بأن الدجاج التي طرأ تحسن ملحوظ على أسعارها ستبقى الخيار الأنسب له ولأطفاله.. موضحاً بأن الأضحية واجبة على التجار والمقتدرين فقط أما الفقراء وذوي الدخل المحدود فلن يكون أمامهم من خيار آخر غير شراء دجاجة لأطفالهم يوم العيد وفي الأخير "كله لحم".