مصنع الغزل والنسيج، أنشئ عام1963م ليستمر طيلة أربعة عقود، أحد اللبنات الهامة والداعمة للاقتصاد الوطني، شاخ مع تتابع السنوات لاعتماده على جهة حكومية واحدة في بيع منتجه، ولم يدخل سوق المنافسة ليتمكن من الاطلاع على جديد السوق ومتطلبات الاستهلاك وضرورة التنوع في المنتج، فوهن عظمه، وعجز تفكيره عن تقديم الجديد والمميز بما يحد من الملل الذي أصاب المستهلك الوحيد لمنتجه واضطره لكسر قواعد الوطنية والولاء الوطني بحثاً عن الجودة ومواكبة التطور. عندها لم يكن أمام مصنع الغزل والنسيج من حيلة سوى العمل بأسباب البقاء، ومنذ فترة تزيد عن أربع سنوات على توقفه تحول إلى غرفة عناية مركزة، طال بها المكوث لينتزع أنفاس الحياة بعد صراع شاق مع الموت، معلناً استعادة قواه وحيويته، واقتراب موعد إنتاجه واستمرار نشاطه. حول أسباب تأخر إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج، وأسباب توقفه، وموعد استئناف إنتاجه، ومزايا الآلة الحديثة عن السابقة، حاورنا الأستاذ محمد حاجب، رئيس مجلس إدارة المؤسسة اليمنية العامة للغزل والنسيج، فإلى الحصيلة: حاوره/ ماجد البكالي في البدء ما أسباب تأخر إعادة مصنع الغزل والنسيج؟ - تأخر إعادة تشغيل المصانع بالأصح؛ لأنها ثلاثة مصانع، مصنع غزل، ومصنع نسيج، وثالث خاص بالصباغة والطباعة، وليس مصنعاً واحداً. وأسباب التأخر في إعادة تشغيلها عدة، وهي الظروف والإمكانيات المادية المحدودة التي عاناها المصنع، والتي أثرت على تنفيذ الأعمال وتأجيلها من فترة لأخرى كما أن ثمة أسباباً تتعلق بتأخر الشركات والجهات المتعهدة بالتنفيذ للأعمال الإنشائية، إضافة إلى أسباب فنية. بماذا تختلف الآلات والمكائن الحديثة لمصنع الغزل والنسيج عن الآلات السابقة؟ - الاختلاف جذري وكبير ومتنوع سواء في الجانب الفني أو الإنتاجي أو الجودة، فقد حرصنا على إدخال التقنية الحديثة من خلال الآلات والمكائن الجديدة لمواكبة المتغيرات في صناعة الغزل والنسيج بغرض ترشيد النفقات، واختصار التكاليف وتحسين الجودة ورفع الطاقة الإنتاجية. تكلمتم عن الاختلاف في الجانب الفني والإنتاجي بين الآلات الجديدة والقديمة ما مثال ذلك؟ - مثال ذلك، الآلات القديمة للنسيج مثلاً: كان عرضها متراً واحداً و10سم، بينما الآلات الجديدة عرضها3.60 أمتار؛ بمعنى أن الوضع القديم للمكائن السابقة لا يُمكِّننا من تقديم منتجات متنوعة ومميزة وإنما من منتج واحد وقديم غير مطلوب في السوق، بخلاف المكائن الحديثة والتي نتحكم فيها بمقاسات المنتجات وتنوعها، وتقديم منتجات متطورة ومتنوعة تتناسب مع سوق الاستهلاك، كما أن الطاقة الإنتاجية الأولى للمصنع كانت لا تتجاوز1.06طن في اليوم، بينما الطاقة الإنتاجية الجديدة ستتجاوز10أطنان في اليوم؛ أي 10أضعاف ما كانت عليه الإنتاجية، وهذا تطور جيد. بالنسبة لما ستنتجه مصانع الغزل والنسيج بعد إعادة تشغيلها، هل سترقى جودة هذه المنتجات إلى مستوى المنافسة للمنتج الأجنبي؟ - نعم.. وأنا كمسئول أول في المؤسسة اليمنية للغزل والنسيج أؤكد بأننا حريصون على أن نتعامل مع سوق الطلب والاستهلاك، لأن الخطوط الإنتاجية لدينا جديدة ومتنوعة، ونحن حريصون أيضاً على جودة المنتج وفقاً لما يطلبه المستهلك من المنتج الخارجي، علاوة على ذلك ستكون بعض منتجاتنا أقل بكثير في كلفتها الشرائية من المنتج الخارجي، وهي لا تقل عنه جودة. القوى العاملة لديكم والتي يزيد عددها عن 1250موظفاً، هناك من يرى أن استمرار هؤلاء الموظفين فترة تزيد عن 4سنوات منذ توقف المصنع يتقاضون رواتبهم دون أي إنتاجية عبء على الاقتصاد الوطني، كيف ترون ذلك ؟ - لا أتفق مع هذه النظرة باعتبار راتب الموظف حقاً مشروعاً له لاسيما أن موظفي الغزل والنسيج لا علاقة لهم أو ذنب بتوقف المصنع، وهم على استعداد تام لمزاولة العمل بأي لحظة يعاد فيها تشغيل المصانع، وهذا الوضع سارٍ في كل الجهات الحكومية، بل إن كثيراً من الجهات يتسلم موظفوها رواتبهم وهم في بيوتهم دون أي عذر أو تعطل لعملهم، فلماذا العتب على عمال مصانع الغزل والنسيج وهم أفقر شرائح المجتمع وأقلها رواتباً. بعد مرور سنوات عدة على توقف مصنع الغزل والنسيج عن الإنتاج، ما الأسباب الرئيسة بنظركم لتوقفه؟ وما الآثار السلبية على ذلك خصوصاً زراعة القطن؟ - السبب الرئيسي للتوقف تمثل في اعتماد المصنع منذ إنشائه عام1964م على البيع بأكثر من 80% مما ينتجه على جهة حكومية واحدة هي الدفاع والأمن، وتراجعت هذه الجهة عن التعامل مع منتجات المصنع بشكل متسارع ومخيف منذ 2001م، وتحولت للشراء من الخارج، وكان لها مبررات بأن المصنع يعتمد نمطاً إنتاجياً واحداً، أضحى قديماً جداً وغير مطلوب؛ لأن المصنع لم تكن لديه خطوط إنتاجية سوى خط واحد، هذا الوضع أثر تأثيراً بالغاً على المؤسسة العامة للغزل والنسيج، مما دفعها إلى إيقاف المصنع بغرض تحديثه وتنويع خطوطه الإنتاجية؛ لتواكب منتجاته طلب المستهلك وسلع السوق الحديث. فكان الاعتماد في التعامل مع جهة حكومية واحدة إيجابية وسلبية في الوقت ذاته، إيجابية لأنها مكنت المصنع من الاستمرار لعقود، وسلبية لأنها لم تمكن المصنع من الابتكار والتحديث، ومواكبة سوق العمل والإنتاج.. أما الآثار السلبية لتوقف المصنع فانعكست في تراجع زراعة القطن اليمني وإنتاجه باعتبار المصنع الوعاء الوحيد لذلك. الآن وبعد أن تستأنفوا تشغيل مصانع الغزل والنسيج.. كيف ستكون علاقتكم مع الجهات الحكومية؟ - نحن واضعين في الاعتبار أولاً التعامل مع السوق وطلبات المستهلك؛ لأن إمكانياتنا التقنية وتنوع منتجاتنا وجودتها ستمكننا من ذلك ومن المنافسة ولو نعتمد على جهة حكومية بعينها، ومع ذلك فالأخوان وزيرا المالية والصناعة متعاونان معنا جداً، وهما مهتمان بمصانع الغزل والنسيج ، حيث ألزما الجهات الحكومية بالشراء من المصنع والتعامل معه شرط التزامه بالجودة، بل إن الأخ وزير المالية أكد لهذه الجهات عدم التزام وزارة المالية تعزيز أي مبالغ للجهات الحكومية إلا عندما تلتزم، وهذا تشجيع يخدم الاقتصاد الوطني لأنه يخدم مزارع القطن والموظف والمشتري، والبائع والجميع أبناء الوطن. هل أكملتم تجهيزات مصانع الغزل والنسيج، ومتى سيستأنف المصنع عمله وإنتاجه؟ - نعم الآلات جاهزة مركبة وكذا الخطوط، وقد أجريت التجارب الأولية لتشغيلها واطلع الموظفون على ذلك، ونتوقع الانتهاء من كل الأعمال خلال الشهر القادم، وسيستأنف مصنع الغزل والنسيج عمله وإنتاجه خلال النصف الثاني من العام الجاري وبإمكانكم زيارة المصنع وأخذ صور تؤكد ذلك. ألا ترون أن الآلات والمكائن الحديثة بحاجة إلى كادر جديد ذي خبرة وتأهيل وكفاءة يختلف عن الكادر السابق؟ - لا ليس ذلك ضرورياً، لأننا وضعنا هذا الجانب في الاعتبار، فمثلاً الآلات الحديثة الخاصة بالغزل لا تختلف كثيراً عن الآلات السابقة إلا فيما يتعلق بالإضافات التقنية، مثل: مراحل الشفط، وزيادة الإنتاج، وحجم المنتج، وفي الوقت نفسه الشركة الصينية عندما قامت بتركيب هذه الآلات وتشغيلها، ألزمنا موظفي المصنع بمتابعة كل خطوات التركيب والتشغيل للآلات، كما أن لدينا برنامجاً تدريبياً للموظفين يتكون من قسمين: تدريب محلي، وتدريب خارجي جزء منه يتولى تمويله المصنع، وجزء تنفذه الشركة المتعهدة بالتدريب والتي نفذت المصنع وورَّدت الآلات والتزمت بتدريب الموظفين، لذا لا مشكلة في هذا الجانب. بعد توقف مصنع الغزل والنسيج شهد إنتاج القطن اليمني تراجعاً مخيفاً.. ما الذي ستقومون به لزيادة إنتاج القطن لاسيما بعد اقتراب موعد إعادة تشغيل المصنع، خاصة أنه سيستهلك من القطن حالياً أكثر مما كان يستهلكه قبل إيقافه؟ - نعم.. تراجع إنتاج القطن بشكل كبير بعد توقف المصنع، ولخوف المزارع من احتمالات هبوط في البورصة الخارجية، وعلى الرغم من تراجع إنتاج القطن اليمني فإنه سيكون كافياً، بل ويزيد على ما يحتاجه المصنع، إذ إن المصنع في الماضي «قبل توقفه» كان يستهلك قرابة180طناً في العام، أما الآن فيستهلك أكثر من 2000طن؛ بسبب زيادة الإنتاجية وتنوعها وجودتها، هذا غير احتياجات السوق المحلي من القطن، فالإنتاج الوطني من القطن في أسوأ الحالات والسنوات سيغطي حاجة المصنع، والفائض سنصدره، و أؤكد بأن المزارع للقطن سيزداد نشاطه وبالتالي إنتاجه بعد تشغيل المصنع واستمراره في الإنتاج. كيف تقيمون واقع صناعة الغزل والنسيج في اليمن؟ - مع بالغ الأسف لا توجد صناعة غزل ونسيج في اليمن عدا المصنع الحكومي الذي لم نستأنف نشاطنا بعد فيه، لذا أتمنى من وسائل الإعلام أن تتفاعل مع موضوع الغزل والنسيج، وتوعي بأهمية هذه الصناعة وفوائدها للاقتصاد الوطني، وتدعو القطاع الخاص إلى الاستثمار في هذا المجال خاصة أنها أحد الصناعات التحويلية التي تعتمد سلسلة كبيرة من العمالة ابتداءً من زراعة القطن والمحالج، وصناعة الغزل، وصناعة النسيج، والطباعة والصباغة، والخياطة، كلها سلسلة مترابطة تشغل كماً هائلاً من البطالة، وفي الوقت نفسه إقامة هذه الصناعة وطنياً ستحد من استنزاف العملة الصعبة التي تذهب لاستيراد الملابس، والملابس إحدى أسس الأمن القومي بعد الأمن الغذائي. كما أن احتياجات البلد المتزايد ونموها السكاني المتسارع تتطلب الاهتمام بهذه الصناعة، لاسيما أن كل معايرها وعوامل نشأتها متوفرة من أيادي عاملة، وقطن محلي. وبالنظر إلى أسباب نمو بلدان العالم وتطورها نجد أن أساس ذلك كانت صناعة الغزل والنسيج، فمثلاً في بريطانيا أو آسيا، كماليزيا واندونيسيا والصين وحتى بعض الدول العربية كمصر وسوريا نجد بجلاء أن أكثر من 30% من إجمالي سكان هذه الدول يعملون في صناعة الغزل والنسيج، وتمثل أكبر دعائم الاقتصاد القومي لهذه الدول. أما في اليمن، فلا توجد مصانع غزل ونسيج كي تشغل نسبة من السكان ولم يستثمر القطاع الخاص في هذا المجال حتى الآن.