الصين تدهشك ولا تستطيع معرفة معنى تلك الدهشة، تتوقع أن تتكسر أضلاعك من الزحام، وتجدها مدينة عادية ، ثم تكتشف أن طلابهم يدرسون من الصباح إلى الليل، وينامون باكراً كأي قرية ريفية في اليمن، وتتوقع أنك ستعود نحيل الجسم من الأكلات الصينية الغريبة فتكتشف أن وزنك زاد 3 كيلو جرام . قبل أن ننتقل إلى أحياء المسلمون في الصين، كنا قد تناولنا غداء جميلاً في المطعم الإسلامي ( وهو المطعم الاسلامي الشهير في بكين ) وبدأت تدور في رؤوسنا أسئلة عدة حول تعداد المسلمين هنا ومستوى الحريات الدينية ؟ وكيف يؤدي المسلمون طقوسهم الدينية؟! المسلمون في الصين يعيشون في أحياء فقيرة ، وتعدادهم يزيد عن سكان اليمن ، إذ يصل إلى 21 مليون مسلم، سالت المترجمة عن علاقة التلازم بين المسلمين وحالة الفقر التي تبدوا واضحة فأكدت لي أن الشرائح الفقيرة ليست بين المسلمين فقط وإنما في مختلف القوميات . هناك حالة من التوافق بين الحكومة الصينية والمسلمين في بكين وبقية المقاطعات كما يقول هلال الدين شنج ونج بانج رئيس الجمعية الإسلامية الصينية ورئيس مجلة المسلم الصيني . جاء موعد زيارتنا والجمعية تتهيأ لإستلام مقرها الجديد الذي بنته الحكومة المركزية ، يقول هلال الدين : هناك عشر قوميات تعتنق الاسلام من بين 59 قومية في الصين ، إلا أن غالبيتهم في بكين حيث يصل تعدادهم 250 ألف مسلم . ويضيف هلال أن عدد المساجد يصل إلى 35 ألف مسجد ، كما يبلغ الأئمة 50 ألف إمام ، وتقوم الحكومة الصينية بترميم العديد من المساجد ، ومنها مسجد شارع " البقر " الذي يكلف 30 مليون يوان. " ورغم أن الاسلام هو ثالث ديانة بعد البوذية والطاوية ، إلا انه دخل أفضل مراحله كما يؤكد رئيس الجمعية الاسلامية ، ويقول : من حيث التطور فإن الاسلام هو الأول ". وتجمع المسلمون الصينيون صفة الاخلاص لوطنهم الصين، يقول هلال الدين : الصين في مرحلة بناء وتحتاج إلى علاقات طبيعية مع الدول العربية، وفي كل مرة أحتار أي بناء يقصده الصينيون ، فإذا إستمروا بنفس النمو والاخلاص لبلدهم سيبنون القمر بالتأكيد وليس الأرض فقط . يشعرونك المسلمون هنا أنك تعرفهم منذ زمن ، ويحرصون على رد السلام باللغة العربية ، بعضهم تلقي تعليمه في الأزهر ولا تزال الجمعية تبعث بالكثير للدراسة إليه، كما أن المسلمين هناك يحرصون على الاحتفاء بقدوم رمضان حيث يقومون بدعوة السفراء لحضور عشاء الإفطار، ويقرأون القرآن في المساجد. كعادتهم الصينيون تروقهم الزخرفة، والنقوش ، ولم تكن المساجد القديمة تخلوا من ذلك الاتقان البديع ، كنا نحدث أنفسنا " لم يبق لنا الصينيون شيئاً نفاخر به، فالمسجد الذي يزيد عن ألف عام موشى بالآيات الكريمات ، ويباهي المسلمون به كأنه تحفه من ذهب. لا شيء يخرجنا من هذا الحشد اللامتناهي من المفاجئات ، سوى صوت المترجمة وهي تؤكد لنا سوف تودعون بكين بعد ساعات. أخذتنا طائرة الخطوط الصينية على مدى ساعتين من مطار بكين باتجاه مقاطعة " ننشيا " ذاتية الحكم شمال غرب الصين ، المسؤولون الصينيون يطلقون عليها بتواضع أنها المدينة الفقيرة ، ومعظم سكانها من المسلمين ، لكنها بالمفهوم الفقير بالنسبة لنا فهي ليست كذلك إذ تصل فيها عدد الجامعات إلى 12 جامعة ، وتتدنى نسبة الأمية إلى أقل من 5%. مشكلة المقاطعة التي تغطيها مليوني ومائة ألف مسلم ضعف الموارد في هذه المقاطعة ، وهو مادفع الحكومة المركزية لدعمها .. يؤكد مسؤول القوميات أن حرية التدين مكفولة بالقانون ، وإضافة إلى وجود معهد إسلامي ، فإن عدد المساجد تصل إلى أكثر من أربعة آلاف مسجد ، كما يبلغ عدد الأئمة حوالي 5500 إمام. ويقول المسؤول في مكتب القوميات والاديان : هناك مساواة للقوميات وإعطاءها الحرية في ممارسة الشعائر . في هذه المدينة يوجد " معهد ننغشيا للدراسات الاسلامية " ويدرس فيه 445 طالب وطالبة اللغة العربية والتفسير والحديث وغيرها من المواد الاسلامية إضافة إلى اللغة الصينية ، يقول مدير المعهد " يوسف سويانج " : تجمع الصين والدول العربية علاقات متميزة ، وهو الشعور الذي وجدناه لكثير من المسؤولين الصينيين ، يقول نائب رئيس هيئة العلاقات الخارجية في وزارة الثقافة الصينية لي شن : لدينا رغبة شديدة في توثيق العلاقة مع العالم العربي ، وقد قام البحارة الصيني كونج كو بالإبحار إلى البلدان العربية قبل 600 سنة، " لا تزال معرفة الشعوب العربية للصين من خلال الأفلام قليلة جداً" كما يقول لي شن ، ورغم أن الصين وقعت اتفاقيات ثقافية مع جميع الدول العربية، وهناك برنامج عمل سنوي ، إلا أن ذلك لا يكفي . وعادة ما تشهد المدن الصينية عروضاً فنية عربية من دول مختلفة منها مصر ، وسوريا ، وغيرها ... أهل هذه المقاطعة ككثير من الصينيين يستقبلون الضيف ببشاشة وكرم ، وفقاً لتوصيات الحكيم الصيني الشهير كونفيثيوس في الاهتمام بالضيف وعند دخول المدينة عادة ما يدفع سائق الباص مبلغاً في نقطة الدخول، ورغم أن مساعد حاكم المقاطعة يرافقنا إلا أن ذلك لم يشفع لسائق الباص من عدم دفع المبلغ. المرافقة لنا من الخارجية الصينية قالت أن هدف زيارتنا لهذه المدينة التي أغلبيتها مسلمين التعرف على المناطق الفقيرة في الصين، إلا أننا لم نجدها كذلك، فالبنية التحتية على الاقل مكتملة، وبإستثناء الكويت لا توجد أي دولة إسلامية هنا، كما يقدم البنك الاسلامي للتنمية قروض لهذه المدينة.يقول مسئول في مكتب تنمية غرب الصين : تساهم الحكومة المركزية في الاستثمارات، وهناك مشاريع للتنمية أكثر من 300 مشروع لمساعدة الفقراء . في منطقة الشمالية الفقيرة لهذه المقاطعة، لا يعتمد الناس سوى على الزراعة، ولذلك قامت الحكومة المركزية يإنشاء أحياء حيث تم تكوين مدينة تحوى 150 الف أسرة ، وقد قامت الحكومة بعمل محطة لنقل المياه من النهر الاصفر كأكبر مشروع لمساعدة الفقراء في أسيا، المشروع الضخم ينقل المياه إلى 70 ألف أسرة فقيرة لكي تشتغل بالزراعة ، وبلغت تكلفته 2، 1 مليار يوان صيني . منازل المواطنين في هذه المقاطعة أشبه بالمنازل الريفية في اليمن، يعيشون على الزراعة وتربية المواشي والدجاج ، وفي هذه المقاطعة التي يقولون أنها فقيرة لا تزيد نسبة الامية عن 5% ، ويصل عدد الجامعات إلى 12 جامعة. _______________________ * ينشر بالتزامن مع صحيفة السياسية الصادره عن وكالة الانباء اليمنية سبأ سبأنت