تشهد الساحة السياسية والقضائية في مصر حاليا جدلا واسعا غير مسبوق ويتصدر المشهد الخلاف القائم بين مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة من جهة ومجلس القضاء الاعلى ونادي قضاة مصر ورجال القضاء عامة من جهة أخرى حول مشروع قانون السلطة القضائية. ويرى البعض أن مشروع قانون السلطة القضائية يأتي لصالح استقلال القضاء والقضاة ودعم الفصل بين السلطات فيما يرى البعض الأخر أنه يمثل مساسا باستقلال القضاء وسط اجواء غير مواتية على الساحة السياسية. وحول هذا المشهد الملتبس أكدت مؤسسة الرئاسة المصرية حرصها على استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات مشددة على ضرورة عرض مشروع قانون السلطة القضائية المصري على القضاة قبل إصداره. وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية المستشار إيهاب فهمي في تصريحات له اليوم إن الرئاسة ترى أنه من الطبيعي أن يتم عرض مشروع القانون على أهل القضاء لأخذ ملاحظاتهم وشواغلهم قبل إصداره. وأوضح فهمي أن الرئيس المصري محمد مرسي أكد خلال لقائه مؤخراً بأعضاء المجلس الأعلى للقضاء أن رئاسة الجمهورية تؤكد احترامها الكامل للقضاء والتزامها بمبدأ الفصل بين السلطات وعلى أن القضاء المصري شامخ بمختلف مؤسساته ورجاله ويحظى باحترام الجميع. بدوره أكد رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة محمد طوسون أن المجلس لن يصدر أى تعديل لقانون يتعلق بالسلطة القضائية الا بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة والهيئات القضائية المختلفة. وقال طوسون خلال اجتماع اللجنة اليوم بصفتها لجنة اقتراحات اثناء نظر اقتراح حزب الوسط بتعديل قانون السلطة القضائية "اننا لن نصدر تشريعا الا لتحقيق استقلال السلطة القضائية" مؤكدا ان "تطهير القضاء لا يأتي ابدا عن طريق السباب". وأضاف "اننا نحرص على أن يكون التشريع الجديد يزيد القضاء مهابة" موجها حديثه الى القضاة قائلا "السادة القضاه ابناء يحيى الرفاعي وعبد الرازق السنهوري يجب أن تنأوا بأنفسكم عن العمل السياسي وتعلوا مبدأ استقلال السلطات". وطالب طوسون رجال القضاء ألا يتدخلوا فى أعمال التشريع قائلا "ليس بالسباب والشتائم يطهر القضاء كما انه ليس بالانذرات يخاطب البرلمان والكل يدرك ان تطهير القضاء لن يكون الا من داخله". من جانبه دعا رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة الدكتور عصام العريان الى البدء فورا في مناقشة الاقتراح من حيث المبدأ خاصة وان هناك حاجة دستورية الى اجراء تعديلات فيما يتعلق بالنائب العام والاعارات. وقال انه دستوريا يجب الفصل بين السلطات فالسلطة التشريعية تصدر القوانين والتى تطبقها السلطة القضائية فى احكامها وتتدخل السلطة التنفيذية لتنفيذ أحكام القضاء وهناك حاجة لاصدار القانون. في المقابل قال رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والناشط السياسي حافظ ابو سعدة في تصريح صحفي بالقاهرة اليوم ان المشكلة التي تفاقمت اخيرا بين مؤسسة الرئاسة والقضاء المصري فجرها خطاب الرئيس محمد مرسي الأخير عندما تحدث عن أحكام البراءة التي أصدرها القضاء وقال مرسي بالنص "مهرجان البراءة للجميع" كما تناول حكم عدم دستورية قانون مجلس الشعب واتهم القضاء بانه يسعى الى هدم الدولة. وأضاف ابو سعدة ان خطاب الرئيس مرسي كشف عن موقف الرئاسة من القضاء "وجاء ترجمة لكلمة المرشد العام للإخوان المسلمين السابق الدكتور مهدي عاكف الذي كشف فيها عن رغبته بابعاد نحو 3500 قاض قائلا "نحن نرى ان هناك تحفزا من الرئاسة والحزب الحاكم ضد القضاء ورغبة في السيطرة عليه". وذكر ابو سعدة "كنا متوقعين ان يأتي قانون السلطة القضائية لتعزيز استقلال القضاء ويجعل مجلس القضاء الاعلى هو الجهة التي تقود منظومة العدالة في مصر وتكون كلمته هي القول الفصل في مشروع القانون ولكن ما نراه عكس ذلك". وأوضح في هذا الصدد بان طرح قانون السلطة القضائية للمناقشة في مجلس الشورى "امر يشوبه الريبة" مبينا ان مجلس الشورى ليس له صلاحية بحث مشروع هذا القانون فضلا عن ان هذا المشروع ليس من مشروعات القوانين الضرورية وينبغي ان يتم مناقشته بعد اكتمال السلطة التشريعية بانتخاب مجلس النواب. وتوقع ابو سعدة ان تتمسك الجمعية العمومية لنادي القضاه بحقها في مراجعة مشروع قانون السلطة القضائية قائلا "اتوقع ان تتصدى الجمعية للتدخل في شؤون السلطة القضائية واذا استمر مجلس الشورى في مناقشة القانون تمهيدا لإصداره سيقابل ذلك خطوات تصعيدية من قبل رجال القضاء". من جهتها قالت المحامية والناشطة السياسية وعضو المكتب الدولي للامم المتحدة للمرأة الدكتورة نهاد ابو القمصان في تصريحات صحفية ان الخطوات التي تقوم بها مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة ضد القضاء "تعكس رغبة في السيطرة على القضاء المصري المشهود له بالنزاهة". وأضافت ان الرئاسة وحزب الحرية والعدالة كان يمكنهما ان يقودا العمل السياسي في مصر بشكل أفضل وما نراه من مؤسسة الرئاسة والحزب الحاكم حالة من التعجل للاستحواذ على مؤسسات الدولة وهذا التعجل يجعلهم يخطئون في ادارة شؤون البلاد. ورأت ان "التعدي على القضاء خطأ لا يغتفر ويكشف عن ان مؤسسة الرئاسة ليس لديها الخبرات التي تؤسس لإقامة الدولة المدنية الحديثة القائمة على سيادة القانون". وادت الازمة الى تقديم وزير العدل المصري المستشار أحمد مكي استقالته من منصبه مؤخرا ، مؤكدا مع ذلك استعداده للعدول عنها "في حال حصوله على تفويض كامل ورسمي بعدم التدخل في شؤون القضاء" ، كما قدم المستشار القانوني لمؤسسة الرئاسة المستشار محمد فؤاد جاد الله امس استقالته والتي تم قبولها اليوم ، مشيرا الى ما سماه "محاولات اغتيال السلطة القضائية والنيل من استقلالها والاعتراض على أحكامها ".