تشهد الانتخابات البرلمانية في المانيا والمقرر اجراءها يوم الاحد القادم، حالة من الفتور غير المسبوق، من جهة المرشحين والناخبين على السواء، وسط تحذيرات للبعض من خطورة غياب الحماس الانتخابي على العملية الديمقراطية، وارتياح من قبل البعض الاخر لاعتبار ذلك دليلاً على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد . ويرى عدد من المراقبين الالمان ان ما حققته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل من نجاحات تجاه اقناع الناخبين الالمان بان الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد يسير بشكل رائع، جعل من اعتبار ائتلافها الحاكم (الاتحاد المسيحي الديموقراطي لالمانيا والاتحاد المسيحي الاجتماعي لبافاريا) القيام بحملة انتخابية كبيرة، ليس ضرورياً. ويشير المراقبون الى ان الائتلاف المحافظ بزعامة ميركل، ما يزال متصدراً بفارق كبير امام منافسيه عند 39 بالمائة، وذلك على الرغم من هزيمة الاتحاد المسيحي الشريك في الائتلاف في مقاطعة بافاريا، وتراجعه بواقع نقطة مئوية . ويضيفون ان ذلك يأتي في الوقت لا يزال الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الخصم الرئيسي لميركل، عند نسبة 25 في المائة من نوايا التصويت، وذلك حسب الاستطلاع الذي اجراه معهد /فورسا/ لصالح مجلة شتيرن الاسبوعية . ويشيرون الى ان نتائج الاستطلاع تظهر ان الالمان يريدون باكثرية 53 في المائة، بقاء انجيلا ميركل في منصبها كمستشارة، في حين يرغب 26 في المائة فقط تولي منافسها عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي بير شتاينبروك، هذه المهمة . ويؤكدون ان أسلوب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال الحملة الانتخابية الحالية، هو ما يشكل المشكلة الحقيقية بالنسبة لمنافسها بير شتاينبروك، والذي لم يجد حتى الآن أي ثغرة حقيقية لمهاجمة برنامج ميركل الانتخابي . ويظهر ذلك جلياً أيضاً من خلال التصريح الذي أدلى به شتاينبروك في وقت سابق، عندما قال ان " السيدة ميركل تعطي الانطباع بأن كل شيء رائع، وكأنها تقول: عليكم فقط بإعادة انتخابي.. لا أطلب منكم أي جهد سواء أكان مادياً أو معنوياً .. وسيستمر الحال كما هو عليه الآن". ويرى ميشائيل شبرينغ المستشار السابق لاحد المرشحين في الانتخابات الاتحادية عام 2002م، أن المستشارة أنغيلا ميركل تقود حملتها الانتخابية بنجاح، فهي لا تتصرف بشكل قيادي فقط، بل إنها لا تترك لمنافسها أي مجال لمهاجمتها فيما يخص المواضيع الانتخابية. ويشير شبرينغ الى ان ميركل كانت قد استحوذت على بعض أهم نقاط البرامج الانتخابية لأحزاب المعارضة، مثل التخلي عن استخدام الطاقة النووية والمطالبة بوضع حد أدنى للأجور. ويأتي ذلك في الوقت الذي لم تكن فيه استطلاعات الرأي الصادرة الى حد الآن، في صالح المعارضة، وهو ما يظهر، حسب هذه الاستطلاعات، أن الائتلاف الحالي، يمكن ان يواصل الحكم لأربع سنوات أخرى قادمة. وفي حالة عدم حصول ذلك، فهناك إمكانية اللجوء إلى ما يعرف في ألمانيا ب /الائتلاف الكبير/ والذي يتكون من الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي من جهة، والحزب الاشتراكي الديمقراطي من جهة أخرى . وبما أن كل المؤشرات لا تخرج عن هذين الاحتمالين، فان البعض يتساءل عن جدوى بذل مزيد من الجهد في هذه الحملة الانتخابية، ما دامت النتيجة معروفه مسبقاً . الا ان بعض المراقبين يؤكدون خطورة غياب الحماس عن الحملة الانتخابية الحالية، على العملية الديمقراطية في المانيا، خاصة وان العديد من الناخبين يؤكدون بانهم لم يعايشوا من قبل حملة انتخابية يفتقد فيها كثير من السياسيين للحماس عند ذهابهم للتظاهرات الانتخابية. ويشيرون الى ان كثير من الناخبين يفتقدون إلى الأسئلة المستقبلية المصيرية التي تهمهم بشأن امكانية إصلاح النظام الصحي بشكل يجعله أكثر إنصافاً، وكيفية التعامل مع تحديات الشيخوخة في المجتمع وارتفاع أعداد المحتاجين للرعاية، اضافة الى موقف ألمانيا من الأزمة في سوريا والسياسة الألمانية إزاء أوروبا، والعديد من الاسئلة . كما يرون ان غياب نقاشات سياسية حقيقية، يعتبر غياب لجزء مهم من ممارسة العملية الديمقراطية، وذلك وفقاً للمستشار السياسي شبرينغ والذي يشير الى ان المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي جمعت بين المستشارة أنغيلا ميركل ومنافسها بير شتاينبروك، اظهرت مرشحة لا ترغب في القيام بحملة انتخابية ومنافس لا يستطيع القيام بحملة انتخابية .. متسائلاً كيف يمكن للناخبين أن يكونوا متحمسين ؟ . بيد أن تورستن فاز أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماينس، لا يبدو متفائلاً بخصوص ظروف الانتخابات القادمة، إذ يذكر بنسبة المشاركة المنخفضة التي عرفتها الانتخابات البرلمانية عام 2009م، والتي لم تتجاوز نسبة 70 في المائة، وهي أقل نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات المانيا . ولا يتفق فاز مع الرأي القائل أن الألمان لا يهتمون بالأمور السياسية، باعتبار أن وضعهم الاقتصادي أحسن من وضع نظرائهم في باقي الدول الأوروبية . ويعتبر ان " تفسير نظرية العزوف عن الانتخابات كعلامة على الارتياح الكبير، بأنها خرافة ولا علاقة لها مع الواقع " . هذا ودخلت الحملة الانتخابية في المانيا منتصف هذا الاسبوع، مرحلتها الحاسمة، حيث بدأ العد التنازلي للانتخابات والتي يتنافس فيها 4451 مرشحاً، ربعهم من النساء، على 598 مقعداً في البرلمان الجديد . وتشارك في الانتخابات المرتقبة الى جانب الأحزاب الكبيرة مثل المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي، احزاب مثل حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، فضلاً عن 29 حزباً صغيراً، منها 9 أحزاب تشارك لأول مرة في الانتخابات مثل حزب المعارضين عن الانتخابات وحزب /البديل لألمانيا/. وتوقع رئيس لجنة الانتخابات الالمانية، ان وضع البرلمان القادم، لن يتغير عن البرلمان الحالي والذي يتمتع فيه الرجال بالغالبية .. مشيراً الى ان ربع المترشحين فقط من النساء، وفقاً للبيانات، بالرغم من ان ألمانيا تحكمها امرأة منذ 8 أعوام . ومنذ انتخابات العام 2009م، لم يزدد عدد النساء، بل انخفض قليلاً عما كان في الدورات السابقة .