نجحت المقاومة الفلسطينية في تكبيد الاحتلال الإسرائيلي خسائر اقتصادية ومادية ونفسية كبيرة غير معلنة وعلى عدة قطاعات خلال فترة أقل من شهر منذ بدء العدوان على قطاع غزة. وتشير الدلائل إلى أن هناك خسائر اقتصادية قاسية ومؤكدة في عدة مجالات وعلى أكثر قطاع وذلك بالرغم من حالة التعتيم الإعلامي الإسرائيلي، على حقيقة حجم الخسائر الاقتصادية التي تعرض لها الاحتلال والرقابة العسكرية المفروضة على وسائل الإعلام . فقد قدرت صحيفة "ذي ماركر"، وهي إحدى أهم الصحف الاقتصادية الإسرائيلية ، حجم الخسائر الإسرائيلية خلال أربعة أسابيع ماضية منذ بدء العدوان بنحو 1,5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أي قرابة 15 مليار شيكل (4,3 مليار دولار أمريكي). ويشمل هذا المبلغ بحسب الصحيفة، خسائر القطاعات الاقتصادية الرئيسية (السياحة، الاستثمار، الخدمات المالية، والخدمات)، إضافة إلى الخسائر الناتجة عن توقف الإنتاج في مناطق وسط وجنوب إسرائيل، بسبب وقوعها في مرمى الصواريخ الفلسطينية المنطلقة من غزة. كما يضم المبلغ، الخسائر العسكرية والنفقات، كرواتب جنود الاحتياط البالغ عددهم أكثر من 65 ألفاً تم استدعائهم، ونفقات الأسلحة التي تم إطلاقها على قطاع غزة، والخسائر التي تعرضت لها الآليات الحربية بفعل صواريخ الفصائل. ولم تعلن أية مؤسسة رسمية إسرائيلية، كيفية احتساب قيمة الخسائر والمنهجية التي اتبعتها لقياسها، وتوزيع الخسائر على كل قطاع، بسبب عدم سماح الرقابة العسكرية بنشر هذه الأرقام في وسائل الإعلام. وقالت صحيفة "ذي ماركر"، الإسرائيلية منذ أسبوعين ، إن المتضررين في مناطق وسط وجنوب إسرائيل، لم يتلقوا حتى الآن شيكل واحد كتعويض عما لحق بهم. وتؤكد التقارير أن الاقتصاد الإسرائيلي تكبد خسائر قاسية بمليارات الدولارات بسبب الحرب على غزة، والتي أدت إلى اتخاذ العشرات من شركات الطيران العالمية قراراً بتعليق رحلاتها إلى تل أبيب، ما فاقم من أزمة الاقتصاد وكبد الإسرائيليين مزيداً من الخسائر. واعترف مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية أن كلفة الأيام ال12 الأولى من الحرب على غزة بلغت 585 مليون دولار، إلا أن هذا الرقم ليس سوى التكلفة العسكرية المباشرة التي ينفقها الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعني أن الخسائر الكلية التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي تفوق هذا الرقم بعدة أضعاف. ونقلت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لها عن المسؤولين الإسرائيليين قولهم إن تكاليف وزارة الدفاع وحدها في الأيام ال12 الأولى تجاوزت ملياري شيكل إسرائيلي (585 مليون دولار)، وهو ما يعني أن إسرائيل تدفع 50 مليون دولار يومياً، فضلاً عن الخسائر الناجمة عن تعليق رحلات الطيران وركود القطاع السياحي والفندقي وتراجع مبيعات التجزئة بصورة حادة. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في تقرير لها أن تكلفة الصاروخ الواحد في منظومة "القبة الحديدية" تتجاوز 50 ألف دولار، على أن القوات الإسرائيلية تنفذ يومياً منذ بدأت الحرب أكثر من 200 عملية اعتراض، ما يعني أن "القبة الحديدية" وحدها تكلف الإسرائيليين 10 ملايين دولار أميركي يومياً، فضلاً عن أن بعض الصواريخ الفلسطينية يتم اعتراضها بصواريخ "باترويوت" التي تفوق تكلفة الواحد منها مليون دولار أميركي. ويقول خبراء اقتصاديون إن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تجاوزت عدة مليارات خلال أسبوعين من الحرب على غزة، على أن هذه الخسائر تفاقمت منذ إلغاء مئات الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب، وبعد أن تحول مطار بن غورويون إلى ما يشبه "مدينة أشباح" بسبب عدم وجود مسافرين قادمين أو مغادرين. وأعلنت شركة طيران "العال"، الإسرائيلية، أنها تتوقع هبوطاً في عوائدها خلال الربع الثالث من العام الحالي بما لا يقل عن 50 مليون دولار أميركي، في الوقت الذي شهدت فيه أسعار تذاكر الطيران من وإلى إسرائيل ارتفاعاً كبيراً خلال الأيام القليلة الماضية بسبب قلة الطائرات التي تقل مسافرين من وإلى تل أبيب، وهو ما كبد أيضاً الكثير من رجال الأعمال والسياح والمسافرين خسائر مالية مباشرة. وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لها إن أسعار بعض التذاكر قفزت بنسبة وصلت إلى 150% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، مشيرة إلى أن سعر التذكرة من تل أبيب إلى لندن على سبيل المثال أصبح يباع حالياً ب1520 دولاراً، مقارنة مع 820 دولاراً، أما سعر التذكرة من تل أبيب إلى نيويورك فقفز من 1670 دولاراً قبل الحرب إلى 2750 دولاراً في الوقت الحالي. ويأتي العدوان الإسرائيلي على غزة وتعطل حركة الطيران في الوقت الذي يعتبر الذروة للموسم السياحي بالنسبة لإسرائيل، وهو ما أدى إلى إلغاء أعداد كبيرة من الحجوزات، وكبد الإسرائيليين خسائر فادحة في مختلف القطاعات الاقتصادية. فالاحتلال الإسرائيلي تستهدف في اليوم الواحد أكثر من 300 هدف في مدن وأحياء القطاع، الأمر الذي يكبده خسائر في النفقات العسكرية للجيش الاحتلال، من رواتب الجنود الاحتياط، وتكاليف صواريخ القبة الحديدية المخصصة لإسقاط الصواريخ القادمة من القطاع، والنفقات اللوجستية، كتكاليف النقل والوقود والطلعات الجوية والبرية. ناهيك عن صواريخ المقاومة التي شلت المرافق الإسرائيلية، ووقفت المصانع عن العمل، وأدت إلى تراجع القوة الشرائية خلال أيام الحرب، وتوقف عجلة الاقتصاد بنسبة حادة، بسبب تعطيل المؤسسات عن العمل، وهذا ما أكد عليه وزير المالية الإسرائيلي "يائير لابيد" بإعلانه أن أضرارا بقيمة 10 ملايين شيكل (3 ملايين دولار)، تم تسجيلها في أول أيام سقوط الصواريخ على ممتلكات داخل إسرائيل، "والنسبة مرشحة للارتفاع عدة أضعاف". وبحسب معهد "فان لير" الإسرائيلي، فإن تقديرات بنحو 100 ألف دولار، تكلفة كل صاروخ يخرج من القبة الحديدية لاعتراض كل صاروخ قادم من غزة، وإن نحو 80 مليون دولار أمريكي، خسائر يومية يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، منذ بدء العدوان على قطاع غزة قبل 12 يومًا. أما فيما يخص الميزانية الإسرائيلية، فأكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، خلال تقرير اقتصادي لها، يوم الجمعة، أن جدلًا واسعًا في انتظار ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2015، والتي كان من المفترض أن تناقش قُبيل عملية الجرف الصامد ، مشيرة إلى أن مسألة التعوضيات التي ستلتزم بها إسرائيل تجاه الأضرار التي لحقت بالإسرائيليين والمؤسسات، من شأنها أن تؤثر على الميزانية العامة. وأشارت الصحيفة الإسرائيلية أن عملية "الجرف الصامد" أجلت مناقشة الميزانية العامة؛ لأنه أصبح هناك معطيات جديدة، وهي مسألة التعوضيات وجدلية ميزانية الدفاع الإسرائيلية، التي كان مقررًا لها أن تتقلص بثلاثة مليارات شيكل، لافتة إلى أنه في ضوء الأحداث الأخيرة لا يمكن بشتى الطرق تقليص ميزانية الدفاع. وذكرت الصحيفة أنه وفقًا لهيئة الضرائب الإسرائيلية، فقد قُدم نحو 662 طلب تعويض لأضرار لحقت ببعض المواطنين والمؤسسات نتيجة لصواريخ حماس، من بينهم 417 طلب تعويض لمنازل تضررت من صواريخ حماس، و228 تضررت سياراتهم، و17 لحقت أضرار بحقولهم، لافتة إلى أن نسبة المتضررين سترتفع مع انتهاء الحرب، وأنهم في هيئة الضرائب الإسرائيلية يقدرون حجم التعوضيات بعشرة ملايين شيكل. وأضافت الصحيفة أن التأثير على الناتج المحلي الإجمالي يرجع إلى استمرار العملية الآخذة في التوسع، وأنه حسب " عوفر كلاين " رئيس قسم البحوث الاقتصادية والمالية التأمين هارئيل، فإن القطاع الذي تلقى ضربة موجعة فهو قطاع السياحة، والذي تبين من تجربة الماضي في عملية الرصاص المصبوب وحرب لبنان الثانية، أنه لن يتعافى قبل 5 ل 6 أشهر والذي سجل انخفاضًا دراميّا بنسبة 39% و53%، أما في عملية "عامود السحاب" في 2012 سجل قطاع السياحة انخفاضًا بنسبة 7% مع العلم أنه لم يكن موسم السياحة في إسرائيل بذلك الوقت. وأوضحت الصحيفة أن نفقات العدوان الإسرائيلي على غزة من شأنها أن تغير الصورة، لافتة إلى أنه إلى جانب تحديد ميزانية الدولة لعام 2013-2014، تم تعيين تخطيط لميزانية جيش الاحتلال السنوية، ووفقا لهذا المخطط فإن ميزانية الدفاع لعام 2015 ستكون 54 مليار شيكل قابلة للزيادة.