يبدو أن استمرار توتر العلاقات بين الغرب وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية وغيرها من الملفات المشتركة يثير المزيد من الخلافات بينهما في مناطق أخرى من العالم مع تزايد التدخلات الدولية في الأزمات المتصاعدة في عدد من المناطق. ولا يزال التصعيد بين الدول الغربية وروسيا في مجال العقوبات الاقتصادية مستمرا بسبب الأزمة الأوكرانية التي تعتبر بمثابة نقطة تحول حقيقية في العلاقات بينهما. ولا توجد بوادر تلوح في الأفق لتحسن سريع في العلاقات بين الدول الغربية وموسكو ويبدو أن مرحلة البرود في العلاقات ستستمر طويلا مع تزايد الخلافات بشأن الأزمة الأوكرانية. وقبل يومين من قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز حرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، على توجيه رسالة تحذير لروسيا خلال اجتماعه في تالين مع رؤساء دول البلطيق، استونيا، لاتفيا ولتوانيا. وقمة ويلز التي سيشارك فيها قادة دول ومسؤولون أمنيون وسياسيون كبار، تعقد بهدف وضع خطط لمواجهة تهديدات تنظيم (داعش) وتشكيل تحالف عالمي ضده. واختار الرئيس أوباما -قبل انعقاد قمة ويلز- أن يقوم بزيارة إلى استونيا، اليوم الثلاثاء، بهدف تحذير روسيا من التعرض لأي دول من دول الحلف، ايًا كان حجمها. وقالت مصادر أمنية إن محادثات أوباما في تالين ترمي إلى دعم مناعة دول البلطيق لما تراه واشنطن عدوانية روسية متزايدة تجاه جيرانها. وهذه هي المرة الاولى، منذ وصوله الى البيت الابيض، التي يزور فيها أوباما إحدى دول البلطيق. وزيارة أوباما لأستونيا، العضو في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الناتو على حد سواء، تبدو محسوبة بعناية لردع أي تطلعات روسية للعبث بأمن ذلك البلد الذي يشكل الروس جزءًا مهمًا من سكانه. وكان تشالز كوبشان، مدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي الأميركي، قال في إجتماع عقد السبت الماضي قبيل بدء رحلة الرئيس الأميركي إن المحطتين اللتين سيتوقف فيهما أوباما "تهدفان إلى إرسال رسالة واحدة إلى روسيا، وهي أن سلوكها بات غير مقبول غربيًا ودوليًا". وفيما تنتقد البلدان الغربية "التحركات العسكرية غير المشروعة" التي تقوم بها روسيا في شرق اوكرانيا. ينوي الرئيس أوباما أن يوجه الاربعاء من تالين رسالة يؤكد فيها التزام بلاده "التام" بالبند الخامس للحلف الذي ينص على أن تقدم الدول الاعضاء المساعدة الى أي منها اذا ما تعرضت للهجوم. وأوضح كوبشان قائلا "على روسيا أن لا تفكر في التعرض لأستوينا أو لأي بلد آخر في المنطقة كما فعلت مع اوكرانيا". وفي المقابل أعلنت موسكو اليوم الثلاثاء أن واشنطن وبعض العواصم الأوروبية وحلف الناتو تشجع ما وصفه ب "فريق الحرب" في كييف، أي القوى الداعمة للحل العسكري في أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي منجي حامدي في موسكو اليوم الثلاثاء أن "فريق الحرب" الآنف الذكر يحاول إحباط محاولات التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، فيما يحاول "فريق السلام" إحراز تقدم في عملية البحث عن حلول سياسية وتفاوضية لكافة القضايا التي يواجهها الأوكرانيون. وأضاف أن مبادرة الحكومة الأوكرانية للتخلي عن وضع أوكرانيا الحيادي خارج الأحلاف والسعي للانضمام إلى الناتو دليل على أن "فريق الحرب" يتخذ خطوات لتقويض جهود التسوية السلمية، وخاصة تلك التي تبذلها مجموعة الاتصال التي التقت أمس الاثنين في مينسك. وقال: "الساسة الجديين في أوروبا والولاياتالمتحدة يعارضون أية استفزازات من أجل إيجاد حل سياسي". وأكد الوزير الروسي أن الهدف الرئيسي اليوم هو إقناع فريق الحرب في كييف داعيا الولاياتالمتحدة إلى "إرسال إشارات ضرورية إلى السلطات الأوكرانية حول ضرورة الانتقال من محاولات حل الأزمة باستخدام القوة إلى العملية السياسية". وذكر أن البيت الأبيض قال إن زيارة الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو الى الولاياتالمتحدة المقرر إجراؤها في 18 سبتمبر ستستخدم للتعبير عن دعم واشنطن لكييف في سعيها للديمقراطية والاستقلال والاستقرار. وعبر عن أمله بألاّ يدور الحديث هناك عن الديمقراطية على النمط العراقي أو الليبي وبأن تدعم واشنطن كل القوى الأوكرانية. وقال لافروف إن جلسة مجموعة اتصال حول أوكرانيا في مينسك ناقشت لأول مرة مسائل التسوية السياسية، الأمر الذي وصفه بأنه "مهم بحد ذاته". وأعلن سيرغي لافروف أن تسوية الأزمة الأوكرانية لا يتطلب دعوات فارغة جديدة بل تنفيذا للاتفاقات الموجودة. ومن جهة ثانية أعلن مجلس الأمن الروسي اليوم أن موسكو ستعتبر أي اعتداء على القرم اعتداء على روسيا. وقال ميخائيل بوبوف نائب أمين مجلس الأمن الروسي في حديث لوكالة الانباء الروسية "نوفوستي" إن سلطات أوكرانيا أكدت أكثر من مرة أنها ستسعى إلى إعادة القرم التي تعتبرها كييف أرضها. وأكد بوبوف: "القرم اليوم هي من أراضي روسيا الاتحادية وسيعتبر أي اعتداء عسكري على القرم اعتداء على روسيا الاتحادية مع ما يترتب على ذلك من الانعكاسات". وأضاف أن كتلة القوات الروسية في القرم التي شكلت وفقا لقرار الرئيس الروسي قادرة على التصدي لأي تدخل في أراضي جمهورية القرم. من جهة أخرى قال بوبوف إن الولاياتالمتحدة تقوم بتعزيز حشود قوات الناتو في دول البلطيق وتخطط إلى إرسال أسلحة ثقيلة، بما في ذلك دبابات ومدرعات، إلى إستونيا. وأشار المسؤول الروسي إلى أن موسكو ستعدل استراتيجيتها العسكرية وستؤكد فيها على ضرورة تبديل الأسلحة المستوردة بأسلحة روسية الصنع. وأضاف أن أسباب تعديل الاستراتيجية العسكرية الروسية تتمثل في توسيع حلف الناتو ونشر الدرع الصاروخية والأزمة الأوكرانية. وخلال زيارة إلى نيوزيلندا لفت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اليوم الثلاثاء أنظار حكومات البلدان الغربية إلى استحالة الحل العسكري للأزمة الأوكرانية. وقال الأمين العام خلال زيارة إلى نيوزيلندا إن "الاتحاد الأوروبي والأميركيين وغالبية الدول الغربية يبحثون جديا في ما بينهم في الطريق الواجب اتباعها" للتعامل مع ما أسماه "التدخل الروسي في الأزمة الاوكرانية". وأضاف:"من المهم أن يدركوا أن لا حل عسكريا لهذه الأزمة. والحل السياسي يتطلب حوارا سياسيا وهذا الطريق أكثر عقلانية"، وذلك في معرض تحذيره الغربيين من مخاطر حصول تصعيد مسلح للنزاع في الوقت الذي يستعد فيه حلف شمال الاطلسي لتعزيز وجوده في شرق اوروبا. وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن أكد الاثنين أن الاف الجنود الأطلسيين من أسلحة الجو والبر والبحر، معززين بقوات خاصة يمكن أن ينتشروا "في غضون أيام" في أوروبا الشرقية. كما عبر بان كي مون عن قلقه من التطورات الأخير في أوكرانيا، مشيرا إلى رغبته في تجنب تصعيد حدة توتر الأزمة التي "تتحول إلى وضع خطر للغاية وفوضى". وتابع: "لها تداعيات إقليمية وعالمية. لذلك أدعو السلطات الأوكرانية والروسية إلى الجلوس وحل هذه المسألة بطريقة سلمية بمساعدة الحوار". وتسارعت في الآونة الأخيرة وتيرة العقوبات الغربية على روسيا فما تلبث أن تفرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو حتى يحذو الاتحاد الأوربي حذوها في فرض المزيد من العقوبات عليها بسبب الأزمة الأوكرانية. وقالت وزيرة الخارجية الإيطالية فيديريكا موجيريني للبرلمان الأوروبي اليوم الثلاثاء إن حكومات الاتحاد الأوروبي ستتخذ قرارا بشأن حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا بحلول يوم الجمعة. وستقدم موجيريني حزمة مشددة للعقوبات على روسيا بسبب غزوها العسكري لاوكرانيا بحلول يوم الاربعاء /على حد ما تصفه الدول الغربية. واختار زعماء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي موجيريني يوم السبت لمنصب مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بعد ترك كاثرين اشتون لمنصبها في أكتوبر ت. وقالت موجيريني إن سفراء الاتحاد الاوروبي سيجتمعون الخميس والجمعة وان القرار سيتخذ بحلول يوم الجمعة. وصرحت موجيريني بأنها تحدثت هاتفيا يوم أمس الاثنين مع نظيرها الروسي سيرجي لافروف الذي هنأها على تعيينها مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي لكنها قالت انها لم تناقش أمور السياسة بالتفصيل. وفرضت واشنطن في نهاية شهر يوليو الماضي عقوبات اقتصادية جديدة تستهدف قطاعات هامة بالاقتصاد الروسي، وذلك في خطوة جديدة من واشنطن للضغط على روسيا حتى يتوقف عن دعمه للمسلحين في شرق أوكرانيا. واستهدفت العقوبات بالتحديد قطاعات الطاقة والأسلحة والخدمات المصرفية، بما في ذلك البنوك الكبرى.