تتجه أنظار العالم قاطبة إلى قمة مجموعة العشرين، التي تنطلق أعمالها غدا السبت بمدينة بريسبان الأسترالية، على مدى يومين وتضم زعماء أقوى 20 دولة اقتصاديا على مستوى العالم وأكثرها تأثيرا. وبالرغم من أن هذه القمة وضعت هدفًا لها تحقيق نسبة نمو 2% إضافية إلا أن هناك مخاوف لدى شعوب العالم من حدوث فقاعة قد تعيد النمو الاقتصادي إلى الحضيض، بعد التعافي من أزمة كانت الأخطر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وتسعى كل المجموعات الاقتصادية الأممية والدولية، لتجنيب العالم انتكاسة اقتصادية، قد لا يمكن تجنّبها تمامًا، إذا استمرت منطقة اليورو في انحدارها، وتقفي خطى اليابان في تحقيقها ركودًا طويل الأمد، وإذا استمر التوتر متصاعدًا في المناطق المحيطة بمنابع النفط في الشرق الأوسط. وفي سلم أولويات قمة مجموعة العشرين المقبلة التي يشارك فيها الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين وضع تدابير تسمح بزيادة قيمة إجمالي الناتج الداخلي لمجموعة العشرين بنسبة 2% إضافية بحلول 2019 ، أي زيادة إجمالي الناتج العالمي ألفي مليار دولار. ويتوقع أن يتناول قادة المجموعة أيضا بعض القضايا التى استجدت على الساحة الدولية مثل بروز /ما يسمى/ تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام "داعش"، والنزاع فى أوكرانيا ومشكلة إيبولا، وذلك بهدف مجابهة الأخطار الناجمة عن هذه المسائل الثلاث، والوصول إلى شبه اتفاق عليها. كما يبحث قادة القمة قضية المناخ من خلال تقديم مقترحات بشأن زيادة كفاءة استخدام الطاقة فى الصناعة والتكنولوجيا وتمويل مشروعات الطاقة المتجددة دون أى تعهدات ملزمة بشأن الحد من التلوث. ومن المتوقع أيضا أن يتوصل الزعماء خلال هذه القمة إلى اتفاق للضغط على البنوك ومؤسسات تحويل الأموال لخفض رسوم التحويلات المالية التى تمثل عائقا أمام المهاجرين فى الدول الغنية، والذين يضطرون لدفع رسوم تبلغ 20% لإرسال الأموال إلى أسرهم، غير أن هذا الاتفاق قد يواجه بعض المعوقات بسبب قوانين الأمن القومى التى تجبر المصارف على التشديد على عمليات تحويل الأموال وتقليص علاقتها مع المؤسسات الأجنبية المعنية بذلك. ويأمل المراقبون أن تضع قمة العشرين المقبلة التي ستتمحور على ما يمكن أن يخلق فرص عمل، وتحديد عمليات التهرّب الضريبي،وتحسين أداء الاقتصاد نصب عينيها إنعاش النمو العالمي الواهن. وتبذل دول مجموعة العشرين جهودا في دفع محركات نموها إلى الأمام، من خلال إجراءات وتدابير وقوانين وضوابط اقتصادية ومالية، كاتخاذها 900 إجراء لتسريع الاستثمارات في بناها التحتية، وتنفيذ إصلاحات مالية لازمة، وتشجيع حرية التبادل التجاري، من أجل بلوغ هدف مشترك، لتجنيب العالم خضة إقتصادية جديدة، كتلك التي حدثت لعدد من دول في 2008. لكن ما ينتظره العالم من المؤتمرات الاقتصادية الدولية، وفي مقدمتها مؤتمرات مجموعة العشرين هو ترجمة تلك الجهود النظرية إلى نتائج فعلية، ليلمس العالم نتائجها حقيقة لأن العالم -وبحسب المراقبين الاقتصاديين- اكتفى من نظريات التعافي، فالاقتصاد العالمي ضعيف، والبنى التحتية، خصوصًا تلك المتعلقة بالطاقة، تحتاج أموالًا طائلة لإعادة تأهيلها، كي تتمكن من مواكبة متطلبات العصر، والوظائف قليلة تنبغي زيادة عددها، في مسعى جدي إلى خفض البطالة، وبالتالي خفض نسبة التضخم الآيلة للانفجار. ويرجع تأسيس مجموعة العشرين إلى عام 1999 خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع في واشنطن، حيث تم تأسيس المجموعة، تنفيذا لالتزام قمة الدول السبع في يونيو 1999 بإنشاء آلية "غير رسمية" للحوار بين الدول الصناعية ومجموعة الاقتصادات الناشئة وتوسيع المناقشات حول قضايا السياسات الاقتصادية والمالية الرئيسية وتعزيز التعاون لتحقيق نمو اقتصادي عالمي مستقر ومستدام لمصلحة الجميع. ويعود السبب المباشر في تأسيس مجموعة العشرين إلى تصاعد وتيرة الأزمات المالية الدولية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، والتي كان موطنها الأساسي أسواق بعض الاقتصادات الصاعدة سواء في شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية، وامتدت انعكاساتها السلبية لتطول استقرار النظام المالي الدولي. وعقدت أول قمة لقادة المجموعة عام 2008 فى واشنطن كاستجابة للأزمة المالية العالمية وإقرار بالواقع من أن الإجماع الدولي واتخاذ الإجراءات الحاسمة يتطلبان دفعا سياسيا من قبل القادة. وتتألف المجموعة من (الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، والولاياتالمتحدة) بمشاركة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورئاسة الاتحاد الأوروبي ورئيسي اللجنة الدولية للشئون النقدية والمالية ولجنة التنمية. وتعتمد مجموعة العشرين على تحليل السياسات وعلى المشورة من المنظمات الدولية بما في ذلك مجلس الاستقرار المالي، منظمة العمل الدولية، صندوق النقد الدولي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الأممالمتحدة، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث يتم دعوة ممثلي هذه المنظمات إلى الاجتماعات الرئيسية لمجموعة العشرين. ومن أجل ضمان أن المناقشات في مجموعة العشرين تعكس مصالح مجموعة واسعة من الدول، يقوم رئيس المجموعة كل عام بدعوة دول كضيوف للمشاركة في اجتماعات العام، بما فى ذلك قمة القادة. ومن المقرر هذا العام أن يتم استضافة إسبانيا كضيف دائم متفق عليه، وموريتانيا (رئيس الاتحاد الأفريقى خلال عام 2014)، وميانمار (رئيس رابطة دول جنوب شرق آسيا عام 2014)، والسنغال (ممثل الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا)، ويواجه رئيس الوزراء الاسترالي توني أبوت، الذي يرأس القمة، انتقادات بسبب عدم تضمن جدول الأعمال مناقشة قضية التغير المناخي. ومنذ توليه السلطة، ألغى أبوت ضريبة الكربون، وأشرف على تخفيض الاستثمارات في الطاقة المتجددة بنسبة 70 في المئة. ويلتقي القادة الذين سيحضرون قمة العشرين، ومن بينهم رؤساء الولاياتالمتحدة والصين والهند وروسيا وبريطانيا وألمانيا، في بريسبان السبت والأحد.