يوافق اليوم الثلاثاء 29 /5/2012م الذكرى الأولى لمحرقة ساحة الحرية بتعز والتي راح ضحيتها 11 شهيدا ومئات الجرحى وحرق وتدمير جميع الخيام التي كانت في الساحة وعلى أطرافها وجميع محتوياتها، إضافة إلى نهب وتخريب مستشفى الصفوة الكائن في ساحة الحرية بتعز المستشفى الميداني. وقد كانت المحرقة يوما تاريخيا من أيام الثورة الشعبية السلمية وتاريخ تعز بشكل خاص. بدأت القصة حين اعتصم المئات من شباب ساحة الحرية أمام إدارة أمن القاهرة مطالبين بالإفراج عن مجموعة من شباب الثورة الذين اعتقلوا من قبل رجال الأمن وأودعوا إدارة أمن مديرية القاهرة. وفي الساعة الخامسة مساءا بدأ الضرب العنيف على الشاب المعتصم أمام إدارة أمن مديرية القاهرة بالرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والغازات السامة والقنابل والرشاشات الثقيلة من عيار 12.7 وخراطيم المياه وسقط حينها العديد من الشهداء والجرحى لتتوالى تفاصيل مسلسل إحراق الساحة الذي استمر حتى الساحة التاسعة من صباح اليوم التالي. وكانت القوات قد اقتحمت الساحة في الساعة الثامنة مساءا من مختلف المداخل للساحة ومن الحارات بالدوريات العسكرية مستخدمة مختلف الأسلحة وفتحت النار باتجاه المعتصمين من أكثر من اتجاه من الحارات المطلة على الساحة، فيما استخدم الشباب المعتصمون الحجارة للدفاع عن ساحتهم، كما اقتحم الجنود مستشفى الصفوة الواقع في نطاق الساحة، ونهبوا كل محتوياته وكذا اقتحم الجنود المستشفى الميداني الذي كان بداخله نحو 200 مصاب، وعبثوا بمحتوياته ونهبوه ولم يبقوا منه شيئا يذكر. وكان شباب الثورة قد اتهموا عددا من الشخصيات الأمنية والرسمية في المحافظة بتنفيذ جريمة إحراق الساحة وما يزالون يطالبون بإحالتهم إلى القضاء. تعز تحي الذكرى الأولى للمحرقة من المقرر أن تنفذ صباح اليوم الثلاثاء مسيرتان: الأولى من رأس وادي القاضي إلى ساحة الحرية والثانية من جولة سوفتيل إلى الساحة، إضافة إلى أنه سيتم تنفيذ وقفة احتجاجية أمام إدارة أمن مديرية القاهرة سابقا في الرابعة والنصف، ومسيرة الشموع المسائية في الساعة السابعة والنصف، كما ستقام فعاليات أخرى ابتداء من يوم غد الأربعاء وحتى يوم الأحد 3/6/2012م ذكرى عودة الساحة. ومن ضمن هذه الفعاليات مهرجان الوفاء لجرحى وأسر شهداء ومفقودي المحرقة برعاية رئيس الوزراء باسندوة وتنفيذ مؤسسة فجر الأمل الخيرية، وذلك صباح غد الأربعاء. السامعي: انتصرت تعز وأحرقت جحافل القتلة والظالمين ضياء الحق السامعي -رئيس المجلس الثوري بتعز سابقا، وأحد ناشطي الثورة الشبابية في تعز تحدث ل»الأهالي» عن المحرقة والثورة في تعز بالقول: «كانت الثورة الشبابية الشعبية السلمية في تعز قد وصلت إلى أوجها في مايو 2011م وظهرت ذروة ذلك يوم الاحتشاد الملاييني في ذكرى الوحدة، حيث أذهلت تعز الثوار قبل أزلام النظام، رأيت يوم ذلكم الحشد دموعاً تنهمر، وثغوراً تبتسم، هال الجميع ذلك الجمع فأغاض الحاقدين، وجن جنون كبير المجرمين لذلك الزخم الجماهيري الثائر، وحينها قرر الطاغية نفث سمه الزعاف وبادروا إلى إحراق ساحة تعز وتفاخروا بالقتل والسحل والبذاءة وظنوا أنهم على الثورة قادرون». وأضاف: «ومع أن الساحة أُحرقت والجمع تطاير بين أرواح حلقت إلى خالقها، وآخرين ابتعدوا بأجسادهم تاركين قلوبهم معلقة بالساحة، فلم تهدأ الأجساد الثائرة ولم تجد للراحة سبيل، فتدارس أحرار تعز سبيل العودة، وتبادل الثوار وجهات نظر، حاولوا الكر السلمي في الشوارع التي ملئت حرساً شديداً وأطقما، فكان الخميس موعدا لم يكتمل فيه النجاح، لكن صباحاً بعده جاء يحمل نصراً ويعيد حقاً، جمعة النصر انبرى فيها أناس ممتلئة قلوبهم إيماناً وحرية وعزيمة وإصرار، أعادوا للحالمة كرامتها وللثورة وهجها، أغاضوا صالحاً ونظامه، وأيدهم القدر فأحرق الله أكابر مجرميها، وأذل أزلامهم وأخزى الله الظالمين». حادي المسيرات: المحرقة من جرائم القرن الواحد والعشرين الشاب محمد حميد القدسي من أوائل الثوار في تعز ومن ضمن من قاد الهتاف برحيل النظام ليلة 12 فبراير في شارع جمال وهو المعروف بقائد الهتافات في مسيرات تعز طوال أيام الثورة، وصف المحرقة في حديثه للأهالي بقوله: «محرقة ساحة الحرية بتعز إحدى جرائم القرن الواحد والعشرين حيث تحول منفذي الجريمة إلى وحوش مفترسة وقد استخدموا كل وسائل الإجرام في حق الإنسانية». وأضاف: «المحرقة بدأت خيوطها من أمام مديرية القاهرة حيث اتجهت المسيرة إلى هناك للمطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين، وبدأ مسلسل الإجرام حين انتشر أفراد مديرية القاهرة في كل مكان موجهين أسلحتهم نحو صدور الشباب العارية ثم بدأوا بإحراق أول خيمة وما إن أعدوا عدتهم وعتادهم بدأت الحشود العسكرية تتجمع وتواصل إطلاق النار وتعمل على إحراق الخيام من مدخلين رئيسين ليتواصل إحراق الشجر والحجر وكل شيء في الساحة. أيمن ياسين: لم أستطع المغادرة تلك الليلة الشاب أيمن ياسين قال من جانبه: «كلما أردت الحديث عن يوم المحرقة أعجز عن وصف المأساة وأعجز عن وصف مقدار ذلك الحقد الأسود الذي لم نر مثله حتى عند الصهاينة». وأضاف: «في عصر ذلك اليوم اتصل بي أحد الشباب وأخبرني أنه ألقيت قنبلة على الشاب المتواجدين جوار مديرية القاهرة وأصيب الكثير منهم وتم إطلاق النار عليهم من المديرية، وهناك انتابني إحساس بأنه سيتم اقتحام الساحة، وحينها اتصلت بمن أعرفهم من الشباب الذين يرابطون في الساحة وأخبرتهم بالخبر وطلبت منهم التواجد في الحال للدفاع عن الساحة بأجسادنا وأرواحنا ودفاعا عن كرامتنا التي خرجنا إلى الساحات من أجل استعادتها، وكان الوقت يمر ويزداد عدد الضحايا وتشتد المواجهات لكننا لم نصدق أن نجد أناسا يمنيين يحملون كل هذا القدر من الحقد والكراهية والخبث تجاه من خرجوا ينشدون الحرية والكرامة لكل اليمنيين. ويتابع: لم نستطع مغادرة الساحة التي هي بمثابة بيتنا الثاني برغم ما لقيناه من اختناق بالغازات والدخان الناجم من الحرائق التي التهمت الخيام وحينها اتصل بي الكثير من أقاربي وطلبوا مني العودة إلى البيت لكنني أصررت على البقاء مع العديد من الزملاء حتى الساعة الثالثة فجرا وبعدما رأينا الخيام تحترق أيقينا أنه لابد من المغادرة فلم يبق في الساحة شيء وفعلا غادرنا وقلوبنا تقطر دما. مهيوب: لا حوار ما لم يحاكم مجرمو محرقة تعز الثائر محمد مهيوب الشرعبي مشرف خيمة منتدى المبدعين ومتحف الثورة قال من ناحيته: «خرج الشاب من الساحة صوب مديرية القاهرة للمطالبة بإطلاق المعتقلين هناك، وقد أطلق الرصاص عليهم قبل أن يتجاوزوا بنك التسليف وأحرقت سيارة أحد ضباط مديرية القاهرة من قبل صاحبها وأتباعه لكي يجدوا سببا يتحججون به للاعتداء على الساحة، وفجأة انهمرت الرصاص كالمطر على الشباب في مدخل الساحة جوار بنك التسليف الزراعي وتم القتل المباشر للشباب وأمام عدسات التصوير ومراسلي القنوات واستمر ذلك وكثرت الأطقم العسكرية وحوصرت الساحة من ثلاثة مدخل الشرقي والقبلي والعدني ماعدا المدخل الغربي باتجاه الضبوعة والذي من خلاله خرج الشباب لينجو بأجسامهم بعد أن قصف فندق المجيدي وبدأ حرق الساحة من المدخل الشرقي جوار مديرية القاهرة والمدخل جوار الجامعة الأردنية فظهر الحقد والخبث والإجرام وكشر القتلة أنيابهم فأوسعوا الشباب قتلاً وحرقا وإجراماً». وأضاف: «وتمر الذكرى الأولى للمحرقة والقتلة لم يقدموا للعدالة وحكومة الوفاق لم تحرك ساكنا ولم تنظر لدعوى مقدمه ضدهم. لذلك فإن شباب الثورة في تعز سيرفضون كل أساليب الحوار ما لم يروا القتلة أمام العدالة لينالون جزاءهم العادل على جرمهم الذي ارتكبوه بحق أبناء تعز». فتحي: منعوني من إسعاف جريح وهددوني بالقتل فتحي محمد أحمد «مشرف الصوتيات في منصة ساحة الحرية بتعز» قال: حين ذهبنا إلى أمام مديرية القاهرة للمطالبة بإطلاق معتقلين أطلقوا علينا الرصاص وسقط أمامي العديد من الشهداء وبعدها جاءت قوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية وغيرهم من البلاطجة وقاموا برش الماء وفيه ماده تحرق الجسم وأطلقوا الغازات السامة وقاموا بإحراق أول خيمة وأطفؤوها، وكان ذلك فيما يبدو لكي يتأكدوا هل يوجد مع الشباب سلاح أم لا.. وعندما لم يجدوا إلا الصدور العارية قرروا اقتحام الساحة وبدؤوا بإضرام النار في الخيام. ويتابع: «هرعنا إلى الصوتيات في المنصة وفتحنا النشيد الوطني لكنهم لم يحترموا نشيد بلدهم الوطني وفتحنا قرآن كريم حتى يخشعوا للذكر لكنهم ازدادوا إجراما وعنفا». ذهب فتحي -يومها- إلى مستشفى الصفوة ورأى ما لم يكن يتوقعه من اعتداءات للجنود على الجرحى والمصابين ولم يستطع الخروج من المستشفى هو و(15) شخصا آخرين إلا بزي الممرضين وعند الساعة السابعة والنصف (كان معه المصور عبدالنور البتراء، والصحفية أنيسة العلواني، و13 شخصا آخرين). تدمع عيون فتحي، ويتمتم: «حين خرجت من المستشفى ذهبت إلى مكان الصوتيات وهناك رأيت أحد كبار السن مصابا وملقى على الرصيف وحين حاولت الذهاب إليه رآني أحد الجنود ورفع السلاح في وجهي وهددني بالقتل إذا لم أنصرف». الصرمي: رأيت مديرا في أمن القاهرة يلقي قنبلة على الشباب الشاب موسى الصرمي مسؤول العلاقات العامة والاتصال يقول في هذه المناسبة: «حين ذهبنا للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين قام مدير في أمن مديرية القاهرة بتهديدنا واستخدام القوة ما لم نغادر مكان الاعتصام لكننا رفضنا فقام رجال الأمن بإطلاق الرصاص الحي علينا ورأيت كما هو مثبت في الفيديوهات والصور رأيت هذا المدير يلقي بقنبلة من أعلى المبنى وأحد الجنود (أ.ك) يطلق الرصاص مباشرة على الشباب، وبعدها تم طلب النجدة من إدارة أمن المحافظة بالتعزيز لحماية مبنى المديرية. وأضاف: «أتذكر قائد حملة الاقتحام ليلة المحرقة وهو يتكلم من خلال التلفون بلهجة بذيئة بأنهم قد أنهوا رجال تعز وما بقي سوى النساء فقط، كما أتذكر الصمود الأسطوري لمروان وعزام وعباد الصرمي وعبدالله الصرمي والأستاذ نبيل الأديمي وبلال غنام والشهيد عبدالناصر القحطاني ومنذر المحمدي وأخيه زيد وخالهما إبراهيم وأتذكر الحسين وهو يعاود الوقوف في وجه الخراطيم والرصاص وآخرون أرجو أن يعذروني». واختتم حديثه: «أتمنى ألا أموت إلا وقد رأيت بأم عيني ما يثلج صدري وصدور اليمنيين وهو أن يكون القتلة كلهم من الرئيس المخلوع إلى ذلك الجندي في المشانق». المقطري: أطلقوا النار على كل شيء كان يتحرك بالساحة الناشط الشبابي مجيب المقطري يسرد شهادته: «عندما ذهبنا للوقفة الاحتجاجية كان الجنود مع عدد من الضباط قد استعدوا بكل شيء، وأتذكر حينها أنهم أطلقوا الرصاص من كل طوابق المبنى وسقط على إثر ذلك العديد من الشهداء والجرحى وجاء الإمداد من مديرية الأمن بمئات الجنود المدججين بالأسلحة واستمروا في إطلاق النار والغاز المسيل للدموع، وكان هذا مؤشرا قويا على اقتحام الساحة.. وبهذا حوصرت الساحة من اتجاه كاك بنك شارع الزراعة وفي الساعة الثامنة مساء بدأ إحراق أول خيمة وانتشر الحريق حتى التهم جميع الخيام في ذلك الشارع، حاولنا إطفاء النار لكن دون جدوى بعدها شاهدت الزحف الكبير للعديد من الجنود باتجاه الساحة». ويضيف: «كنت مع مجموعة من الشباب محاصرين في المدرسة القديمة المجاورة للساحة حتى الفجر وبعدها تمكنا من الهروب بمساعدة أحد شباب الحي وقد رأيت مجموعة من الشباب يحاولون انتشال جثة أحد الشهداء وإنقاذ أحد الجرحى لكن الجنود كانوا يطلقون النار على أي شيء يتحرك داخل الساحة». عثمان: هولوكست تعز فاقت محرقة روماوبرلين الشاب علي عثمان مدير في صفحة منتدى المبدعين وأحد شباب المنتدى تحدث عن المحرقة وقال: «محرقة ساحة الحرية قصة مفزعة ومرعبة من حيث طريقة اقتحامها، وتعامل الجنود مع المصابين والجرحى، حيث الجنود كانوا يقضون على أي جريح يجدونه مرميا على الأرض بالرصاص، وقد كانت ألسنة النيران تلتهم كل ما يقف أمامها، والجثث تتهاوى». ويتابع: «وداعاً هولوكست برلين، وداعاً محرقة روما، فهناك مجزرة فاقتهما بشاعة، إنها هولوكست تعز التي حطمت كل الأرقام القياسية في المجازر، وهنا سيتسع آفاق كتاب سيناريوهات الأفلام المرعبة والوحشية إلى أبعد مداها». * صور شهداء محرقة ساحة الحرية بتعز: