غزة أولاً وأخيراً؟هذا السؤال ما انفك مطروحا منذ إعلان إسرائيل نيتها الانسحاب من قطاع غزة بعد 38 عاما من الاحتلال الاستيطاني المتواصل ثمة أقوال تؤكد أن أرييل شارون يرغب في فرض دولة فلسطينية ممسوخة في القطاع وأقسام من الضفة الغربية وتؤكد أقوال أخرى أن شارون يريد تحويل الانسحاب من هزيمة عسكرية إلى انتصار سياسي عبر فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم اليوم وبالتالي تحويل الأردن إلى وطن بديل على ما يؤكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني باعتبارأن الوطن الفلسطيني الراهن غير قابل للحياة وباعتبار أن ما يحدث في العراق من محاولات لتقسيم أراضيه وتطييف مجتمعه يسمح باللعب الإسرائيلي في خارطة المنطقة وفرض الحل المناسب للدولة العبرية من طرف واحد ودون الحاجة إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية. ويرى البعض وخصوصا في الأردن أن ميزان القوى العربي والفلسطيني في مواجهة إسرائيل يغري بكل الارتكابات الإسرائيلية الشنيعة ويشارفي هذا الصددإلى أن العرب لم يفلحوا في الالتزام بموعد للقمة الاستثنائية وكانوا قد اختلفوا على إجراءات شكلية من نوع من يحق له الدعوة للقمة ومن يرأسها وذلك في ظرف مصيري كان يفترض على الأقل تجاوز شكليات من هذا النوع .ويشار أيضا الى أن الأولويات العربية كلها مبنية على قضايا محلية ولا تنطوي على هم تقديم القضية الفلسطينية أو العراقية على القضايا العربية الداخلية ما يوحي بأن العرب غير مهيئين للرد على مشاريع من النوع المفترض والذي ينسب لشارون أو لغيره من القادة الإسرائيليين. وتمتد التوقعات إلى حد استشراف حرب أهلية فلسطينية فلسطينية فيكون الانسحاب من غزة قد حقق غرضا لطالما داعب مخيلة شارون وسائرالصهاينة.والظاهرأن شارون تعمد الحديث عن ضرورة تصفية السلاح المقاوم الموصوم ظلما بالإرهاب كشرط للتعاون مع رئيس السلطة الفلسطينية. وكبند دائم على طاولة التفاوض في مرحلة ما بعد الانسحاب. وتراهن إسرائيل أيضا بحسب تحليلات كثيرة على تحويل الانسحاب من غزة إلى فرصة لتحقيق انتصاركبيرفي التطبيع العربي مع إسرائيل ومن المتوقع أن تشتد الضغوط الأمريكية على العرب من أجل كسرطوق المقاطعة مع الدولة العبرية وفي إطار فرض خيارغزة القسري أولاً وأخيرا. لكن هل ثمة إمكانية لمجابهة هذا الخياروبالتالي تحويل الانسحاب من غزة إلى خيار"غزة اليوم والقدس غدا"بحسب تصريح شهير لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؟ إذا عدنا لتصريحات فصائل المقاومة الفلسطينية التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب من القطاع نلاحظ أنها محكومة بمنطق آخرمناقض تماما لمنطق الاحتلال ويركزعلى عناصر تحويل الانسحاب الإسرائيلي إلى بداية للانسحاب من مجمل الأراضي المحتلة ويمكن تلخيص هذه العناصر في الخطوط العامة التالية: أولا:اعتبارالانسحاب ثمرة للمقاومة وليس ناتجا عن حسن نية إسرائيلي وعليه فإن استمرارالمقاومة يثمرانسحابات أخرى ويعطل كل المشاريع المرفوضة فلسطينياً ومن ضمنها مشروع غزة أولاً واخيراً. ثانيا:تحويل غزة إلى قاعدة لوجستية للمقاومة وفرض معادلة التعرض للمدنيين في غزة يؤدي إلى التعرض للمدنيين داخل الخط الأخضر. ثالثا:في المعادلة الداخلية الفلسطينية سيقوى الخط المقاوم ويتراجع الخط التفاوضي البحت وسيكون على السلطة الفلسطينية أن تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار وإن تم ذلك فإن استجابة السلطة للضغوط الخارجية من أجل وضع حد للمقاومة المسلحة ستنخفض إلى أدنى مستوياتها حتى وإن كلف ذلك عزلة هذه السلطة وحصارها على غرارعزل وحصار ياسرعرفات. رابعا: لا يمكن لأي طرف فلسطيني أن يفتعل حرباً أهلية بعد الانسحاب من غزة وأية محاولة من هذا النوع لا تحتفظ بأدنى تغطية سياسية وأخلاقية لدى الشعب الفلسطيني ما يعني أن رهان شارون على حرب أهلية فلسطينية يستند إلى أساس شديد الضعف. خامسا: يزود الانسحاب الإسرائيلي من غزة الشعب الفلسطيني بشحنة أمل هي الأولى من نوعها إذ للمرة الأولى تنسحب إسرائيل من أرض فلسطينية يكون لسكانها كامل الحرية في التصرف فيها على الرغم من السيطرة الإسرائيلية جواً وبحراً وعلى قسم من المعابر. سادسا: لن يكون بوسع الأردن ولا مصر الاشتراك في لعبة توطين الفلسطينيين وسيكون من الصعب عليهم مجابهة الإندفاعة الفلسطينية لطلب المزيد من الأراضي المحررة ومن المرتقب أن تدخل مصر والأردن للمرة الأولى في تماس مع كل تصعيد إسرائيلي ضد الفلسطينيين وسيكون منتظرا من الدولتين رد فعل على ذلك في الجانب السياسي بطبيعة الحال. سابعا: سيكون من الصعب على مصر والأردن مباركة خيار شارون غزة أولاً وأخيراًَ وسيكون من مصلحة البلدين العمل على أن يحصل الفلسطينيون على أراضيهم كاملة وغير منقوصة وبالتالي البحث عن حل مشرف لقضية اللاجئين . إن التصريحات الأردنية الأخيرة المتخوفة من موضوعة الوطن الأردني البديل يمكن أن تترجم برفض كل ما من شأنه السير في هذا الاتجاه وبالتالي الاقتراب أكثر من المقاومة. ثامنا : سيكون بوسع المقاومة الإفادة من استراحة المحارب الحالية وخلال الفترة الممتدة إلى نهاية العام الجاري تاريخ انتهاء الهدنة الموقعة بين مصر والفلسطينيين في القاهرة والتي تتيح انسحابا إسرائيلياً هادئاً من غزة وربما سيكون بوسع المقاومين إعادة تنظيم صفوفهم ومواصلة مقاومتهم بأساليب ووسائل فعالة أكثر من ذي قبل. تاسعا: ستكون المقاومة الفلسطينية مخففة من أثقال كان عليها أن تتحملها أثناء معارك غزة فالدينامية الفلسطينية التي يشهدها القطاع قد تكون عاملاً مساعداً لتحرير المقاومين من أعباء اجتماعية ومن ضغوط نفسية ومن عقبات وصعوبات خضعوا لها خلال المجابهات السابقة. خلاصة القول:إن تحرير غزة من الاحتلال الإسرائيلي هو فرصة لتحرير المزيد من الأراضي المحتلة بواسطة المقاومة التي اعترف الإسرائيليون بأنها وحدها أجبرتهم على الانسحاب وتفكيك المستوطنات ومن قبل من جنوب لبنان ما يعني أن أحدا لا يحتاج إلى برهان إضافي بأنه: كي تجبر إسرائيل على الانسحاب عليك بالمقاومة.