قبل خمس سنوات بدأت الحرب الأمريكية على العراق. توجت الحرب بسقوط بغداد في التاسع من أبريل- نيسان 2003م في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة. كان متوقعا أن يقاوم الجيش العراقي، أو ما كان يسمى الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص. لم يحصل شيء من هذا القبيل. أنهار نظام صدّام حسين - البعثي وكأنه بيت مصنوع من ورق. لماذا لم تقاوم بغداد؟ يبدو أن لا بدّ من الانتظار طويلا قبل الحصول على جواب واضح. ثمة من يتحدث عن خيانات لضبّاط كبار وثمة من يشير الى أن النظام بالغ عن قصد في اظهار مدى قوته وأن كل ما في الأمر أن جورج بوش الابن وجه له رصاصة الرحمة. وجّه له تلك الرصاصة بعد أقل من ثلاثة عشر عاما على ارتكاب الرئيس العراقي الراحل الخطأ القاتل لنظامه والمتمثل في احتلال الكويت ومحاولة ابتلاعها. لم يدر صدّام، الذي انهار نظامه من الداخل أوّلا، أنه ليس مسموحا في أواخر القرن العشرين التخلص من دولة أخرى مستقلة عضو في منظمة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية وكل المؤسسات الأقليمية الدولية الأخرى وتشريد شعبها... خصوصا عندما تكون هذه الدولة غنية بالنفط وذات موقع استراتيجي. بعد خمس سنوات على حرب العراق والإحتلال الأميركي للبلد، الذي كان الى ماقبل فترة قصيرة عربيا والذي كان يعتبر ركيزة من ركائز النظام الأقليمي، بات معروفا لماذا سقط نظام صدّام حسين. ما لا يزال لغزا لماذا الاصرار الأمريكي على اجتياح العراق واسقاط النظام، علما أنه كان واضحا منذ اللحظة الأولى أن ذلك لن يؤدي سوى الى وجود منتصر واحد هو ايران. ليس سرّ ان ايران كانت القوة الأقليمية الوحيدة التي شجعت واشنطن صراحة على غزو العراق وقدّمت لها كل التسهيلات المطلوبة في هذا المجال. سقط صدّام حسين لأنه لم يستوعب الأسباب التي مكنته من الصمود في الحرب العراقية – الايرانية بين العامين 1980 و1988 والتي أدت في نهاية المطاف الى قبول النظام الايراني بوقف النار. وسقط صدّام حسين في الثاني من أغسطس – آب 1990 عندما أتخذ قراره القاضي باحتلال الكويت. وسقط عمليا عندما راح يبعث الى الأمريكيين برسائل فحواها أن الأنسحاب من الكويت ليس واردا وأنه على أستعداد في المقابل للتفاوض معهم في شأن كل العقود النفطية التي يريدونها اكان ذلك في الكويت أو في العراق نفسه. جاء الردّ الأميركي واضحا وهو أن عليه الأنسحاب أولا، ثم تفكّر الادارة فيما اذا كانت ستتفاوض معه. ولو قبل الانسحاب، لكان وفّر على نفسه هزيمة عسكرية على يد قوات التحالف الدولي التي أخرجته من الكويت وأعادت البلد الى أهلها. باختصار شديد، ذهب صدّام حسين ضحية حساباته الخاطئة وعدم تقريره للتوازنات الأقليمية والدولية في مرحلة ما. لم ير في العام 1990 أن الاتحاد السوفياتي أنتهى. لم يأخذ علما بانهيار جدار برلين في نوفمبر- تشرين الثاني 1989. أعتقد بعد غزوه الكويت أنه لا يزال في استطاعته الرهان على الاتحاد السوفياتي الذي كان دخل المرحلة الأخيرة من تفككه... من هذا المنطلق، يمكن فهم هزائمه المتكررة الناجمة عن رفضه التعاطي مع الواقع. لكن فهم الأسباب التي جعلت النظام العراقي يسقط في العام 2003 ،لا يفسّر لماذا أختارت ادارة بوش الابن الاقدام على مغامرتها العراقية. لماذا دخول بغداد في وقت كان الطفل الصغير على علم بأن صدّام لم يعد يمتلك أسلحة الدمار الشامل التي بحث عنها المفتشون الدوليون طويلا ولم يجدوا أثرا لها. لماذا دخول بغداد بحجة أن النظام العراقي على علاقة ب"القاعدة" لا تفسير منطقي ، أقله الى الآن، للمغامرة العراقية للادارة الامريكية سوى الرغبة في تغيير خريطة الشرق الأوسط والتوازنات التي تحكمت بالمنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1918 من القرن الماضي عندما انهارت الدولة العثمانية. كان ملفتا منذ أنهيار نظام صدّام حسين الذي لعب دورا مهما في نهش النسيج الأجتماعي في العراق، أن ليس في الامكان الرهان على عراق موحد في المستقبل. الأهم من ذلك، حصل صعود لثلاث قوى أقليمية تعمل كل منها على تعزيز مواقعها على حساب العرب عموما. هناك اسرائيل التي لم تعد مهتمة بالتسوية مع الفلسطينيين وتعتبر أن الوقت يعمل لمصلحتها وأنها ستكون قادرة يوما على فرض أمر واقع جديد يكرّس احتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. وهناك ايران التي صارت لاعبا أساسيا في العراق وهناك تركيا التي تستطيع تحريك جيشها في شمال العراق متى تتعرض لاستفزاز من دون أي رد فعل عربي من أي نوع كان! خمس سنوات مرت على بدء الحرب الأمريكية على العراق. ما نشاهده اليوم ليس سوى بداية مسلسل طويل يصب في قيام شرق أوسط جديد. ليس العراق وحده الذي تغيرت خريطته. عاجلا أم آجلا ستتغير خرائط أخرى. من كان يتصور أن غزةوالضفة الغربية صارتا كيانين سياسيين منفصلين؟