كشفت القمة اليمنية التركية عن ان اليمن وتركيا تمكنا لحسن الحظ من طي صفحة مؤلمة في العلاقات العربية التركية امتدت من اواخر الحرب العالمية الأولى حتى عهد قريب. وكان لكل طرف خلالها مآخذ عديدة على الطرف الآخر واقول أنطوت هذه الصفحة المؤلمة في جانبها اليمني على الأقل بانتظار أن تبادر دول عربية أخرى إلى السير على خطى صنعاء وبعضها قد بادر بالفعل. والمفيد في الصفحة الجديدة التركية اليمنية أن صنعاء أعادت الاعتبار للشهداء الأتراك على أرض اليمن واقامت لهم ضريحا معتبرا من شأنه أن يبلسم جراح ذويهم وأبناء بلدهم وليس مستغربا أن ينهض هذا الضريح في العاصمة اليمنية فاالشهداء الاتراك مسلمون سقطوا على ارض اسلامية طاهرة وهم كانوا ينتمون إلى الخلافة الإسلامية التي ضمت اليمن وتركيا وغيرها من الأقاليم في مشارق الأرض ومغاربها وما دمنا نجتمع مع الاتراك في الإيمان الواحد والتاريخ الاسلامي الواحد فمن المنطقي أن يكون من سقط منهم على أرضنا شهداء ومن سقط منا على أرضهم شهداء. وتذهب هذه الخطوة بعيدا في رمزيتها ذلك أن اليمن يعيد الاعتبار للتاريخ الأصلي لعلاقاتنا مع الأتراك أي أنه ينفي عن الحقبة التركية الصفة الاستعمارية كما وصفتها بعض كتب التاريخ في بلاد الشام ويضعها في سياقها أي الانتماء الى الخلافة الإسلامية. فنحن عندما نشرنا الإسلام في تركيا لم نستعمر الاتراك وهم عندما تولوا الخلافة بدلا منا تولوها تحت "راية لا إله الا الله محمد رسول الله" وبالتالي لا نحن استعمرناهم ولا هم استعمرونا كما يستعمر اليهود فلسطين او كما استعمر الفرنسيون الجزائر. وان كانوا قد اشتكوا في الماضي منا وشكونا منهم كثيرا وتمردوا علينا وتمردنا عليهم فنحن وهم حققنا انتصارات تاريخية لا تمحى. فقد فتحوا القسطنطينية باسم الاسلام وحملوا ديننا الى قلب اوروبا التي كانت قد طردت العرب لتوهم من الاندلس ولولا التقدم التركي نحو فيينا لربما وصل المستعمرون الاجانب في القرن السادس عشر إلى كل بقاع العرب بعد انهيار الأندلس. المهم في الأمر أن ما يجمعنا مع الاتراك هو أكبر مما يجمعنا مع كل دول العالم الاجنبية والغربية بخاصة وبالتالي علينا ان نعتمد في تنقية وتجديد علاقتنا بهم على حكمة ملهمهم الإمام ابو حنيفة النعمان الذي تنسب اليه الحكمة الشهيرة "نعمل فيما نتفق عليه ونطرح جانبا ما نختلف عليه" وللمناسبة لواريد ان يكون للمنطق البراغماتي مرجع لكان هذا هو المرجع بلا جدال. واذا كان التاريخ يتيح لنا وللاتراك فضاء واسعا للتفاهم والتعاون من موقع الند للند فان ظروفنا وظروفهم المعاصرة تنطوي على آفاق واسعة للعمل المشترك على كل صعيد وبخاصة في مجالات التنمية والتعاون الاقتصادي وتبادل المعرفة وانتاج الثروات واستثمارالمواد الأولية وفي إطار هذا التعاون يمكن للعالم العربي ولجيرانه المسلمين أن يعيدوا الاعتبارلفضائهم التاريخي الواسع ويمكن لهذا الفضاء ان يشكل سوقا ناهضة للتبادل التجاري والصناعي والمعرفي ويمكن لهذا التبادل المتعدد الأوجه أن يعزز مواقعنا جميعا في هذه المنطقة التي يحتاجها العالم بأسره والتي يتوقف على ما يدور فيها سلام العالم او اضطرابه. لقد اختار اليمن وتركيا اللحظة التاريخية المناسبة لفتح صفحة واسعة وجديدة في العلاقات بينهما فقد بادر الاتراك لتوهم بالتضحية بدمائهم من أجل فك الحصارعن أهالي غزة المظلومين ولقن رئيس وزرائهم رجب طيب أردوغان اسرائيل درسا شهيرا في وجوب احترام تركيا وشعبها كما لم يفعل أي مسؤول تركي من قبل وكان لهذه الوقفة أثر إيجابي بالغ في نفوس العرب الذين اكتشفوا جيلا جديدا من الساسة الاتراك لا يحني رأسه امام الصهاينة ورعاتهم المتغطرسين. تبقى الاشارة إلى أن القمةالتركية اليمنية غير المسبوقة تنطوي على وعود مهمة لليمنيين في مجالات عديدة ولعلها تساهم في ضخ الاوكسيجين في عدد من القطاعات اليمنية الحيوية وتضيف الى التنوع اليمني في العلاقات الخارجية بعدا جديدا واي بعد؟!!!.. اما الذين مابرحوا يتحدثون عن الدولة اليمنية الفاشلة ويراهنون على سقوطها فالراجح انهم سيظلون في قاعة الانتظار... الى اجل غير مسمى. ملاحظة: العبارة أعلاه في العنوان هي باللغة التركية وتنقصها نقطتان على حرف ال "يو" واشارة تحت حرف ال "اس " ومعناها بالعربية شكرا جزيلا. اما العبارة بالعربية تشكرات .. افندم فهي مستخدمة على غير قياس ومتداولة في بلاد الشام ولا اعرف كيف ولماذا