معك كل الحق إذا فشلت في سبر أغوار ما جرى ويجري من القصف.. القصف الثوري الذي لا يحترم مسجداً أو مصلين أو القصف العشوائي وما يحيط بالمشهد من القصف الكلامي.. ذلك أننا نعيش حالاً يستنطق "الطلاسم" فلا يجد شاعراً يرسم حيرة إيليا أبو ماضي .. فعلاً.. ما أصغر الدنيا إذا صغر الوطن في عيون أبنائه. ولقد أفتى الفاهم ومن قبله الرويبضة في الشأن السياسي والوطني العام.. الكل تناول القصف الحربي بما فيه من مفردات النار والدم والأشلاء حتى كدنا ننسى القصف الآخر. القصف الغذائي والقذائف المعيشية والحياتية التي تمثل هي الأخرى إثم في حق الوطن وجريمة بحق الدين. بصورة غير مسبوقة تصدر تجار الأزمات مشهد تعذيب من نوع آخر وهو الاستغلال البشع لاحتياجات الناس حتى صار الحصول على اسطوانة غاز أو دبّة بترول أو ديزل مذلة حقيقية تصلح أحد عناوين انفلات أخلاقي لم نؤسس له أي قواعد استثنائية ترفع أذاه عن الناس. وصحيح بأن الأزمة في ظاهرها سياسية وأمنية قبل أن تكون معيشية لكنها في الأصل أزمة أخلاقية وأزمة دينية تمعن في إتلاف منظومة القيم ولا تراعي أنه ما لم نغيّر ما بأنفسنا سنبقى خطراً على نفوسنا وخطراً على الوطن. الأزمة في ظاهرها سياسية وتتصل بتداعيات الصراع على السلطة وبحثا عن ربيع يمني بلغة هي خليط من عشوائية الدولة والقبيلة لكن من يحتكر سلعة من السلع لا يسألك هل أنت بكيلي أو حاشدي أو مذحجي ولا يهمّه أنت مع هذا الطرف أو ذاك.. مع النظام أو ضده.. في الحزب الحاكم أو في حزب معارض.. ضمن الكتلة الكبيرة الصامتة أم ضمن كتلة ناطقة أو صاخبة.. المحتكر للسلعة ينظر فقط إلى جيبه وهل هو من الاتساع بحيث يتسع لكل ما تحتويه جيوب "المطوبرين" أمام سلعته. بين شارع خلفي صغير وشارع رئيسي في شمال العاصمة حاولت استجماع خبرتي البائسة في الحذق لأحصل على دبّة بترول فإذا بي أمام صور ومشاهد وسلوكيات بيع منفلتة.. وغير منضبطة وإن شئتم الصدق نازفة للأخلاق. انقطعت طريق تموين المحطات بالمشتقات النفطية فكيف لها لم تنقطع أمام من يبيعون هذه المواد من على متن سياراتهم المكشوفة.. واحد يبيع دبّة البترول بأربعة آلاف والثاني يبيع بخمسة والثالث بستة وهكذا دواهيك.. دواهيك.. وتسأل عن السر فيكون الرد هو المزاج ودرجة التوحش أحياناً وهي الجودة فهذا الغالي خال من الكيروسين وخال من الديزل وربما الماء. هذا الحال في البترول والديزل يتكرر مع مادة الغاز واسطواناته ومطاردات الحصول عليه.. ودائماً فالسؤال كيف تتوفر المشتقات النفطية على متن السيارات التي تبيع في السوق بأربعة وخمسة أضعاف سعرها ولا تتوفر في أماكن بيعها الأصلية ثم ما الذي يحول بين القائمين على المحطة وبين بيع ما يستقبلونه خارج محطة البيع. أمّا إذا أضفنا إلى هذه المشكلة مأساة الغش في ما يباع من البترول والغاز ووقوع بعض المواطنين في شرك شراء بترول أو غاز واكتشاف شيء آخر فليس أقل من الاعتراف بأن الشرف الحقيقي من عدمه يظهر هذه الأيام في الأسواق والطرقات. وتحت ضغط حقيقة أن الانفلات الأخلاقي في أي بلد يفرض قواعد استثنائية وددت أن أسأل عن دور حكومي أو دور للمجالس المحلية لولا ما تعلمونه من أن ما لا يتحقق في الأحوال العادية يصعب تحقيقه في الأوضاع الاستثنائية. والحق أنني وددت لو أضع أسئلة يتصدرها السؤال كيف نضع اليمن على سكة فعل حضاري لولا أن حصاد فوضى العقل لأرواح الأبرياء جاء وسط غيبوبة طويلة لم تدرك أن الفرار من العدالة في الدنيا لا تعني الفرار يوم القيامة.. أمّا الختام فليس أكثر من شظايا أمل بمغادرة الهمم المترهلة والعقول الخامدة والنخوة العرجاء على أرصفة الأسواق السوداء.!!