تنبؤ الإمام علي بها يجمع المؤرخون والباحثون المحايدون والمنهجيون، ان اختلالاً او تحولاً غير ايجابي قد اصاب الدولة والمجتمع الاسلامي، خاصةً فيما يتعلق بالحرية والعدل والثروة، وانه قد بدأ بتدخل ونفوذ بني أمية بزعامة معاوية في شؤون الدولة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان "ر" مما ادى الى الفتنة او الثورة التي افضت الى مقتله، وما سبقها من انتفاضة بزعامة الصحابي ابي ذر الغفاري "ر" وان ذلك التحول السلبي "سياسياً واجتماعياً" قد تفاقم في عهد معاوية وتلقفه من بعده ملوك بني أمية، ثم ملوك بني العباس، مما ادى الى نشوب اكثر من سبع ثورات وخروج مسلح رفضاً للملك الوراثي، واستغلال اموال بيت المسلمين، وكذلك الاقطاع، ثم اضيف الى ذلك رفض الهيمنة والتحكم الأجنبي ممثلاً في قادة وجند الموالي وخاصة الاتراك، وتحديداً منذ عهد الملك العباسي الرابع "المتوكل" الذي هيمن عليه جند الاتراك، فكان كالذين خلفوه ضحية لتسلطهم اما بالقتل او بالخلع والقتل معاً، كما اسلفنا في الاسبوع الماضي. في تلك الحقبة برز وسطع نجم ثائر عظيم في وجه تلك الهيمنة والتسلط الأجنبي هو القائد العالم الشاعر علي بن محمد، من تعرض للتشويه من قبل السلطة الخاضعة للهيمنة كما تعرضت ثورته للتشويه والتجاهل معاً، مع انها من اعظم الثورات العربية والاسلامية، التي صار من العدل والواجب انصافه، ليأخذ مكانته المستحقة، كرمز من رموز رفض الهيمنة والوصاية، واعتباره رمزاً يهتدى به في طريق عظيم هو طريق رفض الهيمنة والتسلط.. ولمن يتساءل بالقول: لماذا يستحق علي بن محمد كل ذلك؟ نقول ليس لأنه ظلم من قبل مؤرخي "ترغيب وترهيب" السلطة وحسب، بل ولأنه قائد لثورة تميزت بالكثير، مما نكتفي بالاشارة الى بعضها ومنها: - انه من ثار غيرةً على عروبته، ولم يقبل بسلطان اتراك ومماليك، على سلطة او خلافة عباسية لم يعد لها من السلطان سوى التوقيع على الرقاع والمراسيم. - ولأنه ابى غياب العدل وتفاقم قهر المستضعفين وخاصة الفلاحين، وتنامي الاقطاع و...الخ.. وامتلك الحجة وصدق المبدأ مما جعل العامة يلتفون حوله ويصدقون معه، من البحرين الى العراق الى بلاد فارس. - لأنه قاد ثورة استمرت دون انقطاع احدى وعشرين سنة من "249- 270ه" واتسع نفوذها، بل واقامت دولة استمرت خمسة عشرة سنة، وبنى لها عاصمة اسمها "المختارة" مما جعل الموالي الاتراك وباسم الخليفة "المعتمد" يحشدون لقتاله كل امكانات الدولة العباسية، ويواجهونه واتباعه بما وصفه الباحث المؤرخ د. محمد عماره باقصى حد من العنف والقسوة والتنكيل الذي لم يحدث مع اية ثورة اخرى، الا ان مقاتليه كانوا اكثر بسالة وحباً للموت رغم معاناتهم الى درجة اكل الاشجار والصبر لسنوات على الحصار، مما يدل على الايمان الراسخ بالاهداف والمبادئ التي اقتنع بها من ايدوه. - تميزت هذه الثورة بأن كان لها مجلس من ستة قادة يرأسهم قائد الثورة علي بن محمد ويتولى هذا المجلس ادارة شؤون الثورة والتخطيط لمعاركها، وكما يفيد "الطبري" في تاريخه ان المرأة قد شاركت في هذه الثورة وخاصة عند دخول البصرة. - ولأنها كانت ثورة رفضت هيمنة الاعاجم من الاتراك على شؤون الدولة، وحملت على عاتقها تحرير الناس من الاستبداد وكبح الحريات، وتحرير العبيد من جبروت ذوي الاقطاع فقد تميزت باستبسال مقاتليها الذي اذهل خصومها، ومن يقاتلونها وجمعوا للقضاء عليها. ولهذا لجأ الأعاجم من الاتراك للاستعانة باقرانهم، حيث لجأوا الى جيش الشام الذي كان يقوده المملوكي "لؤلؤ" الذي تمرد على احمد بن طولون، من كان قد استقل بحكم مصر. - وبالتحالف بين الأعاجم الاتراك والمملوكي "لؤلؤ" تم حشد جيش كبير جرار يضم اتراكاً وروم وبربر وفراعنة وسودان، مع عشرة آلاف من الفرسان لينضم إلى جيش الاتراك في العراق، ويقتحمون "المختارة" عاصمة الثورة، ولحقوا بقائد الثورة الى النهر ويجتزون رأسه ويرسلونه الى بغداد، ليطوفوا به في المدن والامصار وسط سخط شعبي حفظ مبادئ هذه الثورة لينقلها الى قلوب الاجيال القادمة. نختتم الحديث عن هذه الثورة بما قال الشريف الرضي الموصوف بإمام الشيعة والبلاغة، حيث قال عن هذه الثورة وقائدها بانها احدى الملاحم التي تنبأ بها الامام علي عليه السلام في خطابه للأحنف فقد تنبأ بثورة للفقراء الذين نذروا انفسهم لقضيتهم دون سواها، ووصف مقاتليها بالصمود وبان الشهيد منهم لا اثر لغيابه لأن غيره يأخذ مكانه.. # انظر شرح نهج البلاغة للشريف الرضي..