في التراث الشعبي يقال «الريال يحتاج رطل عقل» وهي إشارة الى ضرورة توفر العقل الراجح حتى في صرف المال ليتم انفاقه بصورة صحيحة وبما يعود لصاحبه بالنفع. يلعب المال السياسي دوراً كبيراً في العلاقات السياسية والدولية، فهو بلا شك يتحكم ويدير العلاقة ويوجهها لصالح من بيده المال وخدمة لتوجهاته واهدافه المختلفة، ولما من شأنه الخروج بعلاقات واتفاقات تعزز من مكانة هذه الدولة وبالتالي رفعة شعبها ورقيه بين المجتمعات كنتيجة حتمية مسلم بها لتوظيف المال السياسي توظيفاً صحيحاً، لاسيما اذا كانت الوفرة المالية ناتجة عن جهود تنموية، كما هو الحال مع امبراطورية الصين.. هذه الامبراطورية الصاعدة وبقوة رغم الانفجار السكاني المهول والذي حولته بذكائها وسياستها المتزنة الى احدى مقومات النهوض، ساعدها ذلك في قيام نهضة اقتصادية كبيرة استطاعت من خلالها ان تعزز من موقعها المالي ورصيدها النقدي من العملات الصعبة، وقبل ذلك من مكانتها السياسية بين القوى الكبرى، حتى باتت رقماً صعباً بين الدول. وبالرغم من المكانة الكبيرة التي تبوأتها الصين الى الحد الذي اصبح لديها القدرة في التحكم بمصائر العديد من اقتصاديات العالم الكبرى نتيجة الاحتياطات النقدية المهولة والاقتصاد الجبار الذي تديره، وقبل ذلك السياسة المتزنة التي تطبقها. وبالنظر الى واقعنا العربي المزري نجد ان هناك عدداً من ممالك النفط وعلى راسها المملكة السعودية لديها من الاحتياطات النقدية والاصول المالية الشيء القليل مقارنة بما يفترض ان تكون عليه، هذه الاحتياطات النقدية والاصول المالية لم تأت كثمرة من ثمار التنمية او النهضة الاقتصادية او كنتيجة للعقول الكبيرة، او... وانما هي وفرة مالية ناتجة عن اقتصاد ريعي لسلعة اوجدها الله في باطن هذه البقعة من الارض، بمعنى ان هذه المكانة المالية لم يتعب حكام آل سعود ولم يبذلوا جهداً للوصول اليها، ولم يوظفوا حتى خيراتها التوظيف الصحيح وبما يحقق لهم ولشعبهم النماء، بل على العكس من ذلك!! تتبع الرياض في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية وتحديداً نحو جيرانها واخوانها العرب سياسة الحيلولة دون وجود دولة قوية تمثل تهديدا للهيمنة والنفوذ السعوديين في المنطقة ، حيث تعتبر هذه النظرية والقاعدة هي بمثابة الموجهة لسياسية الرياض الخارجية لا سيما مع الدول العربية, حيث من الاهمية بمكان العمل على إبقاء الدول المجاورة والعربية بشكل عام بل ودول المنطقة ضعيفة وخانعة ومرتبطة بها بل وقراراها ليس بيدها. صحيح ان من حق السعودية توظيف المال السياسي توظيفاً يحقق مصالحها السياسية والاقتصادية، غير ان غير الصحيح هو التوظيف السيء لعوائد النفط والاقتصاد الريعي تجاه الغير بصورة تستهدفه وتغمط حقه ضاربة البروتوكولات السياسية وقبلها العلاقات الاخوية عرض الحائط بشكل يسعى الى التدخل في الشؤون الداخلية للغير وهو اسلوب قذر لاسيما عندما يكون مع جيرانك واخوانك العرب، بل ان الادهى من ذلك ان الرياض لا تقدم شيئاً بدون مقابل، بل انها تسعى فوق ذلك الى زعزعة الاوضاع في هذا البلد او ذاك ليبقى مرتهناً لها ومحتاجاً اليها، معتقدة ان ذلك يصب في مصلحتها. ويبدو ان نظام الكفالة الذي تتبعه السعودية في تعاملها مع العمالة الأجنبية وتسعى الى تطبيقه في علاقاتها وسياستها الخارجية مع الدول العربية مستغلة لما للمال من سطوة ودور كبير في العلاقات السياسية لاسيما عند من يفتقده ويحتاج اليه. فما لا يعرفه الجميع ان مملكة آل سعود على خلاف مع كل دول مجلس التعاون الخليجي الخمس، لكنها الحقيقة، وأنّ وراء كواليس المصالح المشتركة لدول النفط، خلافات حدودية ونفطية قائمة لم تُطفِ لهيبها اتفاقيات دولية موقعة منذ عشرات السنوات. فحتى الآن تعيش السعودية خلافات حدودية مع مختلف دول الجوار، وغالباً ما تُطالب السعودية برد أراضٍ ليست لها، في المقابل تصمت بعض الدول عن مطالبتها بأراضيها، إلا أنّ السعودية غالباً لا تُعير هذه الدول اهتمامًا، مُصرّة على بقاء الموقف لصالحها، أو حتى أخذ المزيد من الأراضي الحدودية، مستغلة العوائد النفطية والمكانة الدينية في علاقاتها وصراعاتها.. من تلك الاراضي التي استحوذت عليها مملكة آل سعود ثلاث محافظات يمنية (عسير وجيزان ونجران) ولا زالت تحت الاحتلال السعودي الى اليوم، غير اننا سنركز في المقال على الخلافات السعودية الخليجية والفوقية التي يتعامل بها حكام آل سعود مع جيرانهم الخليجيين. الخلاف السعودي الكويتي منذ سنوات خلت والسعودية تنظر إلى دولة الكويت الشقيقة كتابع لها، وقد تعزز هذا الأمر بعد الحرب الخليجية وغزو صدام حسين للكويت، حيث تعتبر السعودية نفسها حامية الكويت وهي من حافظت عليها من المدّ الصدامي، غير ان القيادة السعودية كانت تنتظر من الكويت موقفاً منبطحاً على شاكلة الانبطاح البحريني وتحديداً اثر الخلافات السعودية القطرية، قبول تبعية الموقف الذي تريده السعودية من جارتها دولة الكويت هناك العديد من المشاكل الحدودية والنفطية التي بين السعودية والكويت، حيث يريد آل سعود حسم تلك القضايا لا سيما (حقلي الخفجي والوفرة) بالكيفية التي يرونها، حيث فشلت مؤخراً السعودية والكويت في الاتفاق على استئناف إنتاج النفط من الحقلين المذكورين والواقعين في المنطقة المحايدة والمجمد الانتاج فيهما منذ فترة مما قلص نحو 500 ألف برميل يومياً بما يعادل 0.5% من إمدادات النفط العالمية. المحادثات التي أجريت مؤخرا بين محمد بن سلمان، والقيادة الكويتية، فشلت في تقريب البلدين من التوصل إلى اتفاق، وعلى الرغم من ان الحقلين اللذين تبلغ مساحتهما حدود 5 آلاف كيلومتر مربع كانت ادارتهم مشتركة من البلدين غير ان الضغوط السعودية لتعزيز السيطرة على الحقلين مستمرة، كون الرياض لا تريد تطبيق القوانين الكويتية على شركة النفط الأمريكية الكبيرة «شيفرون»، التي تعمل في حقل الوفرة البري نيابة عن الحكومة السعودية، وتريد السعودية أن يكون لها القرار والسيطرة الأكبر في إدارة العمليات النفطية في المنطقة، على الرغم من ان النزاع كان قد وصل إلى التحكيم الدولي بسبب عدم احترام السعودية لتعهداتها تجاه الكويت، مذكرين الكويت بغزو صدام حسين لهم ووقوفهم -اي السعودية- إلى جانبهم. كما جاء في صحيفة عكاظ السعودية المقربة من صانع القرار السعودي اثناء الوساطة الكويتية في الخلاف القطري السعودي، حيث كتب رئيس التحرير «جميل الذيابي» منتقداً الوساطة الكويتية أن ما تقوم به الكويت من وساطة إنما يؤدي لإفشال الخطة السعودية تجاه قطر، مذكراً الكويت بالغزو الصدامي ووقوف السعودية الى جانبها بصورة تعكس العنجهية السعودية تجاه الكويت الشقيقة والفوقية السعودية التي تتعامل بها مملكة الكراهية والتي تسعى للعب دور قيادي في المنطقة غير انها لم تستطع ذلك على الرغم من توفر مقومات الزعامة لديها غير ان العميل دائما يظل مهزوزاً ولا تحكمه المبادئ والقيم، وكما هو الحال لدى آل سعود والذين باتوا يشكلون خطراً على شعبهم وعلى الشعوب والانظمة العربية بل وحتى على المستقبل لاسيما في ظل الدبلوماسية المتهورة” لولي العهد المهفوف محمد بن سلمان. .. يتبع