جابرنا عمر بن براقة قال : دخلتُ على شهرزاد في ساعة الزوال .. فوجدتها مازالت في ساحة الاستقبال .. على غير حال ، شاردة الذهن غير خالية البال ، وما إن دلفت إلى بهو الساحة وأعلنت لها عن حضوري بإطلاق نحناحة .. حتى اعتدلت في مقامها واستبقتني بملامها قائلة : أين كنت يا عمرو البارحة وكيف تركتني لشوب اللافحة . . أم تظن أنها قارحة قارحة .. فنفضت راحتيك من أي جدوى في حوار أو بارقة أمل في مصالحة.. لقد ولى شهريار ولم تنح عليه أي نائحة ،فاقرأ على عهده الفاتحة .. قال عمرو بن براقة.. فاعتذرت لها عن غيابي وطلبت منها المسامحة .. وقلت لم يؤخرني عن مجلسك ماض رمَس ،ولا بكاء على رقم درس ولكن كبت بي فرسي ولم أشعر بغياب وعيي وانقطاع نَفَسي .. إلا وأنا على فراشي لحظة إنعاشي.. وأظهرت لها أثر الكبوة على قدمي والورم في كاحلي ومعصمي .. فأبدت شهرزاد أسفها بطلاقة وقالت ألف لابأس عليك يا عمرو بن براقة ثم أطرقت إلى الأرض وأطلقت تنهيدة حراقة وانتبهت بعد الإطراقة وقالت لا تغب عني فليس ثَمَّة لي من صديق غيرك أرجوه في ساعة الضيق .. وإني والله بت الليلة في سهار .. أذرع هذه الساحة مثل «عدير الدار» لا يقر لي قرار ، وإني أناشدك يا بن براقة بحق ما بيننا من عشرة وصداقة إلا شاركتني حمل ما ليس لي على حمله بمفردي طاقة .. فقلت : وهل لشبل النار بما يكدرك ويعكر مزاجك من علاقة ؟! .. فأجابت شهرزاد .. إن هذا الولد الذي بالكاد تربع على هذا المهاد يشل من عيني الرقاد وكانه طائر الفينيق الذي انبعث من الرماد .. قال عمرو بن براقة .. فقلت : وما الضير في ذلك والضيق .. فأجابت ألا تراه يشب شبوب الحريق ويوقعني من الحيرة في مضيق .. إن شبل النار راغب عن اللهو مع الصغار كثير التأمل والبهرار .. لا يمل من التساؤل والاستفسار .. يلاحقني باستمرار بالجواب على مسائل يعجز عن الخوض فيها الكبار .. ويلح علي بشرح ما يشغله ويقض مضجعه و ينوء بكلكله ، وعلى الرغم من صغر سنة فثمة أمور تدور في ذهنه ولن يرتاح حتى يُشبع من الجواب عليها سماع أذنه .. لا ينام و لا يتركني أنام وقد جف ريقي يا بن براقة من الكلام فكن عند حسن ظني وظنه و أرحني من وساوسه وطول زنه .. ولولا إنني أدرك أنك نعم الصديق لما بحت إليك بقول ما لا ينبغي ولا يليق .. قال عمرو بن براقة.. فقلت : حاشاك يا سيدتي من التلفظ بما لا يليق فافسحي لي الطريق .. فإن المرء عدو ما يجهله ، وثمة أمر لابد علينا أن نفعله ، ولن نعدم الحل إذا فهمنا جوهر المشكلة .. قال عمرو بن براقة وكان شبل النار يرمقنا بنظراته فدنوت منه واحتضنته وقبلته في كلتا وجناته وقلت ما الذي يشغل بالك يا شبلي .. قُلْ لي .. تكلم يا شبلي تكلم .. فتبسم شبل النار وقال : أليس من حقي يا عمَّاه أن أفهم .. قلت بلى وربي من حقك يا ضيغم .. قال : إن أمي شهرزاد تحكي لي قصص السند والهند والسندباد وقصص علاء الدين وعلي بابا والأربعين حرامي وواق الوق وإرم ذات العماد وتملأ راسي الليل والصباح بحروب الأشباح من جبال «تورا بورا» إلى «بحيرة التمساح» ومن تونس الخضراء إلى روسيا الحمراء ولا تتركني أرفع يدي للاستفهام المباح وإبداء الرأي حول المسائل التي تستدعي الشرح والإيضاح .. أليس من حقي معرفة ما أجهله .قلت : وما الذي تجهله ؟ ؛ تفضل واطرح عليَّ المسألة .. قال : إليك يا عم بعض الأمثلة :هناك كلمات جديدة في الحكايات التي تسردها أمي تستعصي على فهمي .. فهلا شرحتها لي يا عمي ؟ وما هي هذه الكلمات فداك أبي وأمي ؟ قال : الديولة .. الغربلة .. الهيكلة.. الفدر له .. قلت : كلها يا شبلي على وزن القبيلة وينبغي عليك فهم أصولها في هذه المرحلة . قال : وما علاقة أصولها بالديولة ؟! .. قلت :إذا غابت أصولها فاقرأ على الدولة الزلزلة .. والغربلة ؟! تنقيتها من الشوائب والتفريق بينها وبين الجعدلة ؟ وما ذا تعني بالجعدلة ؟! إقحام رأس الذين أخلوا بمبادئها في كل مسألة .. وتشويه بعض الدخلاء عليها بقطع الطرقات والتخريب وإيواء بعض زعمائها للمثيرين للقلقلة . وما علاقة القبيلة بالهيكلة ؟؟ علاقة الميل بالمكحلة .. وحتى لا يتكرر ما وقع بالمعجلة ينبغي التخطيط والجدولة وعدم التسرع والهرولة .. تعني أن الهيكلة لازم أن تكون بالقلم والمسطرة والمنقلة ؟! قلت : خلي الجواب للحلقة المقبلة والفدرلة يا عم .. نسيت الفدرلة .. الفدرلة .. ياما بكرة حتشوف