جابرنا عمرو بن براق الراوي فيما رواه عن ابن آدم الغاوي انه قال : لله في خلقه شؤون وللمخلوق في نطقه مشارب وفنون، خلق بن آدم في كبد، يشغله إلى الأبد، يجري في الأرض جري الوحوش وغير رزقه لن يحوش، هو الإنسان الكائن المسكون بالقلق، لا يهدأ ولا يستريح إلا إذا نطق سبحان من خلقه ووهبه ما يبدد قلقه.. لساناً وشفتين، وحبالاً صوتية ورئتين .. صوتاً حباه وسمعاً أعطاه، جهازي إرسال واستقبال ليتصل بالعالم في الحل والترحال، وما يزال في مجابرة حتى زوال الدنيا وإقبال الآخرة مشحون بالهواجس والظنون، والقضايا والشؤون منذ خليقته دلته سليقته إلى الاتصال بنفسه واكتشاف طاقاته التي جهلها في أمسه، فنزع إلى بني جنسه وفي بادئ الحال كانت الإشارة وسيلة للاتصال بنظائره وما لبث أن وظف ما استودع الله في سرائره من الأسماء فاستغنى عن الإشارة والادعاء واستخدم صوته ونطقه ليعبر عما يجيش في عمقه من أماني وآمال وأحلام وأوهام ولأنه كائن جماعي كما يقولون في علم الاجتماع كان صوته صوت كل الناس، وكان جماعه نواقل إحساس من نظير إلى نظير حديثاً عبر الأثير، يخوض في كل الشؤون والقضايا، مرايا تنقل عن مرايا وحكايات تتداولها البرايا وتسير بها الركبان والمطايا من جيل إلى جيل ومن قبيل إلى قبيل في سلسلة من الانعكاسات عبر محاكاة الأصوات فكان مجابرة الناس، المسموعة والمتداولة في الأساس حديث الناس الذي جرى به القلم في القرطاس شكل تراثاً جماً وإرثاً فخماً من مَجَابِر الناس المحلية المضحكة منها والمبكية وولدت حكايات وروايات وقصص وفوازير وملاحم وأساطير وما يزال في جعبة عمرو بن براقة الكثير والكثير. قال الراوي قلت لابن آدم الغاوي، ادخل في صلب الموضوع ما علينا من الكلام المسموع والمطبوع شغلتنا بهذه الديباجة التي ما لنا فيها حاجة كأنك مثل بعض المسؤولين الذين يكثرون الكلام واللغاجة وما استطاعوا أن ينزلوا لنا سعر الدجاجة تحدث عن الكهرباء والماء والغاز وخلينا من هذه الألغاز.. قال الراوي: فرد عليَّ ابن آدم الغاوي وقال تختلف الامزجة والطبائع لكن الجامع بين كلام الناس المهموس والذائع أنه في جله ومعظمه مرآة انعكاس الواقع والمجابرة بوح وتنفيس وكلام حالي ونفيس تجذبه المسامع مثل المغناطيس ومن الأسبوع القادم يافاهم سنتناول هذه المجابرة بشكل موضوعي من خلال هذا العمود الاسبوعي ولله في خلقه شؤون وأحاديث الناس كلها شجون.