حل عيد المقاومة والتحرير (25 ايار 2000) في ذكراه الخامسة في ظرف يعيشه لبنان بالغ الاستثنائية من حيث الطبيعة والاطراف المعنيين فيه؛ ظروف انتجتها سلسلة من الوقوعات المادية والقانونية، قد ترسم مستقبل لبنان لعقود من الزمن، ويمكن ذكرها تسلسلا، حسب التاريخ، بالقرار 1559 المتخذ من قبل مجلس الامن، وهو قرار الثأر من لبنان لانتصار مقاومته على اسرائيل واخراجها منه، ثم التمديد للعماد اميل لحود وما واجهه من بعض الاعتراض الداخلي، ورفض خارجي، تليه الاعتداءات ذات الطابع السياسي، والتي فشلت في اغتيال النائب مروان حمادة، ونجحت في النيل من الرئيس رفيق الحريري والنائب باسم فليحان، ما استدعى الكشف ومن غير اي حياء او خجل عن التدخل الدولي المباشر في لبنان الى الحد الذي وضع الدولة تحت وصاية دولية غير معلنة، انتجت تغييرا هاما في الواقع اللبناني، بدءا، بخروج السوري كليا من لبنان، وتغيير تام في رؤساء الاجهزة الامنية، والتحضير لانتخابات نيابية يعول عليها، لتكون المدخل الدستوري "الديموقراطي" للانقلاب على النظام القائم والمتخذ عنوانا له، "نظام التعاون السوري، العربي، المقاوم لاسرائيل، القائم على اساس اتفاق الطائف"... لاحلال نظام بديل يدعي العاملون له انه سيكون نتاج الوحدة الوطنية التي تجلت في 14 آذار.. وهنا نسأل هل في لبنان وحدة وطنية؟ ان السلوك المسجل والملاحظ في لبنان اليوم يمكن وصفه بكل الاوصاف الا الوحدة الوطنية بالدليل التالي: 1 ان المشاركين في يوم 14 آذار 2005 لم يكونوا ممثلين لكل الشعب اللبناني، سواء التمثيل الطائفي، ولبنان بلد الطوائف، او التمثيل السياسي. ولم يمثلوا كل التيارات السياسية، وبالتالي يكون تجاوزا فاضحا وصف تلك التظاهرة بالوحدة الوطنية، خاصة وقد سبقتها في 8 آذار تظاهرة اكبر منها، تجمع الفريق الآخر من لبنان طائفيا وسياسيا وحزبيا.. وهي لا يصدق عليها ايضا وصف الوحدة الوطنية، فالتظاهرتان دليل انقسام وليس توحدا. 2 ان الطلبات التي ترفعها المعارضة، لا تجمع المعارضة عليها اصلا فضلا عن التباين الحاد بينها وبين الآخرين خاصة في مسألة سلاح المقاومة، والاعتراف بصلاحية كاملة لاتفاق الطائف لنسج العلاقات السياسية في الدولة من غير مس بهذا الاتفاق. 3 ان سلوك الاطراف حيال المواضيع الوطنية الاساسية، فيه من التفاوت الى الوصول الى حد التناقض. ففي حين نجد فريقا من اللبنانيين مثلا، يتخذ من عيد المقاومة والتحرير، محطة اعتزاز وافتخار يحتفل بها لخمسة ايام متتالية، نجد فريقا آخر يتجاهل الموضوع كليا، حتى من باب الاعلام، حتى لا نقول بالمشاعر ودواخل النفوس. وما يريده البعض يرفضه الآخر بحدة، وما يعتبره البعض ربحا وطنيا، يرى فيه الآخر خسارة شخصية ووطنية بمنظاره هو المختلف عن الآخر... ان تعامل البعض مع عيد المقاومة والتحرير جعلنا نظن ان المباهاة ب14 آذار، وتردادها دون ذكر السنة، قد يخفيان الاشارة الى 14 آذار 1978 تاريخ اجتياح اسرائيل للجنوب، واقامة ما اسمي يومها دولة لبنان الحر بصناعة اسرائيلية، وجاء 25 ايار 2000 ليجهضها ويطرد المحتل... فحنق من اعتبر نفسه خاسرا واحجم عن الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير. ونسأل اين موقع التيارات الوطنية الحرة؟ وقد فاتها الاحتفال ايضا مع اهل الجنوب.. بعد ان فاتتها المقاومة ضد اسرائيل... 4 اما ما يستوقف المراقب، وباستغراب شديد، فهو ما بدأ بالظهور من تفاوت بين نظرة بعض الدولة، وبعض الشعب لمسألة مزارع شبعا، وحق المقاومة في العمل على تحريرها، خاصة ان الموقف اتى عشية عيد التحرير وبعد اشارة اميركية لامر غير قائم بالقول ان حزب الله يريد اسقاط الحكومة اللبنانية بالقوة، في الوقت الذي دخل فيه حزب الله للمرة الاولى في الحكومة ومنحها الثقة. ان مطالبة رئيس الحكومة ومن على منبر الامين العام لحزب الله، بضبط النفس، واعتبار ان الخطأ يستتبع الخطأ، ما يؤوّل بان فعل المقاومة خطأ يتساوى مع العدوان الاسرائيلي، هو امر بالغ الخطورة، ولاننا لا نشك اليوم بوطنية رئيس الوزراء وعروبته وقوميته فيكون الامر يتطلب التوضيح قبل ان يبدأ الآخرون المتربصون بالمقاومة وبلبنان بالبناء عليه. لكل ذلك، ولما نحتفظ به، نقول انه من التجاوز الكلي للحقيقة ان ندعي وجود وحدة وطنية في لبنان، فهذه لم تكن قائمة قبل القرار 1559، والقرار هذا جاء ليزيد في الفرقة، وهي لم تكن قائمة قبل استشهاد الرئيس الحريري، والاغتيال جاء ليحدث فرزا سياسيا، مع توحد انساني للمشاعر، ولكن العاطفة وحدها لا تبني وحدة وطنية، وهذه لا تبنى الا بالتوحد حول اهداف واحدة، وبالارادة المشتركة للعمل معا لتحقيق هذه الاهداف، فيكون العدو في الخارج عدوا للجميع والصديق في الخارج صديقا للجميع، اما في الداخل فيكون تنافس في سبيل تحقيق هذه الاهداف، وليس تناحرا لالغاء الطرف الآخر او تقديم مصلحة متبوع خارجي، على مصلحة شريك في المواطنية.. ان رفض اللبنانيين جميعا، لجريمة الاغتيال وطلبهم كشف الحقيقة فيها، لا يعنيان قيام هذه الوحدة بل هما تلاق على امر فقط، والاستمرار في التباين على اكثر من امر. وهكذا تأتي الاحداث لتكشف الواقع، فلا من ادعت توحدها تحت يافطة المعارضة صمدت في وحدتها، ولا من تكوكبوا تحت لواء الموالاة للوطن والمقاومة استمر لقاؤهم... فجزء من اللبنانيين عارض الوجود السوري، وما ان حصل حتى انحل عقدهم، وجزء خشي من عصر الردة الغربية والرياح الغربية التي تضرب لبنان، فاشتد تماسكهم، ما جعل الآخرين يخشون هذا التماسك ويعملون على ضربه وتفكيكه... ان في لبنان، اليوم، تلاقي مصالح ظرفية، وتناحرا حقيقيا... ولا وحدة وطنية، بل من يحزنون على غيابها... وهذا لا يعتبر خطرا على الفرقاء فحسب، بل انه الخطر كل الخطر على لبنان... فهل نعي قبل فوات الأوان؟ * عميد ركن متقاعد "السفير"