يصادف في عدن هذه الأيام عيدين٬ الفطر والنصر في ذكرى تحرير المدينة من ميليشيا الحوثيين وقوات المخلوع صالح٬ رغم ما تعيشه من أوضاع صعبة وتردي الخدمات الأمان ذلك لا يعكر صفوة النصر والاستعداد للفرح بعيد الفطر. وتحاول عدن في عيدها استعادة ماٍض كانت طقوسه أشبه ما تكون ب«العيدية» وهي الهدية التي تقدم للأطفال٬ وسط استعداد السواحل والمتنزهات لاستقبال زوارها خلال أيام العيد. طقوس العيد الحالية في العالم العربي أغلبها معروف٬ ومعروف أيًضا أن الطقوس القديمة أخذت تزول بوجود العصرنة٬ ولذلك٬ لا يأتي حديث عن العيد إلا وارتبط بالماضي. الكاتب السياسي والمؤرخ نجيب محمد يابلي قال إن التاريخ الحديث لعدن ارتبط بتطورها المستقل في ظل الإدارة البريطانية التي امتدت منذ يناير (كانون الثاني) 1839 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) ٬1967 وكان لها مجلسها التشريعي المنتخب ومجلسها البلدي المنتخب أيًضا٬ وكانت الاستقلالية شاملة لكل شيء٬ ومنها العادات والتقاليد الخاصة بشهر رمضان المبارك والعيدين: الفطر والأضحى. وأضاف: جرت العادة أن يعلن قاضي عدن الشرعي الشيخ علي محمد باحميش ومن بعده الشيخ عبد الله محمد حاتم عن بدء الصيام الأول من رمضان بثبوت هلال رمضان وبعد 29 يوما أو 30 يوما. وسكنت أغنية «مرحب مرحب يا رمضان» وجدان العدنيين٬ وهي 1غنية جميلة من كلمات الشيخ عبد الله محمد حاتم وألحان محمد مرشد ناجي وغناء الشاب الواعد آنذاك طه محمد فارع٬ وكم تغنى بها الناس.. وأوضح يابلي أن التكافل الاجتماعي تجسد في عدن على مدار العام وبصورة خاصة في رمضان٬ وكانت حاجة كل أسرة من الإفطار مكفولة وتتبادل كل أسرة فقيرة حاجتها من الطعام والشراب مع عدة أسر٬ ناهيكم بتبادل العائلات لأطباق الإفطار (لبنية شربة بيدامى وغيرها). وتابع قائلاً: «كان رمضان شهًرا يأخذ فيه المسلم جرعته الروحية والسماع عن سيرة بني الإسلام والأبطال الزير سالم وبساس وعنترة بن شداد٬ أما عيد الفطر المبارك فكانت طقوسه تبدأ من المسجد بصلاة العيد٬ ثم تبادل الزيارات بين أرباب الأسر٬ ويتناول كل رب أسرة شيًئا من الطعام في بيت جاره قبل التحرك إلى زيارة الأهل والأقارب». ومضى بالقول: «الأطفال هم الرابح الأكبر٬ ينتعشون خلال يومي العيد بالتحرك مع أهاليهم إلى ساحات معينة كساحة الهاشمي (حاليا موقع فرزة الشيخ عثمان) أو حيث تنصب المراجيح بأنواعها وتقام سرادق لأعمال البلياتشو أو الأعمال السحرية لترفيه الأطفال٬ كما كان سباق الهجن من ضمن فقرات الترفيه. وقال إن من برامج الزمن الجميل للأطفال أثناء يومي العيد كان ترددهم إلى حديقة الكمسري في الشيخ عثمان التي شهدت إضافات نوعية بعد قيام الملكة اليزابيث الثانية لعدن يوم 27 أبريل 1954 وقدمت تلك الإضافات النوعية لأطفال كثيرين٬ وساء حال الحديقة هذه الأيام٬ وتحولت من خدمة الطفل مجانا إلى خدمة المصالح الخاصة٬ كما صرف الأطفال جزًءا من وقتهم في زيارة لمعالم عدن كصهاريج الطويلة أو قلعة صيرة. وأشار اليابلي إلى أن أبرز ما يميز العيد هو التباري بين الفنانين في عرض منتجاتهم الفنية وكان العيد الساحة الأبرز لعرض الجديد لكبار الفنانين أو الناشئين٬ وذلك في مسرح البادري (مدرسة القديس يوسف العالية) بكريتر أو السينما الشعبية في الشيخ عثمان. يكمل: «كنت أرى التنافس المحموم بين كبار الفنانين كأحمد بن أحمد قاسم٬ ومحمد مرشد ناجي٬ وكان كل منهما يظهر بمظهر المنافس للآخر ويتجمع المشجعون لإطلاق هتافات التشجيع لفنانهم المفضل». واستطرد يابلي في حديثه قائلاً: «ما أروع العيد في عدن أيام الزمن الجميل الذي ولى٬ ولكن هل إلى رجعة أم إلى غير رجعة..؟! لا أرى مؤشًرا لعودة الزمن الجميل لعدن». وتذهب الدكتورة سعاد العلس في سرد حكاياتها للعيد في عدن بالقول: «إن التحضير لاستقبال العيد يبدأ بعد منتصف شهر رمضان المبارك٬ حيث يتم إعداد البيوت بشكل لائق وُتعد هذه العادة من القواسم المشتركة بين مختلف طبقات المجتمع بعدن٬ فقراء ومتوسطي الحال وأغنياء٬ كل أسرة تبتهج للعيد بحسب إمكانياتها٬ طلاء المنازل وتغيير الستائر وشراء ملابس جديدة لكل أفراد العائلة فلا تشرق شمس العيد إلا على وجه جديد لائق بفرح وبهجة استقباله فتبدو إطلالة العيد عاكسة لحالة الإنسان بعدن. وقالت العلس في حديث لها مع «الشرق الأوسط» إن الطقوس الخاصة بالعيد في عدن تبدأ بالصحو المبكر وتبادل التهاني٬ الصغار يقّبلون أيادي الكبار في العمر؛ تبدأ من الجد والجدة والأب والأم٬ ثم يتم توزيع العيدية على الأطفال والشباب وهذه العادة تكاد تحصد الشعور الزائد بالفرح بعد الملابس الجديدة بصرف النظر عن ضآلة أو بذخ العيدية٬ بحسب مستوى الأسرة وذلك باعتبار القيمة المعنوية كرمز للمعطى المادي. تتوقف العلس برهة من الوقت لتتذكر كيف كانت تعيش لحظات العيد في الماضي لتواصل الحديث قائلة: «يذهب الرجال لصلاة العيد بعد التطيب بالعطور ولبس الجديد٬ وتنشغل النساء بإعداد إفطار العيد الذي يختلف عن نمطية الفطور الاعتيادي في بقية الأيام٬ وغالًبا ما تتصدر المائدة الصباحية في العيد اللحوم العضوية كالكبد والقلب والخبز الملوح المشهور بعدن والعطرية التي تتميز الأسر العدنية بطباختها وهي عبارة عن شعرية رفيعة جدا بلون ذهبي يتم قليها بالزيت ثم يضاف إليها الماء والسكر والزبيب٬ ولا ننسى هنا الشاي الملّبن العدني المتميز بطعمه ولونه «شاي بالحليب». وأردفت بالقول: «بعد تناول الإفطار يتم تزاور الأسر والأقارب برفقة الأطفال وفي الغالب يكون اللقاء على غذاء العيد في بيت العائلة الكبرى حيث يتحلّق أفراد العائلة جميعها على مائدة بيت الأب الأكبر ويشهد يوم العيد تجمع مختلف الفئات العمرية من الأجداد والأبناء والأحفاد٬ أما الغذاء فالزربيان العدني (الرز باللحم) مع الصلصة الخاصة باللحم (الخصار) والعشار هو سيد مائدة العيد وتّقدم بالأخير الحلوى المصنوعة من السميد والعطرية٬ حد تعبيرها ذلك. وأشارت العلس إلى أن بذخ موائد العيد لا يقتصر على الوجبات الرئيسية٬ بل يمتد إلى إعداد حلويات مختلفة تقّدم مع الشاي الملّبن مثل الكعك والبسكويت. وللنساء نصيب وافر من بهجة العيد فلا يطّل العيد إلا والنساء مستعدات لاستقباله بهيئة جميلة تبدأ بتسريحة الشعر والخضاب أو الحناء على كفوف اليد والتطيب بالبخور والعطور والملابس التي يتفننون في حياكتها لهذه الأيام٬ أما الأطفال٬ فالعيد هم بشعورهم وفرحتهم وبراءتهم ينالون بأيام العيد النصيب الأكبر من الاهتمام بتوفير كل ما يسعدهم٬ فتخالهم فراشات تتراقص بهجة وبراءة يقضون أعيادهم باللعب في الملاهي برفقة الكبار منهم والتجمع مع بقية أطفال العائلة يتقاسمون سعادة حصاد غنائم العيد من النقود. وتلخص العلس حديثها بتنهيده حنين وشوق لأيام الزمن الجميل قائلة: «تلك عدن أيام كانت دّرة الأعياد».