في الخامس من حزيران عام الفين وواحد دلفت إلى مكتب أستاذي ومعلمي هشام باشراحيل رحمة الله عليه في مقره بصحيفة الأيام بكريتر عدن، كان بشوشاً كعادته وبعد التحية والسلام دفعت إليه بورقة فيها مقال صغير أخذ يقراءه وإذا بعينيه تغرورقان بالدموع ثم أعاد قرأة الجزء الأول من المقال بصوت عال ( حينما يجن الليل، وتدلهم عواصف الوحشة والحنين، وتصفر القلوب ضماء للعشق، ينساب الدان الحضرمي كالسيل المعفر بتراب الوادي، والبحر الملفوف حول خصر المكلا، والأمواج التي تلهو عند أنامل سعاد .. يخضر سعف النخيل المشرئب نحو قبور الإنبياء.. تزدهر قلوب العذارى لتصبغ الأفق بلون الحب، ويلقي الفتيان أشعارهم عند المصبات المائية وفوق الروابي الخضراء.. ترتفع ألحان السماء من زوايا المتصوفة، وينطق الصخر بوجد المحبين لأنه حضرمي.. حضرموت أيتها الأرض التي علمتنا نشيد السلام، ومواويل المدنية، وقداسة القبلة، والذوبان في ذات الله.. حضرموت أيُتها الأقحوانة المتبرعمة بين هجير الربع الخراب وهدير أمواج المحيط علمتينا الفرق بين الإبداع والتبدع، بين الكد والنكد، بين الإنتماء للعصر والإنتماء للقصر، بين العلم و(المعلمة)، بين السوق و(المسواقة) .. حضرموت يا كنزنا الخرافي في زمن الجوع والمجاعة والإحتلال والتشرد) ........ رفع رأسه وقد سالت دمعة حرّى على صفحة وجة ذلك الرجل العظيم وقال: و(عدن) .. قلت له عدن ستبقى عدن يا سيدي لن تذهب منا ولن نذهب منها لكننا سئمنا تصرفات هؤلا الذين لم يكفهم أنهار الدم التي سالت في هذه المدينة طوال 23 سنه فقط، وكنت قد شكوت له تصرفات البعض في إطار الحركة الوطنية الجنوبية حينها. دفع المقال للنشر ونهضت أنا لأودعه لكنه أستوقفني وكتب ورقه صغيره وقال لي خذها للمحاسب ترددت رغم فقري ووجعي قلت له: أستاذي لا أريد أكلفك فلدي ما سيعيدني إلى شبوه نهض من الكرسي وأخذ بيدي وذهبنا في ردهة المبنى إلى مكتب قريب بوابة الخروج ودفع بالورقة الصغيره للمحاسب وسلمني عشرين الف ريال وكانت حينها مبلغ محترم.. نعم كان واقف إلى جانبنا ليس كقائد فحسب بل كأخ كبير ومناضلي اليوم كانوا حينها لازالوا بصنعاء يدورون في فلك العفاش وحكومته ومجلس نوابه.. نعم كان يدفع من ماله الخاص لنا.. عند الباب وهو يودعني معانقاً قال لي: لا تبتئس يا صالح هؤلا أخوتنا وكلنا واقعين تحت الظلم والإحتلال فربما ردات الفعل اليوم غير عقلانية لنصبر. دفع هشام جهد عمره وأسرته بل ودفع حياته من أجل الجنوب واليوم لا نجد له حتى صوره صغيره في معارض صورهم وساحات أحتفالهم بل نساه الكل.. يا ترى أستاذي هشام لو كنت حياً والقبائل الماركسية قد سيطرت على عدن وعادت إلى مرابطها القديمة وتجهز حرابها وسنانها لتتقاتل ماذا ستقول.. هل ستقول لي أصبر هؤلا أخوتنا. تعبنا أستاذي ولم يعد أمامنا من طريق غير الخلاص من هذه الأخوه الزائفه أو أن نتبعك للدار الآخره. سلامٌ عليك يوم ولدت ويوم عشت ويوم تبعث حياً أيُها العملاق وأوعدك لو طال بي العمر والقدره أن أعمل لك متحف لتفهم الأجيال من قدم حياته للوطن بلا ثمن ومن أستلم الثمن اليوم بإستعادة السيطرة والهيمنة.. سُلبت عدن من أبنائها الذين قاتلوا وحرروها وأصبحوا اليوم كاليتامى على مائدة اللئام فهل نسمح بأن تُسلب حضرموت أيضاً؟!!!