استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الحوثي يسلّح تنظيم القاعدة في الجنوب بطائرات مسيرّة    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    بيان عاجل للبنك المركزي في صنعاء مع انتهاء مهلة مركزي عدن بشأن نقل مقرات البنوك البنوك التجارية للعاصمة المؤقتة    عاجل: هجوم حوثي جديد على سفينة في المخا وإعلان بريطاني يؤكد إصابتها    فلكي سعودي يكشف عن ظاهرة فريدة اليوم بشأن الكعبة واتجاه القبلة!    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    جريمة بشعة تهز عدن: أب يطلق النار على بناته ويصيب أمهن بجروح خطيرة!    - توجه لبناء اضخم مدينة سكنية في اليمن باسم الإمام الهادي بتكلفة 1.200مليار في صعده كمرحلة اولى    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    منح العميد أحمد علي عبدالله صالح حصانة دبلوماسية روسية..اليك الحقيقة    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    المنتخب الوطني الأول يواصل تحضيراته في الدمام استعداداً للتصفيات الآسيوية المزدوجة    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    بعد يوم من محرقة الخيام.. الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة بحق النازحين برفح    عاجل: الحكم بإعدام المدعو أمجد خالد وسبعة أخرين متهمين في تفجير موكب المحافظ ومطار عدن    مارسيليا يسعى إلى التعاقد مع مدرب بورتو البرتغالي    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    بحضور القاسمي ... الاتحاد العربي للدراجات يعقد الاجتماع الأول لمكتبه التنفيذي الجمعة المقبل بالقاهرة    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    العكفة.. زنوج المنزل    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    الجزء الثاني من فضيحة الدولار أبو 250 ريال يمني للصوص الشرعية اليمنية    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب ما بعد صالح.. مجلس عسكري وهيئتان تشريعية وتنفيذية داخل الانتقالي استعدادا للخطر (تحليل)
نشر في شبوه برس يوم 09 - 12 - 2017

تصفيةُ الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكوادر حزبه وانتصارُ الحوثيين والسيطرةُ على الشمال هو سقوطٌ حقيقي للجمهورية والعودة بالشمال إلى ما قبل العام 62م، وإن حاول الحوثيون التدثّرَ والتبرير بشيءٍ من المَلَكية الدستورية أو التظاهر بشيء مما تبقّى من أطلالٍ للنظام الجمهوري، الذي حاول صالح بناءَه خلال العقود الثلاثة الماضية.
سقوطُ الجمهوريةِ التي يُفترض أن صالح ونظامه وبقية الأحزاب التقليدية والمكونات السياسية ودستور اليمن الموحد هي أدواتُه يعني سقوطاً حتمياً للوحدة وانفراطاً أخيرا لعقد الشراكة بين الشمال والجنوب اللذيَن شكّلا الجمهوريةَ اليمنية ونظامها الجمهوري، فبات من الطبيعي أن يكونَ للجنوب وضع سياسي آخر وجديد بالتوازي مع تغيير الوضع في الشمال، إذ ان النظام الملكي وتسيّد الشيعة وتوسّع النفوذ الفارسي والتواجد المذهبي والطائفي في الشمال غيرُ مقبول به إطلاقا في الجنوب ولا حاضنةَ لا سياسية ولا اجتماعية له، كما هو الحال في الشمال. والوحدة التي قامت مع شريك يتمثّل في دولةٍ بنظام جمهوري ذي سيادة متمسك بعروبته وهويته التاريخية والدينية ويحافظ على سلامة دول الجوار وأمنها ويلتزمُ لقرارات الشرعية الدولية والسلام العالمي انتهت بالمعنى المُتعارف عليه والتوصيف في القانون الدولي، وحلّتْ بدلاً عنها جماعةٌ سلالية طائفية لايمكن أن تقيمَ دولةً ولا نظاماً يرتقي أن تستمر معه الوحدة.
*موتٌ قادم من الشمال
أثبتتْ جماعةُ الحوثي خلال الأيام الأولى لمقتل صالح أنها عصابةٌ دموية مليشياوية لا ترتقي أن تكونَ على رأس دولة تشرّعُ وتحكم وتنفذ وتدير كسلطات متنوعة يحرّكها دستورٌ وقوانين، فعمدتْ إلى تصفية ما يقارب من ألف كادر من قيادات المؤتمر الشعبي العام ورجال القبائل الذين اختلفوا معهم على شراكة الانقلاب.
انتصارُ الحوثيين في الشمال هو في الحقيقة انتصار للمشروع الإيراني بكل أبعاده السياسية وأطماعه الاستراتيجية، وإن كان تمكينُ الحوثيين من حكم الشمال مجرّد تكتيك إيراني في إطار حلقة متكاملة تشكّل في مجملها الاستراتيجية الفارسية في المنطقة العربية ككل، فإيران لا تريدُ كهوف مرّان ولا جبال نقم ولا سوق الملح في صنعاء القديمة أو الجحملية في تعز، كما يتوهّم كثيرُ من هواة السياسة والمزايدين، إيران عيونها على باب المندب وخليج عدن، والمشروع الفارسي ينظر إلى جنوب الجزيرة العربية كمنطقةِ نفوذ هي بالنسبة لإيران مصير وتكون من أجله أو لا تكون، بيد أنها وجدت في الشمال منطقةً رخوةً تتقبّل فكرها المذهبي وفي جماعة الحوثيين وبعض طوائف الزيدية حاضنةً شعبية لتسويق مشرعها كنقطة انطلاق وبؤر زعزعة للأمن وإضعاف للأنظمة العربية، كما حاولت وتحاول في الطائف بالسعودية وفي البحرين والعراق وغيرها من المناطق العربية.
بعد التمكين التام والسيطرة الكاملة على الشمال بتصفية من تبقّى من قيادات المؤتمر وأنصار الراحل صالح وكسب ولاء القبائل وترتيب البيت الشمالي بتحالفات جديدة- سيكون إخوان اليمن أحد أهم أعمدتها- ستنطلق حملة الغزو الثالثة نحو الجنوب بإيعاز من عرابي المشروع الفارسي ذاته وستبدأ المعركة الحقيقة ضد التحالف العربي الذي لا يريد أن يعيَ ما يحاك للخليج العربي في هذه المنطقة.
وبالنسبةِ للجنوب وقياداته وكوادره فهم هدفٌ رئيسي لبطش الجماعة الحوثية وتنكيلها ومحاولة اجتثاث المشروع الجنوبي من أساسه على اعتبار أن الجنوبيين والجنوب عدوٌ رئيسي وقفوا في صف التحالف وهزموا التمدد الإيراني في غزوة العام 2015، فالحوثيون الذين أعدموا صالح وكبار رجاله الواقفين إلى جانبهم ضد التحالف لن يتوانوا عن تصفية القيادات الجنوبية وإعدام أكبر قدر ممكن في الجنوب إذا سنحت لهم الفرصة أو تمكنوا من إعادة الكرّة لاحتلال الجنوب، وهذا ما يجب أن تعيه السعودية ودول التحالف ويعِد له الجنوبيون عدتهم لمواجهة أي تحرك من هذا النوع، فالحقائقُ تؤكد أن من لم يرحمْ حليفَه في الجبهات ولأدنى التباينات انقلب عليه وعمد إلى تصفيته.. لن يرحمَ مَنْ قاتلَه وهزمه شر هزيمة وكسر شوكته.
*السعودية ومصالحها
الموقفُ السعودي من قضيةِ الجنوب ومطلب الاستقلال لم يكن بالمستوى المأمول ولا بالمقياس الذي يُفترض أن يكون وفقاً لمصالح السعودية في المنطقة ومحور ارتكازها باب المندب وخليج عدن، المملكةُ حتى ما قبل إعدام صالح تنتهجُ سياسةً تتقاطع كلياً مع مصالحها هنا، وترسم مواقفُها الأخيرة من قضية الجنوب خطوطاً متعاكسةً مع تلك المصالح التي تسعى إليها السعودية، ليس ذلك غباءً ولا عجزاً لكنها سياسة فرضتها جملةٌ من الظروف لتنتهجَ السعودية هذا الخط بالحفاظ على اليمن موحداً والنأي بالنفس عن تبنّي أو مساعدة توجهات الجنوبيين نحو الاستقلال، غير أن تلك المصالح انتهتْ اليوم بانتهاء عهد صالح ورحيله وتصفيته هو وكوادر حزبه وأبرز رجال نظامه، وهو ما يغير لا محالة من الواقع في الشمال، فموازين القوى باتتْ مختلةً تماما بغياب صالح بالنسبة للمملكة، ولم يعدْ في الشمال من قوى فاعلة غير الحوثيين والإخوان وهما في الحقيقة حبلٌ في عنق السعودية سيلتف في أية لحظة.
السعودية كان موقفها واضحاً في خضم حرب اجتياح الجنوب في العام 94م وساندت قرار فك الارتباط بوضوح لكن فرض الأمر الواقع بالسيطرة العسكرية على الجنوب غيّرَ الموازين وبدّل المواقف، وكان ذلك الموقف للسعودية يتماشي مع مصالح قديمة وسياسات بحتة تنتهجها المملكة آنذاك، ولا تزال تحنُ إليها، بيد أن السعوديةَ عادت لبناء علاقة مع نظام الراحل صالح وفقا لمصالح غير متكافئة وغير منطقية سياسيا في كثير من المحاور أهمها موقف اليمن من حرب الخليج الثانية، هذه المواقف الواضحة وما كان يخفيه نظام صالح وأحزاب الشمال من حقدٍ دفين للسعودية ساعدت على انهيار تلك الروابط وظهور العداء الحقيقي الذي كانت تضمره قوى الشر اليمنية للجارة الكبرى، وما الاستهدافُ العسكري والحماقات والتصعيد الذي مارسه تحالف صالح والمتمردون الحوثيون ضد المملكة إلا نتيجةٌ طبيعية للسياسات “الخاطئة” التي انتهجتها الشقيقة السعودية بنوايا طيبة مع الأنظمة والقوى التي تعاقبت على حكم اليمن الشمالي.
الموقف السعودي من قضية الجنوب (فك الارتباط) ظل متخاذلاً بناءً على متغيرات دخلت المعترك السياسي قبل رحيل صالح، وبناء على مواقف “الرفاق” والعداء التاريخي الذي خلّفه نظام الحزب الاشتراكي تجاه المملكة والخليج ككل، فاللاعب الإيراني والمدُ الشيعي والاستهداف الصفوي للخليج العربي بات خطراً حقيقيا يهدد المنطقة العربية بشكل أجبر السعوديةَ على تغيير بعض سياساتها الخارجية، ولو بشكل مؤقت، ومحاولة إيران استمالة بعض قيادات الجنوب إلى صفها وسعيها - أي إيران- إلى بناء تحالف بين جماعة الحوثي والحراك الجنوبي هو ضرب في هذا الاتجاه الذي غيرت معه السعودية بعض مواقفها وبقيت متحفظةً عن الأخرى، ومنها الموقف من قضية الجنوب ومطالب الاستقلال، وهو الخطر ذاته الذي ربما سيتجدد مع رحيل صالح واجتثاث نظامه وتمكين الحوثيين من السيطرة التامة على الشمال.
مصلحةُ السعودية اليوم تتجدد وتتأكد بأنها تكمن في العودة إلى عهد الدولتين وفي استقلال الجنوب والمساعدة على بناء دولة جنوبية ونظام عادل يضمن لها مصالحها ويكون منطلقاً للسعودية في مواجهة الأخطار والتهديدات على المستوى البعيد، فإعلان دولة الجنوب يعني دون أدنى شك اقتلاعَ أي حُلم للحوثيين بالعودة إلى الجنوب، وبقاءُ الوحدة مع الشمال يعني بقاء هذا الخطر ضد السعودية وضد منطقة الخليج كلها؛ ليبقى الحوثيون وكيل إيران الدائم في المنطقة. والسعودية تعي ذلك وتتفهمه تماما لكن حماقاتِ “الرفاق الأولين” ومراهقة “الرفاق الآخرين” هي التي ستبقى حاجباً بين استقلال الجنوب وموقف السعودية منه !.
ورغم أن عقلية الرفاق وسياسة الاشتراكي قد انتهت في الجنوب إلى غير رجعة وأن تحالف الحوثيين مع بعض قيادات الحراك الجنوبي “المراهقين” قد انتهت بحرب ضروس هُزِم خلالها الحوثيون وصالح في “غزوة 2015م”.. إلا أن القيادات الجنوبية مازالت مطالبةً اليوم بمراجعة سياساتها تجاه الشقيقة السعودية.. مازالت بحاجة إلى أن تقدمَ نفسها للسعودية بانفتاح بعيدا عن سياسات الماضي وحماقات الحاضر وتصحح المفهوم الخاطئ الذي زرعه نظام صالح وجماعة إخوان اليمن في مواقف السعودية تجاه الجنوب، وإن النهوض من حالة التشرذم والتشظّي والإجماع على ائتلاف جنوبي أو (مجلس شيوخ) في إطار المجلس الانتقالي يقود المرحلة ويتصدر المشهد هو أولى خطوات التصحيح والتقرّب من المملكة العربية السعودية التي تعي تماماً مصلحتها ومصلحة المنطقة من استقلال الجنوب وتستشعر جيدا خطر السير نحو الاستقلال بواقعٍ مشتت وقياداتٍ متباعدة الرؤى وضعيفة الموقف.
*وحدة الجنوب ضرورة
إعلانُ الجمعية الوطنية بالانتقالي الجنوبي وتسميةُ أعضائها يجب أن يدفعَ الجنوب نحو أن يكونَ غيرَ ما قبل سقوط الجمهورية في الشمال، وجعل الجنوب كذلك لن يكونَ بالمزايدةِ السياسية من بعض الأطراف الجنوبية التي رأت في الجمعية الوطنية فقداناً لمصالحها الأنانية الضيّقة وتكريساً حقيقياً للمناطقية والاسترزاق والسمسرة وغيرها من ممارسات الابتزاز التي شابتْ وشوّهت المكوناتِ الجنوبيةَ خلال فتراتٍ ماضية واستطاعت بفعل الاختراق والتعاطي غير المسؤول أن تفشِلَ تلك المكونات، بمعنى أن الجنوب لن يكون غير ما قبل سقوط الجمهورية ومقتل صالح، إلا بتجاوز الأخطاء التي رافقت إعلان الجمعية الوطنية بتشكيل هيئة أخرى موازية لها على غرار المجلسين ووفقا للنظم المتبعة، ولا ضير أيضا من هيئة أخرى تتبنى المهام التنفيذية.
في الحقيقة إن المجلس الانتقالي غيّرَ مجرى السياسة الجنوبية ونقل قضية شعب الجنوب إلى مصافِ القضايا السياسية الكبيرة والهامة في المنطقة العربية وأدخلها معمعان الصراع الخليجي الخليجي الذي كان بمثابة نار تحت الرماد.
إعلانُ الجمعية الوطنية وقبلها المجلس وقياداته المحلية بالمحافظات وحيثياته والترتيب له وطبيعة وحجم الأطراف الإقليمية الداعمة له سياسياً ولوجستياً كشف العُمق الحقيقيَ لقضية الجنوب ومكانتها في إطار السياسات المتعددة- ومنها المتباينة- في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي صار الجنوب أو بالأحرى أدركنا ولو بعد حين أن مسألة الإرادة الشعبية باستقلال الجنوب رقمٌ صعب في المعادلة الحاصلة اليوم وجزئيةٌ رئيسية في خِضم الصراع الخفي بين الأشقاء بالخليج العربي، وأدركنا أخيرا أن “وحدة اليمن” مجرّدُ وهمٍ كانت ومازالت تبيعه السعودية لتمرير سياسات معيّنة مع أطراف وقوى شمالية ارتبطت بها المملكةُ قديما وربطتها بها مصالح مشتركة ومتداخلة يصعب التخلي عنها دون تكتيك وبدائلَ ممكنةٍ، لكن يبدو أن تحالف صالح مع الحوثيين ثم الانقلاب عليهم وتفكك تحالف الانقلاب وتصفية صالح وكوادر حزبه سيغير كثيرا من تلك المواقف القديمة والمصالح المعقدة وفقا لمعادلة السيطرة الحوثية والتفرد في حكم الشمال وتهديد أمن المملكة.
الحديثُ عن المجلس الانتقالي بشيءٍ من الميتافيزيقة المطلقة وأنه يتحتم عليه إعلان دولة الجنوب أو أن يكونَ ذا استقلاليةٍ تامة دون ارتباطات خارجية حديثٌ قاصر وغير واعٍ ولا ناضج لا سياسياً ولا فكريا، فلولا ذلك “الخارج” والارتباط به لما وُجد لدينا مجلسٌ أساساً، ولن يكون له هذه القوة من التحرّك والتمثيل خارجيا دون ارتباط ومصالح مشتركة، فليس كل ارتباط خارجي عمالة أو خيانة!! وما هذه المآخذُ التي تُطرَحُ ضد المجلس الانتقالي إلا من بابِ المزايدة السياسية على الجنوب ومن باب النكاية ليس إلا.
ما يمكنُ أن يُؤخذَ على المجلس الانتقالي فقط هو التركيز الكامل على مسار العمل السياسي وتأجيل وربما التخاذل عن المسار الأهم الذي يعزز المسارَ السياسي ويستمد منه قوته وبقاءَه ألا وهو المسار العسكري وإحكام السيطرة على الأرض والحفاظ على النصر، فلم تتشكلْ قوةٌ سياسية في الجنوب بلغتْ حد المجلس الانتقالي إلا بالانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة الجنوبية، وفي المقابل فإن أية انتكاسة على الأرض هي انهيارٌ حقيقي للمجلس الانتقالي والمشروع الوطني الجنوبي برمته، لهذا لابدَّ ومن المُفترَض بشكلٍ عاجل إعلان مجلس عسكري يضم قياداتِ المناطق الجنوبية ورموزَ المقاومة وهيكلتها من الوضع المليشياوي إلى وضع آخر فيه من الاحترافية العسكرية والأمنية ما يوازي عمل المجلس السياسي ويعزز توجهاتِه، فليس من المنطقية ولا من العقل والوعي أن يكون لدينا مجلس وعمل سياسي جنوبي ومقاومتنا المسلّحة في يد الشرعية اليمنية تجيّرها وتستقطب رموزها يوماً عن يوم نحو أهدافها التي تتقاطعُ تماما مع تطلعات شعب الجنوب ومع الأهداف والمبادئ التي وُجدت من أجلها هذه المقاومة أصلا !! فالمجلس وسيلةٌ لبلوغ تلك التطلعات ولن يكون غايةً بأي حالٍ من الأحوال، فنجاحه هو نجاح للإرادة الشعبية وتعثره هو تعثّرٌ للأطراف الخارجية الداعمة له أو تغيير ما في مواقفها، والانتقالي زائلٌ والإرادة الشعبية والمشروع الجنوبي نحو الاستقلال هو الباقي، لكن هذا المجلس سيبقى البوابة التي دلفت منها إرادة الجنوبيين إلى مصاف العمل السياسي والدبلوماسي الاحترافي.
*آخر مسمار
الصوتُ الذي رفضَ الاجتياحَ العسكري للجنوب في غزوةِ 94م، وبعدها غزوة 2015م والموقفُ الناضج والمُدرِك آنذاك لأبعاد تحويل مشروع الوحدة إلى احتلالٍ سافرٍ للجنوب.. هو ذاته يسودُ اليوم الجنوب وتكويناتِه السياسية والاجتماعية، وهو نفسه يتسيّد الرأي العام في الجنوب، وهو عينه بأصالته وعنفوانه يتعاظمُ ويعلو ويزداد تمسّكاً بمشروع التحرير والاستقلال مع كل حدث جديد أو مستجد في الصراع بين شركاء الانقلاب في الشمال، ومع كل تقدم أو تراجع وانكسار لعمليات التحالف العربي، غير أن مقتل صالح وإسقاط الجمهورية هو آخر مسمار في نعش الوحدة مع العربية اليمنية، وهدفُ التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب كعضوٍ فاعل في المجتمع الدولي تحتَ أي مسمى هو مبدأ امتزجتْ دماءُ الجنوبيين لأجله وتوحّدت الجهود له وحُمِلتْ الرؤوسُ على الأكفّ لبلوغه وتحقيقه.. فلا مجالَ للمساومة!! ولا إرادة بشر غير إرادة شعب الجنوب! فمهما كان الطريقُ طويلاً والمتاعبُ والتضحيات جمةً إلا أن الاستقلال لا محالة هو المآل والمُستقَر لإرادة لم تعرْ الصعاب والمؤامرات اهتماما ولم تلق لها بالاً!!.
فمتى تدرك السعودية ودول الخليج أن الجنوب اليوم دولة بكل مقوماتها وإمكاناتها لا تخضع للعربية اليمنية إلا في إطار الاتفاق والتعاون مع التحالف العربي، ومتى يستوعبون أن الجنوب اليوم ليس مظاهراتٍ ومسيرات وشعارات بقدر ما هو جنوبُ السيطرة على الأرض عسكرياً ومدنيا، وأن للجنوب جيشاً ومقاومةً مسلّحة ومشروعاً وطنيا لن يسمحَ للسطوة اليمنية حتى بمجرد التفكير في العودة إلى أرض الجنوب، وأن هناك جيشاً وطنيا محترفا يُعد لهذا الغرض.
ببساطة الجنوب اليوم دولةٌ مستقلة عن اليمن ولا ينقصها سوى بعض “الشكليات” المرتبطة بالقانون الدولي ومفاهيم العلوم السياسية وهو ما يأمل شعب الجنوب من التحالف العربي المساعدة على استكماله لتأمين المنطقة خطر الشر القادم من الشمال.
تحليل / وهيب الحاجب – الأيام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.