اخترت هذا العنوان لمقالي هذا عن اليمن الذي لخص فيه الكاتب والصحفي الكبير الله يرحمه - الأستاذ محمد حسنين هيكل الوضع في اليمن ، وقد أجاد وأبدع في الوصف وهيكل كاتب عروبي النزعة عاصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في كل الانتصارات والنكسات التي أصابت مصر والأمة العربية وله بصمات في كتابة التاريخ السياسي العربي المعاصر وكان قلم ولسان عبد الناصر حتى وفاته ، ومستودع أسراره وأفكاره . وكان أستاذنا الكبير هيكل رحمه الله حاد الذكاء سريع البديهة وسياسي مرن ودبلوماسي من طراز رفيع وله رؤية ثاقبة في قراءة الأحداث والأجمل من كل ذلك أنه لم يرتهن لأحد ولم يساوم أو يتنازل عن مبادئه ودافع عن توجهاته العروبية – الناصرية حتى وفاته . وعندما قامت ثورة اليمن عاصر أحداثها منذ البداية عام 1962م حتى انسحاب الجيش المصري منها عام 1967م ولخصها في عنوان المقال ،وأثبتت الأحداث والوقائع صدق توقعاته . ومصيدة الامامة التي وقع فيها اليمن وقبائله منذ ألف عام وقد استغل الأئمة حب قبائل اليمن للرسول الأعظم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الطاهرين وعدم مخالفتهم ، وقد استغل أئمة اليمن نقطة الضعف هذه في حكم اليمن وإقناع اليمنيين بهذه الحجة والخضوع التام لحكمهم وبدلا من أن يكون الحكم شورى تحول الى ملك وراثي عضوض سلالي عنصري أبد الدهر . وعندما فتحت قبائل اليمن أعينها على بعض الدول العربية الأخرى والتطور النسبي الذي حققته في الحكم البرلماني والانتخابات الحرة ، بدأت الثورات في اليمن للمطالبة بالمثل اسوة بتلك الدول وقد قابل الأئمة تلك الحركات الشعبية بالقمع وأزهقت أرواح مئات الآلاف من أبناء اليمن الأحرار وتفسيرها للشعب اليمني بأحقية البطنين للولاية والحكم دون غيرهم الخ ...من الحجج الوهمية والأساطير للبقاء في الحكم الذي استمر الف عام يسوده الجهل والمرض والقمع والقتل لمن يخرج عن طاعة الإمام !! وقد الهمت الثورات العربية في مصر والعراق وسوريا النخب القبلية والعسكرية حتى داخل البلاط الامامي ونظرا لحملات القمع والمذابح الرهيبة التي نفذها حكم الامام يحيى حميد الدين ضد احرار اليمن نهض من رجال القبائل اليمنية وشيوخها الأحرار الشيخ علي بن ناصر القردعي وقام بقتل الامام يحيى حميد الدين وكان رد الفعل عنيفا من نجله أحمد ضد القبائل اليمنية ويُعتبر الشهيد القردعي شيخاً قبليا وشاعراً ثائراً ومناضلاً جسوراً، وهو أحد قادة ثورة الدستور اليمنية عام 1948. حيث تمكن من اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948 في كمين نصبه بمنطقة "حِزْيَز" جنوبصنعاء بطلقة نارية أردت الإمام قتيلا. ولكن الإمام أحمد بن يحيى الذي كان مرابطاً في حجة استنفر باسم الدين جموعاً غفيرة، وأباح لهم صنعاء للسلب والنهب بعد أن يدخلوها فقام الثوار بحراسة صنعاء والذود عنها وكُلّف القردعي بحماية "جبل نُقُم"، وكان معه 100 من الفدائيين الذين استماتواْ في حماية نُقُم. وظل القردعي هو ومن معه 24 يوماً يسيطرون على نُقُم ويدافعون عنه. ولكن نتيجةً لعدة مؤامرات سقطت صنعاء في يد الإمام أحمد الذي اقتاد أبطال اليمن وعلمائها إلى الإعدام والسجون. غير أن القردعي استطاع بقوته وشجاعته أن يفر ويشق له طريقا وسط هذه الجموع التي استمالها الإمام باسم الدين، حتى وصل القردعي إلى خولانَ حيث تصدّت له بعض القبائل الذين عرفوه من آثار مخالب النمر في أنفه وعينه بيد أنه لم يستسلم وظل يقاتلهم وحده حتى سقط شهيداً . وكان الامام أحمد قد أرسل هذه الابيات من الشعر موجهة للشيخ القردعي أثناء حصار صنعاء والتي تقول : * الامام أحمد بن يحيى : يا طير مهما طرت في جو السماء لا بد ما تنزل رضا ولا صميل من وين با تشرب إذا جاك الظماء وان قلت ريشك يخزن الماء مستحيل * الشيخ علي بن ناصر القردعي : الطير حلف بالله وبالرب اقسما ما طاعكم لو تشعل الدنيا شعيل مادام له جنحين حاكم محكما لا فك ريشه يقطع الخط الطويل * الامام أحمد بن يحيى : خوفي عليك يا طير لا القناص رما لا مدها من بندقه تصبح قتيل بنون والأعراف وسورة مريما لا قص مخلابك وريشك والرجيل * الشيخ علي بن ناصر القردعي : الطير بنا عشه تحمى واحتمى ما يقنصه من هو من امثالك ذليل هل شيء بعلمك طير قد صابه عمى ولا بنى عشه على درب السبيل
هذا وقد انتهت القصة بقتل الشيخ القردعي في منطقة خولان عام 1948م . وقد أضاء الشيخ القردعي ورفاقه مشعل الحرية بثورة الدستور للخروج باليمن من العصر الحجري الذي ظل عالقا فيه الف عام * في عام 1955م قام المقدم احمد الثلايا بالانقلاب على الامام احمد ولكنه فشل واعدم قادة الانقلاب . * توفي الامام احمد متأثرا بجراحه أثناء محاولة الانقلاب . بعد أن فشلت الإمامة في هزيمة الجمهورية خلال الحرب الأهلية ما بين (1962 – 1970) بعث شاعر الإمامة أحمد محمد الشامي، قصيدة للملك فيصل يتوعد فيها بعودة الإمامة بأي شكل، وفيها قال:
قل لفيصل والقصور العوالي إننا نخبة أباة أشاوس سنعيد الإمامة والحكم يوما بثياب النبي أو ثوب ماركس فإذا ما خابت الحجاز ونجد فلنا إخوة كرام بفارس .
* تم تصفية قادة الثورة الحقيقيين من قبل الضباط الزيدية وأكثرها دموية في عهد علي عبدالله صالح وفي عام 2017م تم تصفيته من قبل الحوثيين . هذا هو الإرث والعنصرية والحق الإلهي والوراثة الذي خلفته الإمامة في نظام الحكم الذي لا زال يكبل الشعب اليمني حتى اليوم . د. علوي عمر بن فريد