كثيراً ما نتساءل لماذا تضمحل المشاريع الثورية والتغييرية في اليمن على طول تاريخه المعاصر ولا تلبث طويلاً حتى تتحول الى مسارح صراع واقتتال تمتد أطرافه إلى مناطق متفرقة من البلاد ؟ ولكي أجيب عن هذا التساؤل أرجوا من القارئ أن يُعيرني انتباهه لبعض الوقت وإجابتي هي : إن السبب الرئيسي والأول لاضمحلال المشاريع الثورية و التغييرية في البلاد يتركز في عدم وجود المرجعية الثقافية الأصلية والذاتية لإصحاب تلك المشاريع فبالرغم من تاريخ اليمن الطويل والسحيق إلا أنا يمكننا القول بأنه لا توجد أي ثقافة جذرية يمنية حضارية تدعم هذه المشاريع، ويلاحظ أن كافة مشاريع التغيير تستقي مرجعياتها من تجارب أخرى ذات منبع آخر غير اليمن، إما مما جاورنا من شعوب المنطقة العربية أو من مخرجات التجارب الأممية لتجعل المثقف اليمني رهين التبيعة الثقافية. وفي ملاحظة لمجمل تحولات التاريخ المعاصر نرى تلك المجاميع الثقافية وخصوصاً السياسية منها تنموا إن نمت منابعها وتضمحل إن اضمحلت منابعها وعلى سبيل المثال حالياً التيارات القومية والناصرية والليبرالية والإخوانية والاشتراكية والحوثية وغيرها فإن نمت هذه المنابع نرى ازديادا كبيراً في زخمها داخل الشارع اليمني وان اضمحلت اضمحل قوامها داخل قوام المجتمع اليمني أيضاً.
والغريب إن أُذكيت بوادر الصراع بين هذه المجاميع الفكرية السياسية خارجياً فان جذوت الصراع تشتد في اليمن بين من ينتسبون لهذا الفكر أو ذاك لتبدأ مشاريع الصراع الثقافي والفكري والمسلح أحياناً في اليمن ولأدلل على ما أقول: " شاهدوا تقلبات الوضع المصري بين الإخوان ومعارضيهم في مصر اليوم وانعكاساته على الساحة الفكرية السياسية اليمنية".
وتكمن خطورة التبعية الثقافية أنها تستهدف الشباب المثقف اليمني وعماد هذا الوطن لتعمل على تشتته بين ركام التخالفات والتصادمات الفكرية الجمة بين فكر وأخر، وأيضاً لا يمكن لهذه المجاميع الفكرية أن تتناسق مع طبيعة وايدلوجية اليمن الصعبة والمعقدة إنما تزيد في مقدار التعقيد الفكري بإضافات العديد من الخروقات والتمايزات التي تعمل على تشتيت النسيج الفكري اليمني التواق نحو التغيير ومن هنا تبدأ التصادمات وتلاحمات الصراع لتكون النتيجة سقوط المشروع الأهم وهو مشروع التغيير وبناء الوطن وبقاء الصراعات بين التهدئة تارة واحتدام الصراع تارة أخرى.
ومن كل ما سبق استنتج أنه لا يمكن لليمن أن يحدث أي مشروع تغيير ناجح وذلك نتيجة لانعدام القاعدة الثقافية الذاتية وما حدث من تحريف لمسار النهوض بالوطن في اليمن ابتداءً من ثورتي السادس عشر من سبتمبر والرابع عشر من اكتوبر ووصولاً إلى الثورة الشبابية اليوم يعزو سببه إلى عدم وجود البنية الثقافية الذاتية التي تتوائم مع اليمن وطبيعته الايدلوجية والفكرية لتكون محل إجماع كل الرتب الثقافية في البلاد باختلافاتها وتشعباتها الجمة. وستظل اليمن على هذا النحو حتى ينجب اليمن جيلاً جديداً يقوم بتأسيس مذهب فكري تستقي جذوره ومنابعة من اليمن وتتوافق أفكاره وخطواته مع طبيعة اليمن وتقلبات مناخها الإيدلوجي ليكون هذا الفكر محل إجماع لليمنين وعند اجتماعهم سيسهل الوصول لهدف التغيير المنشود الذي يطمح إليه المواطن والفرد اليمني البسيط..