الابتسامة بوابة المحبة، وترجمان المشاعر وارتياح الخواطر، إذ لا يوجد أروع من البسمة للنفس؛ لانها تحمل دلالات مليئة بالصفاء والنقاء وفيض الوجدان كما تعد أيضاً أقصر الطرق إلى قلوب الآخرين، لما تحمل من تأثير سحري على النفوس، وقد تميزت بطابع خاص لدى الشعراء والعشاق والمحبين، واكتسبت ايحاءات جديدة، ترتبط بشفاه الجميلات وما تثيره من رغبات وشجون فاتنة في عيونهم وقلوبهم، فيتعلقون بها غراماً، ويرسمون صوراً جميلة تعبيراً عن مدى ولعهم وغرامهم بمفاتن الجميلات ولاسيما بتلك البسمات التي تضيف إلى الجميلات جمالاً أكثر رونقاً وأشد جذباً وأبلغ شغفاً بهن، مما تشعل في قلوبهم ناراً توقاً إلى وصالهن وقضاء أوقات ممتعة برفقتهن.. بحيث تغدو الابتسامة سحراً آسراً ومنظراً أخاذاً تجعل القلوب تهفو إلى حب ذات المبسم الجميل والشفتين الرائعتين اللتين تكشفان عن ثنايا مشرقة ورضاب عذب يروي كل مشتاق. يصف أحد الشعراء انطفاء نار أشواقه في لحظة، تقابل فيها مع امرأة فائقة الجمال والفتنة، ابتداءً من نظرةٍ عابرة، تتبعها ابتسامة ساحرة، وانتهت بلقاء غرامي دافئ فقال: تبسمت فأشرقت شمس الثنايا ومسني سحر الشفاه العنبية قطفت من عنقودها ما طاب لي لم ألق مثلها أبداً صبية القلب صار أسير قبلةٍ والروح في لذتها سبية ويتمنى شاعر آخر، أن يعيش حياته بالقرب من فتاة أحبها وعشقها عندما رآها لأول مرة صباحاً في الوادي، تردد زاجلاً شعبياً (ملالاة)، فتيمته بحسن مباسمها وصوتها الرخيم فتمنى أن يعيش حياته قريباً منها، فأنشد قائلاً: المبسم الحالي بكر يلالي.. سحر عيوني وسكن خيالي يا ليتني جارك وجنب دارك في مبسمك شسمر وأسلي حالي يطيب عمري لما عيني تراك.. واشتاق لك في عتمة الليالي ويتفنن شاعر متألق في وصف الثنايا والشفاه، وما تفعلانه في قلوب العشاق، من تأثير له مفعول السحر الذي لا يقاوم فيقول: سكر نبات بين الشفاه يمتاس.. أشتاق إلى وصله فأين وصله حبه قد أضحى لي شجن ووسواس ما عاد يشأ قلبي حديث مع الناس وينقل لنا شاعر آخر، لوحة فنية غنية بالانطباعات الاستثنائية، التي داعبته في لحظة عناق احترق خلالها في جمر الشفاه، ثم اغتسل بريقها الصافي كالمطر المتساقط فوق الأزهار، قائلاً: الشفايف كما الجمر والنار.. تحرس الريق المُحلى بالعسل صافي مثل المطر فوق الأزهار .. تبتسم مثل تباشير الأمل احترق في جمر قبلة هنية.. واغتسل في مطرها اللي هطل ويقع أحد العشاق في غرام امرأةٍ فاتنة سحرته بضحكة عميقة فأطلت الثنايا البراقة بألقها وإشراقها من بين شفاه نرجسية، فلا يملك إلا أن يردد: وله ضحكة تشرق فيها ثناياه تسحر قلوب المتيم تجعله مسحور وبسمة لو بدت من شفاهه تجبر الخاطر اللي كان مكسور ويتحدث شاعر عاشق عن لحظات ممتعة عاشها مع حبيبته التي تتصف بالجمال والسحر، فيغيب خلال هذه اللحظات في عالم القبل الشهية: ما أحلى الشفاه اللي برقها كالسكرية مبسم عذبٌ ذوقه مثل النبيذ نعمة من الله فاكهة غضة طرية بالله من شر البلايا لو تجيها اعيذ ولا يستطيع أحد الشعراء، وهو يتأمل شفاه إحدى الغانيات أن يتمالك نفسه، حيث افتتن بها، فعجز عن الصمت، ووجد نفسه يخاطب هذه الغانية: يا مبسم التوت بوسة لو سمحت بوسة ترد العقل والروح أروي عطش قلبي وأرويك لو عطشت اسعف يا فاتني قلبي أنا مجروح بعطيك عمري أو اطلب ما طلبت تكون سراً بيننا وبالسر أنا ما ابوح دائماً ما تقترن الابتسامة بالقبل والثنايا بالرضاب، مما يكسب ثغور الفاتنات سحراً وجاذبية، وكما يقول أهل الغرام فالشفاه العنابية هي الأكثر فتنة وجمالاً، وقد جاء في التراث العربي تأكيد لذلك: وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبردِ وهكذا يتضح لنا مدى ولع العشاق والشعراء بالقبل وتعلقهم بالمباسم الجميلة، حيث يرتشفون فيها لذة لا يجدونها في أماكن أخرى. أما امير الشعراء أحمد شوقي فنجد البسمة عنده ممزوجة بمشاعره إذ يراها والنظرة معاً مفتاحاً للدخول إلى القلوب ومطارحة الغرام وما أجمل بيته الذي صور فيه هذا الجانب العاطفي حينما قال: نظرة فابتسامة فسلام... فكلام فموعد فلقاء وهكذا تغنى شعراؤنا العرب بالبسمة وأعطوها مذاقاً فريداً ونكهة بديعة وتصويراً شائقاً.