يتسم تعامل اتحاد الكرة مع الإعلام الرياضي والجماهير بحالة شديدة من الاستغباء تفتقر للحد الأدنى من اللياقة واللباقة، معتقدين يقيناً بأن سياجاً منيعاً سيحميهم من أية مساءلة طالما أن الجمعية العمومية في جيب الشيخ.. المتابع لحديث الشيخ أحمد صالح العيسي خلال المؤتمر الصحفي الذي أقيم الثلاثاء الفائت في صنعاء بمناسبة توقيع العقد مع المدرب البلجيكي توم فايسنت سيدرك هذا الأمر بوضوح، لن يحتاج المرء الى كثير من الذكاء لمعرفة النوايا الحقيقية لاتحاد الكرة من وراء التعاقد مع هذا المدرب المغمور الذي تمنى ذات يوم تدريب المنتخب الفلسطيني دون مقابل، ومع ذلك ورغم أن هذا العقد وبما تضمنه من شروط تعد الأغرب في تاريخ كرة القدم ليس على مستوى بلادنا فحسب بل وعلى مستوى العالم أجمع إلا انه لم يكن بوسع أحد الاعتراض على هذا العبث أو حتى مناقشته. ووفقاً لشيخ الكرة اليمنية فان المدرب الجديد سيحصل على 294 ألف دولار أي ما يزيد عن 63 مليوناً ومائتي ألف ريال لعقد يمتد نحو عام، لكن الشيخ وفي تناقض صارخ يستدرك قائلاً: “بعد الانتهاء من المشاركة في خليجي 21 سيتم تقييم عمل المدرب سواء بالاستمرار أو الاستغناء عن خدماته”، بمعنى أن صلاحية هذا المدرب قد تنتهي ويحدث الطلاق بينه وبين المنتخب اليمني بعد ثلاثة أشهر فقط حال أخفق في تحقيق نتائج جيدة ضمن بطولة الخليج التي ستحتضنها البحرين خلال يناير القادم، وهذا الشيء متوقع حدوثه بنسبة 99.9 % بعد ان يكون قد “لهف” مستحقات سنة كاملة 294 ألف دولار عداً ونقداً.. أي عبث أكثر فداحة من هذا؟ وهل حقاً باتت الجمعية العمومية منبطحة لدرجة لا تملك ان تعترض بكلمة واحدة على تبديد أموال يفترض ان تستثمر وتستغل لخدمة وتطوير الكرة اليمنية..؟! يحاول المقربون من الشيخ العيسي أن يلبسوه ثوب الحريص على مصلحة الكرة اليمنية وأموالها من خلال إظهار حنكته التفاوضية في إبرام العقد دون الالتزام بشرط جزائي حال قرر الاستغناء عن المدرب في أية لحظة بسبب سوء النتائج لكنه لا يبدو في الواقع سوى بهيئة الغبي المتذاكي. يخطئ البعض حين ينظرالى إرباكات التعاقدات مع المدربين التي اعتاد اتحاد الكرة على إبرامها بطريقة عبثية قبيل أية مشاركة من زاوية ضيقة معتقدين ان المسألة تتعلق فقط بجانب البحث عن كبش فداء لتحميله مسئولية الإخفاق المتوقع والنتائج السيئة كما جرت العادة، على الأرجح ان المسألة تتجاوز هذا الأمر فالعيسي مثلاً لا يحتاج الى كبش فداء ولا للتبرير أصلاً طالما وهو مؤمن تماماً أنه ليس بمقدور أحد محاسبته أو توبيخه على الفشل الذي يرتبط مع اتحاده بعلاقة حميمة. يبدو الأمر على علاقة وثيقة بمصالح مادية بحتة ومنافع مالية تندرج في إطار الكسب اللامشروع، وإلا ما معنى أن يصرح العيسي قبل فترة بأن راتب المدرب لن يتجاوز ال12 ألف دولار بسبب الظروف المادية فيما الآن وبحسبة بسيطة نرى أن هذا المدرب المغمور سيتحصل على نحو أربعة وعشرين ألفاً وخمسمائة دولار شهرياً وهو مبلغ ربما خجل العيسي عن التطرق اليه صراحة مفضلاً إعطاء الإجمالي العام 294 الف دولار سنوياً وكأن الناس سيعجزون عن تقسيم المبلغ على 12 شهراً ليدركوا المبلغ الشهري الذي سيتقاضاه فعلياً. أعلم يقيناً أن فرقة المطبلين سيتسابقون الآن للدفاع عن العيسي والحديث عن نزاهته وعدم حاجته لمبلغ 150 ألف دولار وهو رقم ضئيل لا يساوي شيئاً في أرقام امبراطوريته المالية، لكن يتعين على العيسي ذاته ان يمتلك هو شجاعة الدفاع عن نفسه ويوضح للجميع حقيقة هذه الصفقة الغامضة مجيباً عن التساؤل التالي: إذا كان المدرب القادم كما صرحت سابقاً لن يستلم أكثر من 12 الف دولار حقاً فأين ستذهب الاثناعشر الفاً وخمسمائة دولار المتبقية شهرياً؟ وفي حال ان المدرب سيحصل على المبلغ كاملاً فلماذا تخجل من التصريح به وكشفه صراحة للآخرين رغم اعتقادي الشخصي بأن الشيخ والدكتور أذكى من أن يستقدما مدرباً ك”توم فايسنت” بهذا المبلغ الضخم الذي كان كفيلاً بجلب مدرب مشهور يمتلك سمعة وخبرة جيدة..؟ لست متحاملاً على البلجيكي توم ولا أحاول إطلاق أحكام مسبقة للتقليل من شأنه، غير أن الرسائل التي حاول من خلالها طمأنة الشارع الرياضي في المؤتمر الصحفي لتوقيع العقد بدت مقلقة أكثر منها مطمئنة وتدل على أن الرجل لا يجيد سوى الكلام والوعود الفارغة. دعونا نقرأ إحدى عباراته في مؤتمر الثلاثاء الفائت حينما قال: “لدي خطة قصيرة لمدة أربعة أشهر وستكون ناجحة لتحقيق نتائج جيدة في بطولتي غرب آسيا وخليجي 21، والمدرب الجيد يمكن ان يحقق نتائج جيدة في فترة قصيرة وأنا متعود على العمل في الفترات القصيرة”.. لم أسمع بحياتي مدرباً يتحدث بمثل هذا المنطق الغبي والمتعجرف مهما بلغ حذقه التدريبي. لا أظن ان توم البلجيكي يتفوق في خبرته – سواء كلاعب أو كمدرب – على الهولندي فرانك ريكارد الذي لايزال حتى اللحظة عاجزاً عن إيجاد الخطة القصيرة ذات النتائج السحرية التي يتحدث عنها صديقنا البلجيكي لتطبيقها على المنتخب السعودي الذي يمر بأسوأ حالاته..! جميعنا يتذكر كيف عانى المدرب الأشهر عالمياً جوزيه مورينيو في بداية توليه مهام تدريب فريق ريال مدريد حينما مني بعديد خسائر بسبب عدم هضم اللاعبين لفكره وخططه التدريبية التي لم يعتادوا عليها بعد، رغم أنهم لاعبون محترفون ويعتبرون الأفضل على مستوى أوروبا والعالم كله فخرج خالي الوفاض من أية بطولة في موسمه الأول. خلافاً لباقي المنتخبات العربية يختلف منتخبنا الوطني عن نظرائه العرب بكونه المنتخب الوحيد الذي يتميز بماضٍ سيئ وحاضر بائس ومستقبل غامض كنتاج طبيعي للسياسات الهوجاء التي ينتهجها اتحاد الكرة اليمني.. ولن يكون بإمكان الفرد منا حينما يسمع هرطقات البلجيكي توم سوى وضع يده على قلبه خشية وعود هلامية قد نصحو منها على واقع مرير وفشل ذريع خصوصاً أن هذا المدرب وإن لم يمتلك الخبرة التدريبية الكافية إلا أنه أظهر بأنه يملك قدرة هائلة على دراسة وفهم نفسيات شيخ الكرة الذي يهتم كثيراً بمن يجيدون فن الحديث والوعود الفارغة. ألم يكن جديراً بالعيسي أن يبقي المدرب الوطني سامي نعاش على رأس الجهاز الفني للمنتخب خصوصاً أنه الأدرى بنقاط الضعف والقوة للاعبين بعد أن أمضى معهم فترة لا بأس بها وحقق نتائج معقولة في المباريات الودية التي خاضها سواء مع منتخب مصر الأولمبي وعمان وكذلك في كأس العرب، على الأقل سيكون بإمكان اتحاد الكرة توفير نحو عشرين الف دولار شهرياً أو يزيد يمكن استغلال صرفها كمكافآت وحوافز للاعبين وهذا دون شك سينعكس على أدائهم ونتائجهم في الاستحقاقات القادمة..؟ لقد حاول رئيس اتحاد الكرة مخادعة الشارع الرياضي مرتين الأولى بالتعاقد مع مدرب مغمور أجزم مسبقاً بأنه لن يقدم أفضل مما قدمه الوطني سامي نعاش، والثانية عندما تحايل في ذكر قيمة الراتب الشهري للمدرب البلجيكي مع أن الأمر لا يحتاج ل”حذاقة” شديدة من أجل فضحه. ويبقى السؤال: متى سيتعامل الشيخ والدكتور بقليل من الشفافية واحترام عقول الآخرين..؟