بعدما سقطت غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492، بدأت موجات التهجير القسري للمسلمين ويهود الأندلس (يهود سفارديم) على حدٍ سواء، إذ اعتبر المسيحيون المنتصرون أنّ تهديد اليهود ربما مثل تهديد المسلمين لهم، فبدؤوا محاكم التفتيش التي ترغم الجميع على التنصُّر أو النفي، وقد اختار البعض التنصُّر بينما اختار الأغلب النفي، وأرغم البعض الآخر على النفي. ووفقاً لوكالة الأناضول فقد اعتبر يهودٌ من أصولٍ أندلسية أنّ حصولهم على حق العيش في الدولة العثمانية بعد نفيهم من الأندلس عام 1492، كان مكسباً حقيقياً منحهم الحياة وفرصة للحفاظ على قيمهم الدينية، ووفَّر ذلك فرصة انتقال التقاليد والثقافة الأندلسية إلى الأراضي التركية، وفقاً لموريس ليفي عضو مجلس الجمعيات الوقفية وممثل المؤسسات الوقفية للأقليات الدينية في الجمهورية التركية الحالية. يضيف ليفي، للأناضول، بمناسبة الذكرى السنوية ال527 لنفي اليهود من الأندلس إلى الأراضي العثمانية، أنّ منح العثمانيين حق العيش لليهود على أراضيهم شكَّل فرصة مهمة لهم استطاعوا عبرها الحفاظ على قيمهم الدينية. رسمة لسجن محاكم التفتيش في قرطبة يهود الأندلس.. حرية دينية تحت حكم المسلمين وتهجير قسري تحت حكم المسيحيين كان اليهود يتمتّعون بحريةٍ دينية وحركيّة كبيرة في الأندلس تحت حكم بني أميّة، فقد برزت منهم أيضاً بعض أسمائهم في الحضارة الإسلامية مثل الفيلسوف والطبيب موسى بن ميمون المتأثر كثيراً بفلاسفة المسلمين وأفكارهم. وتذكر لنا بعض الأبحاث التاريخية أنّ الفترة الذهبية في تاريخ اليهود هي الفترة التي عاشوا فيها تحت حكم المسلمين في الأندلس، فقد تعايشوا مع المسلمين وتحدثوا العربية وبرعوا في العلوم والطب والتجارة. كما تذكر بعض التأريخات أنّ اليهود كان لهم بعض المناصب القيادية في الدولة الإسلامية في الأندلس، وأياً ما يكن الأمر فقد تمتّع اليهود في الأندلس بحرية كبيرة، لكنّ هذا الأمر سرعان ما تغيّر أثناء حروب الاسترداد التي قادها ملك أراغون فرديناند وزوجته إيزابيلا ملكة قشتالة. وقد كان عدد اليهود قبل أن يبدأ فرديناند عملية التهجير والطرد حوالي 300 ألف يهودي في إسبانيا تحت الحكم الإسلامي، لكنّ هذا الرقم سرعان ما تقلّص بعد تهجيرهم، فاليهود الآن لا يتجاوزون 50 ألف شخص في إسبانيا، وقد أعلنت إسبانيا عام 2013 أنها تسعى لمنح الجنسية لأحفاد اليهود الذي تم تهجيرهم أثناء فترة محاكم التفتيش. تمثال من البرونز لموسى بن ميمون في قرطبة وهو من يهود الأندلس ما علاقة الدولة العثمانية بالأمر؟ قبل سقوط الأندلس نهائياً، استنجد المسلمون في الأندلس بملوك المسلمين الآخرين، ومن ضمن الذين استنجدوا بهم الدولة العثمانيّة، لكنّ الدولة العثمانية بذاتها كانت نهباً للحروب العديدة مع بعض ملوك أوروبا والبلقان، إذ لم تكن في أوج قوتها الكاملة، وربما كان من الصعب عليها ترك آسيا الصغرى وغرب أوروبا للوصول للأندلس، ولم يكن ملوك المنطقة العربية من ناحية في أفضل حال، فقد تقسّمت الدول العربية بين المماليك والأيوبيين منذ وقتٍ طويل. إنّ أفضل ما يمكن أن يحدث الآن لهؤلاء المهجّرين من المسلمين أن تؤويهم الدولة العثمانية في كنفها، وتستفيد مما في أيديهم من المهارات والعلوم والفنون. هاجر العديد من المسلمين واليهود إلى المغرب العربي باعتباره أقرب دول المسلمين إلى إسبانيا، ووصل بعضهم أيضاً إلى القسطنطينية والقاهرة والشام وشبه جزيرة البلقان وأصبح ميناء «سالونيكا» وهو تحت سيطرة الدولة العثمانية عاصمة السفارديم حول العالم حتى الحرب العالمية الأولى. ومن أهم المدن الأخرى التي استقبلت اليهود الأندلسيين أدرنة وإسطنبول. ووفقاً لموريس ليفي ممثل المؤسسات الوقفية للأقليات الدينية في الجمهورية التركية، فقد جلب اليهود معهم للدولة العثمانية العديد من التقاليد والثقافة الأندلسيّة والمنظور الغربي (الإسلامي في ذلك الوقت باعتبار الأندلس كانت إسلامية)، كما اعتبر أنّ أبرز ما أفادوا الدولة العثمانية به هو المطبعة التي جلبوها معهم من الأندلس. كما اعتبر أنّ الدولة العثمانية لم تصدر أية قوانين أو تشريعات أو أيّة ممارسات تستهدف اليهود المهاجرين وإيذاءهم، ومن هنا أصبح اليهود المهجّرون مفيدين للدولة العثمانية نفسها، واندمجوا في المجتمع العثماني مثل بقية الأجناس والديانات الأخرى، ولم يقلّ عدد اليهود في تركيا ذوي الأصول الأندلسية إلا بعد الهجرة إلى إسرائيل بعد النكبة عام 1948. ورغم ذلك، إسرائيل عنصرية ضد اليهود الأندلسيين ينقسم اليهود الحاليون في إسرائيل إلى طائفتين رئيسيتين، أو نوعين: اليهود الأشكناز؛ وهم اليهود من ذوي الأصول الأوروبية الغربية، واليهود السفارديم وهم اليهود من ذوي الأصول الأندلسيّة، فكلمة «سفارديم» ترجع إلى أصل عبري ويشار إلى «السفارد» أيضاً بكلمة «إسبانيولي«، وسفارد هي مدينة صغيرة في آسيا تمّ ربطها خطأً بإسبانيا، وأصبحت تطلق على «إسبانيا» بدايةً من القرن الثامن الميلادي. ورغم أنّ إسرائيل قائمة على الديانة اليهودية، إلا أنّ الطبقيّة والصراع بين الأشكناز ذوي الأصول الأوروبية والسفارديم ذوي الأصول الأندلسية عالية. يعتبر الأشكناز هم الطبقة العليا في إسرائيل، تتمتّع بالثروات والهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، وأيضاً الأكثر حصولاً على الأجور المرتفعة عن يهود السفارديم. وليس اليهود ذوو الأصول الأندلسية فقط من يتعرضون للعنصرية والتهميش، فأيضاً يهود «الفلاشا» من أصل إثيوبي يتعرضون لعنصرية كبيرة في إسرائيل، وقد خرجوا في احتجاجات على الحكومة عام 2015.